في إطار التقييمات الجارية في الحكومة الإسرائيلية وزارة الخارجية حول موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية، عبرت مصادر رسمية عن انزعاجها أيضاً من الدول التي امتنعت حتى الآن عن الاعتراف؛ لأن موقفها لا يعدّ مناصراً بل تهدد بتغيير موقفها في حال إقدام تل أبيب على خطوات انتقامية.
ولفتت هذه المصادر إلى حقيقة أن عدة دول أوروبية لم تعترف بفلسطين، لكنها أرسلت مندوبين عنها إلى مؤتمر نيويورك، برئاسة السعودية وفرنسا، وألقوا كلمات واضحة عبروا فيها عن تأييدهم للفكرة (الاعتراف بفلسطين)، ولكنهم وضعوا شروطاً لذلك وهي شروط سهلة مقدور عليها.
مبادرة ميلوني
وأشاروا إلى مضامين خطاب رئيسة حكومة إيطاليا جورجيا ميلوني، التي حرصت على التوضيح بأنها لا تستبعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنها ترى أن هذا الأمر يحتاج إلى تحقيق شرطين: تحرير المخطوفين وإبعاد «حماس» عن السلطة. «هذه المبادرة»، قالت: «بالتأكيد لا تحظى بدعم (حماس)، وهي لن تحقق الدعم لها من المتطرفين الإسلاميين، لكنها يجب أن تحصل على دعم أصحاب العقل السليم».

ثم تكلمت عن الممارسات الإسرائيلية غير المعقولة ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، مع العلم بأن ميلوني تعدّ قائدة الجناح اليميني في السياسة الإيطالية.
الدنمارك وفنلندا
ومثلها فعلت حكومتا الدنمارك وفنلندا، اللتان وقّعتا على مذكرة تطالب بوقف الحرب على غزة والسماح للمواطنين في القطاع بتلقي العلاج الطبي السليم. ووزير الخارجية الياباني، تقشي أيوايا، الذي أكد أن حل الدولتين هو الحل الوحيد للصراع الإسرائيلي – العربي، ولكن بلاده قررت تأجيل تصويتها عليه حتى تنضج الأمور في إسرائيل لإنهاء الحرب.
وكان نتنياهو قد امتنع عن تنفيذ تهديداته بالرد على الحراك الأوروبي - العربي، ووعد بأن يرد بعد عودته من اللقاء مع الرئيس دونالد ترمب في واشنطن، الأسبوع المقبل.
وبحسب عدة مصادر، نشرت وسائل الإعلام العبرية، الخميس، تقديرات تشير إلى أن نتنياهو يضع كل خُرجه وما يحتويه على طاولة ترمب، وسيحاول إقناعه بأن يصبر حقبة أخرى حتى يراه يحتل غزة بالكامل ويدمر «حماس»، ويحقق «انتصاراً أميركياً إسرائيلياً مشتركاً». وقد هاجم قادة أوروبا الحاليين، وقال إنهم سيتبدلون قريباً.
حل الدولتين
وقد عقّب الكاتب في صحيفة «هآرتس» إيتاي روم على ذلك قائلاً: «إسرائيل ستجد نفسها مشتاقة إلى (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما وإيمانويل ماكرون وزعماء الغرب الآخرين الذين وقفوا رغم كل شيء وتمسكوا بنموذج حل الدولتين. هذا سيحدث عندما يصل قادة المظاهرات المؤيدون لفلسطين وأمثالهم إلى مواقع القوة في الدول الغربية. هم سيشطبون من جدول الأعمال الدولي حل تقسيم البلاد، لكن ليس بالاتجاه الذي يحلم به اليمين الإسرائيلي، بل لصالح حلمهم البديل: تحرير فلسطين من البحر إلى النهر».

المعروف أن نتنياهو ووزراءه حاولوا التعتيم على مجريات مؤتمر نيويورك، واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتصريحات القادة العرب، بمن فيهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فيها. لكن وسائل الإعلام العبرية اهتمت بها. وواصلت، اليوم الخميس، نشر تعليقات بشأنها احتوت على مواقف إيجابية منها.
كذبة نتنياهو
ونشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً للأديب حاييم لفنسون، يقول فيه: «المبادرة السعودية - الفرنسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية آخذة في التسارع. الكذبة الكبيرة التي ينشرها نتنياهو هي أسطورة أنه هو فقط يريد تصفية (حماس). وقد أظهر اجتماع الأمم المتحدة في نهاية الأسبوع الإجماع الذي كان قائماً منذ سنتين، والذي يعمل نتنياهو على إلغائه: الدول العربية والولايات المتحدة والدول الغربية، جميعها تريد إزاحة (حماس) عن السلطة واستبدالها قيادة مدنية عادية بها».
خسارة الفرصة
وقال الكاتب آفي شيلون في «يديعوت أحرونوت»، إن «7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 لم يكن مجرد كارثة - هو كان أيضاً فرصة. ولشدة الأسف، انتصرنا في الحرب لكننا نخسر الفرصة لتغيير حقيقي لوجه الشرق الأوسط».
وأضاف: «رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، خطب أمام كل العالم، وتعهد بألا تكون (حماس) شريكاً في الحكم، وأن تكون فلسطين بلا جيش، وتعيش إلى جانب إسرائيل بسلام، شجب 7 أكتوبر وطلب إعادة المخطوفين. كما أن أغلبية دول العالم التي اعترفت بدولة فلسطينية اشترطت تأييدها في أن تجتاز السلطة إصلاحات، بما في ذلك في جهاز التعليم، والدولة لن تقوم دون استجابة لمطالب إسرائيل الأمنية. عملياً، ما حصل في الأسبوع الأخير في الساحة الدبلوماسية هو النصر المطلق. قدرت بأن هكذا سيكون؛ لأن التاريخ أثبت أنه في حالات عديدة تتحقق المصالحة بعد أن يكون الطرفان ضُربا وضَربا. لشدة الأسف، فإن القيادة الإسرائيلية - بكل أطيافها، وليس فقط نتنياهو - ترفض أن تتحدث إليها بصدق، وتتناول خطاب أبو مازن بوصفه موقفاً ابتدائياً يطرح للمفاوضات».
«كف عن الكذب»
ونشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً افتتاحياً اليوم بعنوان: «يا نتنياهو، كف عن الكذب»، فنّدت فيه ادعاءاته بأن الدولة الفلسطينية ستكون دولة إرهاب.

وقالت: «نتنياهو يكذب. عندما تسلم محمود عباس مهام منصبه رئيساً للسلطة الفلسطينية، في 2006، أعلن صراحة بأن طريقه ستكون سياسية فقط. منذئذ تتعاون السلطة مع أجهزة الأمن الإسرائيلية كي تمنع الإرهاب. هي ليست ولم تكن (دولة إرهاب) هذا كذب يخدم نتنياهو. حين كانت (حماس) تسيطر في غزة ونتنياهو عاد لرئاسة الوزراء، في 2009، اختار أن يقاطع عباس، ويرعى الانشقاق الفلسطيني، ويعزز حكم الإرهاب لـ(حماس) كورقة تين لرفضه السياسي. على مسافة أقل من ساعة سفر يعيش زعيمان كل واحد مسؤول عن مصير الملايين، ونتنياهو لم يبادر حتى ولا إلى لقاء واحد مع عباس. السبب واضح: نتنياهو لم يرغب في الانشغال بالموضوع المركزي الذي يشغل بال عباس - تقسيم البلاد وإقامة دولة فلسطينية. نعم، يوجد إرهاب فلسطيني، جريمة ليس لها مبرر. لكن مصدره ليس السلطة، ولا يمكن قطعه عن الواقع الوحشي للاحتلال والأبرتهايد».
وأضافت: «المستقبل، وليس الماضي، هو الاختبار. على إسرائيل أن تنصت لعباس ولمعظم دول العالم، أن تنضم إلى الإجماع الدولي وأن تعلن عن الاستعداد لإقامة دولة فلسطينية في أراضي 1967. عليها أن تبني تعاوناً أمنياً، اقتصادياً واجتماعياً. خطوة كهذه ستغير من الأساس وضع إسرائيل: كلما رأى الفلسطينيون أفقاً حقيقياً، هكذا يقل الدافع للإرهاب. واضح أيضاً أن إخراج (حماس) من المعادلة السياسية ونزع سلاحها شرط مُسلَّم به لكل الدول التي انضمت إلى الخطوة. هو عنصر ضروري في مثل هذه التسوية».
التحلي بالسذاجة
وتابعت: «محظور علينا التحلي بالسذاجة: متطرفون من الجانبين سيواصلون المحاولة لتخريب كل اتفاق، مثلما حصل في أعقاب اتفاقات أوسلو في موجة عمليات الإرهاب الفلسطيني، في مذبحة (باروخ غولدشتاين)، وفي اغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين على يد مغتال يهودي سعى لوقف السلام، ونجح. لكن هذا ليس سبباً لترك الأغلبية لمصيرها والسماح للإرهابيين بإملاء الواقع».






