التعاطف مع الآخرين يظهر في السنة الثانية من عمر الأطفال

يزداد عند وجود بيئة داعمة تنمّي مشاعرهم

التعاطف مع الآخرين يظهر في السنة الثانية من عمر الأطفال
TT

التعاطف مع الآخرين يظهر في السنة الثانية من عمر الأطفال

التعاطف مع الآخرين يظهر في السنة الثانية من عمر الأطفال

كشفت أحدث دراسة طولية نُشرت في نهاية شهر مارس (آذار) من العام الحالي في مجلة «التنمية الإدراكية» Cognitive Development عن احتمالية تكوّن بدايات ظهور مشاعر التعاطف لدى الأطفال مع الآخرين في أوقات الحزن والألم في فترة مبكرة جداً من الحياة، وعلى وجه التقريب في السنة الثانية من العمر.

وقال الباحثون في جامعة لودفيغ ماكسويل بميونيخ Ludwig Maximilian University of Munich في ألمانيا، إن التأثر بمشاعر الآخرين المختلفة مثل الحزن والخوف والقلق والتعاطف الوجداني معهم sympathetic concern يُعد خطوة هامة في النمو المعرفي والعاطفي للأطفال، لأنه يُعد نوعاً من الإدراك المعرفي.

تطور التعاطف

ولكي تتعاطف مع الشخص الآخر الحزين والمتألم يجب أن تدرك في البداية أنه يعاني من الألم من خلال تعبيرات وجهه، وكذلك ردود فعله التي تشير إلى الضيق، وهو الأمر الذي يحتاج إلى خبرات عاطفية معينة في الأغلب يتم اكتسابها من البيئة المحيطة بالطفل مثل المنزل.

وحتى يحدث هذا التطور السلوكي يجب أن يكون هناك وعي بالذات في البداية، ثم بعد ذلك يتم التعاطف مع الآخر؛ لأن الاهتمام لا يكون مجرد إحساس عاطفي فقط بل يتطلب محاولات إيجابية لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من الحزن. ومفهوم الذات يبدأ في الظهور خلال السنة الثانية من العمر على سبيل المثال، من خلال تعرف الطفل على نفسه عند النظر في المرآة.

أشارت الدراسة إلى الدور الكبير الذي يلعبه الوالدان في تنمية النمو الوجداني والعاطفي في حياة الطفل، حيث تبين أن وجود الطفل في بيئة تتمتع بالاهتمام العاطفي يساعده في الإحساس بالآخرين والتفاعل معهم. وكلما كانت الأمهات أكثر تعاطفاً واهتماماً وأيضاً استجابة لاحتياجات أطفالهن العاطفية، زادت قدرة الأطفال في السنة الثانية من حياتهم على إظهار الاهتمام تجاه شخص غريب. ولذلك، فإن الاهتمام والتعاطف مع الآخرين يُعد مكتسباً اجتماعياً بشكل عام.

تختلف النظريات الطبية حول بداية عمر ظهور التعاطف مع الآخرين والعوامل التي تؤثر في تطور هذا الإحساس. ولمعرفة الوقت بالتقريب قام الباحثون بمتابعة 127 زوجاً من الأمهات وأطفالهن، وكان معظم الأطفال من البيض وينحدرون من أسر تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، حتى تكون معبرة عن أكبر شريحة من المجتمع.

تمت المتابعة على مدار عام ونصف العام لرصد ردود فعل الأطفال عند مشاهدتهم لسيدة تتعرض لكدمة في قدمها وتتظاهر بالألم والحزن لمدة نصف دقيقة. ثم بعد ذلك تذهب للطفل وتخبره بأنها تشعر بتحسن الآن وتكون مبتسمة أثناء حديثها. وتكررت هذه التمثيلية على مدار الدراسة لمعرفة الوقت الذي يحدث فيه التطور الوجداني كل أربعة شهور من عمر الطفل بداية من عمر ستة أشهر و10 و14 و18 شهراً لمعرفة التغيرات التي تطرأ على تفاعلهم كلما كبروا في العمر.

تقييم ردود الفعل

قام الباحثون بتقييم ردود الفعل على مشاهدة الشخص المتألم من خلال إعطاء درجة من ثلاث لكل رد فعل. وفي المقابل تم إعطاء «صفر» للأطفال الذين لم يظهروا أي شعور بالضيق أو الألم، وتم إعطاء درجة «واحد» للطفل إذا كان التعبير عن الضيق والحزن من خلال تعبيرات الوجه فقط أو الإيماءات من دون صوت، وتم إعطاء «درجتين» إذا كان التعبير من خلال التذمر وارتفاع الصوت بالرفض أو محاولة المساعدة، وتم إعطاء «3 درجات» إذا كان التعبير عن التعاطف عن طريق البكاء الكامل.

أيضاً حاول الباحثون معرفة لأي مدى يمكن أن يؤدي التعاطف مع الآخرين إلى ردود فعل إيجابية ومحاولات لمواساتهم والتخفيف عنهم، واستخدموا طريقة التقييم السابقة نفسها بحيث تم إعطاء درجة «صفر» للأطفال الذين لم يظهروا أي محاولة إيجابية للتخفيف عن الشخص المتألم، وتم إعطاء «درجة واحدة» للأطفال الذين قدموا دعماً بسيطاً وقصيراً للمتألم (مثل محاولة الربت على الكتف لمرة واحدة)، وتم إعطاء «درجتين» للمحاولات المتكررة أو طويلة الأمد للمساعدة (مثل المعانقة لمدة 3 - 5 ثوان)، وتم إعطاء «3 درجات» لمحاولات الدعم المستمر التي استمرت لأكثر من 5 ثوان.

وضع الباحثون في اعتبارهم العوامل التي يمكن أن تكون مؤثرة في النتيجة مثل الحالة المزاجية للأطفال وقت رؤيتهم للأحداث المؤلمة، وكذلك الوعي بالذات الذي يمكن أن يختلف توقيته في كل طفل، وأيضاً مدى حساسية كل أم لمشاعر الآخرين وشعورها بالتعاطف معهم وعلاقتها بطفلها وسرعة استجابتها لمطالبه وحنوها عليه. وبشكل عام، كانت هناك اختلافات طفيفة في استجابات الأطفال لضحك وبكاء الآخرين في السنة الأولى من العمر، ولكن ظهرت اختلافات واضحة في السنة الثانية. وقد تعاطف الأطفال بشكل واضح مع الشخص المتألم حينما كان عمرهم عاماً ونصف العام. وظهر هذا التعاطف في صور مختلفة حسب كل شخصية كل طفل، مثل الإشارة باليد، أو محاولة الكلام للتعبير عن التعاطف والرغبة في المساعدة، وأيضاً البكاء. وكان هناك فرق كبير في ردود فعلهم عند بداية الدراسة في عمر ستة أشهر ونهايتها، مما يشير إلى أن الاهتمام والتعاطف مع الآخرين ليس سلوكاً فطرياً ولكنه يتطور مع الوقت، ويمثل نوعاً من النمو الإدراكي والعاطفي.

أكدت الدراسة أن هذا التعاطف يزداد بشكل واضح في وجود بيئة داعمة تنمي هذه المشاعر؛ لأن الأطفال الذين أظهروا تفاعلاً أكبر كانوا أبناء الأمهات الأكثر تعاطفاً مع أطفالهن؛ ما جعل الأبناء أكثر استجابة لضيق الآخرين، وهو ما يوضح الدور الكبير الذي تلعبه الأمهات في حياة أطفالهن.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

صحتك استخدام الحوامل لمنتجات العناية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع مستويات «المواد الكيميائية الأبدية» السامة في دمائهن (رويترز)

دراسة تحذّر الحوامل: المكياج وصبغة الشعر يزيدان مستويات المواد السامة بحليب الثدي

حذرت دراسة جديدة من الاستخدام الزائد لمنتجات العناية الشخصية مثل المكياج وخيط تنظيف الأسنان وصبغة الشعر بين النساء الحوامل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك صورة توضيحية تُظهر ورماً في المخ (أرشيفية)

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

يفترض الباحثون أن شبكة الذكاء الاصطناعي التي تم تدريبها على اكتشاف الحيوانات المتخفية يمكن إعادة توظيفها بشكل فعال للكشف عن أورام المخ من صور الرنين المغناطيسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك شخص يُجري فحصاً لداء السكري (رويترز)

مرض السكري قد يسرّع من انكماش المخ

كشفت دراسة جديدة أن مرض السكري من النوع الثاني قد يؤدي إلى انكماش المخ بشكل سريع مع التقدم في العمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)
طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)
طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة.

وعقدت لجنة تابعة لمنظمة الصحة العالمية اجتماعاً طارئاً في جنيف، اليوم الجمعة، لتقرير ما إذا كان فيروس جدري القردة «إمبوكس» لا يزال يمثل أزمة صحية عالمية.

وتجتمع اللجنة، التي تضم نحو 12 خبيراً مستقلاً، كل ثلاثة أشهر، بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية، في أغسطس (آب) الماضي، حالة طوارئ صحية بسبب انتشار فيروس جدري القردة في القارة الأفريقية.

وتبحث اللجنة حالياً في سبل مواجهة سلالة جديدة من الفيروس تسمى «كليد 1 بي»، انتشرت من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد تكون أكثر خطورة ومُعدية بشكل أكبر.

وقالت منظمة الصحة العالمية إنه جرى رصد أكثر من 50 ألف حالة مشتَبه بها من جدري القردة في البلدان الأفريقية، هذا العام، مع أكثر من 1800 حالة وفاة. ومن بين الإصابات جرى اكتشاف 12 ألف حالة في المختبرات.

وتعتزم منظمة الصحة العالمية تقديم تفاصيل حول نتائج مشاورات اللجنة، مساء اليوم الجمعة.