هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

من التفسير إلى التنبؤ ومن الاكتشاف البشري إلى «الإيمان الخوارزمي»

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟
TT

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

ربما يكون أهم عنصر في علم الأحياء يمكننا فهمه هو خلايا أجسامنا. وإن حدث واستطاع العلماء التنبؤ بسهولة بكيفية تأثير طفرة جينية أو فيروس أو عقار أو أي شيء مؤثر آخر على الخلية، وبالتالي جميع الأنسجة والأعضاء التي تخدمها، فإن بوسعهم اكتشاف لقاحات وأدوية جديدة بسرعة، كما كتب ماتيو وونغ*.

صعوبة نمذجة الخلايا الحية

وصف كثير من علماء الأحياء الخلوية هذا التوجه أخيراً بأنه «الكأس المقدسة» التي يرومون نيلها في مجالهم منذ فترة طويلة. لكن الخلايا البشرية هي أيضاً من بين أصعب الأشياء التي يمكن دراستها.

تتكون أجسامنا من عشرات التريليونات من الخلايا المتفاعلة، ولكل منها آلياتها الداخلية المعقدة. ولكن العلماء لا يستطيعون الاقتراب من إعادة تكرار هذا العالم في المختبر، وقد واجهوا صعوبة في القيام بذلك باستخدام أجهزة الكومبيوتر أيضاً.

الذكاء الاصطناعي التوليدي للبيولوجيا

قد يتغير هذا، ففي العقود الأخيرة، جمع العلماء كميات هائلة من الحمض النووي وبيانات التصوير المجهري من الخلايا البشرية، والآن لديهم أداة (الذكاء الاصطناعي التوليدي) التي قد تعطي معنى لكل هذه المعلومات.

لذا وبقدر ما يمكن لبرنامج الدردشة الآلي تمييز الأسلوب، وربما حتى المعنى من مجلدات ضخمة من اللغة المكتوبة التي يستخدمها بعد ذلك لبناء نصوص تماثل ما يقدمه الإنسان، يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي من الناحية النظرية على كميات هائلة من البيانات البيولوجية، لاستخراج معلومات أساسية عن الخلايا أو حتى الكائنات الحية بأكملها.

ولا يزال البحث في مراحله المبكرة، وقد لا تتحقق «الخلايا الافتراضية» الكاملة التي يقودها الذكاء الاصطناعي أبداً. لكن علماء الأحياء أحرزوا بالفعل تقدماً كبيراً باستخدام التكنولوجيا لدراسة المكونات الأساسية لأجسامنا، وربما تغيير طبيعة هذه الدراسة أيضاً.

وكما هي الحال في كثير من المجالات العلمية الأخرى، يتم التحول من القدرة على التفسير إلى القدرة على التنبؤ، ويحلُّ «الإيمان الخوارزمي» محل الاكتشاف البشري.

عالم غامض ومتغير

إن دراسة الخلية البشرية أمر صعب. فهناك عشرات المليارات منها في الجسم، وتشكل شبكة هائلة ومعقدة تحكم كل مرض وعملية أيضية. وكل خلية في هذه الدائرة هي في حد ذاتها نتاج تفاعل كثيف ومعقد، بالقدر نفسه بين الجينات والبروتينات، وغيرها من أجزاء الآلات البيولوجية الصغيرة للغاية.

إن فهمنا لهذا العالم غامض ومتغير باستمرار. فقبل بضع سنوات فقط، كان العلماء يعتقدون أن هناك بضع مئات فقط من «أنواع الخلايا المميزة»، ولكن التقنيات الجديدة كشفت عن الآلاف، (وهذه ليست سوى البداية).

إن إجراء التجارب في هذا المجال المجهري قد يكون نوعاً من التخمين؛ وحتى النجاح غالباً ما يكون مربكاً. فقد كان يُعتقد أن الأدوية التي تشبه عقار «أوزيمبيك» تعمل على الأمعاء -على سبيل المثال- ولكن قد يتبين أنها أدوية للدماغ، مثلما تم تطوير عقار «فياغرا» في البداية لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية، ثم تحول لعلاج ضعف الانتصاب.

* «ذا أتلانتيك أونلاين»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

رئيس «إريكسون» لـ«الشرق الأوسط»: «شبكات الاتصال في كأس العالم 2034 ستكون الأكثر تطوراً»

خاص السعودية لا تواكب التكنولوجيا فقط بل تسهم في صياغة مستقبل الاتصالات عالمياً (إريكسون)

رئيس «إريكسون» لـ«الشرق الأوسط»: «شبكات الاتصال في كأس العالم 2034 ستكون الأكثر تطوراً»

يقول رئيس «إريكسون» الشرق الأوسط وأفريقيا إن السعودية تقود التحول الرقمي بشبكات الجيل الخامس، فيما تستعد للسادس مع استضافتها إكسبو 2030 وكأس العالم 2034.

نسيم رمضان (الرياض)
تكنولوجيا امرأة تسير أمام شاشة كبيرة تُظهر شعار شركة «غوغل» (أ.ب)

«لحماية الأطفال»...«غوغل» تختبر الذكاء الاصطناعي لتحديد أعمار المستخدمين

أعلنت شركة «غوغل»، يوم الأربعاء، أنها ستبدأ في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد ما إذا كانت أعمار المستخدمين مناسبة لاستخدام منتجاتها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا النموذج العملي الياباني لحوكمة الذكاء الاصطناعي

النموذج العملي الياباني لحوكمة الذكاء الاصطناعي

نهج هجين يجمع بين نظام أوروبي داعم للتنظيم واميركي تقني مع أطر تنظيمية لعقوبات على شركات التكنولوجيا عند انتهاكها لقواعد السوق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص أحمد الفيفي: «انتقل 75 % من عملاء (SAP) بالسعودية إلى السحابة ومن المتوقع وصولهم إلى 95 % قريباً» (إس إيه بي)

خاص «إس إيه بي» لـ«الشرق الأوسط»: السعودية أصبحت الآن موطناً لأحد أكبر استثماراتنا عالمياً

على هامش معرض «ليب» في الرياض، تلتقي «الشرق الأوسط» مع أحمد الفيفي، كبير نواب الرئيس لمنطقة شمال الشرق الأوسط وأفريقيا لدى شركة «إس إيه بي» العالمية.

نسيم رمضان (الرياض)
تكنولوجيا كيف نجحت «ديب سيك» في بناء نظام ذكاء اصطناعي بتكاليف أقل؟

كيف نجحت «ديب سيك» في بناء نظام ذكاء اصطناعي بتكاليف أقل؟

بتوظيف 2000 رقيقة إلكترونية بدلاً من 16000 وبعُشر التكاليف الأميركية

كيد متز (سان فرانسيسكو)

هل سيهزم محامو الذكاء الاصطناعي كبريات شركات النفط أمام القضاء؟

هل سيهزم محامو الذكاء الاصطناعي كبريات شركات النفط أمام القضاء؟
TT

هل سيهزم محامو الذكاء الاصطناعي كبريات شركات النفط أمام القضاء؟

هل سيهزم محامو الذكاء الاصطناعي كبريات شركات النفط أمام القضاء؟

لم تكن شركات الوقود الأحفوري لتعترف طواعية بدورها في أزمة المناخ. ولكن بحلول 2020، لجأت بعض المجموعات الناشطة إلى طريقتين لفرض القضية. الأولى، تضمنت الوسائل غير القانونية مثل التخريب وتدمير البنية التحتية لشركات النفط، بينما ركزت الأخرى على الأساليب القانونية والتقاضي لإجبار الحكومات على الامتثال لأهداف الانبعاثات وإجبار الشركات على دفع تعويضات عن الأضرار السابقة، كما كتب روان هوبر (*).

جيوش من المحامين الاصطناعيين أمام محامين من البشر

كانت المشكلة في البداية أن شركات النفط الكبرى نشرت جيوشاً من المحامين لتحدي كل جانب من جوانب القضية المرفوعة ضدها. لم يتمكن معظم المدعين ببساطة من تحمل تكاليف الاستمرار، أو أنهم تورطوا في التقاضي لسنوات.

وجاء الحل عندما تم استخدام الذكاء الاصطناعي لبناء القضايا وملاحقتها. ربما كان لشركات النفط الكبرى تمثيل بشري واسع النطاق، لكن محامي الذكاء الاصطناعي كانوا أكثر عدداً وأسرع، وجمعوا الأدلة بشكل أكثر شمولاً ولم يناموا أبداً. ويمكن نشر هؤلاء المحامين الاصطناعيين نيابة عن الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المحامي، ورفع قضايا تستند إلى جوانب جديدة وغامضة من القانون.

الذكاء الاصطناعي في مجال القانون

بدأ استخدام أداة الذكاء الاصطناعي في القانون بجدية في عام 2023، مع إطلاق الذكاء الاصطناعي القائم على «تشات جي بي تي» المسمى «هارفي» Harvey الذي نما استخدامه من قبل المحامين البشريين بسرعة وساعد في التقاضي من خلال اقتراحات بناء على سوابق واستراتيجيات قانونية.

قضايا المناخ

انقسمت قضايا المناخ إلى ثلاث فئات.

* أولاً: تحدي التضليل، إذ وجد تحقيق أجرته لجنة الرقابة في مجلس النواب الأميركي في عام 2021 أن شركات النفط الكبرى انخرطت في حملات «غسل أخضر» ومعلومات مضللة واسعة النطاق، لكن محاسبة الشركات كانت صعبة.

*ثانياً: اتخاذ إجراءات ضد الحكومات لفشلها في حماية مواطنيها. كانت إحدى القضايا الرئيسية التي أسست سابقة في هذا الصدد عندما نجحت مجموعة أورغيندا Urgenda البيئية في رفع دعوى قضائية ضد الحكومة الهولندية في عام 2015 لإجبارها على اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ.

* ثالثاً: المسؤولية عن تكلفة الأضرار المناخية. وقد حدث تطور حيوي مع تطور دراسات المناخ. لم يكن من الممكن في السابق رسم خط يربط الانبعاثات من الشركات الفردية بالتأثيرات المالية للاحتباس الحراري العالمي، مثل الفيضانات. وعندما أصبح من الممكن في منتصف عشرينات القرن الحادي والعشرين تحديد التأثير المالي والإنساني لتغير المناخ، أصبح التقاضي ممكناً.

تكلفة الأضرار المناخية

على سبيل المثال، أظهر العمل الذي قام به فريق علاقة الطقس العالمي التابع لفريدريك أوتو أن الفيضانات في باكستان في عام 2022 التي قتلت ما لا يقل عن 1500 شخص وتسببت في أضرار تزيد على 30 مليار دولار أصبحت أسوأ بنسبة 50 إلى 75 في المائة بسبب أزمة المناخ.

وقد فازت دعاوى الذكاء الاصطناعي بتأكيد أهمية هذه القضايا من خلال إظهار أن الشركات لم تستعد لتأثيرات تغير المناخ.

محامو الذكاء الاصطناعي

تم نشر محامي الذكاء الاصطناعي على جميع الخيوط الثلاثة. وقامت نظم الذكاء الاصطناعي بمسح القوانين المحلية في جميع أنحاء العالم لتحديد سبل التقاضي. وكان أحد مصادر الإلهام قضية بدأت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في بيرو.

ولذا فكر محامون بشريون في ألمانيا في استخدام «قانون الجوار الألماني»، الذي يسمح بتحدي السلوك المزعج من قبل الجيران في المحكمة. ولأن تغير المناخ يؤثر على الجميع في جميع أنحاء العالم، فإن الأزمة تجعلنا جميعاً جيراناً. وزعم المحامون أن انبعاثات الكربون تندرج تحت قانون الجوار.

تم رفع دعوى قضائية ضد شركة الطاقة الألمانية العملاقة RWE، التي حددها تقرير صادر من مؤسسة «خدمات التخفيف من حدة المناخ» بأنها مسؤولة عن 0.47 في المائة من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي التاريخية، وطالب المتقاضون بنسبة 0.47 في المائة من تكلفة السد ونظام الصرف المبني لحماية المزارع والقرى من ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الأنديز في البيرو.

انطلاقة المحاماة الذكية الاصطناعية

وقد ساعد المحامون غير البشريين في القضايا التي تعثرت في المحاكم. في الولايات المتحدة في بداية عشرينات القرن الحادي والعشرين، تم رفع عشرات الدعاوى القضائية ضد صناعة الوقود الأحفوري.

وبحلول عام 2028، سيصبح محامو الذكاء الاصطناعي قادرين على محاربة مثل هذه التحديات على الفور، وبفضل التدريب على أحدث العلوم والوصول إلى ملايين الوثائق من شركات النفط الكبرى، يمكنهم التغلب على مقاومة الشركات المدججة بالمحامين البشريين.

نجحت دعاوى الذكاء الاصطناعي في منع بناء خطوط الأنابيب والبنية الأساسية الجديدة وفازت بالقضايا من خلال إظهار أن الشركات لم تستعد لتأثيرات تغير المناخ.

بدايات العدالة المناخية

وجدت شركات الطاقة العملاقة نفسها تواجه دعاوى قضائية متعددة في عشرات البلدان. كانت أقسامها القانونية مثقلة. وكما وافقت شركات التبغ الكبرى في النهاية على دفع مليارات الدولارات باعتبارها تعويضات، بحلول ثلاثينات القرن الحادي والعشرين، أُجبرت شركات النفط الكبرى على البدء في الدفع.

ساعدت موجة التقاضي في تسريع الانتقال إلى الطاقة المتجددة، وأجبرت صناعة الوقود الأحفوري على دفع مليارات الدولارات لصناديق تمويل المناخ للبلدان ذات الدخل المنخفض. وبدا أن العدالة المناخية - إعادة توزيع ثروة النفط على البلدان الأكثر تضرراً بتغير المناخ - قد تحققت.

* مجلة «نيو ساينتست»: خدمات «تريبيون ميديا».