«المبيدات الخضراء»... حلول أكثر أماناً وفعالية لحماية المحاصيل والبيئة

المبيدات الخضراء تُحسّن كفاءة مكافحة الآفات الزراعية دون الإضرار بالبيئة (جامعة جورجتاون)
المبيدات الخضراء تُحسّن كفاءة مكافحة الآفات الزراعية دون الإضرار بالبيئة (جامعة جورجتاون)
TT
20

«المبيدات الخضراء»... حلول أكثر أماناً وفعالية لحماية المحاصيل والبيئة

المبيدات الخضراء تُحسّن كفاءة مكافحة الآفات الزراعية دون الإضرار بالبيئة (جامعة جورجتاون)
المبيدات الخضراء تُحسّن كفاءة مكافحة الآفات الزراعية دون الإضرار بالبيئة (جامعة جورجتاون)

تلعب المبيدات الزراعية دوراً حيوياً في مكافحة الآفات والحشرات والأمراض النباتية التي تهدد نمو وجودة المحاصيل. ومع ذلك، فإن استخدامها قد يؤدي إلى مشكلات بيئية وصحية خطيرة؛ إذ يمكن أن تتسرب هذه المواد إلى التربة والمياه، مما يؤثر سلباً على البيئة والتنوع البيولوجي.

وكشفت دراسة نُشرت منتصف فبراير (شباط) الماضي، أن المبيدات الزراعية تؤثر سلبياً على أكثر من 800 نوع من الكائنات الحية، بما في ذلك الميكروبات النافعة والحشرات والأسماك والطيور والثدييات.

وتواجه المبيدات التقليدية عدة تحديات، مثل صعوبة توزيعها بشكل منتظم على أوراق النباتات، وسهولة انجرافها بفعل الأمطار، وسرعة تحللها عند التعرض لأشعة الشمس، بالإضافة لبقاء المواد الكيميائية في البيئة.

المبيدات الخضراء

في الآونة الأخيرة، زاد الاهتمام بتطوير بدائل أكثر أماناً، مثل المبيدات الخضراء التي تستهدف الآفات دون الإضرار بالنظام البيئي. وفي هذا السياق، طوَّر باحثون في الصين تركيبة مبتكرة من المبيدات الخضراء تتميز بقدرتها على مقاومة التحلل بفعل الأشعة فوق البنفسجية، ما يتيح إطلاق المادة الفعالة بشكل تدريجي، ويضمن استمرار فعاليتها لفترات أطول.

تعتمد التركيبة -وفقاً للنتائج المنشورة بعدد 17 فبراير 2025 من دورية «ACS Nano»- على النقاط الكربونية المعدلة وجزيئات كربونات الكالسيوم، بوصفها حاملة لمادة «الأبامكتين»، المستخدمة في المبيد الحشري، ما يعزز التصاق المبيد بأوراق النباتات، ويقاوم تحلله بفعل أشعة الشمس، ويُطلق المادة الفعالة تدريجياً لضمان فعالية طويلة الأمد.

وأظهرت النتائج أن هذه التركيبة تعزز قدرة المبيد على حمل كمية أكبر من «الأبامكتين» بنسبة تصل لـ2.1 ضِعف، مقارنة بالمبيدات التقليدية، ما يجعل المبيد أكثر فعالية مع تقليل كمية المادة الفعالة المستخدمة. تم اختبار التركيبة الجديدة على يرقات حشرة العث الماسية، وهي من الآفات الزراعية الشائعة، وأظهرت فعالية عالية في القضاء عليها، في البيئات المغلقة والمفتوحة على حد سواء. كما أثبتت الاختبارات أن هذه التركيبة أكثر أماناً للبيئة مقارنة بالمبيدات التقليدية.

يقول الدكتور وو تشنغيان، الباحث الرئيسي للدراسة من معهد العلوم الفيزيائية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، إن استبدال المبيدات الخضراء بالمبيدات التقليدية قد يساعد في تحسين كفاءة مكافحة الآفات مع تقليل كمية المواد الفعالة المستخدمة، مما يحد من إجمالي استهلاك المبيدات.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن انخفاض السمية البيئية يقلل من التأثير السلبي على الكائنات النافعة، مثل ديدان الأرض والكائنات المائية؛ ما يسهم في الحفاظ على النظم البيئية. كما أن مكونات هذه التركيبة قابلة للتحلل، ما يضمن تحللها لمواد غير ضارة بعد استخدامها، ومن ثم تقليل تلوث المبيدات ودعم ممارسات الزراعة المستدامة.

وأشار تشنغيان إلى أن نجاح هذه التركيبة قد يؤدي لتغييرات في سياسات مكافحة الآفات؛ حيث قد تشجع الجهات التنظيمية على اعتماد المبيدات الصديقة للبيئة، أو فرضها بديلاً للمبيدات الكيميائية الضارة.

كما قد يُحفِّز هذا النجاح مزيداً من الأبحاث حول المبيدات القابلة للتحلل، ما يدعم الزراعة المستدامة عالمياً.

مواد حيوية مضادة للآفات

يعتمد مفهوم «المبيدات الخضراء»، المعروفة أيضاً بـ«المبيدات الحيوية» (Biopesticides)، على استخدام مواد مستمدة من مصادر طبيعية للسيطرة على الآفات بطرق صديقة للبيئة، بدلاً من اللجوء إلى المبيدات التقليدية. وتشمل هذه المبيدات المركبات النباتية، والمبيدات الميكروبية التي تعتمد على البكتيريا، والفطريات، والفيروسات، أو الطفيليات الطبيعية، بالإضافة للمبيدات النانوية البيولوجية المصنوعة من الجسيمات النانوية ذات الأصل البيولوجي. وتتميز المبيدات الحيوية بأنها أكثر تحديداً في تأثيرها على الآفات.

في يناير (كانون الثاني) 2025، أعلن باحثون في مركز أبحاث حماية المحاصيل التابع لوزارة الزراعة الأميركية، عن تطوير مبيدات حيوية تعتمد على الميكروبات لمكافحة البعوض والآفات الزراعية بطرق صديقة للبيئة.

ويعمل الباحثون على اكتشاف «أعداء طبيعيين» للآفات في بيئتها الأصلية، ثم اختبار فعاليتها وسلامتها قبل إنتاجها بكميات كبيرة. ومن أبرز النجاحات في هذا المجال استخدام فطر قاتل للبعوض، يخترق جلد البعوضة وينمو داخلها حتى يقتلها. كما يتم اختبار بكتيريا تستهدف يرقات البعوض، مما يساعد على الحد من أعدادها دون الإضرار بالبيئة.

كما أعلن باحثون من جامعة رودس بجنوب أفريقيا في سبتمبر (أيلول) 2023، اكتشاف مبيد حيوي جديد يعتمد على الفيروسات لمكافحة الآفات الزراعية. وقد تم تطوير المنتجين (MultiMax) و(CodlMax) بوصفهما بديلاً صديقاً للبيئة عن المبيدات الكيميائية التقليدية.

يعمل هذا المبيد من خلال فيروس «ألفاباكولوفيروس» (Alphabaculovirus) الذي يصيب بشكل طبيعي آفات زراعية محددة، مثل يرقات الحشرات، ما يؤدي لموتها دون التأثير على الكائنات الأخرى أو البيئة. وفي أغسطس (آب) 2023، تم شحن الدفعة الأولى من المنتجَين للمزارعين في جنوب أفريقيا، مع خطط للتوسع في أوروبا وأميركا الشمالية.

وطوَّر باحثون من جامعة كيرالا الزراعية في الهند، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، مبيداً حيوياً عطرياً مستخلصاً من نفايات قشور الفواكه والحمضيات، لاستخلاص الزيوت العطرية التي تحتوي على مركبات فعالة لمكافحة الحشرات. وأظهرت الدراسة أن الزيوت المستخلصة من الليمون واليوسفي قادرة على ردع الحشرات التي تستهدف محاصيل الحبوب، دون ترك بقايا ضارة أو التأثير على إنبات البذور.

في المقابل، توصي منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بتطبيق نظام المكافحة المتكاملة للآفات، وهو نهج بيئي شامل يهدف الحد من استخدام المبيدات الكيميائية، وتقليل تأثيرها السلبي على البيئة والصحة العامة.

ويعتمد هذا النظام على مزيج من التقنيات المستدامة، مثل الممارسات الزراعية السليمة، والمكافحة البيولوجية باستخدام الكائنات الحية الطبيعية، والزراعة المتنوعة، واختيار المحاصيل المقاومة، مع التدخل الكيميائي بوصفه خياراً أخيراً عند الضرورة.

ويساعد هذا النهج في إدارة الآفات بطرق فعالة ومستدامة، مع الحفاظ على التوازن البيئي وتقليل المخاطر على صحة الإنسان.


مقالات ذات صلة

أسمدة طبيعية من البول البشري بديلاً للكيميائية

يوميات الشرق النترات المستخلصة من البول لريّ محاصيل مزروعة على الأسطح (جامعة برشلونة المستقلة)

أسمدة طبيعية من البول البشري بديلاً للكيميائية

إعادة استخدام البول البشري يمكن أن يُسهم في إنتاج أسمدة مستدامة تدعم الزراعة الحضرية، مع تحقيق فوائد بيئية كبيرة مثل تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
علوم البذور عالية الإنتاجية تُسهم في تعزيز الأمن الغذائي وزيادة دخل المزارعين بقارة أفريقيا (رويترز)

«استراتيجيات علمية» لتعزيز وصول المزارعين الأفارقة إلى بذور عالية الإنتاج

تواجه دول في أفريقيا، لا سيما المناطق الجافة والريفية بمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء، تحديات كبيرة في تحسين الإنتاجية الزراعية،

محمد السيد علي (القاهرة)
علوم تقنيات الذكاء الاصطناعي ساهمت في الكشف المبكر عن آفات أوراق الأرز بمصر (دورية ساينتفك ريبورتس)

كيف يُحسّن الذكاء الاصطناعي دقة الكشف المبكر عن آفات النباتات؟

أسهمت التطورات الحديثة في مجالات الذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية وتقنيات الاستشعار عن بُعد في تعزيز الزراعة الدقيقة؛ مما يتيح أساليب غير تقليدية للكشف المبكر عن الأمراض وإدارتها بفاعلية.

محمد السيد علي (القاهرة)
شمال افريقيا وزيرة الهجرة المصرية خلال لقائها مع وزير الهجرة اليوناني في القاهرة (وزارة الهجرة المصرية)

لماذا تستهدف اليونان استقدام العمالة المصرية في مجال الزراعة؟

تعهد وزير الهجرة اليوناني، ديميتريوس كاريديس، بـ«سرعة إنهاء إجراءات سفر العمال المصريين مع بداية يونيو (حزيران) المقبل، والبالغ عددهم 5 آلاف عامل زراعي».

محمد عجم (القاهرة)
بيئة من معرض باريس الزراعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي يغير المشهد أيضاً في قطاع الزراعة

سبق للذكاء الاصطناعي أن دخل إلى عالم المزارع لتحليل صور الأعشاب الضارة مثلا أو سلوك الأبقار في الحظيرة، لكن هناك الجديد في معرض باريس الزراعي.

«الشرق الأوسط» (باريس)

باحثون أميركيون ينجحون في إعادة ذئب شرس انقرض قبل 10 آلاف عام

صورة قدمتها شركة «كولوسال بيوساينسز» لجروين عُدِّلا وراثياً ليشبها الذئب الرهيب المنقرض (أ.ب)
صورة قدمتها شركة «كولوسال بيوساينسز» لجروين عُدِّلا وراثياً ليشبها الذئب الرهيب المنقرض (أ.ب)
TT
20

باحثون أميركيون ينجحون في إعادة ذئب شرس انقرض قبل 10 آلاف عام

صورة قدمتها شركة «كولوسال بيوساينسز» لجروين عُدِّلا وراثياً ليشبها الذئب الرهيب المنقرض (أ.ب)
صورة قدمتها شركة «كولوسال بيوساينسز» لجروين عُدِّلا وراثياً ليشبها الذئب الرهيب المنقرض (أ.ب)

أعلنت شركة أميركية ناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية عن إعادة إحياء ذئب من الانقراض بعد أكثر من 10 آلاف عام.

وأعلنت شركة «كولوسال بيوساينسز»، ومقرها ولاية تكساس الأميركية، أن باحثيها نجحوا في تسهيل ولادة 3 جراء من الذئب الرهيب؛ ذكران يبلغان من العمر 6 أشهر يُدعيان رومولوس وريموس، وأنثى تبلغ من العمر 3 أشهر تُدعى خاليسي. وقد اشتهر هذا النوع المنقرض مؤخراً في المسلسل التلفزيوني «صراع العروش».

وحققت الشركة هذا الإنجاز باستخدام تقنيات الاستنساخ وتعديل الجينات، استناداً إلى عيّنتين من الحمض النووي للذئب الرهيب القديم.

ووصف بن لام، الرئيس التنفيذي لشركة «كولوسال»، هذا التطوير بأنه «إنجازٌ هائل»، وقال: «لا يسعني إلا أن أكون فخوراً للغاية بالفريق». وتابع: «أخذ فريقنا الحمض النووي من سنّ عمره 13 ألف عام وجمجمة عمرها 72 ألف عام، وأنجب جراء ذئب شرس سليمة». وأردف: «قيل ذات مرة: أيّ تقنية متطورة لا يمكن تمييزها عن السحر. اليوم، يكشف فريقنا عن بعض (السحر) الذي يعملون عليه، وتأثيره الأوسع على الحفاظ على البيئة».

وأوضح باحثون في «كولوسال» أن عملية إعادة الأنواع المنقرضة تتضمن أخذ خلايا دم من ذئب رمادي حي - أقرب أقرباء الذئب الرمادي على قيد الحياة - وتعديلها وراثياً في 20 موقعاً مختلفاً. ونُقلت هذه المادة الوراثية إلى بويضة كلب أليف، ثم نُقلت الأجنة إلى أمهات بديلات للحمل، وأخيراً تمت الولادة بشكل ناجح، حسبما أوردت صحيفة «إندبندنت» البريطانية.

وأفاد باحثون في شركة «كولوسال بيوساينسز» أمس (الاثنين)، بأن صغار الذئاب، التي تتراوح أعمارها بين 3 و6 أشهر، تتميز بشعر أبيض طويل وفكوك عضلية، ويصل وزنها بالفعل إلى نحو 80 رطلاً - ومن المتوقع أن يصل وزنها إلى 140 رطلاً عند البلوغ.

وقالت شركة «كولوسال» إن الحيوانات ستعيش حياتها في محمية بيئية آمنة تخضع لمراقبة مستمرة ومعتمدة من قبل الجمعية الأميركية للرفق بالحيوان، ومسجلة لدى وزارة الزراعة الأميركية.

رومولوس وريموس كلاهما يبلغ من العمر 3 أشهر وتم تعديلهما وراثياً مع أوجه تشابه مع الذئب الرهيب المنقرض (أ.ب)
رومولوس وريموس كلاهما يبلغ من العمر 3 أشهر وتم تعديلهما وراثياً مع أوجه تشابه مع الذئب الرهيب المنقرض (أ.ب)

وأعلنت شركة «كولوسال» أيضاً عن استنساخها 4 ذئاب حمراء باستخدام دم مأخوذ من ذئاب برية من جنوب شرقي الولايات المتحدة، وهي من فصيلة الذئاب الحمراء المهددة بالانقراض بشدة. ويهدف ذلك إلى تعزيز التنوع الجيني في هذه المجموعة الصغيرة من الذئاب الحمراء، والتي يستخدمها العلماء للتكاثر والمساعدة في إنقاذ هذا النوع.

وليس الذئب الرهيب الحيوان الوحيد الذي تسعى شركة «كولوسال»، التي تأسست عام 2021، ويعمل بها حالياً 130 عالماً، إلى استعادته، فمن بين الحيوانات التي ترغب في إنقاذها من الانقراض؛ الماموث الصوفي، وطائر الدودو، والنمر التسماني.