هل يمكن لطفل في العاشرة أن يكون مسؤولاً عن ارتكاب جريمة؟

تجدد المناقشات الطبية الحقوقية حول سِن تحديد المسؤولية الجنائية

هل يمكن لطفل في العاشرة أن يكون مسؤولاً عن ارتكاب جريمة؟
TT

هل يمكن لطفل في العاشرة أن يكون مسؤولاً عن ارتكاب جريمة؟

هل يمكن لطفل في العاشرة أن يكون مسؤولاً عن ارتكاب جريمة؟

من المعروف أن فترة الطفولة تمتد -من الناحية الطبية- حتى سن الثامنة عشرة، أي بداية دخول الجامعة في معظم الدول؛ لكن ابتداءً من سن المراهقة يحدث تغير كبير في سلوك الأطفال، ويكون أقرب ما يكون لأفعال البالغين. وحتى لو اتسمت هذه السلوكيات بالرعونة والتهور فإنها تظل أفعال إرادية.

سن المسؤولية الجنائية

ولذلك كان موضوع بداية السن التي يمكن معها تحديد المسؤولية الجنائية (criminal responsibility) عن ارتكاب فعل ضد القانون، موضوعاً جدلياً دائماً بين رجال القانون والأطباء. وأخيراً تجدد النقاش في أستراليا حول سن اعتقال الطفل، بعد أن رفعت إحدى الولايات الأسترالية العام الماضي سن المسؤولية الجنائية، من 10 إلى 12 عاماً.

وكان السؤال المطروح هو: «هل يمكن للطفل في العاشرة أن يرتكب جريمة؟». والحقيقة أن الإجابة على ذلك السؤال تستلزم معرفة الرأي العلمي لأطباء الأعصاب والأطباء النفسيين، في التغييرات التي تحدث في مخ الطفل بين سن 10 و14 عاماً، ومعرفة لأي مدى يمكن للأطفال في هذه المرحلة العمرية فهم عواقب أفعالهم. وذلك بعد إجراء مئات الأبحاث الجديدة حول نمو المراهقين التي أظهرت عدم نضج المخ بشكل كامل، ما دفع لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة لرفع سن المسؤولية الجنائية إلى 14 عاماً، سنة 2007، بعد أن كانت 12 عاماً فقط.

ويقول رجال القانون إن المسؤولية الجنائية التي يمكن بها اعتبار شخص معين مذنباً تعتمد على عدة نقاط مهمة، مثل: «لأي مدى يكون الشخص قادراً على فهم تصرفه، ومعرفة ما إذا كان هذا التصرف خطأ قانونياً من عدمه»، بجانب أن يكون الشخص غير واقع تحت تأثير مادة معينة تتحكم في أفعاله. وعلى هذا الأساس يمكن لمن يدرك معنى فعل معين وقام بارتكابه أن يكون مجرماً ومستحقاً للعقوبة، بغض النظر عن سنه.

موقف علماء الأعصاب

يوضح علماء الأعصاب أن الأمر ليس بهذه البساطة؛ لأن تطور المخ؛ على الرغم من أنه يبدأ في مرحلة الطفولة المتأخرة -أي من 8 إلى 9 سنوات- فإن تغييرات مكثفة على المستوي الفسيولوجي والنفسي والإدراكي تحدث خلال مرحلة المراهقة المبكرة، من سن 10 إلى 14 عاماً. وهذه التغييرات تستمر حتى بداية العشرينات من العمر، ولا يتم الوصول إلى النضج المعرفي والعاطفي الكامل في الأغلب إلا في نحو سن 24 عاماً.

المشكلة الحقيقية أن التطور الإدراكي والمعرفي لا يحدث في السن نفسها لدى كل البشر. وينضج المخ بشكل مختلف؛ خصوصاً أن فترة المراهقة المبكرة تتميز بزيادة هرمونات البلوغ، مثل هرمون الذكورة، التستوستيرون (testosterone)، وهرمون الأنوثة، الإستروجين (estrogen)، والتي بدورها تؤدي إلى حدوث تغييرات عصبية في المخ بجانب تأثيرها الهرموني. وعلى الرغم من أن هذه الهرمونات تزداد بشكل حاد بين سن العاشرة والخامسة عشرة فإن تأثيرها التدريجي يستمر حتى أوائل العشرينات من العمر.

والتغيرات التي تُحدثها هذه الهرمونات فسيولوجية في الأساس، بمعنى أنها تؤثر على منطقة معينة في المخ تسمى «amygdala»، مسؤولة عن العواطف، وهي من أبطأ المناطق في المخ التي يحدث لها تطور، ما يجعل المراهق أكثر استجابة للأفعال العاطفية التي تثير الإعجاب، وتعتمد على الحماسة والاندفاع حتى لو كانت بإرادته الكاملة، ولكنه في الحقيقة يكون مدفوعاً بالرغبة في نيل الإعجاب والإطراء، ذلك أن تأثير هرمونات المكافأة على المخ مثل تأثير المخدرات. وهذا الأمر يُفسر قيام المراهقين بتنفيذ جرائم عنيفة جداً لأسباب تافهة، مثل الإقدام على قتل شخص مشهور لمجرد لفت نظر فتاة.

ويكون المراهق في هذه السن -من العاشرة وحتى الخامسة عشرة- عرضة للعواطف بدرجة كبيرة، لذلك على الرغم من اكتمال المخ عضوياً فإنه لا يكون جاهزاً لاتخاذ قرار معقد تترتب عليه تبعات خطيرة؛ لأن قدرته على التفكير في العواقب وحسابات المكسب والخسارة تحجبها العاطفة، وذلك لأن عملية اتخاذ القرار تعتمد على كثير من الوظائف العصبية الأساسية، بما في ذلك مرونة المخ والذاكرة، والقدرة على التحكم في الدوافع وإدارة الغضب.

كل من يدرك معنى فعل معين ارتكبه يستحق العقوبة بغض النظر عن سنه

وقد أظهرت الأبحاث أن الأطفال الذين تتراوح سنهم بين 13 و14 عاماً شعروا بالتشتت والعجز عن إكمال مهمة معينة، وكانوا أقل قدرة على التحكم في سلوكهم عندما شاهدوا صوراً جعلتهم يشعرون بمشاعر سلبية، بجانب أن الحياة الاجتماعية للمراهقين لها تأثير كبير على كيفية اتخاذهم للقرارات؛ خصوصاً في مرحلة المراهقة المبكرة؛ حيث يتطلع المراهقون الذين تتراوح سنهم بين 12 و14 عاماً إلى أقرانهم، ويحاولون تقليد سلوكهم وطريقتهم في التعامل.

وفي تجارب سابقة على مراهقين في بداية المراهقة، تبين أنهم يميلون إلى اتخاذ قرارات أكثر خطورة، وتميل إلى التهور والحدة، عندما يكونون مع أقرانهم، مقارنة بالقرارات التي يتخذونها وهم بمفردهم. وهو الأمر الذي يُفسر لماذا تكون معظم الجرائم في هذه الفترة جماعية، وفي الأغلب وليدة اللحظة وغير مبررة، مثل السطو على المتاجر، على الرغم من الحالة الاجتماعية الجيدة لمرتكبي هذه الجرائم؛ لأن الغرض لا يكون السرقة في الأساس، ولكن الرغبة في المكافأة والتميز وإظهار الشجاعة.

هناك أيضاً عدد من الأسباب التي يمكن أن تجعل مخ المراهقين يتطور بشكل مختلف عن البالغين، نتيجة لتغيير في أنسجة المخ، مثل الإعاقة العصبية (neurodisability) نتيجة لإصابة المخ بعد الولادة، أو تأثير شرب الأم الكحوليات خلال الحمل، وكذلك مرض نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD) والتأخر العقلي، فضلاً عن الصدمات النفسية المختلفة، ما يجعل المراهق في هذه السن غير مسؤول تماماً عن أفعاله.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

11 علامة تدل على ارتفاع السكر في الدم

صحتك مريضة سكري تقيس مستوى السكر في دمها (رويترز)

11 علامة تدل على ارتفاع السكر في الدم

يمكن أن يسبب الارتفاع المستمر للسكر في الدم أعراضاً صحية خطيرة، فما هي علامات فرط سكر الدم؟

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك الطيران يُسبب الجفاف لذا تأكد من الحصول على كمية كافية من السوائل (رويترز)

ضوضاء الطائرات قد تؤذي سمعك... كيف تحمي نفسك؟

حتى لو استطعت تجاهل أصوات بكاء الأطفال وإعلانات الطيارين الصاخبة، فقد تظل الأجواء داخل الطائرات غير مريحة لأذنيك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك كلاب مدربة تكتشف مرض الشلل الرعاش عبر الرائحة (جامعة بريستول)

كلاب مدرّبة تكتشف مرض الشلل الرعاش بدقة 98 %

أفادت دراسة بريطانية حديثة بأن الكلاب المدربة قادرة على اكتشاف مرض باركنسون (الشلل الرعاش) عبر شم رائحة الجلد بدقة تصل إلى 98 في المائة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك وجدت الدراسات أن بعض الأطعمة قد تُفاقم الالتهاب في الجسم (أرشيفية)

هل تشعر بألم في المفاصل؟ هذه الأطعمة قد تكون السبب

الاختيارات الغذائية الذكية مهمة للجميع، خصوصاً لمن يعانون من آلام المفاصل والالتهابات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الثوم يساعد في دعم خفض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية (أ.ف.ب)

كيف يؤثر تناول الثوم على ضغط دمك؟

 يساعد الثوم على خفض ضغط الدم، خاصةً لدى الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم، سواءً أُكل طازجاً أو تم تناوله كمكمل غذائي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

11 علامة تدل على ارتفاع السكر في الدم

مريضة سكري تقيس مستوى السكر في دمها (رويترز)
مريضة سكري تقيس مستوى السكر في دمها (رويترز)
TT

11 علامة تدل على ارتفاع السكر في الدم

مريضة سكري تقيس مستوى السكر في دمها (رويترز)
مريضة سكري تقيس مستوى السكر في دمها (رويترز)

قد يتطور ارتفاع السكر في الدم (فرط سكر الدم) تدريجياً، حيث تبدأ الأعراض بشكل خفيف مثل التعب والعطش، ما يجعلها تمر دون ملاحظة أحياناً لسنوات. لكن مع مرور الوقت، يمكن أن يسبب هذا الارتفاع تلفاً في الأوعية الدموية ويؤدي إلى مضاعفات خطيرة على العينين والقلب والكلى والقدمين.

ما هي علامات ارتفاع السكر في الدم؟

العطش الشديد

عندما ترتفع مستويات السكر، تعمل الكلى على طرد السكر الزائد عبر البول، ما يؤدي إلى فقدان السوائل من الجسم والإحساس المستمر بالعطش وجفاف الفم، حسب موقع «فيري ويل هيلث» الطبي.

التبول المتكرر

الحاجة المتكررة للتبول، خصوصاً ليلاً، دليل شائع على ارتفاع السكر؛ إذ يسحب الجسم الماء من الأنسجة لطرد السكر الزائد.

الجوع المفرط

على الرغم من وجود سكر في الدم، فإن الجسم لا يستطيع استخدامه جيداً، ما يدفع الشخص للشعور بالجوع بشكل دائم.

ضبابية الرؤية

يسحب الجسم السوائل من أنسجة العين للتعامل مع السكر الزائد، ما يؤدي إلى تشوش في الرؤية.

التعب

عدم استخدام الخلايا للسكر كطاقة يؤدي إلى الشعور بالوهن والتعب.

العدوى المتكررة

ارتفاع السكر يضعف جهاز المناعة، ويزيد من فرص الإصابة بعدوى فطرية أو بكتيرية، خصوصاً عند النساء.

مشاكل جلدية

جفاف الجلد وبطء شفاء الجروح، إضافةً إلى ظهور بقع داكنة على الرقبة، هي مؤشرات على مقاومة الإنسولين.

تقلّب المزاج

ربطت بعض الدراسات بين ارتفاع السكر وتقلبات مزاجية مثل التوتر والانفعال.

آلام المعدة

ضرر الأعصاب الناتج عن ارتفاع السكر في الدم قد يؤدي إلى بطء الهضم وآلام في المعدة.

فقدان الوزن غير المبرر

خصوصاً لدى الأطفال، حيث لا يستطيع الجسم استخدام السكر كمصدر للطاقة، فيبدأ بحرق الدهون والعضلات.

التنميل

ضرر الأعصاب الطرفية بسبب السكر المزمن يسبب شعوراً بالتنميل أو الوخز في اليدين والقدمين.

عند ملاحظة هذه الأعراض، يُنصح بمراجعة الطبيب لتقييم الحالة وتفادي المضاعفات المحتملة مثل أمراض القلب، والضعف الجنسي، وأمراض الكلى، ومشاكل الحمل.