الآلية الجزيئية وراء مرض التصلب العصبي المتعدد

دراسة تكشف عن أسباب أمراض المناعة الذاتية الأخرى

شكل تصويري لطبيب يفحص أمراض المناعة الذاتية
شكل تصويري لطبيب يفحص أمراض المناعة الذاتية
TT

الآلية الجزيئية وراء مرض التصلب العصبي المتعدد

شكل تصويري لطبيب يفحص أمراض المناعة الذاتية
شكل تصويري لطبيب يفحص أمراض المناعة الذاتية

في دراسة حديثة حقق الباحثون بجامعة ييل في الولايات المتحدة اختراقاً مهماً، إذ وجدوا أن فقدان التنظيم المناعي في حالة «التصلب المتعدد» يرتبط بزيادة في البروتين الذي يشارك في وظيفة المناعة. وتؤدي هذه الزيادة في البروتين إلى تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية، بما في ذلك تناول كميات كبيرة من الملح ما يؤدي إلى خلل في وظائف الخلايا التائية (المناعية) التنظيمية.

آلية فقدان التنظيم المناعي

وكشفت النتائج التي نشرت في مجلة «Science Translational Medicine» في 28 أغسطس (آب) 2024 أيضاً عن هدف جديد لعلاج عالمي لمرض المناعة الذاتية لدى البشر. وقاد البحث توموكازو سوميدا الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة ييل وهافلر أستاذ علم الأعصاب وأستاذ علم المناعة في الجامعة.

وقال هافلر إن هذه التجارب تكشف عن آلية أساسية لفقدان التنظيم المناعي في مرض التصلب العصبي المتعدد وأمراض المناعة الذاتية الأخرى على الأرجح. كما أنها تضيف نظرة ثاقبة آلية لكيفية حدوث خلل في الخلايا التنظيمية التائية في أمراض المناعة الذاتية البشرية.

التصلب المتعدد تظهر تأثيراته على غمد الأعصاب (إلى اليمين) مقارنة بالأعصاب السليمة

التصلب المتعدد

واستناداً إلى «مايو كلينك» فإن التصلب المتعدد مرض يقوم فيه الجهاز المناعي الذي يحمي الجسم عادةً بمهاجمة الغلاف المحيط بالأعصاب في الدماغ والنخاع الشوكي (وهو غمد المايلين). وترسل هذه الأعصاب معلومات من الدماغ والحبل النخاعي إلى أعصاب أخرى في الجسم. ويساعد المايلين على زيادة فاعلية هذا الانتقال إلا أن التصلب المتعدد والعديد من الحالات الأخرى تسبب ضرراً على المايلين. وتسمى «الأمراض المزيلة للميالين».

خلل الخلايا التائية التنظيمية

وتعرف هذه الخلايا سابقاً باسم الخلايا التائية الكابتة suppressor T cells وهي مجموعة فرعية من الخلايا التائية التي تعدل الجهاز المناعي وتحافظ على تحمل المستضدات الذاتية، كما أنها مثبطة للمناعة، وتمنع أمراض المناعة الذاتية. ولذا فإن أي خلل فيها يؤدي إلى احتمال الإصابة بتلك الأمراض.

أثر المستويات العالية من الملح

وفي دراسة سابقة نُشرت في 29 أكتوبر (تشرين الأول) في مجلة «Nature Immunology» أشار توموكازو سوميدا أيضاً من مختبر ديفيد هافلر إلى أن المستويات العالية من الملح، تساهم أيضاً في تطور التصلب المتعدد. وعلى وجه التحديد لاحظ الباحثون أن ارتفاع نسبة الملح يحفز الالتهاب في نوع من الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا التائية CD4 T، في حين أنه يتسبب أيضاً في فقدان وظيفة الخلايا التائية التنظيمية. ووجدوا أن هذا يحدث بواسطة إنزيم «الكاينيز» الحساس للملح salt - sensitive kinase أو إنزيم مهم لإشارات الخلايا والمعروف باسم SGK - 1.

الوراثة والبيئة في أمراض المناعة الذاتية

ومن المعروف أن أمراض المناعة الذاتية من بين أكثر الاضطرابات شيوعاً لدى الشباب تتأثر بالعوامل الوراثية والبيئية. ويُعتقد أن خطر الإصابة بالتصلب المتعدد ناتج عن تفاعل المتغيرات الجينية الشائعة مع العوامل البيئية بالإضافة إلى تناول كميات كبيرة من الملح. كما تم ربط عوامل أخرى مثل نقص فيتامين «دي» والتدخين والسمنة بالمرض. ويضيف هذا البحث نظرة ثاقبة مهمة حول كيفية تأثير المحفزات البيئية مثل الملح على الجهاز المناعي والمساهمة في أمراض المناعة الذاتية مثل التصلب.

«عامل النسخ» في تنظيم الوظيفة المناعية

في الدراسة الجديدة استخدم الباحثون تسلسل الحمض النووي الريبي (أر إن إيه) RNA لمقارنة التعبير الجيني لدى مرضى التصلب المتعدد ومقارنته بالتعبير لدى الأفراد الأصحاء. وحدد الباحثون زيادة التنظيم أو زيادة التعبير في مرضى التصلب لجين يسمى PRDM1 - S أو ما يعرف بـ«عامل النسخ» الذي يشارك في تنظيم الوظيفة المناعية.

ووجد الباحثون أن هذا الجين يحفز زيادة التعبير عن إنزيم SGK - 1 الحساس للملح ما يؤدي إلى تعطيل الخلايا التائية التنظيمية. وعلاوة على ذلك وجدوا زيادة مماثلة في التعبير عن نفس الجين في أمراض المناعة الذاتية الأخرى، ما يشير إلى أنه قد تكون سمة مشتركة لخلل الخلايا التائية التنظيمية.

عقاقير مستقبلية

واستناداً إلى هذه الرؤى يعمل فريق البحث على تطوير عقاقير يمكنها استهداف وتقليل التعبير عن جين عامل النسخ في الخلايا التائية التنظيمية وقد بدأوا تعاوناً مع باحثين آخرين في جامعة ييل باستخدام أساليب حسابية جديدة لزيادة وظيفة الخلايا التنظيمية لتطوير نهج جديد لعلاج أمراض المناعة الذاتية البشرية.


مقالات ذات صلة

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

علوم نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
صحتك أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

لا يعاني الأطفال الذين يعيشون في بلدان مزقتها الحرب من نتائج صحية نفسية سيئة فحسب، بل قد تتسبب الحرب في حدوث تغييرات بيولوجية ضارة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
علوم  41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)

الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

تؤثر مناطق الجينوم المكتشفة حديثاً على بنية القرص الفقري والالتهاب ووظيفة الأعصاب.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم الصورة لحالة من سرطان الخلايا القاعدية... أحد أنواع سرطان الجلد

«تقنيات جينومية» لفهم أعمق لسرطان الجلد العدواني

«قرحة مارجولين» الخبيثة لا يمكن تشخيصها بسهولة.

د. وفا جاسم الرجب
علوم «الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفَّر» مفتاح لعلاج الصرع والتوحد

«الحمض النووي الريبي الطويل غير المشفَّر» مفتاح لعلاج الصرع والتوحد

اكتشاف مهم للمرضى المعانين من اضطراب نادر في النمو العصبي

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
TT

الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)

سلطت دراسة حديثة الضوء على التقدم الكبير في فهم الأسس الجينية للانزلاق الغضروفي القطني، ووجدت 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي، بالإضافة إلى 23 منطقة كانت حُددت سابقاً.

كما توفر الدراسة رؤى جديدة بشأن كيفية تأثير هذه المناطق على بنية القرص الموجود بين الفقرات (القرص الفقري)، والالتهاب، ووظيفة الأعصاب. وتتعلق النتائج الرئيسية بالجينات المرتبطة بالأعصاب، والتي تعزز فهمنا كيفية تسبب الانزلاق الغضروفي في ألم طويل الأمد وتجارب ألم متفاوتة.

الجينات و«الانزلاق الغضروفي»

يعدّ الانزلاق الغضروفي القطني أحد أكثر التغيرات البنيوية شيوعاً في أسفل الظهر، والسبب الأكثر شيوعاً لألم العصب الوركي في الساق، وقد حُقق في عوامل الخطر الوراثية للانزلاق الغضروفي في دراسة دولية قادتها مجموعة بحثية من فلندا.

وحللت الدراسة، التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، برئاسة يوهانس كيتونين، من وحدة أبحاث الصحة السكانية بكلية الطب والمركز الحيوي في جامعة أولو، البيانات الجينية والصحية لنحو 830 ألف مشارك من بنوك حيوية قوية، مثل «البنك الحيوي الفلندي والإستوني» و«البنك الحيوي البريطاني»، وقيّمت دور مجموعات البيانات الكبيرة في الكشف عن العلاقات الجينية المعقدة. وكان لاكتشاف 5 مناطق جينومية جديدة مرتبطة بحالات أكثر شدة تتطلب الجراحة أهمية كبيرة للتأكيد على إمكانية تصميم التدخلات الطبية.

وحددت الدراسة، بالإضافة إلى ذلك، ارتباطات جديدة بالقرب من الجينات المرتبطة بالجهاز العصبي ووظيفة الأعصاب. وقد أدت النتائج المتعلقة بوظائف الجهاز العصبي إلى زيادة فهمنا العلاقة بين الانزلاق الغضروفي العرضي والألم المنتشر.

جينات الاستعداد الوراثي

وقال فيلي سالو، الباحث في جامعة أولو والمحلل الرئيسي في الدراسة، إنهم وجدوا جينات الاستعداد الوراثي التي يمكنها تفسير إطالة الألم جزئياً وكذلك الاختلافات التي لوحظت سريرياً في الألم الذي يعانيه المرضى.

وهذا ما يساعد في تطوير أساليب إدارة الألم لمرضى الانزلاق الغضروفي الذين يعانون آلاماً شديدة، وبالتالي تحسين نوعية حياتهم، كما يقول المختص في الطب الطبيعي الذي شارك في البحث، جوهاني ماتا، من وحدة أبحاث العلوم الصحية والتكنولوجيا بكلية الطب في جامعة أولو بفنلندا.

و«الانزلاق الغضروفي القطني» هو إصابة للغضروف بين فقرتين من العمود الفقري، وعادة ما يحدث بسبب الإجهاد المفرط أو صدمة للعمود الفقري، ويعدّ من أكثر التغيرات البنيوية شيوعاً في أسفل الظهر، كما أنه السبب الأكثر شيوعاً لـ«الألم المنتشر» الذي يسمى «عرق النسا»؛ إذ يحدث «الألم المنتشر» بسبب تهيج الأعصاب الذي يحدث بسبب ضيق العصب الناجم عن الانزلاق، وخصوصاً بسبب زيادة العوامل الالتهابية في منطقة الانزلاق الغضروفي.

والانزلاق الغضروفي شائع جداً حتى لدى الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض. ويزداد تكراره مع تقدم العمر، ويسبب أعراضاً لبعض الأشخاص فقط عندما يهيج العصب؛ فالعوامل المرتبطة بتطور الانزلاق الغضروفي معروفة نسبياً، لكن التحقيق في خلفيتها الوراثية لم يحظ باهتمام كبير.

التنبؤ بالإعاقة والألم بعد الجراحة

ووفقاً لدراسة نُشرت في 7 فبراير (شباط) 2024 بمجلة «JAMA»، وقادها بيورنار بيرج، من «مركز صحة الجهاز العضلي الهيكلي الذكي» بكلية العلوم الصحية في جامعة أوسلو النرويجية، فقد طور بيرج وزملاؤه نماذج التنبؤ بالإعاقة والألم بعد 12 شهراً من جراحة الانزلاق الغضروفي القطني، وأكدوا صحة هذه النماذج.

كما أكدت الدراسة على إمكانات التعلم الآلي في تعزيز عملية اتخاذ القرار السريري وإرشاد المرضى فيما يتعلق بنتائج جراحة الانزلاق الغضروفي القطني، فقد استخدم البحث مجموعة بيانات شاملة من السجل النرويجي لجراحة العمود الفقري، وحلل أكثر من 22 ألفاً و700 حالة لتطوير نماذج التنبؤ بالإعاقة والألم بعد الجراحة.

واكتشف الباحثون أن معدلات عدم نجاح العلاج كانت على النحو التالي: 33 في المائة للحالات التي قيست باستخدام «مؤشر أوزويستري للإعاقة (ODI)»، و27 في المائة للحالات التي قيست باستخدام «مقياس التصنيف العددي (NRS)» لألم الظهر، و31 في المائة للحالات التي قيست باستخدام المقياس نفسه؛ أي «مقياس التصنيف العددي لألم الساق».

وهذا يشير إلى أن نسبة كبيرة من المرضى لم يحققوا نتائج ناجحة في تقليل الإعاقة أو تخفيف الألم بعد جراحة الانزلاق الغضروفي القطني.

دعم التشخيصات

و«مؤشر أوزويستري للإعاقة Oswestry Disability Index (ODI)» مشتق من استبيان لآلام أسفل الظهر يستخدمه الأطباء والباحثون لقياس الإعاقة الناجمة عن آلام أسفل الظهر ونوعية الحياة. و«أوزويستري» مدينة تاريخية في شروبشاير بإنجلترا.

أما «مقياس التقييم الرقمي (NRS) Numeric Rating Scale» فيقيس مستوى الألم من 0 إلى 10 (حيث يشير 0 إلى عدم وجود ألم، و10 إلى ألم شديد).

ويشير استخدام البيانات قبل الجراحة بوصفها متنبئات إلى أنه يمكن دمج هذه النماذج في سير العمل السريري عبر أنظمة السجلات الطبية الإلكترونية، مما يدعم «التشخيصات الشخصية» ويساعد في اتخاذ القرارات المشتركة للجراحة.

ويؤكد المؤلفون على الحاجة إلى مزيد من التحقق الخارجي بسجلات جراحة العمود الفقري الأخرى؛ لتوسيع نطاق التطبيق. كما يمثل هذا التطور خطوة مهمة نحو الطب الدقيق في جراحة العمود الفقري، مما قد يحسن نتائج المرضى ويحسن التخطيط الجراحي.