الشباب الأصحاء لم يكونوا معرضين أكثر لأخطار «الإنفلونزا الإسبانية»

تحليل رفات ضحايا جائحة عام 1918 يستبعد فرضية هلاكهم بسببها

فصيل عسكري أميركي بمدينة سياتل الأميركية خلال جائحة الإنفلونزا عام 1918
فصيل عسكري أميركي بمدينة سياتل الأميركية خلال جائحة الإنفلونزا عام 1918
TT

الشباب الأصحاء لم يكونوا معرضين أكثر لأخطار «الإنفلونزا الإسبانية»

فصيل عسكري أميركي بمدينة سياتل الأميركية خلال جائحة الإنفلونزا عام 1918
فصيل عسكري أميركي بمدينة سياتل الأميركية خلال جائحة الإنفلونزا عام 1918

أفادت دراسة جديدة بأن الأدلة الحديثة المستقاة من رفات ضحايا جائحة الإنفلونزا عام 1918 (الإنفلونزا الإسبانية)، تتناقض مع الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن الشباب الأصحاء كانوا معرضين للخطر والوفاة بشكل خاص.

تحليل رفات ضحايا الإنفلونزا

ويشير تحليل جديد للهياكل العظمية من جائحة الإنفلونزا عام 1918 إلى أن أولئك الذين كانوا ضعفاء بالفعل كانوا الأكثر عرضة للوفاة، وهو ما يتوافق مع النمط المعتاد للأوبئة. وكانت فرضيات مختلفة قدمت لتفسير تعرض الشباب بشكل خاص لإنفلونزا عام 1918؛ إذ افترض بعضها أن أجهزتهم المناعية لم تكن مستعدة بشكل جيد بسبب عدم التعرض المسبق للفيروس، بينما افترضت أخرى أن استجاباتهم المناعية (أي رد فعل الجسم) القوية ربما كانت هي القاتلة.

واستخدم الباحثون بقيادة أماندا ويسلر، الأستاذة المساعدة في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة «ماكماستر هاميلتون» في أونتاريو بكندا والمؤلفة الرئيسية للدراسة التي نشرت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بمجلة «PNAS Proceedings of the National Academy of Sciences»، هياكل العظام لمجموعة من الأفراد الذين توفوا في الفترة ما بين عامي 1910 و1938 وقسموهم إلى مجموعتين؛ مجموعة مرجعية توفيت قبل الوباء وبالتالي لم يتعرضوا للفيروس، وأخرى توفيت خلاله.

وكشفت نتائج هذه الدراسة عن أن الضعفاء كانوا لا يزالون هم الأكثر عرضة للإصابة بالإنفلونزا، مما يتناقض مع الفكرة السائدة بأن الشباب الأصحاء كانوا هم الأكثر تأثراً. وهذا يظهر أهمية التفاعل بين العوامل الاجتماعية والثقافية والمناعية في تحديد مصير الأفراد في حياتهم ووفاتهم حتى في الماضي البعيد.

يتفق العلماء على أن الإنفلونزا والأمراض المعدية الأخرى عادةً ما تصيب الأطفال الصغار وكبار السن بشدة؛ لأن أجهزتهم المناعية لا تستطيع محاربة مسببات الأمراض بشكل فعال، ومع ذلك خلال جائحة الإنفلونزا 1918 - 1919 لاحظ الأطباء والمراقبون الآخرون ارتفاع عدد الوفيات بين الشباب الذين يفترض أنهم أشخاص بالغون في صحة جيدة. وقد أكدت مجموعة كبيرة من الدراسات الحديثة التي تستخدم بيانات من جميع أنحاء العالم ارتفاع معدل الوفيات بين سن 20 و 40 عاماً تقريباً.

فرضيات مختلفة

وقد ابتكر مختلف الباحثين فرضيات مفصلة لتفسير هذه النتيجة غير المتطابقة؛ إذ افترضت إحدى المجموعات أنه في أوائل القرن العشرين لم يواجه الشباب سوى نسخ مختلفة من فيروس الإنفلونزا الذي بدأ ينتشر في أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر. وعندما وصل فيروس الجائحة في عامي 1918 و1919 لم تكن أجهزتهم المناعية مستعدة لمحاربته. وفي المقابل، كان كبار السن قد تعرضوا في السابق لفيروسات الإنفلونزا الأكثر تشابهاً مع الفيروس الوبائي، وبالتالي حصلوا على بعض الحماية، وألقى علماء آخرون اللوم على أجهزة المناعة القوية لدى الشباب بحجة أنها بالغت في رد الفعل تجاه الفيروس، مما أطلق العنان لاستجابة التهابية قاتلة، وهذا ما حدث بالفعل قي تأثير مماثل لدى بعض المرضى الذين ماتوا بسبب «كوفيد19».

انتشار مرض السل عامل مساهم

ولكن إذا كانت أماندا ويسلر، وشارون ديويت، عالم الأنثروبولوجيا في جامعة كولورادو، على حق، فإن الباحثين بحاجة إلى معرفة السبب الذي يجعل كثيراً من الشباب ضعفاء وضعفاء جداً، وتجسد في أحد الاحتمالات، الذي اقترحه آندرو نويمر، عالم الأوبئة من إدارة الصحة السكانية والوقاية من الأمراض في «جامعة كاليفورنيا إيرفين» والذي لم يكن مشاركاً في البحث، وهو أن مرض السل الذي كان شائعاً في ذلك الوقت ويؤثر عادة على الناس في وقت مبكر من الحياة أضعف كثيراً من الشباب وجعلهم عرضة للإصابة بالإنفلونزا.

فهم الأنماط التاريخية لدرء مخاطر الأوبئة المستقبلية

يقول شارون ديويت، الذي قام بتحليل الهياكل العظمية لـ81 شخصاً ماتوا في كليفلاند أوهايو بين سبتمبر (أيلول) 1918 ومارس (آذار) 1919؛ حيث ضرب الوباء المدينة بين هذين التاريخين، إن فهم مثل هذه الأنماط التاريخية أمر مهم؛ لأن المعرفة قد تساعدنا في التخفيف من مخاطر الأوبئة المستقبلية، وأظهرت أماندا ويسلر وباحثون آخرون أنه خلال فترة انتشار الموت الأسود (الطاعون الرئوي) في القرن الرابع عشر الميلادي كان الأشخاص الذين يعانون من علامات الضعف أكثر عرضة للوفاة.

وبالمثل أثبت مرض فيروس «كورونا» (COVID-19) أنه مميت للمرضى الذين يعانون من مشكلات صحية كامنة مثل السمنة وأمراض القلب والسكري وأمراض مزمنة أخرى.


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages
TT

جدل أخلاقي حول «تحرير الجينوم البشري» لإنجاب أطفال معدّلين وراثياً

gettyimages
gettyimages

أثار التغيير الأخير في إرشادات البحث الصحي الوطنية بجنوب أفريقيا الذي صدر في مايو (أيار) 2024 موجة من الجدل الأخلاقي، إذ يبدو أنه يفتح الطريق أمام استخدام تقنية تحرير الجينوم لإنجاب أطفال معدلين وراثياً مما يجعل جنوب أفريقيا أول دولة تتبنى هذ ا التوجه بشكل علني.

القصّ الجيني

ويعود السبب في الخلاف الحاد حول تحرير الجينوم البشري الوراثي (الفصّ الجيني) إلى تأثيراته الاجتماعية وإمكانياته المتعلقة بالانتقاء الجيني، ويعدُّ هذا التوجه مثيراً للاستغراب نظراً للمخاطر العالية التي تحيط بهذه التقنية.

وقد لفتت الانتباه إلى أن جنوب أفريقيا بصدد تسهيل هذا النوع من الأبحاث، كما ذكرت كاتي هاسون المديرة المساعدة في مركز علم الوراثة والمجتمع المشاركة في تأليف مقالة نشرت في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة The Conversation.

وكان عام 2018 شهد قضية عالم صيني قام بتعديل جينات أطفال باستخدام تقنية «كريسبر» CRISPR لحمايتهم من فيروس نقص المناعة البشرية، مما أثار استنكاراً عالمياً وانتقادات من العلماء والمجتمع الدولي الذين رأوا أن هذا الاستخدام غير مبرر. وانتقد البعض سرية الطريقة، في حين شدد آخرون على ضرورة توفير رقابة عامة صارمة حول هذه التقنية ذات الأثر الاجتماعي الكبير.

معايير جديدة

ومع ذلك يبدو أن جنوب أفريقيا قد عدلت توجيهاتها للأبحاث في الصحة لتشمل معايير محددة لأبحاث تحرير الجينوم الوراثي لكنها تفتقر إلى قواعد صارمة تتعلق بالموافقة المجتمعية رغم أن التوجيهات تنص على ضرورة تبرير البحث من الناحية العلمية والطبية مع وضع ضوابط أخلاقية صارمة وضمان السلامة والفعالية. إلا أن هذه المعايير ما زالت أقل تشدداً من توصيات منظمة الصحة العالمية.

* التوافق مع القانون. وتأتي هذه الخطوة وسط انقسام في القانون بجنوب أفريقيا حيث يحظر قانون الصحة الوطني لعام 2004 التلاعب بالمواد الوراثية في الأجنة لأغراض الاستنساخ البشري. ورغم أن القانون لا يذكر تقنيات تعديل الجينات الحديثة مثل «كريسبر» فإن نصوصه تشمل منع تعديل المادة الوراثية البشرية ما يُلقي بتساؤلات حول التوافق بين القانون والتوجيهات الأخلاقية.

* المخاوف الأخلاقية. ويثير هذا التطور مخاوف واسعة بما في ذلك تأثيرات تقنية كريسبر على النساء والآباء المستقبليين والأطفال والمجتمع والنظام الجيني البشري ككل. وأثيرت تساؤلات حول إمكانية أن تكون جنوب أفريقيا مهيأة لاستقطاب «سياحة علمية»، حيث قد تنجذب مختبرات علمية من دول أخرى للاستفادة من قوانينها الميسرة.

استخدام تقنية «كريسبر»

وفي سابقة هي الأولى من نوعها في العالم وافقت الجهات التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة العام الماضي على علاج جيني لاضطرابين في الدم.

ويعد علاج مرض «فقر الدم المنجلي» و«بيتا ثلاسيميا» أول علاج يتم ترخيصه باستخدام أداة تحرير الجينات المعروفة باسم كريسبر. ويعد هذا تقدماً ثورياً لعلاج حالتين وراثيتين في الدم وكلاهما ناتج عن أخطاء في جين الهيموغلوبين، حيث ينتج الأشخاص المصابون بمرض فقر الدم المنجلي خلايا دم حمراء ذات شكل غير عادي يمكن أن تسبب مشكلات لأنها لا تعيش طويلاً مثل خلايا الدم السليمة، ويمكن أن تسد الأوعية الدموية مما يسبب الألم والالتهابات التي تهدد الحياة.

وفي حالة المصابين ببيتا ثلاسيميا فإنهم لا ينتجون ما يكفي من الهيموغلوبين الذي تستخدمه خلايا الدم الحمراء لحمل الأكسجين في جميع أنحاء الجسم، وغالباً ما يحتاج مرضى بيتا ثلاسيميا إلى نقل دم كل بضعة أسابيع طوال حياتهم

علاج واعد لاضطرابات الدم

الموافقة عليه أخيراً في المملكة المتحدة على تحرير الجينات باستخدام طريقة مطورة من تقنية «كريسبر - كاس 9» CRISPR - Cas 9 لعلاج مرض فقر الدم المنجلي ومرض بيتا ثلاسيميا، من خلال تعديل الحمض النووي «دي إن إيه» بدقة حيث يتم أخذ الخلايا الجذعية من نخاع العظم وهي الخلايا المكونة للدم في الجسم من دم المريض.

ويتم تحرير الجينات باستخدام مقصات «كريسبر» الجزيئية بإجراء قطع دقيقة في الحمض النووي لهذه الخلايا المستخرجة واستهداف الجين المعيب المسؤول عن إنتاج الهيموغلوبين المعيب. ويؤدي هذا إلى تعطيل «الجين - المشكلة» وإزالة مصدر الاضطراب بشكل فعال ثم يعاد إدخال الخلايا المعدلة إلى مجرى دم المريض. ومع اندماج هذه الخلايا الجذعية المعدلة في نخاع العظم تبدأ في إنتاج خلايا الدم الحمراء الصحية القادرة على العمل بشكل طبيعي حيث يصبح الجسم الآن قادراً على توليد الهيموغلوبين المناسب.

وقد أظهرت هذه العملية نتائج واعدة في التجارب السريرية فقد تم تخفيف الألم الشديد لدى جميع مرضى فقر الدم المنجلي تقريباً (28 من 29 مريضاً) ولم يعد 93 في المائة من مرضى ثلاسيميا بيتا (39 من 42 مريضاً) بحاجة إلى نقل الدم لمدة عام على الأقل. ويشعر الخبراء بالتفاؤل بأن هذا قد يوفرعلاجاً طويل الأمد وربما مدى الحياة.

ويقود البروفسور جوسو دي لا فوينتي من مؤسسة إمبريال كوليدج للرعاية الصحية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، التجارب في المملكة المتحدة لهذا العلاج لكل من البالغين والأطفال، ويصفه بأنه اختراق تحويلي مع وجود نحو 15 ألف شخص في المملكة المتحدة مصابين بمرض فقر الدم المنجلي ونحو ألف مصابين بالثلاسيميا، إذ يمكن أن يحسن «كاسجيفي» نوعية الحياة بشكل كبير، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يواجهون نطاق علاج محدود.

وتُعد «كريسبر - كاس 9» واحدة من الابتكارات الرائدة التي أحدثت تحولاً في الأبحاث الطبية والأدوية رغم أن استخدامها يثير جدلاً أخلاقياً، نظراً لاحتمالية تأثير تعديل الجينات على الأجيال المقبلة. وقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2020 لجنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه لمساهمتهما الأساسية في اكتشاف طريقة فعالة لتحرير الجينات، أي التدخل الدقيق الذي يسمح بإدخال التعديلات المطلوبة داخل الحمض النووي بطريقة بسيطة بكفاءة وسريعة واقتصادية.