كيف تحدت مصر الصعاب للقضاء على التهاب الكبد «سي»؟

البلاد انتقلت من أحد أسوأ المعدلات العالمية للمرض إلى شبه القضاء عليه

التهاب الكبد «سي» هو فيروس ينتقل عن طريق الحقن غير الآمنة وعمليات نقل الدم غير المدقق بها (رويترز)
التهاب الكبد «سي» هو فيروس ينتقل عن طريق الحقن غير الآمنة وعمليات نقل الدم غير المدقق بها (رويترز)
TT
20

كيف تحدت مصر الصعاب للقضاء على التهاب الكبد «سي»؟

التهاب الكبد «سي» هو فيروس ينتقل عن طريق الحقن غير الآمنة وعمليات نقل الدم غير المدقق بها (رويترز)
التهاب الكبد «سي» هو فيروس ينتقل عن طريق الحقن غير الآمنة وعمليات نقل الدم غير المدقق بها (رويترز)

عندما حصلت مصر الشهر الماضي على إشادة واسعة بعد القضاء على التهاب الكبد الوبائي «سي»، قال مجتمع الصحة الدولي إن هذا الإنجاز «ليس أقل من مذهل»، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

وفي غضون عقد من الزمن، انتقلت البلاد من حصولها على واحد من أسوأ المعدلات العالمية للمرض إلى شبه القضاء عليه.

يقول خالد عبد الغفار، وزير الصحة والسكان المصري: «لقد قدمت مصر نموذجاً مثالياً لرعاية مرضى التهاب الكبد الوبائي (سي)، وأثبتت أن القضاء على فيروس التهاب الكبد الوبائي أمر ممكن على الرغم من كونها دولة منخفضة أو متوسطة الدخل».

التهاب الكبد «سي» هو فيروس يصيب الكبد وينتقل عن طريق الممارسات الجنسية والحقن غير الآمنة وعمليات نقل الدم غير المدقق بها.

غالباً ما تكون العدوى المبكرة غائبة عن الأعراض ويصعب اكتشافها، مما يؤدي عادةً إلى الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي المزمن (HCV)، وبمرور الوقت، أمراض الكبد، وأحياناً تليف الكبد.

ويعيش حالياً حوالي 58 مليون شخص على مستوى العالم مع العدوى - 80 في المائة منهم لا يعرفون أنهم مصابون بفيروس التهاب الكبد الوبائي - ويموت أكثر من مليون شخص كل عام بسبب أمراض مرتبطة به، مثل فشل الكبد والسرطان.

وبعد أن كافحت البلاد لعقود من الزمن لمحاربة المرض، الذي أودى بحياة 40 ألف مصري في عام 2015 وحده، فإن السرعة التي عكست بها البلاد حظوظها لفتت انتباه العالم.

مراكز الكبد المتخصصة

قبل عشر سنوات، كان 14.7 في المائة من السكان مصابين بفيروس التهاب الكبد الوبائي «سي»، وكان أغلبهم في الستينات والسبعينات من القرن الماضي بسبب استيطان داء البلهارسيات، أو دودة البلهارسيا، وهي طفيل المياه العذبة الذي يعيش في المناخات الاستوائية وشبه الاستوائية.

لفترة طويلة، كان العلاج الوحيد المتاح هو الحقن الذي من شأنه تخليص الجسم من الطفيلي.

تقول منال السيد، العضو المؤسس للجنة الوطنية المصرية لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي: «لم تكن لدينا المحاقن الآمنة أو المحاقن البلاستيكية المخصصة للاستخدام مرة واحدة (كما هي موجودة الآن)... كانت عبارة عن محاقن زجاجية قديمة كان لا بد من تعقيمها بين شخص وآخر - ولم يحدث ذلك بشكل صحيح، لأنه كان هناك علاج جماعي للناس في القرى».

ونتيجة لذلك، استمر المرض في الانتشار، حيث أظهرت الأبحاث أن شخصاً واحداً في مصر يمكن أن ينقل العدوى لأربعة أشخاص خلال حياته.

وفي عام 2008، أظهر المسح الصحي الديموغرافي الأول في البلاد أن 15 في المائة من السكان لديهم أجسام مضادة بعد التعرض لفيروس التهاب الكبد الوبائي، وأن 10 في المائة مصابون بالعدوى ويحتاجون إلى العلاج.

تقول السيد: «لقد بدأنا في بناء بنية تحتية لمراكز الكبد المتخصصة داخل مرافق الرعاية الصحية الحالية»، مدعومة بالحملات الإعلامية التي تم نشرها في الجامعات، والتي بدأت في زيادة الوعي بهذه القضية في سن مبكرة.

بدأ أيضاً برنامج فحص، تم دمجه ضمن المسح الوطني للصحة الديموغرافية، مما ساعد على تحديد الأماكن التي كانت المشكلة أكثر حدة فيها بشكل أفضل.

ثم تحول هذا المد بعد أن وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على «سوفوسبوفير»، وهو دواء مضاد للفيروسات مباشر المفعول بنسبة شفاء تصل إلى 90 في المائة، في أواخر عام 2013. وحذت الهيئة التنظيمية في مصر حذوها في العام التالي، والأهم من ذلك، وافقت الشركة المصنعة «غايليد ساينسز» على بيع الدواء للحكومة بواحد في المائة من سعره.

يقول عبد الغفار: «مثل هذه المبادرات الداعمة من الشركات المصنعة يمكن أن تسهل بشكل كبير الجهود المبذولة في البلدان المحدودة الموارد وتحفزها بشكل أكبر على تنفيذ برامجها الوطنية بفاعلية».

وتضيف السيد أن مصر كانت فرصة جذابة للشركة أيضاً، حيث مراكز العلاج المتخصصة وبرنامج الفحص الذي تم إطلاقه قبل خمس سنوات يعني «أننا نمتلك البنية التحتية، ولدينا قاعدة البيانات، وعرفنا عدد المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج. وكان لدينا نظام تسجيل جيد جداً، لذلك كان كل شيء جاهزاً.»

وبحلول هذه المرحلة، كان لدى البلاد أيضاً آلاف الأطباء والممرضات المدربين على علاج فيروس التهاب الكبد الوبائي.

وتم إطلاق استراتيجية مشتركة مع منظمة الصحة العالمية ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، نُشرت في عام 2014، جنباً إلى جنب مع برنامج العلاج المضاد للفيروسات؛ قام مليون شخص بالتسجيل في غضون أسبوع.

وتتذكر السيد أن «الأرقام كانت مذهلة»، مؤكدة أن مصر سرعان ما أصبحت «المخطط لجميع البلدان الأخرى لتطوير استراتيجياتها».

«تعبئة» على الصعيد الوطني

وفي حين حافظت خطة الحكومة المدعومة بالكامل على الزخم لبعض الوقت، بحلول عام 2017، بدأت عمليات التسجيل في التباطؤ.

تقول السيد إن الأبحاث الإضافية أظهرت أن ما يقدر بنحو مليونين إلى ثلاثة ملايين شخص في مصر مصابون بفيروس التهاب الكبد الوبائي دون أن يدركوا ذلك. وكان من الواضح أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به.

تضيف السيد، أنه عندما وافقت منظمة الصحة العالمية مسبقاً على اختبار تشخيصي سريع في عام 2018، «قررنا المضي قدماً في برنامج فحص وطني، بمبادرة رئاسية وإرادة سياسية للقيام بذلك في أقصر وقت ممكن».

تم إنشاء وحدات متنقلة في نوادي الشباب والمساجد والكنائس - «تم تعبئة البلاد بأكملها، بدءاً من وسائل الإعلام إلى جميع أصحاب المصلحة، إلى الوزارات، وإلى الجميع: العلماء، والجمعيات العلمية، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني... وحتى الناس أنفسهم».

كان الطرح «سريعاً جداً، وفعالاً من حيث التكلفة»، وتم فحص أكثر من 60 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، خلال سبعة أشهر، وهو «أكبر برنامج فحص في العالم أجمع»، وفق التقرير.

وقد قامت مصر حتى الآن بتشخيص 87 في المائة من المصابين بفيروس التهاب الكبد الوبائي «سي»، وحصل 93 في المائة منهم على العلاج، وهو ما يتجاوز المعدلات الذهبية التي حددتها منظمة الصحة العالمية والتي تبلغ 70 و80 في المائة.

كما تم إنشاء برنامج لإدارة ومتابعة المرضى الذين يعانون من أمراض الكبد المتقدمة لتعزيز الكشف المبكر عن سرطان الكبد، «لأن ذلك سيكون مشكلة لبضع سنوات قبل أن يبدأ في الانخفاض مع انخفاض معدل انتشار التهاب الكبد الوبائي (سي)»، وفق السيد.


مقالات ذات صلة

مصر وفرنسا تشددان على أولوية استئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة

شمال افريقيا السيسي وماكرون خلال لقاء جرحى فلسطينيين (الرئاسة المصرية)

مصر وفرنسا تشددان على أولوية استئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارة مدينة العريش المصرية، أكدا ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا حديث ودّي بين السيسي وماكرون داخل مترو الأنفاق (الرئاسة المصرية) play-circle 01:07

«مش هدفع»... حوار السيسي مع ماكرون في «المترو» يُثير تفاعلاً واسعاً

أثار حوار ثنائي مغلف بروح الدعابة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، داخل عربة في قطار مترو الأنفاق تفاعلاً على منصات التواصل.

محمد عجم (القاهرة)
العالم العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب) play-circle 00:34

ماكرون من العريش: غزة هي «مليونا شخص تحت الحصار» وليست «مشروعاً عقارياً»

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، أن قطاع غزة يعيش فيه مليونا شخص «محاصر»، ولا يمكن الحديث عنه كـ«مشروع عقاري».

«الشرق الأوسط» (العريش (مصر))
شمال افريقيا البرهان مستقبلاً رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن محمود رشاد (مجلس السيادة / «إكس») play-circle 00:33

مصر والسودان لترقية التعاون المشترك

تلقى رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، رسالة شفوية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتعلق بالعلاقات الثنائية وسبل ترقية التعاون المشترك.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا «الصحة المصرية» تقدم الرعاية الطبية المجانية في ربوع البلاد (وزارة الصحة)

تراجع قياسي في النمو السكاني بمصر يثير تساؤلات حول «العائد المنتظر»

وفق نائب رئيس الوزراء المصري، وزير الصحة، الدكتور خالد عبد الغفار، فإنه «تم تسجيل أقل معدل نمو سكاني في البلاد خلال الربع الأول من العام الجاري».

عصام فضل

أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية

يؤثر الاكتئاب في العقل والجسد (رويترز)
يؤثر الاكتئاب في العقل والجسد (رويترز)
TT
20

أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية

يؤثر الاكتئاب في العقل والجسد (رويترز)
يؤثر الاكتئاب في العقل والجسد (رويترز)

كشفت دراسة أوروبية عن أن تناول أدوية علاج الاكتئاب يزيد مخاطر الوفاة المفاجئة بسبب النوبات القلبية.

وتؤكد الدراسة التي نُشرت خلال مؤتمر الجمعية الأوروبية لأمراض القلب، خلال الأسبوع الماضي، أن الأشخاص الذين يتناولون أدوية علاج الاكتئاب من المرجح أن يفارقوا الحياة بشكل مفاجئ بسبب أمراض القلب، وأن مخاطر الوفاة تتزايد مع طول فترة تناول هذه الأدوية، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

وتقول رئيسة فريق الدراسة، جاسمين موكانوفيتش، من مركز «ريجزهوسبيتاليت» لأمراض القلب في كوبنهاغن بالدنمارك، إن «فترة تناول أدوية علاج الاكتئاب ترتبط بزيادة مخاطر الوفاة المفاجئة بسبب النوبات القلبية».

وأوضحت، في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني «هيلث داي» المتخصص في الأبحاث الطبية، أن «تناول أدوية الاكتئاب لمدة ست سنوات أو أكثر يزيد مخاطر الوفاة بسبب النوبات القلبية بشكل أكبر، مقارنة بمن يتناولون هذه الأدوية لفترة تتراوح ما بين سنة وخمس سنوات، وذلك عند مقارنتهم بمن لا يتناولون أدوية علاج الاكتئاب من الأساس».

ومن أجل استخلاص هذه النتائج، فحص الباحثون حالات الوفاة بين البالغين في الدنمارك على مدار عام 2010 مع التركيز على الأشخاص الذين يتناولون أدوية علاج الاكتئاب والأشخاص الذين فارقوا الحياة بشكل مفاجئ بسبب النوبات القلبية.

وأكد فريق الدراسة أن الأشخاص الذين يتناولون أدوية الاكتئاب لفترة ما بين سنة واحدة وخمس سنوات تتزايد مخاطر وفاتهم بشكل مفاجئ بسبب النوبات القلبية بنسبة 56 في المائة، وأن هذه النسبة تتضاعف عند تناول عقاقير الاكتئاب لمدة أكثر من ست سنوات.

وذكر الباحثون أن مخاطر الوفاة المفاجئة بسبب تناول أدوية الاكتئاب تزايد لدى الشباب أكثر من كبار السن.