نظام جديد لتشخيص السمنة وعلاجها

مُطالبة بضرورة مراعاة أحدث التطوّرات الطبية في هذا المجال

شخص يعاني السمنة يمارس رياضة الجري (جامعة غرناطة)
شخص يعاني السمنة يمارس رياضة الجري (جامعة غرناطة)
TT
20

نظام جديد لتشخيص السمنة وعلاجها

شخص يعاني السمنة يمارس رياضة الجري (جامعة غرناطة)
شخص يعاني السمنة يمارس رياضة الجري (جامعة غرناطة)

أطلقت «الرابطة الأوروبية لدراسة السمنة» إطار عمل جديداً، يتضمّن مجموعة من التوصيات لتشخيص المرض وعلاجه لدى البالغين، يمكنه أن يعزّز من الجهود المبذولة لتحديد مراحله المختلفة وكيفية إدارتها.

جاءت التوصيات ضمن نتائج دراسة حديثة نُشرت، الجمعة، في دورية «نيتشر ميديسين» تُطالب بضرورة تحديث عمليات تشخيص السمنة وعلاجها، ومراعاة أحدث التطوّرات الطبية في هذا المجال، بما فيها الجيل الجديد من أدويتها.

ووفق النتائج، فإنه مع الأخذ في الحسبان كيفية توزيع الدهون في الجسم، يمكن أن يستفيد عدد أكبر بكثير من الأشخاص من علاج السمنة، ومنهم الواقعون تحت مستوى القيمة المعيارية لمؤشر كتلة الجسم المعروف لهذا المرض.

وكشفت الدراسة أنه لم يعد من الممكن لنظام تشخيص السمنة وإدارتها، أن يقتصر على مؤشر كتلة الجسم الذي يستبعد عدداً من الأشخاص الذين قد يستفيدون من العلاج.

ورغم الاعتراف الواسع بالسمنة بوصفها مرضاً مزمناً متعدّد العوامل، يتّسم بتراكم غير طبيعي و/أو مفرط للدهون في الجسم، فلا يزال تشخيصها يعتمد على مؤشر كتلة الجسم فقط، ولا يعكس دور توزيع الأنسجة الدهنية ووظيفتها في تعيين شدّة المرض.

ومؤشر كتلة الجسم ‏هو قيمة مشتقة من كتلة الشخص وطوله، ويُعرَّف بأنه ناتج كتلة الجسم مقسومة على مربع ارتفاعه. وتبلغ القيمة المعيارية للمؤشر للقول إنّ شخصاً يعاني السمنة: 30 كجم/م2.

وكانت المجموعة التوجيهية للرابطة قد جمعت سلسلة من البيانات حول تشخيص السمنة ومراحلها وعلاجها؛ لمواكبة إدارة تلك الحالات المرضية بما يتماشى مع أحدث التطوّرات العلمية.

ويقول الباحثون في بيان: «أحد العناصر الجديدة المهمّة لهذا التغيير، هو الاعتراف بأنّ مؤشر كتلة الجسم وحده لا يكفي معياراً تشخيصياً، وأن توزيع الدهون بالجسم يُخلّف تأثيراً كبيراً في الصحة»، موضحين أنّ «تراكم الدهون بمنطقة البطن يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمضاعفات استقلاب القلب، وهو محدِّد أقوى لتطوّر السمنة من مؤشر كتلة الجسم، حتى في الأفراد الذين لديهم قيمة أقل من القيم المعيارية لتشخيص هذا المرض».

ويوضح الإطار الجديد أنّ تراكم الدهون في منطقة البطن (الدهون الحشوية) هو عامل خطر مهم لتدهور الصحة، حتى لدى أولئك الذين يعانون انخفاض مؤشر كتلة الجسم، ولا يزالون خالين من المظاهر السريرية العلنية؛ ولكنهم يعانون زيادة تراكم الدهون في البطن، مع وجود إعاقات طبية أو وظيفية أو نفسية ناتجة عن ذلك.

وأوضح الباحثون أنّ توصياتهم لعلاج الأشخاص الذين يعانون السمنة، تلتزم أيضاً بشكل كبير بالمبادئ التوجيهية الحالية، إذ اتُّفق على التعديلات السلوكية، بما فيها العلاج الغذائي والنشاط البدني وتقليل التوتّر وتحسين النوم، بوصفها حجر الزاوية الرئيسي لإدارة السمنة، مع إمكان إضافة العلاج النفسي وأدوية السمنة وإجراءات التمثيل الغذائي، أو علاجات هذا المرض (الجراحية والتنظيرية).

ويوصي أعضاء اللجنة التوجيهية بأن يؤخذ في الحسبان استخدام أدوية السمنة في المرضى البالغ لديهم مؤشر كتلة الجسم 25 كجم/م2 أو أعلى، مع وجود مشكلات طبية ووظيفية، أو أي إعاقات أو مضاعفات نفسية، بشكل مستقل عن القيم الحالية لمؤشر كتلة الجسم.

وخلص الباحثون إلى أنّ «هذا الإطار سيقرّب إدارة السمنة من إدارة الأمراض المزمنة غير المعدية، التي لا يتمثّل الهدف فيها في تحقيق نتائج متوسّطة قصيرة الأجل، ولكن من خلال فوائد صحّية طويلة الأجل»، مطالبين بأن نأخذ في الحسبان مرحلة المرض وشدّته والخيارات العلاجية المتاحة، والآثار الجانبية أو المخاطر المحتملة، وتفضيلات المريض، والدوافع الفردية للسمنة والعوائق المحتملة أمام العلاج.


مقالات ذات صلة

شهر ميلادك قد يتحكم في احتمالية إصابتك بالسمنة

صحتك الأشخاص الذين يولدون خلال الأشهر الباردة قد يتمتعون بمؤشر كتلة جسم أقل (أ.ب)

شهر ميلادك قد يتحكم في احتمالية إصابتك بالسمنة

أظهرت دراسة جديدة أن الأشخاص الذين يولدون خلال الأشهر الباردة يتمتعون بمؤشر كتلة جسم أقل، ودهون أقل حول الأعضاء الداخلية، مقارنةً بمن يُولدون في الأشهر الدافئة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق السمنة حالة صحية تتمثل في زيادة مفرطة بدهون الجسم (جامعة نوتنغهام)

السمنة تهدد البشر بـ16 مرضاً

حذّرت دراسة أميركية من أن السمنة، خصوصاً في درجاتها الشديدة، ترتبط بارتفاع خطر الإصابة بـ16 حالة صحية شائعة تؤثر على أجهزة متعددة بالجسم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك يبقى البروتين جزءاً أساسياً في نظامنا الغذائي شرط ألا يكون تناوله مفرطاً (رويترز)

هل أنتم ضحية هوس البروتين؟ اكتشفوا الحقيقة قبل فوات الأوان

يُعد البروتين عنصراً أساسياً للحفاظ على صحة الجسم ولكن هل تعلمون أن الإفراط في تناوله قد يكون ضاراً؟

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك اتباع نظام الصيام المتقطع لمدة ثلاثة أيام فقط في الأسبوع يساعد في إنقاص الوزن (د.ب.أ)

أفضل من تقييد السعرات... نظام غذائي فعّال يمكنك اتباعه 3 أيام فقط أسبوعياً

أكدت دراسة جديدة أن الصيام ثلاثة أيام فقط في الأسبوع قد يؤدي إلى فقدان وزن أكبر ونتائج صحية أفضل من حساب السعرات الحرارية ومحاولة تقليل الكمية المستهلكة كل يوم.

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك نصيحة بتقليل الملح في الأطعمة الشائعة (جامعة تافتس الأميركية)

الإفراط في ملح الطعام يزيد من خطر سمنة البطن

ربطت دراسة فنلندية بين كمية الصوديوم أو ملح الطعام المستهلكة في النظام الغذائي وزيادة خطر الإصابة بالسمنة، خصوصاً سمنة البطن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

راقبت أمهاتهم قبل 35 عامًا.. تجربة علمية تحاول سبر أغوار أدمغة الأطفال والرضع

لا يعرف العلماء بعد متى تترسخ المهارات في دماغ الرضيع (بي بي سي)
لا يعرف العلماء بعد متى تترسخ المهارات في دماغ الرضيع (بي بي سي)
TT
20

راقبت أمهاتهم قبل 35 عامًا.. تجربة علمية تحاول سبر أغوار أدمغة الأطفال والرضع

لا يعرف العلماء بعد متى تترسخ المهارات في دماغ الرضيع (بي بي سي)
لا يعرف العلماء بعد متى تترسخ المهارات في دماغ الرضيع (بي بي سي)

هنري، ابن العامين، منبهرٌ تماماً بجهاز «الآيباد» أمامه. في كل مرة يظهر فيها وجه مبتسم، ينقر على الشاشة، فتتحول نقرته إلى رسم كاريكاتيري لحيوان راقص، وفق تقرير لشبكة «بي بي سي» البريطانية عن مشروع رائد يسعى لاكتشاف ماذا يحدث داخل أدمغة الأطفال.

ووفق التقرير، تبدو اللعبة بسيطة ومتكررة، لكنها في الواقع اختبار لمهارة أساسية تتطور في دماغ الطفل الصغير. يرتدي هنري قبعة مزودة بأجهزة استشعار تخرج منها أسلاك متصلة بجهاز تحليلي كبير. وبينما يلعب هنري اللعبة، تفحص القبعة نشاط دماغه، وتكوّن صورةً عن مدى قدرته على التحكم في اتخاذ القرارات.

إنه اختبار للتحكم التثبيطي، وهو واحد من المهارات التي يقيسها علماء جامعة بريستول لدى الرضع والأطفال الصغار، كجزء من مهمة لفهم كيف ومتى يطور الأطفال قدرات تُمكّنهم من التركيز والتعلم.

يعلم العلماء بالفعل أن هذه المهارات بالغة الأهمية، لكنهم لا يعرفون بعد متى تترسخ في دماغ الرضيع.

يُتابع المشروع نمو مئات الأطفال -من سن ستة أشهر إلى خمس سنوات- وهم يكتسبون المهارات الأساسية التي ستُشكل قدراتهم الأكاديمية، والاجتماعية.

لكن ما يُميز هذا المشروع الرائد حقاً هو أنه تجربة بشرية ضمن تجربة بشرية أخرى استمرت عقوداً. إذ إن أمهات 300 طفل من الأطفال الذين تُدرس حالاتهم هنّ أنفسهن جزء من مشروع راقب صحتهن منذ صغرهن في تسعينات القرن الماضي.

وبالنسبة لدراسة نمو الطفل، فإن امتلاك كل هذه المعلومات الغنية عن الوالدين يُعد «فريداً من نوعه في العالم»، وفقاً للباحثة الرئيسة الدكتورة كارلا هولمبو.

وقالت: «نحن بحاجة إلى معرفة متى تتطور المهارات المختلفة، وعلينا فهم كيفية تطور كل طفل على حدة بمرور الوقت».

وأوضحت الدكتورة هولمبو أن الأطفال الذين يواجهون صعوباتٍ عند بدء الدراسة يميلون إلى الاستمرار في مواجهة هذه الصعوبات.

يمكن أن يستمر ذلك حتى مرحلة البلوغ. لذلك هناك مرحلة نمو كاملة نحتاج إلى فهمها، لنتمكن من دعم الأطفال في سن أصغر بكثير.

خلال الدراسة، دُعي المشاركون الصغار وأولياء أمورهم إلى مختبر علم النفس الجامعي للعب ألعاب علمية، وقياس نشاط أدمغتهم. خضع العديد منهم لفحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي في سن ستة أشهر، وثلاث سنوات، وخمس سنوات، مما أدى إلى تكوين صورة حقيقية لأدمغتهم الصغيرة النامية.

مفتاح لعبة الوجه المبتسم التي يلعبها هنري هو مكان ظهور ذلك الوجه على شاشة «آيباد»، فكما يعتاد الطفل الصغير على ظهور الوجه بشكل متكرر على الجانب الأيمن من شاشته، يبدأ بالظهور عشوائياً على الجانب الآخر أيضاً.

وأوضحت كارمل برو، مساعدة البحث: «نرى ما إذا كان هنري يستطيع مقاومة الرغبة في الاستمرار في النقر على اليمين، والبحث بدلاً من ذلك عن مكان الوجه المبتسم».

وأشارت الدكتورة هولمبو إلى أن هذه المهارة بالغة الأهمية عند بدء الأطفال الدراسة.

وقالت: «في الفصل الدراسي، يحتاج الطفل إلى القدرة على التركيز، وعدم تشتيت انتباهه. لتعلم أشياء جديدة، علينا أن نتخلص من العادات القديمة».

في غرفة أخرى، يلعب جاكسون، البالغ من العمر عامين أيضاً، لعبة مصممة لاختبار ذاكرته العاملة.

تشجعه مساعدة بحثية على مشاهدتها وهي تضع الملصقات في أوانٍ مختلفة. ثم يُطلب من الطفل الصغير تذكر الأوعية التي تحتوي على ملصقات، والتي لا تحتوي عليها. ما هو العامل المحفز؟ يستطيع جاكسون الاحتفاظ بجميع الملصقات التي يجدها.

وأوضحت الدكتورة هولمبو: «الذاكرة العاملة هي عندما نحتاج إلى الاحتفاظ ببعض المعلومات في أذهاننا لحل مسألة، أو إنجاز مهمة -مثل حل أحجية، أو حتى مجرد تذكر مكان وضع شيء ما قبل دقيقتين. بالنسبة للأطفال، يمكنك أن تتخيل أننا نحتاج إلى هذه المهارات عندما نتعلم الرياضيات، أو القراءة. هذه ما أسميه (الركائز الأساسية) لمهارات بالغة الأهمية».

ستقيّم الدراسة أيضاً تطور اللغة، وسرعة المعالجة -وهي مقياس لمدى سرعة استيعاب الأطفال للمعلومات الجديدة.

مشروع أطفال التسعينات

ويبلغ عمر مشروع «أطفال التسعينات» الآن 35 عاماً. ويركز المشروع بشكل أساسي على الصحة، من خلال تتبع 14500 طفل وُلدوا بين عامي 1991 و1992، وقد كشف عن رؤى ثاقبة حول السمنة، والتوحد، ومؤخراً تأثير الجائحة على الصحة النفسية.

وأُتيحت بيانات المشروع للعلماء حول العالم، واستُشهد بها في آلاف الأوراق العلمية.

وقدّمت إحدى الدراسات التي تناولت الأنظمة الغذائية لأطفال التسعينات أدلة على أنه رغم أن صعوبة اختيار الطفل للطعام غالباً ما تكون مثيرة للقلق، فإنه من غير المرجح أن يكون لها أي تأثير دائم على صحته، ونموه.

وبفضل الفحوصات الصحية المتكررة التي كانت أساسية للمشروع، كشف المشروع أيضاً أن واحداً من كل خمسة شباب يُظهر علامات مرض الكبد الدهني، وأن واحداً من كل 40 شاباً قد يُصاب بتندب الكبد -وهو مرض ناتج بشكل رئيس عن السمنة، واستهلاك الكحول.

وقد أظهر هذا مدى شيوع هذه الحالة، وقدّم رؤى ثاقبة حول طرق الوقاية منها من خلال النظام الغذائي.

وما زالت الاكتشافات العلمية تتوالى. وفي الشهر الماضي، كشفت دراسة أن الأطفال الذين يفتقرون إلى الأسماك الزيتية في وجباتهم الغذائية كانوا أقل اجتماعية، ولطفاً.

في هذه الدراسة الأخيرة -التي أجريت على أطفال التسعينات- يبحث العلماء تحديداً في القدرات التكوينية، وتطور الدماغ.

وإيميلي، التي دُرست عندما كانت طفلة في التسعينات، هي والدة هنري. اليوم، يجلس ابنها الصغير في حجرها وهو يعمل على أحد ألغاز فريق البحث المصممة بعناية.

 

إيميلي عندما كانت طفلة تحملها أمها (بي بي سي)
إيميلي عندما كانت طفلة تحملها أمها (بي بي سي)

وقالت: «لقد كان كلانا جزءاً من هذا منذ ولادتنا. لم يكن الأمر خياراً بالنسبة لي في البداية -فقد أشركتني أمي. لكنه الآن خياري، وأعتقد أنه أمر رائع».