دواء ينمّي الأسنان: ثورة في عالم الطب

الذكاء الاصطناعي تمكن من اكتشاف الجين المسؤول عن توقف نموها

الدكتورة هونوكا كيسو والدكتور كاتسو تاكاهاشي في مختبرهما (جامعة كيوتو)
الدكتورة هونوكا كيسو والدكتور كاتسو تاكاهاشي في مختبرهما (جامعة كيوتو)
TT

دواء ينمّي الأسنان: ثورة في عالم الطب

الدكتورة هونوكا كيسو والدكتور كاتسو تاكاهاشي في مختبرهما (جامعة كيوتو)
الدكتورة هونوكا كيسو والدكتور كاتسو تاكاهاشي في مختبرهما (جامعة كيوتو)

تشهد الأبحاث في مجال طب الأسنان تطورات مذهلة، من أبرزها اكتشاف دواء يمكنه إعادة نمو الأسنان المفقودة.

إنجاز علمي

ويرتكز هذا الإنجاز العلمي على فهم عميق للجينات والبروتينات المسؤولة عن نمو الأسنان، ما يعد بتحقيق قفزة نوعية في علاج أمراض الأسنان وتوفير أمل جديد للمرضى حول العالم.

ويمتلك الإنسان حالياً جيلين من الأسنان لا ثالث لهما، هما: الأسنان اللبنية التي تظهر في مرحلة الطفولة، والأسنان الدائمية التي تظهر عند البالغين. ولكن هذا الاكتشاف المذهل يريد أن «يكوّن جيلاً ثالثاً للأسنان»

رحلة البحث والتطوير

بدأت الأبحاث المتعلقة بتجديد الأسنان باكتشاف فأر نموذجي يحتوي على أسنان إضافية في عام 2007. وباستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، تمكن الباحثون من تحديد أن سبب وجود هذه الأسنان الإضافية هو نقص في جين يسمى «USAG-1». وأشرف الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الجينية وتحديد العلاقة بين نقص الجين وتكوين الأسنان الإضافية، ما مكّن الباحثين من فهم آلية عمل هذا الجين، وكيفية تأثيره على نمو الأسنان.

الذكاء الاصطناعي في علم الجينات

تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في تحليل البيانات الجينية واكتشاف الجينات المسؤولة عن الأمراض. ومن خلال تحليل البيانات الضخمة، واستخدام الخوارزميات المتقدمة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد الأنماط والعلاقات التي قد تكون غير مرئية للباحثين البشريين. وهذا يساهم بشكل كبير في تسريع عملية الاكتشافات العلمية وتطوير علاجات جديدة، وهكذا تمكنت هذه الخوارزميات من اكتشاف جين «USAG-1».

تجارب لـ«جيل ثالث» من الأسنان

استناداً إلى نتائج الفئران، تساءل العلماء عما إذا كان بالإمكان تجديد الأسنان لدى البشر عن طريق تعطيل بروتين «USAG-1» باستخدام دواء. ولاختبار الفرضية، استخدم الباحثون في جامعة كيوتو اليابانية الأجسام المضادة للتحقق من النشاط البيولوجي لهذا البروتين.

وتم تأكيد فاعلية الأجسام المضادة في نمو الأسنان عند الفئران والكلاب، وتُجرى حالياً اختبارات سريرية على بعض المتطوعين ممن فقدوا أسنانهم. وتشير النتائج الأولية إلى نجاح هذا الدواء في نمو جيل ثالث من الأسنان، ونحن بانتظار انتهاء مثل هذه النتائج السريرية للتأكد من سلامة هذا العلاج.

رؤية مستقبلية واعدة

تتوقع الأبحاث أن تكون لهذا الدواء القدرة على علاج الأشخاص الذين يعانون من عدم تكون الأسنان الخلقي، وهي حالة يولد فيها الشخص من دون القدرة على نمو الأسنان.

وتعتمد آلية العمل على تعطيل وظيفة الجزيء «USAG-1»، ما يعزز نمو أسنان جديدة من «براعم» أو «أجنة الأسنان». وقد اكتشفت هذه الطريقة الدكتورة كيسو هوناكو من جامعة كيوتو اليابانية، وهي طبيبة أسنان فقدت عدداً من أسنانها الدائمة عند المراهقة بسبب التهاب شديد في اللثة، وكان حلمها أن تجد دواء كهذا.

الفوائد والتحديات

تسعى الأبحاث إلى تحقيق عدة أهداف، منها...

- تحسين العلاجات الحالية. وسيكون هذا الدواء بديلاً للعلاجات التقليدية، مثل الأطقم والغرسات السنية.

- توفير حلول دائمة من خلال نمو أسنان جديدة، ويمكن للمرضى الاستفادة من علاج دائم بدلاً من العلاجات المؤقتة.

- تسهيل العلاج، إذ يُعدّ العلاج الحالي معقداً ويتطلب مهارات متخصصة، ما يحدّ من عدد الأطباء القادرين على تنفيذه. ومن المتوقع أن يبسط هذا الدواء العملية العلاجية، ويجعلها أكثر شيوعاً.

- فتح آفاق جديدة في العلاج، إذا أثبتت التجارب السريرية فاعليته، فقد يكون لهذا الدواء تأثير كبير على تقليل خوف المرضى من فقدان الأسنان، ويوفر لهم إمكانية إعادة نمو الأسنان بشكل طبيعي.

التطبيقات المستقبلية

في حالة نجاح التجارب السريرية النهائية، من المحتمل أن يتم استخدام هذا الدواء، لا لعلاج عدم تكون الأسنان الخلقي فحسب، بل لتجديد الأسنان المفقودة أيضاً، بسبب التسوس أو أمراض اللثة. وسيكون هذا الدواء بمثابة ثورة في مجال طب الأسنان، حيث سيمكّن المرضى من الحفاظ على أسنانهم الأصلية لفترة أطول، حتى مع التقدم في العمر.


مقالات ذات صلة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

علوم ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

يستعيض مستشعر بالذكاء الاصطناعي عن اختبارات الشم والفحص البصري البشرية لتمييز الأصالة.

جيسوس دياز (واشنطن)
خاص يحول الذكاء الاصطناعي الطابعات من مجرد خدمة بسيطة إلى أداة أكثر ذكاءً واستجابة لحاجات المستخدمين (أدوبي)

خاص كيف يجعل الذكاء الاصطناعي الطابعات أكثر ذكاءً؟

تلتقي «الشرق الأوسط» الرئيسة العامة ومديرة قسم الطباعة المنزلية في شركة «إتش بي» (HP) لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي على عمل الطابعات ومستقبلها.

نسيم رمضان (بالو ألتو - كاليفورنيا)
صحتك علاقة أمراض اللثة بمرض ألزهايمر

علاقة أمراض اللثة بمرض ألزهايمر

برنامج ذكاء اصطناعي يتمكن من التنبؤ بمرض ألزهايمر قبل 3 سنوات من بدء أعراضه

د. عميد خالد عبد الحميد
الاقتصاد عرض نظام نقل الحركة لدراجة كهربائية من إنتاج «فوكسكون» بيوم التكنولوجيا السنوي للشركة في تايبيه (رويترز)

أرباح «فوكسكون» التايوانية ترتفع 14 % مدفوعة بـ«الذكاء الاصطناعي»

أعلنت شركة «فوكسكون» التايوانية، أكبر شركة عالمية لتصنيع الإلكترونيات بنظام التعاقد، يوم الخميس، زيادة مفاجئة بنسبة 14 في المائة في أرباحها الفصلية.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
تكنولوجيا «أوبن إيه آي» تتأهب لإطلاق «أوبيريتر» لأتمتة مهام المستخدمين

«أوبن إيه آي» تتأهب لإطلاق «أوبيريتر» لأتمتة مهام المستخدمين

تستعد شركة «أوبن إيه آي» لإطلاق وكيل ذكاء اصطناعي جديد يحمل الاسم الرمزي «أوبيريتر» Operator (المُشَغِّلْ) الذي يمكنه استخدام الكومبيوتر نيابة عن شخص ما،…

«الشرق الأوسط» (لندن)

كيف يُسرّع الذكاء الاصطناعي مسار الاكتشافات العلمية؟

باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)
باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)
TT

كيف يُسرّع الذكاء الاصطناعي مسار الاكتشافات العلمية؟

باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)
باحثون بجامعة نورث كارولينا يعتمدون على روبوت لتنفيذ مهام بالمختبر (جامعة نورث كارولينا)

في عصر تزداد فيه الحاجة إلى حلول مبتكرة لمواجهة التحديات العالمية في مجالات الصحة والطاقة، لا يزال كثير من المختبرات الحديثة تعتمد بشكل كبير على العمل اليدوي، ما يحد من سرعة ودقة التجارب العلمية.

لكن تحولاً جذرياً قد تشهده مختبرات العلوم في مجالات الكيمياء، والكيمياء الحيوية، وعلوم المواد؛ بفضل التقدم في التشغيل الآلي للروبوتات والذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام المتكررة في المختبرات.

وتُمكّن الأتمتة، الروبوتات من إجراء التجارب بدقة وتناسق عالٍ دون تعب؛ ما يسرع من وتيرة البحث بشكل كبير ويقلل من المخاطر المرتبطة بالتعامل مع المواد الخطرة.

يمكن الاعتماد على الروبوتات في تنفيذ المهام المتكررة بالمختبرات (جامعة نورث كارولينا)

ويحرر هذا التحول العلماء من الأعمال الروتينية؛ ما يسمح لهم بالتركيز على أسئلة بحثية أكثر تعقيداً، ويعزّز من سرعة وفاعلية الاكتشافات العلمية في مجالات مثل الطب والطاقة والاستدامة.

5 مراحل

يعمل باحثون في قسمي علوم الكومبيوتر والكيمياء بجامعة نورث كارولاينا الأميركية على دراسة كيفية دمج الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام الروتينية في المختبرات، باستخدام روبوت متحرك لأتمتة مهام مختبر الكيمياء.

ويشير الباحثون، في الدراسة المنشورة بدورية «ساينس» في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أن هذه الخطوة لا تعزز الكفاءة فحسب، بل تمثل أيضاً تحولاً جذرياً في طريقة إجراء الأبحاث العلمية، ما يتيح تحقيق نتائج مذهلة بشكل أكثر أماناً وموثوقية.

أوضح الباحثون أن أتمتة المختبرات تمر بـ5 مراحل تبدأ بالمساعدة في المهام البسيطة وتنتهي بالتشغيل الآلي الكامل. في المرحلة الأولى، يتم تنفيذ مهام فردية كالتعامل مع السوائل لتخفيف العبء الروتيني، ثم في المرحلة الثانية، ينفّذ الروبوت خطوات متتالية مع بقاء العاملين من البشر للإعداد والإشراف.

أتمتة المختبرات قد تحدث تحولاً جذرياً في طريقة إجراء الأبحاث العلمية (جامعة نورث كارولينا)

وفي المرحلة الثالثة، يدير الروبوت التجارب بالكامل مع تدخل بشري عند الظروف الطارئة، بينما في الرابعة يصبح الروبوت قادراً على التعامل مع هذه الظروف بمرونة أكبر.

أما في المرحلة الخامسة، فتعمل الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل مستقل تماماً؛ ما يمكّن المختبرات من العمل المستمر دون تدخل بشري، ويعزز سرعة الاكتشافات العلمية والابتكار.

فوائد وتحديات

يقول الدكتور رون ألتيروفيتز، الباحث في الروبوتات الطبية بجامعة نورث كارولاينا، إن تطوير جزيئات ومواد كيميائية جديدة يتطلب جهوداً بشرية مكثفة، تشمل تصميم التجارب وتوليف المواد وتحليل النتائج، فيما يمكن لأتمتة المهام الروتينية أن تسرّع هذه العمليات وتزيد دقتها، عبر تنفيذ الخطوات بتناسق أعلى وتقليل الأخطاء، ما يعزز إمكانية إعادة إنتاج النتائج.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الروبوتات يمكن أن تساهم في نقل العينات وإجراء القياسات وتقليل المخاطر المرتبطة بالمواد الخطرة؛ ما يعزز سلامة الباحثين. كما يمكنها تحليل كميات ضخمة من بيانات التجارب، واكتشاف الأنماط والرؤى غير الملحوظة للبشر، خصوصاً في التجارب التي تتطلب مراقبة مستمرة أو إنتاج كميات كبيرة من البيانات، مثل الفحص عالي الإنتاجية المستخدم في اكتشاف الأدوية.

ووفق شركة «يونايتد روبوتيكس غروب» المتخصصة في تطوير الروبوتات وحلول الأتمتة، فإن الروبوتات توفر فائدة مالية رئيسية تتمثل في زيادة الكفاءة والإنتاجية؛ إذ يمكن لأتمتة أنظمة المختبرات الأساسية تقليل خطوات المعالجة اليدوية بنسبة تصل إلى 86 في المائة، ما يعزز الكفاءة ويخفض تكاليف العمالة.

يمكن للروبوتات تحليل كميات ضخمة من بيانات التجارب واكتشاف الأنماط والرؤى غير الملحوظة للبشر

في السياق نفسه، كشفت مؤسسة «مايو كلينيك» الطبية الأميركية أن الأتمتة أدت إلى زيادة حجم العمل اليومي لـ10 أضعاف في بعض المختبرات، ما يرفع الإنتاجية ويتيح التعامل مع الطلب المتزايد في الأبحاث الطبية والعلمية.

وفي مجال الكيمياء المناعية، وهي تقنية مخبرية تستخدم لتحديد توزيع البروتينات والجزيئات داخل الأنسجة، ساعدت الأتمتة في معالجة المزيد من شرائح الأنسجة بزمن أقل، مما خفض زمن المعالجة بنسبة 15.22 في المائة والتكلفة لكل شريحة بنسبة 37.27 في المائة، وفق «يونايتد روبوتيكس غروب».

ولا تقتصر الفوائد على تقليل الزمن والتكلفة، بل تشمل تحسين الدقة وتقليل الأخطاء، وهو أمر حيوي في مجالات حساسة كعلم الجينوم واكتشاف الأدوية، وفق الباحثين.

وأظهرت تجربة، بمستشفى «إلبلاند كلينيكوم مايسن» في ألمانيا عام 2023، كيف تسهم الروبوتات في تحسين كفاءة المختبرات وتقليل عبء العمل، خصوصاً مع نقص الكوادر.

وفيما يتعلق بالتحديات، أشار ألتيروفيتز إلى أن الأتمتة تُنفذ حالياً في مهام محدودة بالمختبرات، ولتحقيق التنفيذ الكامل، يتطلب الأمر تطوير مهارات في الروبوتات وعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى ضخ استثمارات في البنية التحتية وبرامج التدريب، ما قد يشكل عبئاً مالياً كبيراً. كما يتطلب تعاوناً بين الباحثين والمهندسين وعلماء الكومبيوتر لتحقيق الفائدة الكاملة من هذه التقنية.