عند الحديث عمّا يُمكن للمرء فعله كي يعيش حياةً بعمر أطول ويتمتع خلاله بصحة أفضل، فإن هناك كثيراً من العوامل المؤثرة. وما يجمع هذه العوامل وعلاقتها بعيش حياة صحية أطول، حقيقتان:
- الأولى: من المؤكد أن بعض هذه العوامل لا يمكن تغييرها ولا تغيير تأثيرها، ولكن ثَمّ كثيراً من العوامل الأخرى القابلة للتعديل، من أجل نيل تأثيراتها الصحية الإيجابية.
- الثانية: أن تركيز الاهتمام بعادة صحية واحدة فقط لا يبطل التأثيرات السلبية لعادات أخرى غير صحية في نمط عيش الحياة اليومية.
عوامل ثابتة وأخرى متغيرة
وللتوضيح عن الحقيقة الأولى، فلا يمكن تغيير تأثيرات بعض العوامل، مثل العوامل الوراثية، ونوع الجنس، وظروف مكان الولادة والنشأة، والتغذية التي تلقاها المرء في بدء حياته. ومع ذلك، يمكن تعديل كثير من العوامل الأخرى في مراحل تالية من العمر، مثل نوعية التغذية اليومية ومكوناتها وأوقات تناولها، ومدى ممارسة النشاط البدني ونوعيته، وتقليل التوتر، وعدم التدخين، والنوم السليم، والحفاظ على وزن صحي، والمعالجة الجادة لأي من الأمراض المزمنة التي قد يُصاب بها المرء في أي وقت من عمره.
وعلى سبيل المثال؛ في تحليل الحقيقة الثانية، وجدت دراسة حديثة ومهمة أجراها باحثون في جامعة «يوفاسكولا» في فنلندا، أنه على الرغم من أن التمارين الرياضية مهمة للعيش حياة طويلة؛ فإن اتباع عادات صحية أخرى قد يكون له تأثير أكبر كذلك. ولذا؛ فإن هناك «كثيراً» من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر، وبـ«هيئة مجتمعة»، عندما يتعلق الأمر بالعيش حياة طويلة وصحية.
وفي الدراسة الفنلندية المنشورة ضمن عدد يونيو (حزيران) الماضي من «مجلة أرشيف الطب (medRxiv)»، تتبع الباحثون تأثيرات «تفاوت» مقدار «النشاط البدني في أوقات الفراغ (leisure-time physical activity)»، والذي يُختصر طبياً بـ«LTPA». وبمتابعة نحو 23 ألف توأم في فنلندا، طوال فترة 45 عاماً، وجد الباحثون أنه على الرغم من أن ممارسة الرياضة مهمة للعيش حياة طويلة، فإن اتباع عادات أخرى صحية قد يكون له تأثير أهم وأكبر من مجرد الحرص فقط على ممارسة الرياضة. وأوضحوا أن في شأن طول العمر، تمثل ممارسة التمارين الرياضية عاملاً مهماً، ولكنها قد لا تكون بحد ذاتها هي الوحيدة.
وناقش الباحثون في الدراسة أيضاً نتائج بعض الأبحاث السابقة الأخرى التي وجدت أن التمارين الرياضية «وحدها» لا تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ولا من الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب وعن أمراض القلب والأوعية الدموية لدى الذين يعانون من أمراض مزمنة ذات تأثيرات سلبية مباشرة على القلب والأوعية الدموية، وأن هذه الأمراض المزمنة تحتاج إلى أكثر من مجرد ممارسة الرياضة، لإزالة عبئها السيئ عن القلب.
سلوكيات صحية أساسية
ناقش الباحثون تحديداً أهمية اتباع الحمية الغذائية الصحية والامتناع عن التدخين ومعالجة تلك الأمراض المزمنة وغيرها من السلوكيات الصحية في نمط عيش الحياة اليومية. وقال الباحثون إن هذا قد يظهر أن هناك عوامل أساسية أخرى، غير ممارسة الرياضة وحدها، تؤثر على مدة حياة الشخص.
وفي هذا؛ أشار الباحثون الفنلنديون إلى دراسات عدة، منها دراسة باحثين من جامعة «أوميو» في السويد، التي نُشرت في عدد ديسمبر (كانون الأول) 2021 بمجلة «J Intern Med»، وكانت بعنوان: «هل تمنع التمارين الرياضية الأمراض غير المعدية الرئيسية والوفيات المبكرة؟ مراجعة نقدية تعتمد على نتائج التجارب ذات الشواهد»، التي راجع الباحثون فيها دراسات شملت أكثر من 50 ألف شخص. وكانت أمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري وكسور العظام، من أمثلة «الأمراض غير المعدية الرئيسية» التي راجعها الباحثون.
وفي السياق نفسه، سبق لباحثين من جامعة هارفارد أن طرحوا هذا الموضوع بعنوان: «هل عادة صحية واحدة تعوّض عادة سيئة أخرى؟». وأجابوا بالقول: «ربما يبدو هذا مألوفاً: أنت تمارس الرياضة بانتظام ولكنك تغش في نظامك الغذائي كثيراً، أو تتخلى عن ممارسة الرياضة؛ لأن نظامك الغذائي صحي للغاية. وتأمل أن يؤدي اتباع واحدة فقط من تلك العادات المهمة إلى التعويض عن التراخي في العادات الأخرى. لكن الأمر لا يحدث هكذا».
واستشهدوا بنتائج «دراسة كبيرة نشرتها المجلة البريطانية للطب الرياضي على الإنترنت في 10 يوليو (تموز) 2022، شملت نحو 350 ألف شخص من الأصحاء البريطانيين البالغين». وفي أثناء بروتوكول الدراسة خضعوا لفحص بدني، وأجابوا عن أسئلة حول تمارينهم ونظامهم الغذائي، وتمت متابعتهم لمدة 11 عاماً. وبعد كل هذا الوقت، لم يكن هناك أي دليل على أن المستويات «العالية» من النشاط البدني تمنع بشكل كامل الآثار الضارة الناجمة عن اتباع نظام غذائي منخفض الجودة، أو أن اتباع نظام غذائي «عالي الجودة» يعوض بشكل كامل عن عدم ممارسة الرياضة؛ كما أفاد الباحثون.
الرياضة والغذاء الصحي
وأضاف باحثو جامعة هارفارد: «لكن الباحثين لاحظوا أن الأشخاص الذين مارسوا الرياضة بشكل أكبر واتبعوا نظاماً غذائياً صحياً كانوا أقل عرضة للوفاة المبكرة، كما هو متوقع». ونقلوا تعليق الدكتور آي مين لي، الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ الطب في كلية الطب بجامعة هارفارد، الذي قال فيه: «ما زلنا نعلم من دراسات أخرى أن ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي هما مفتاحان لطول العمر. وسوف تجني أكبر قدر من الفوائد من خلال اتباع مجموعة العادات الصحية بأكبر قدر ممكن».
وكان الدكتور ديفيد كاتلر، طبيب طب الأسرة المعتمد في «مركز بروفيدنس سانت جون الصحي» في سانتا مونيكا بكاليفورنيا، قد علق على نتائج هذه الدراسة وقال: «هذا يتوافق مع ملاحظتي الخاصة بأنه على الرغم من أن كثيراً من الأشخاص يمارسون الرياضة للحصول على فوائد صحية، فإنهم غالباً ما يتوقعون منها مواجهة السلوكيات غير الصحية الأخرى لديهم، وهو ما لا يحدث». وأضاف: «الاعتقاد التعويضي (Compensatory Belief) هو الفكرة الشائعة التي مفادها بأنك إذا قمت بشيء صحي، فيمكن أنك بذلك تتصدى لشيء غير صحي آخر تقوم به. وعلى سبيل المثال؛ فإنك إذا قمت بممارسة الرياضة فسوف تقضي على الآثار الضارة للتدخين. وفي الواقع، ما وجدته الدراسة هو أن معدل الوفيات يتحسن (أي قلّ) إذا تخلصت من عوامل مثل السمنة والتدخين، مع ممارسة الرياضة». واستطرد موضحاً: «إنه من المهم أن نتذكر أن ممارسة النشاط البدني الصحي لا يمنع آثار النظام الغذائي غير الصحي أو التدخين أو تعاطي الكحول أو المخدرات أو غيرها من الأنشطة الضارة، مثل تجاهل ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع نسبة الكولسترول أو مرض السكري».
وأضاف: «عُثر على تحسينات كبيرة في الصحة في جميع أنحاء العالم من عبر 5 تدابير بسيطة: تجنب السمنة، والحفاظ على ضغط الدم طبيعياً، وعدم التدخين، والسيطرة على مرض السكري، وعلاج ارتفاع نسبة الكولسترول. وقد تضيف التمارين الرياضية المنتظمة إلى هذه الفوائد، لكنها لن تعوض الآثار الضارة لتجاهل تلك الأنشطة المفيدة التي أُثبتت جدواها».
«ممارسة الرياضة» مع «اتباع نظام غذائي صحي» مفتاحا طول العمر
ممارسة العادات الصحية تتطلب فهم دواعيها ومحفزات للاستمرار فيها
عند حديثها عن العادات الصحية، تفيد «خدمة الاستشارة الصحية الوطنية في أستراليا (Healthdirect Australia)» بأن «العادة هي شيء روتيني تقوم به وتكرره. وفي كثير من الأحيان، دون أن تدرك ذلك. وبعض العادات جيدة وهناك أخرى سيئة. ويمكنك استخدام خطة بسيطة لخلق عادات جيدة والحفاظ عليها، وتجنب العودة إلى العادات القديمة غير المرغوب فيها».
ويقول الخبراء الصحيون في كلية الطب بجامعة سنترال فلوريدا في أورلاندو إن الخيارات الصغيرة التي نقوم بها كل يوم هي التي لها تأثير دائم على صحتنا وعافيتنا، وإن دمج العادات الصحية في نمط حياتنا اليومية يتطلب فهم أهمية هذه العادات الصحية، لتحفيز تحقيقنا لها. ومع مرور الوقت، سنبدأ في رؤية النتائج التي ستسهل علينا البقاء متحفزين للاستمرار فيها. ويضيفون: «سيكون الأمر صعباً في البداية، ولكن يجب أن تحاول تذكير نفسك لماذا بدأت في المقام الأول. وتذكر أن الاستفادة من حياة طويلة وصحية تستحق كل جزء من العمل المطلوب».
ويظل السؤال لدى كثيرين: كيف يمكنني تبني ممارسة عادات صحية جيدة؟ وبداية؛ من الصعب تغيير كل شيء دفعة واحدة في سلوكيات المرء اليومية؛ لأن غالبيتها مرتبط بعوامل أخرى. وعلى سبيل المثال؛ فإن تناول الأكل الصحي يتطلب تهيئة عوامل وظروف عدة؛ ومنها معرفة ما هو صحي وما هو غير ذلك من الأطعمة، ومعرفة ما الكيفيات الصحية في طهو الأطعمة، والاهتمام بشراء الأطعمة الصحية، ومدى القدرة على شرائها، وتوفير الوقت لإعدادها بطريقة صحية، ومدى توافق ذلك مع رغبات بقية أفراد الأسرة، وغيرها من العناصر والظروف. ولكن يظل الأساس هو تحديد أهداف صغيرة وتحقيقها. وهذا يساعد على خلق عادات جيدة. ولذا قد يستغرق الأمر أشهراً عدة لتكتسب عادة جديدة. والأهم؛ تحتاج إلى تضمين التغيير بوصفه جزءاً من روتينك المعتاد.
ممارسة التمارين الرياضية تمثل عاملاً مهماً لطول العمر... ولكنها ليست العادة الوحيدة
الأساسيات الـ8 للحياة... رسالة من «رابطة القلب الأميركية»
تفيد «رابطة القلب الأميركية» بأن «الأساسيات الـ8 للحياة (Life’s Essential 8)»، هي: «التدابير الأساسية لتحسين وحفظ صحة القلب والأوعية الدموية، على النحو المحدد من قبل (رابطة القلب الأميركية). وتوفر صحة أفضل في القلب والأوعية الدموية، المساعدة على تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية وغيرها من المشكلات الصحية الرئيسية».
وتوضح: «يتألف برنامج الأساسيات الـ8 للحياة من مجالين رئيسيين؛ هما: السلوكيات الصحية، والعوامل الصحية».
وتضيف الرابطة قائلة: «لم يفت الأوان بعد لاتخاذ خيارات صحية أفضل. يمكنك تحقيق صحة القلب والأوعية الدموية المثالية من خلال الالتزام بالمكونات الـ8 لأساسيات الحياة:
1- اتباع نظام غذائي صحي يتوافق مع توصيات «رابطة القلب الأميركية».
2- ممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط البدني متوسط الشدة، أو 75 دقيقة من النشاط القوي الشدة (أو مزيج من الاثنين معاً) كل أسبوع.
3- التوقف عن التدخين أو استخدام منتجات التبغ الأخرى، وتجنب التدخين السلبي.
4- استهداف النوم بمعدل من 7 إلى 9 ساعات يومياً.
5- الوصول إلى وزن صحي والحفاظ عليه (مؤشر كتلة الجسم أقل من 25 كيلوغراماً/ متر مربع).
6- فحص نسبة الكولسترول لديك، والتحدث إلى اختصاصي الرعاية الصحية الخاص بك حول أرقامك وكيفية تأثيرها على المخاطر الشاملة.
7- الحفاظ على نسبة السكر في الدم خلال الصيام أقل من 100 ملغم/ ديسيلتر، أو مستوى السكر التراكمي في الهيموغلوبين (A1C) أقل من 5.7 % (خمسة فاصلة سبعة).
8- الحفاظ على ضغط الدم أقل من 120/80 ملم زئبق.