المفاوضات النووية: «برودة» في واشنطن و«استعداد مشروط» في طهران

خبراء لـ«لشرق الأوسط»: النظام في إيران مأزوم في انتظار «ما بعد خامنئي»

أعلام إيرانية وسط العاصمة طهران الأربعاء (إ.ب.أ)
أعلام إيرانية وسط العاصمة طهران الأربعاء (إ.ب.أ)
TT

المفاوضات النووية: «برودة» في واشنطن و«استعداد مشروط» في طهران

أعلام إيرانية وسط العاصمة طهران الأربعاء (إ.ب.أ)
أعلام إيرانية وسط العاصمة طهران الأربعاء (إ.ب.أ)

لم يكن الصمت الأميركي إزاء الدعوات الإيرانية المتكررة للعودة إلى المفاوضات النووية مجرد غياب اهتمام دبلوماسي؛ بل بدا، بالنسبة لكثيرين، أشبه بـ«رقصة أعصاب» على حافة مرحلة شديدة الحساسية في طهران. فبينما تنهمك واشنطن في ملفات خارجية متشابكة، تتآكل الدولة الإيرانية من الداخل، حسب ما يقول منتقدون لسياسات حكومتها، تحت وطأة تراجع اقتصادي غير مسبوق، وعدم وضوح الرؤية حول مستقبل السلطة بعد المرشد علي خامنئي. وفي حين تواصل طهران إرسال إشارات «استعداد مشروط» للحوار، تلمح واشنطن إلى أنها تفضّل الانتظار، ربما لمزيد من الانهيار، وربما لمشهد سياسي مختلف تُعاد فيه صياغة التوازنات الإيرانية بالكامل.

في الأسابيع الأخيرة، تكثّف في الخطاب الرسمي الإيراني حديثٌ متكرر عن استعداد طهران لـ«مفاوضات جدية» مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي، في مقابل صمت أميركي لافت تجاه هذه الدعوات. وبينما تُصرّ طهران على إظهار رغبتها في الحوار بشروط «عادلة ومتوازنة»، تبدو واشنطن غير مستعجلة، في موقف يراه بعض الخبراء مزيجاً من التكتيك وترتيب الأولويات، في وقت تشهد إيران توترات اقتصادية وسياسية وعدم وضوح حول مستقبل القيادة في مرحلة ما بعد المرشد الحالي.

ملف إيران وأولويات واشنطن

يرى باتريك كلاوسون، مدير الأبحاث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، أن البرودة الأميركية في الرد ليست تعبيراً عن رفض نهائي، بل نتيجة طبيعية لبيئة سياسية أميركية مزدحمة بملفات ملحّة «من فنزويلا إلى أوكرانيا، فضلاً عن الضغوط الداخلية». ويضيف كلاوسون في حديث مع «الشرق الأوسط» أن فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرى أن البرنامج النووي الإيراني «تعرض لانتكاسات كبيرة في السنوات الماضية، ولا يمثل تهديداً فورياً»؛ الأمر الذي يجعل من الملف «غير عاجل». كما يشير إلى أن كبير المفاوضين الأميركيين، ستيف ويتكوف، يتولى ملفات يراها البيت الأبيض أكثر إلحاحاً في المرحلة الراهنة.

أحد الباعة في بازار تجريش بطهران 8 ديسمبر الحالي (إ.ب.أ)

هذا التوجه يمنح واشنطن هامشاً زمنياً مريحاً. فالإدارة الأميركية لا تريد الدخول في جولة جديدة من مفاوضات معقدة ومكلفة سياسياً قبل التأكد من أن الظروف الناضجة متوافرة، خصوصاً في ظل غياب مؤشرات واضحة إلى استعداد إيراني لتقديم تنازلات فعلية تتعدى الخطاب.

رسائل «انفتاح مشروط»

في المقابل، تكثّف طهران رسائلها العلنية. ففي مقابلة مع وكالة «كيودو» اليابانية، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلاده لا تزال «منفتحة على الدبلوماسية»، لكنها «غير مقتنعة» بأن واشنطن مستعدة لمفاوضات «حقيقية وجادة». ويرى عراقجي أن واشنطن ما زالت تتعامل بمنطق «الإملاء»، وأن أي عودة إلى طاولة التفاوض يجب أن تقوم على «نتائج عادلة ومتوازنة».

ولم تكتفِ طهران بالحديث السياسي، بل فتحت باباً تقنياً مع اليابان، طالبةً الاستفادة من خبرتها في معالجة تداعيات الأزمات النووية لتأمين المنشآت الإيرانية التي تعرضت لهجمات إسرائيلية وأميركية في الأشهر الماضية. ويعكس هذا الطلب اعترافاً ضمنياً بحجم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية النووية، وإن ظل عراقجي يصف الهجمات بأنها «أكبر انتهاك للقانون الدولي».

غير أن هذا الانفتاح التقني لا يعني تغييراً في جوهر الموقف. فطهران تتمسك بـ«الحق في التخصيب» تحت مظلة معاهدة عدم الانتشار، وتربط القبول بقيود جديدة بوقف العقوبات والاعتراف الدولي بـ«البرنامج النووي السلمي».

انقسام داخلي عميق

المرشد الإيراني علي خامنئي (د.ب.أ)

في الداخل، يزداد المشهد تعقيداً. وبينما يتحدث كلاوسون عن «تلاسن» غير مسبوق بين المسؤولين الإيرانيين، وتوقعات علنية في خصوص سيناريوهات ما بعد المرشد علي خامنئي؛ ما يعكس تباينات حادة داخل النخبة، يرى الباحث الإيراني فارزين نديمي أن «المواجهة الحقيقية» تدور بين معسكرين رئيسيين: خامنئي ومعه مؤسساته، مقابل حسن روحاني وفريقه الطامح إلى لعب دور محوري في المرحلة المقبلة. طبعاً، توجد مجموعات مختلفة أخرى بينهما، لكن هذين الفصيلين هما الرئيسيان، حسب نديمي.

يضيف نديمي في حديث مع «الشرق الأوسط» أن «الحرس الثوري» يقف حالياً في موقع مراقب، رغم التزامه بخامنئي مباشرة. لكنه قد يتحرك بقوة إذا غاب الأخير عن المشهد، لتبدأ عندها مرحلة صراع محتمل بين «الحرس» وروحاني «إذا لم يتعرض الأخير لحادث إقصاء»، على حد تعبيره.

وتعيش إيران في الواقع أزمة اقتصادية شديدة. فالعملة الوطنية فقدت أكثر من 10 في المائة من قيمتها خلال 10 أيام فقط، وسط نقص مستمر في المياه وانقطاعات متكررة للكهرباء، إضافة إلى سياسات اقتصادية توصف بأنها «عاجزة». ويضرب كلاوسون مثالاً بنظام تسعير البنزين الجديد، الذي يفرض سعراً «مرتفعاً» على الاستهلاك الزائد، لكنه لا يزال أقل من تكلفة استيراد البنزين الذي تنفق عليه الحكومة 4 مليارات دولار سنوياً. ويصف خبراء هذا النهج بأنه «دليل واضح على سوء الحوكمة».

تصعيد صاروخي واستعداد لمواجهة إسرائيل

إقليمياً، يبقى العامل الإسرائيلي حاضراً في حسابات طهران. فالباحث في مؤسسة «نيو أميركا» في واشنطن، باراك بارفي، يرى في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن إيران «لا تقدم أي إشارة» إلى استعدادها لخفض مستوى برنامجها النووي أو الصاروخي، بل تعمل على «تكديس» صواريخها استعداداً لجولة جديدة من المواجهة مع إسرائيل. ويعتقد بارفي أن طهران تسعى إلى امتلاك قدرة على إرهاق الدفاعات الإسرائيلية عبر كثافة الإطلاقات الصاروخية.

زحمة سير في طهران 7 ديسمبر الحالي (أ.ب)

إلا أن بارفي يستبعد في المقابل إقدام إسرائيل على ضربة عسكرية قريبة، لأسباب ترتبط بالحاجة إلى المحافظة على «حرية العمل» في الأجواء الإيرانية، والمخاوف من إعادة بناء طهران منظومات دفاعها الجوي. كما يضع صانع القرار الإسرائيلي في الحسبان «إنهاك الجبهة الداخلية» واحتمالات الفشل في ضربة غير حاسمة، لا سيما مع اقتراب الانتخابات النصفية الأميركية في 2026.

في المحصلة، تبدو واشنطن في موقع من يستطيع الانتظار، في حين تبدو طهران في موقع من يحاول كسب الوقت. ومع تفاقم الضغوط الداخلية والصراعات بين التيارات الإيرانية المختلفة، قد تكون قيادة البلاد في حاجة إلى تهدئة خارجية أكثر من حاجتها إلى اتفاق شامل. في مقابل ذلك، تدرك الإدارة الأميركية أن أي مفاوضات جديدة تتطلب بيئة مختلفة وأدوات ضغط إضافية، سواء عبر العقوبات أو عبر قدرة إسرائيل على استمرار «المعركة بين الحروب». لذلك؛ قد تستمر «البرودة» الأميركية، ليس بوصفها رفضاً نهائياً، بل جزءاً من استراتيجية الانتظار والمراقبة بينما يتفاعل الداخل الإيراني.

ويبدو السيناريو الوحيد القادر على فتح نافذة تفاوض حقيقية، هو دخول إيران في مرحلة ما بعد خامنئي، حين يعيد النظام ترتيب هرميته، وعندما يصبح الاقتصاد المنهك والقنبلة الاجتماعية الموقوتة عاملاً دافعاً نحو تنازلات أبعد مما تسمح به الظروف الحالية.


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية اللبناني يرفض دعوة لزيارة إيران ويقترح لقاء في «دولة محايدة»

المشرق العربي وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي في بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - إرنا)

وزير الخارجية اللبناني يرفض دعوة لزيارة إيران ويقترح لقاء في «دولة محايدة»

قال الوزير يوسف رجي، الأربعاء، إنه يعتذر عن عدم قبول دعوة لزيارة طهران في الوقت الراهن، واقترح بدلاً من ذلك عقد لقاء «في دولة ثالثة محايدة يتم التوافق عليها».

نذير رضا (بيروت)
شؤون إقليمية سيدة تمر أمام ملصق إعلاني عملاق على شكل علم إيران في ساحة ولي العصر بطهران اليوم الأربعاء (إ.ب.أ)

سقوط أمطار للمرة الأولى منذ شهور في العاصمة الإيرانية

تساقطت أمطار للمرة الأولى منذ أشهر في العاصمة الإيرانية، اليوم الأربعاء، مما تسبب في حالة من الارتياح في بلد يعاني من أشد خريف جفافاً منذ أكثر من قرن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية رجل أمن في طهران (أرشيفية - رويترز)

مقتل 3 من قوات «الحرس الثوري» بهجوم في منطقة حدودية بإيران

أفادت وكالة «تسنيم» الإيرانية بمقتل 3 من قوات «الحرس الثوري» بهجوم نفَّذته «مجموعات إرهابية» في منطقة حدودية جنوب شرقي إيران.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية صورة توضيحية للقرصنة السيبرانية (رويترز)

«نقرة واحدة كفيلة بإسقاط دولة»... تحذير«نادر» لمسؤول إسرائيلي

أطلق رئيس الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في إسرائيل يوسي كارادي تحذيراً، وصفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» بـ«النادر»، بشأن التهديدات السيبرانية

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي (الشرق الأوسط)

وزير خارجية لبنان يرفض دعوة لزيارة طهران ويقترح محادثات في دولة ثالثة

ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجّي، قال، الأربعاء، إنه يعتذر من عدم قبول دعوة إلى زيارة طهران في الوقت الراهن.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كاتس يتراجع أمام زامير ويسوِّي معه جميع الخلافات

وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (يسار) ورئيس الأركان إيال زامير (وزارة الدفاع)
وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (يسار) ورئيس الأركان إيال زامير (وزارة الدفاع)
TT

كاتس يتراجع أمام زامير ويسوِّي معه جميع الخلافات

وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (يسار) ورئيس الأركان إيال زامير (وزارة الدفاع)
وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (يسار) ورئيس الأركان إيال زامير (وزارة الدفاع)

تراجع وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أمام رئيس أركان الجيش، إيال زامير، واتفق معه على «توحيد استكمال التحقيقات حول أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول)» الذي أطلقت عليه «حماس» اسم «طوفان الأقصى»، بدلاً من مراجعة التحقيق بشكل مستقل عبر مراقب وزارة الدفاع.

ونقلت وسائل إعلام عبرية، الأربعاء عن كاتس، أنه التقى زامير، يوم الثلاثاء، واتفقا على دمج «التحقيقات التكميلية» التي أجراها الجيش للتحقيقات الأولية مع مساعي الوزير لتكليف مراقب المؤسسة الدفاعية بإجراء مراجعة جديدة.

ودب خلاف كبير بين كاتس وزامير، الشهر الماضي على خلفية التحقيقات في الإخفاقات المحيطة بالهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023.

كان زامير قد تلقى نتائج مراجعة خارجية للتحقيقات الداخلية التي أجراها الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر، والتي خلصت إلى أن بعض التحقيقات الأولية التي أجراها الجيش كانت غير كافية، وأن هناك عدة مواضيع لم يتم التحقيق فيها إطلاقاً.

وأصدر زامير توجيهات لوحدات مختلفة من الجيش الإسرائيلي بإتمام تحقيقاتها، وعلى رأسها إخفاق الجيش في التعامل مع تقارير استخباراتية كشفت عن نية «حماس» شنّ هجوم واسع النطاق على إسرائيل، وفي أثناء ذلك أمر كاتس مراقب المؤسسة الدفاعية بالتحقيق في المراجعة الأولى، وأعلن تجميد جميع الترقيات العليا في الجيش حتى ذلك الحين.

وردَّ زامير بأن قرارات كاتس محيِّرة، وغير ذات صلة، وتضرّ بالجيش وقدراته وجهوزيته، وفي المقابل أصر كاتس على قراراته باعتبار أن زامير يخضع لسلطته.

لكنّ الإعلان الذي خرج به كاتس، الأربعاء، بعد يوم من اجتماعه بزامير، أظهر «تراجع الوزير أمام رئيس الأركان» حسب «تايمز أوف إسرائيل».

أسوار أريحا

وقال كاتس إنه بدلاً من إجراء مراجعة شاملة، سيقتصر دور مراقب المؤسسة الدفاعية، العميد (احتياط) يئير فولانسكي، على أن يكون «مراقباً» في تحقيق الجيش الإسرائيلي في التقارير الاستخباراتية المتعلقة بخطة «حماس» الهجومية، التي أُطلق عليها في الجيش اسم «أسوار أريحا».

وأضاف كاتس أن المراقب سيُطلع أيضاً على آخر المستجدات بشأن التحقيقات الأخرى التي أمر زمير بإتمامها، بعد أن اعتُبرت تحقيقاتهم الأولية غير كافية، بما في ذلك تلك التي أُجريت في مديرية العمليات والبحرية الإسرائيلية.

فلسطينيون يحتفلون على ظهر دبابة إسرائيلية على الجدار العازل قرب خان يونس يوم 7 أكتوبر 2023 (أ.ب)

وأوضح كاتس أن المراقب سيراجع تحقيق سلاح الجو الإسرائيلي الذي أُجري في 7 أكتوبر، ونتائج التحقيق بشأن العميد عومر تيشلر، الذي كان يشغل منصب رئيس أركان سلاح الجو الإسرائيلي، حيث يسعى زامير إلى ترقية تيشلر إلى منصب قائد سلاح الجو الإسرائيلي.

وقالت هيئة البث الرسمية «كان» إن ثمة خلافاً بين كاتس وزامير حول هوية القائد المقبل للسلاح مع اقتراب انتهاء ولاية اللواء تومر بار العام المقبل.

وأضافت: «يؤيد زامير تعيين تيشلر قائداً جديداً للسلاح، فيما يفضل وزير الدفاع تأجيل الحسم إلى حين الاطلاع على استنتاجات المراقب».

جاء هذا الاتفاق بعد آخَر جرى يوم الاثنين، ووافق فيه كاتس، على قائمة الترقيات التي أعدها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، متراجعاً بذلك عن قرار التجميد السابق.

جندي إسرائيلي ينبطح أرضاً لدى سماعه دوي صفارات الإنذار في غلاف غزة أكتوبر 2023 (أ.ب)

وقال كاتس إنه وافق على القائمة كاملةً، باستثناء ترقية العقيد (احتياط) غيرمان غيلتمان، الذي يعده كاتس مناهضاً له.

وتضمنت قائمة الترقيات التي أعلنها زمير ووافق عليها كاتس، ترقية ضابط آخر إلى رتبة عميد، وترقية 28 ضابطاً إلى رتبة عقيد، بالإضافة إلى عميد واحد وتسعة عقداء انتقلوا إلى مناصب جديدة بنفس الرتبة.

وتُنهي هذه الاتفاقات سلسلة من المواجهات بين كاتس وزامير بدأت مع تولي كاتس منصب وزير الدفاع أواخر عام 2024. ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية ما جرى بأنه تراجع من جهة كاتس، ومؤشر مهم على تحسن العلاقات بين صاحبَي أقوى منصبين في الجيش.


تركيا ستفتح كل المعابر الحدودية مع سوريا بعد تنفيذ اتفاق «10 مارس»

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً خلال جلسة في البرلمان مساء 9 ديسمبر (الخارجية التركية)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً خلال جلسة في البرلمان مساء 9 ديسمبر (الخارجية التركية)
TT

تركيا ستفتح كل المعابر الحدودية مع سوريا بعد تنفيذ اتفاق «10 مارس»

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً خلال جلسة في البرلمان مساء 9 ديسمبر (الخارجية التركية)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً خلال جلسة في البرلمان مساء 9 ديسمبر (الخارجية التركية)

جددت تركيا تمسكها بحل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تشكل «وحدات حماية الشعب» (الكردية) عمادها الأساسي وتنفيذ اتفاق 10 مارس (آذار) بشأن اندماجها في الجيش السوري.

وقال وزير الخارجية التركي إن على «تنظيم وحدات حماية الشعب - قسد» أن يدرك أنه لا يمكن أن يكون هناك هيكلان مسلحان في دولة واحدة، لافتاً إلى أن بلاده ترغب في استكمال فتح جميع المعابر الحدودية مع سوريا، لكن ذلك يرتبط بتنفيذ الاتفاق.

وأضاف فيدان، في كلمة خلال فعالية نظمها في أنقرة، الأربعاء، مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي (سيتا)، أنه «من المستحيل توفير الخدمات الاقتصادية والأمنية والأساسية في البلاد في ظل وجود جماعات مسلحة مختلفة، لن يأتي أحد للاستثمار، سيهرب الناس. ولهذا السبب، يُعد توحيد هذه الجماعات المسلحة وتنظيم عملها أمراً بالغ الأهمية».

فيدان متحدثاً خلال فعالية لمركز دراسات «سيتا» في أنقرة 10 ديسمبر (الخارجية التركية)

وتابع فيدان: «نرى أن جميع الجماعات التي شاركت في المقاومة ضد نظام بشار الأسد أصبحت كياناً موحداً، خاضعاً للإدارة السورية الجديدة، ومتحدة تحت راية الجيش، هذه بداية موفقة للغاية».

لا تطورات إيجابية

وقال «إن وحدات حماية الشعب الكردية (قسد)، التي انتشرت على مساحة واسعة في المنطقة بذريعة محاربة تنظيم (داعش)، منذ البداية، تحتل وتسيطر على موارد الطاقة»، متسائلاً: «هل ستتوصل إلى اتفاق مع الإدارة الجديدة أم لا؟». وأضاف أن هذه إحدى المشكلات التي نواجهها الآن.

وذكر فيدان أنه لا يوجد أي مؤشر على التزام «قسد» بتنفيذ اتفاق «10 مارس» الموقَّع في دمشق بين الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائدها مظلوم عبدي، الذي يقضي باندماجها في الجيش الموحد بنهاية العام الحالي.

جانب من لقاء فيدان والشيباني على هامش منتدى الدوحة في 7 ديسمبر (الخارجية التركية)

وأشار إلى أن نظيره السوري أسعد الشيباني، أبلغه خلال مشاركتهما في «منتدى الدوحة»، منذ أيام، أنه لا يوجد أي تطور جديد فيما يتعلق بتنفيذ «قسد» الاتفاق مع دمشق، «ونحن في تركيا نؤكد دائماً أهمية الحوار واتباع الأساليب السلمية لحل المشكلات».

وخلال كلمة في جلسة للبرلمان التركي في إطار مناقشات موازنة عام 2026، ليل الثلاثاء - الأربعاء، قال فيدان إن «لدى تركيا نية لفتح جميع المعابر الحدودية مع سوريا، كسياسة عامة، وبخاصة تلك الواقعة في محيط مدينة نصيبين المقابلة لمدينة القامشلي في شمال شرقي سوريا، لكن يجب أولاً استكمال تنفيذ اتفاق (10 مارس)».

إحدى منشآت حقل «السويدية» النفطي في محافظة الحسكة (سانا)

وشدد فيدان على أن توحيد جميع الجماعات المسلحة تحت قيادة جيش واحد، أمر بالغ الأهمية لضمان الوحدة والتضامن في البلاد، واستمرار الدعم الخارجي، لافتاً إلى «أهمية أن تكون هناك (سوريا موحدة)، لا تسود فيها فئة واحدة، أو طائفة واحدة، أو عرق واحد على الآخرين، لأن ذلك سيكون نسخة مُحدثة من النظام القديم بأسلوب مختلف، ونحن نعارض ذلك أيضاً».

الشرع مصافحاً عبدي عقب توقيع اتفاق دمج «قسد» في الجيش السوري 10 مارس الماضي (إ.ب.أ)

وخلال مناقشة نواب البرلمان فيدان، خلال الجلسة، طالبه نائب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، سري صاكيك، بأن يزور مناطق سيطرة «قسد»، والإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سوريا، كما يزور دمشق، وأن يبدأ حواراً معها من أجل السلام، ما دامت هناك عملية سلام جارية في تركيا، وأن الحكومة تؤكد أنها ترغب في السلام ليس في الداخل فحسب بل في المنطقة بأسرها.

الخطر الإسرائيلي

ولفت فيدان إلى أن إسرائيل تصوِّر سوريا على أنها ساحة لتوسعها الإقليمي، من خلال مواصلة الحرب التي بدأتها في غزة بأساليب مختلفة، التي تؤثر أيضاً على الوضع في سوريا، وتشكل خطراً جسيماً على الاستقرار، ويجب أن تعلم أنها لا يمكن أن تضمن أمنها باستغلال انعدام أمن الآخرين.

وذكر فيدان أن سوريا وتركيا والولايات المتحدة على اتصال وثيق، قائلاً إن «هناك جانباً إيجابياً، هو الإدارة الأميركية. علينا حقاً أن نشكر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لقد تفاهموا معنا على أن منح الحكومة السورية فرصة ودعمها سيكون خطوة مهمة لأمن واستقرار المنطقة».

إردوغان متحدثاً خلال فعالية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في 9 ديسمبر (الرئاسة التركية)

في السياق ذاته، رأى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن التنفيذ السلس لاتفاق «10 مارس» سيقلب رأساً على عقب حسابات «بؤر الشر» التي تراهن على سوريا غير مستقرة ومنقسمة وضعيفة.

وأكد إردوغان، في كلمة خلال فعالية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، الثلاثاء، أن الاتفاق يلعب دوراً حاسماً في مستقبل سوريا، وأنه في حال نجاح تنفيذه ستتمكن سوريا من مواصلة مسيرتها كدولة ذات وحدة إقليمية، مزدهرة، وذات مكانة مرموقة في منطقتها.

المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا عمر تشيليك (من حسابه في «إكس»)

في الوقت ذاته، قال نائب رئيس حزب «العدالة والتنمية» الحاكم المتحدث باسم الحزب، عمر تشيليك، إنه يجب إنهاء وجود «منظمة قسد الإرهابية»؛ لأن أنشطتها تشكل تهديداً لإدارة دمشق.

وأضاف أن «تصوير ما تقوم به (قسد) على أنه مكسب للأكراد أمر خاطئ تماماً، تماماً، كما هو الحال في اللاذقية والمنطقة الدرزية في الجنوب، ويجب ألا يعتقد أحد أن أي منظمة إرهابية يمكن أن تكون مكسباً لجماعةٍ عرقيةٍ أو دينية».

وشدد تشيليك على أن «تركيا تدافع بقوة عن وحدة أراضي سوريا وسيادتها، وتريد سوريا موحدة لا تتجزأ، ويجب تحقيق ذلك في إطار مبدأ (وطن واحد، وجيش واحد، ودولة واحدة)، وأن يتم ضمان حقوق الجماعات العرقية والدينية».


الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل يطالب بضمانات أمنية أميركية للأقليات في سوريا

الشيخ موفق طريف (رويترز)
الشيخ موفق طريف (رويترز)
TT

الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل يطالب بضمانات أمنية أميركية للأقليات في سوريا

الشيخ موفق طريف (رويترز)
الشيخ موفق طريف (رويترز)

حث الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف الولايات المتحدة على توفير الأمن للطائفة الدرزية لمنع تكرار أعمال العنف التي وقعت في وقت سابق من هذا العام في محافظة السويداء السورية ذات الأغلبية الدرزية في سوريا التي يهيمن عليها السنة.

وقال طريف لوكالة «رويترز»، أمس الثلاثاء، خلال زيارة رسمية إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف إن واشنطن بحاجة إلى القيام «بواجبها» لحماية حقوق الأقليات في سوريا من أجل تعزيز الاستقرار، مضيفاً أن الدعم الأميركي سيلغي أيضاً الحاجة إلى التدخل الإسرائيلي في جنوب سوريا.

وقال: «الولايات المتحدة دولة عظمى، ونأمل أن تضمن حقوق جميع الأقليات في سوريا، وأن تحميها من أي اعتداءات، حتى لا نشهد مجدداً مجازر أو مذابح بحق هذه المجموعات».

وتعهد الرئيس ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ببذل كل ما في وسعه لمساعدة سوريا على النجاح بعد محادثات تاريخية مع نظيره السوري أحمد الشرع.

اشتباكات دامية في يوليو

الدروز أقلية ينتمون لطائفة دينية لها أتباع في إسرائيل وسوريا ولبنان.

وفي يوليو (تموز) الماضي، اندلعت اشتباكات بين السكان الدروز والبدو في السويداء بعد عمليات خطف متبادلة، مما تسبب في إزهاق أرواح على مدى أسبوع وعصف بالتعايش الهش الذي استمر على مدى أجيال متعاقبة.

وتفاقمت أعمال العنف عندما اشتبكت القوات الحكومية التي أُرسلت لاستعادة النظام مع مسلحين دروز، وورود أنباء عديدة عن حدوث أعمال نهب وعمليات إعدام دون محاكمة انتهاكات أخرى.

ودخلت إسرائيل على خط المواجهة بطلب من الأقلية الدرزية، وهاجمت القوات الحكومية بهدف معلن، وهو حماية الدروز السوريين والإبقاء على حدودها بلا أي وجود للمسلحين.

وتسببت المواجهات في تهجير عشرات الآلاف من أبناء الطائفتين، وأنهت القلاقل وجود البدو في معظم أنحاء محافظة السويداء.

وفي أعقاب ذلك، دعا زعماء دروز إلى إقامة ممر إنساني من هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل إلى السويداء، وطالبوا بحق تقرير المصير، وهو ما ترفضه الحكومة.

«الحاجة إلى إعادة بناء الثقة»

ورداً على سؤال حول مقترحات الزعيم الدرزي الكبير الشيخ حكمت الهجري بفصل السويداء عن سوريا، شدد طريف على ضرورة إتاحة تقرير المصير والحقوق والأمان لجميع الأقليات.

وقال إن من غير المعقول مطالبة الدروز بتسليم أسلحتهم.

وكانت المحادثات الرامية إلى إعادة ضم قوات الشرطة السابقة في السويداء للعمل تحت سلطة دمشق، مع السماح للدروز بالاحتفاظ بحكم ذاتي محلي واسع النطاق، تحرز تقدماً مطرداً إلى أن أدت إراقة الدماء في يوليو إلى عرقلة هذه المحادثات.

وتعهد الشرع بحماية الدروز، لكن الهجري يصر على أنه يشكل تهديداً وجودياً لطائفته، ورفض في سبتمبر (أيلول) خريطة طريق من 13 نقطة توسطت فيها الولايات المتحدة لإنهاء العداء. وقاد الشرع فصائل المعارضة التي أطاحت بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

ورداً على سؤال حول ما إذا كان ينبغي إحياء المحادثات، قال طريف إنه تجب إعادة بناء الثقة عبر السماح للسكان بالعودة إلى منازلهم، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل إلى السويداء.

وأضاف: «اليوم لا توجد ثقة... تجب إعادة الثقة».