أزمة العقوبات تثير دعوات في طهران لاجتماع بزشكيان وترمب

«الأمن القومي» الإيراني هدد بتعليق التعاون مع «الوكالة الذرية»

بزشكيان يدلي بإفادة في البرلمان الأسبوع الماضي (د.ب.أ)
بزشكيان يدلي بإفادة في البرلمان الأسبوع الماضي (د.ب.أ)
TT

أزمة العقوبات تثير دعوات في طهران لاجتماع بزشكيان وترمب

بزشكيان يدلي بإفادة في البرلمان الأسبوع الماضي (د.ب.أ)
بزشكيان يدلي بإفادة في البرلمان الأسبوع الماضي (د.ب.أ)

وسط تصاعد التوترات بين طهران والقوى الغربية، برزت الدعوات في طهران لعقد لقاء بين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ونظيره الأميركي دونالد ترمب، في محاولة لكسر الجمود الدبلوماسي ووقف تفعيل آلية «سناب باك» التي تعيد فرض العقوبات الأممية على طهران.

يأتي ذلك غداة تحذير مجلس الأمن القومي الإيراني من احتمال تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية رداً على إعادة فرض العقوبات، وسط رفض دولي لإلغاء العقوبات المستمرة منذ اتفاق 2015.

ويخطط بزشكيان في ظل هذه الأجواء المشحونة، للسفر إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسط ترقب إيراني ودولي لكيفية تعاطي طهران مع هذه الأزمة المتصاعدة.

وذكرت وسائل إعلام إيرانية مساء الأحد، أن وزير الخارجية عباس عراقجي، قد غادر إلى فيينا لإجراء محادثات مع قادة «الترويكا» الأوروبية، دون تقديم تفاصيل عن الزيارة المفاجئة. وفي وقت لاحق، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، إن عراقجي توجه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبدورها نقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن مصادر أن عراقجي سيجري في نيويورك مفاوضات بين يومي الأثنين والثلاثاء.

وصوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجمعة، على عدم رفع العقوبات عن طهران بشكل دائم. وجاء التحرك بعدما أطلقت بريطانيا وفرنسا وألمانيا الشهر الماضي، عملية مدتها 30 يوماً لإعادة فرض العقوبات، متهمة طهران بعدم الالتزام بالاتفاق النووي المبرم بين إيران وقوى عالمية في عام 2015، بهدف منعها من تطوير سلاح نووي.

وتعيد الآلية فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن التأجيل بين طهران والقوى الأوروبية الرئيسية في غضون أسبوع تقريباً.

وتشمل إعادة العقوبات فرض حظر على الأسلحة وعلى تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، وعلى أنشطة الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، فضلاً عن أصول بأنحاء العالم وأفراد وكيانات إيرانية. وحذر مجلس الأمن القومي الإيراني في بيان السبت، من أن تعاون البلاد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، «سيُعلق فعلياً» إذا أعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة.

ونقلت وكالة «نور نيوز» المنصة الإعلامية للمجلس عن البيان، أن سياسة طهران «في المرحلة الحالية تركز على تعزيز التعاون من أجل إرساء السلام والاستقرار في المنطقة». ووصف البيان الخطوة الأوروبية بـ«غير المدروسة». وأضاف: «رغم تعاون وزارة الخارجية الإيرانية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقديمها مقترحات بنّاءة لتسوية القضايا العالقة، فإن ممارسات الدول الأوروبية ستؤدي عملياً إلى تعليق مسار التعاون مع الوكالة».

وأفاد البيان: «تم تكليف وزارة الخارجية بمواصلة مشاوراتها وتحركاتها الدبلوماسية بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن القومي، وذلك حفاظاً على المصالح الوطنية للبلاد».

وبموجب قانون داخلي صوت عليه البرلمان في يوليو (تموز)، علقت إيران تعاونها مع الوكالة الأممية إثر حرب شنتها إسرائيل على طهران في 13 يونيو (حزيران)، واستمرت اثني عشر يوماً. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت إيران والوكالة الدولية إنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن استئناف عمليات التفتيش في مواقع من بينها تلك التي قصفتها الولايات المتحدة وإسرائيل، دون الكشف عن تفاصيل.

في الأثناء، شدد النائب والقيادي في «الحرس الثوري» الإيراني إسماعيل كوثري، على منع دخول الوكالة التابعة للأمم المتحدة إلى المنشآت النووية المتضررة في هجمات يونيو.

وقال كوثري، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إن «المواقع النووية التي تعرضت لهجمات أو قصف من قبل الولايات المتحدة، يجب ألا تكون خاضعة بأي شكل من الأشكال لتفتيش الوكالة الذرية».

ولفت كوثري في مقابلة تلفزيونية، إلى أنه «في جزء من قانون التعاون مع الوكالة الذرية، أوضحنا بشكل صريح أن اتخاذ القرارات من صلاحيات مجلس الأمن القومي».

ويترأس بزشكيان جلسات مجلس الأمن القومي الذي يعد جهازاً خاضعاً للمرشد علي خامنئي صاحب الكلمة الفصل في جميع شؤون البلاد. ويعد صاحب الدور الأبرز في مجلس الأمن القومي، أمينه العام علي لاريجاني؛ وهو أحد الممثلين للمرشد الإيراني في المجلس.

ويسافر بزشكيان الثلاثاء إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة، حسبما أعلن مستشاره للشؤون السياسية، مهدي سنائي الأحد.

أعضاء مجلس الأمن خلال جلسة تصويت حول العقوبات الأممية على إيران الجمعة الماضي (رويترز)

ويأمل المؤيدون للرئيس الإيراني في أن يتمكن من تحقيق اختراق دبلوماسي، يمنع العودة التلقائية للعقوبات الأممية، خصوصاً عبر آلية «سناب باك» التي حرّكتها القوى الأوروبية.

وقال سنائي إن بزشكيان «سيجري لقاءات ومشاورات مع عدد من رؤساء الدول والأمين العام للأمم المتحدة»، كما أشار إلى مشاركته في عدة لقاءات.

وبالتوازي مع الإعلان، أطلقت وسائل إعلام إصلاحية حملة تطالب بصلاحيات للرئيس بزشكيان من أجل عقد اجتماعات ومفاوضات مع مسؤولين غربيين رفيعي المستوى، بما في ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وقال نائب رئيس البرلمان السابق علي مطهري، إن «على رئيس الجمهورية، خلال زيارته المقبلة إلى نيويورك، أن يقبل بلقاء نظيره الأميركي دونالد ترمب إذا طلب ذلك، رغم نفاقه وكذبه، ما دام ذلك يصبّ في مصلحة الشعب الإيراني»، كما دعا الرئيس إلى أن «يوضح في خطابه حقيقة العدوان الأميركي والإسرائيلي على إيران».

وفي منشور على منصة «إكس»، دعا مطهري وزير الخارجية عباس عراقجي، إلى إجراء مفاوضات مع الدول الأوروبية الثلاث حول مقترحه الأخير.

وحض مطهري على استثمار «شخصية ترمب النرجسية التي ترغب في تسجيل كل إنجاز باسمها لصالح إيران». وأضاف: «هذه المبادرة قد تبدو مخاطرة سياسية، لكنها تحمل في طياتها فرصة دبلوماسية يمكن أن تسهم في كسر الجمود الحالي بالعلاقات الخارجية».

من جانبه، قال الناشط السياسي الإصلاحي البارز غلام حسين كرباسجي، إن «على الرئيس الحصول على الصلاحيات الكاملة قبل زيارة نيويورك»، محذراً من تكرار تجارب الرؤساء السابقين في اجتماعات الجمعية العامة، «التي لم تسفر عن نتائج ملموسة»، وفق ما نقل عنه موقع «جماران» الإخباري التابع لمؤسسة الخميني.

وأضاف كرباسجي: «عليه أن يذهب بإدارة وصلاحيات كاملة... من الضروري أن يلتقي بالمرشد (علي خامنئي) وكل الجهات المعنية بالقرار، ليحصل على التفويض الكامل الذي يُمكّنه من تحقيق الاستقرار وتوفير حياة كريمة للشعب».

وأشار كرباسجي وهو من كبار قادة حزب «كاركزاران» فصيل الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني، إلى الدور الذي لعبه رفسنجاني في 1988، «عندما أبلغ المرشد الأول (الخميني) بأن استمرار الحرب (مع العراق) بات مستحيلاً، واقترح قبول قرار وقف إطلاق النار».

وحث كرباسجي، بزشكيان، على لقاء كبار المسؤولين الأميركيين والأوروبيين، وتابع: «خلال عامه الأول في المنصب، أدرك بزشكيان جيداً أن أوضاع البلاد اليوم - اجتماعياً، واقتصادياً، وأمنياً، وسياسياً - أسوأ مما كانت عليه في نهاية حرب الثمانينات. ولذلك، يجب عليه أن يلعب دوراً تاريخياً مشابهاً، وأن يتحلّى بشجاعة هاشمي الذي قال آنذاك: حاكموني وأعدموني إن أردتم، لكن لا يمكن أن نستمر في هذه الظروف».

وقال كرباسجي: «إذا لم يكن الرئيس يمتلك تلك الصلاحيات أو تلك الإرادة، فإن الذهاب إلى نيويورك مع وفد كبير، وعدد من الخطابات واللقاءات الشكلية، لن يُغيّر شيئاً». وحذر من أنه «كلما ازدادت ملف العقوبات، ازدادت معاناة الشعب».

من جهته، انضم موقع «انتخاب» المقرب من مكتب الرئيس الأسبق حسن روحاني، إلى الحملة الإعلامية. وقال الناشط السياسي محمد عطريانفر للموقع، إنه في حال أراد الرئيس بزشكيان «إحداث تحول في نهج المفاوضات مع الغرب واتباع سياسة جديدة، فيجب عليه الحصول على موافقة المرشد».

وأضاف: «إذا حصل على هذه الموافقات، فيمكنه حتى إجراء لقاء مباشر مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، دون وسطاء، واستثمار هذه الفرصة في خدمة مصالح البلاد. كما سيفهم الجانب الأميركي أن هذا اللقاء تم بموافقة المرشد، مما يمنحه وزناً سياسياً ويمكن أن يكون خطوة بنّاءة».

ورأى عطريانفر أن «نظام الحكم لن يتخلى عن الدبلوماسية أو الدفاع، فهما وجهان لعملة واحدة ويجب استمرارهما حتى في أصعب الظروف». كما حث المسؤولين على «الواقعية وتجنّب تبسيط القضايا»، معرباً عن اعتقاده بأن «باب المفاوضات ما زال مفتوحاً، ويجب العمل ضمن إطار القيادة».

في المقابل، هاجمت صحيفة «فرهيختغان» المحافظة، الدعوات لاجتماع الرئيسين الإيراني والأميركي. وقالت: «من يقترحون لقاء بزشكيان وترمب لا يملكون معرفة توازي طالباً في الفصل الأول للعلاقات الدولية».

والصحيفة التي يرأس مجلس تحريرها علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، قالت أيضاً إن «إيران قد خاضت حرباً، والمنطقة لا تزال مضطربة، ومع ذلك يصر بعض السياسيين المنتمين إلى التيار الإصلاحي على حلول لم تحقق لإيران أي مكسب حتى في عام 2019، فكيف الحال الآن مع تصاعد التوترات إلى مستويات عالية مع الغرب؟».

وأضافت في السياق نفسه: «سيتوجه بزشكيان إلى نيويورك في وقت لم يمضِ فيه أكثر من 3 أشهر على العدوان الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية، ولم تمضِ أيام على رفض مجلس الأمن قرار تعليق العقوبات على إيران. كما رفضت أوروبا آخر اقتراح إيراني وصفه ماكرون بأنه معقول، ويبدو أن تفعيل آلية الزناد بات شبه مؤكد».

ورأت أن «فرص التوصل إلى اتفاق مربح للطرفين لإيران ضعيفة جداً... لكن بعض الإصلاحيين لا يزالون يعتقدون أن لقاء مباشراً بين ترمب وبزشكيان قد يحقق اختراقاً، وهو تصور ساذج يعكس جهلاً بسياسات وتعقيدات العلاقات الدولية».

وخاطبت الرئيس الإيراني قائلة: «إذا كان الهدف تقديم صورة إيران بوصفها دولة قوية تدافع عن السلام، فيجب الابتعاد عن هذه الأفكار البسيطة وغير الواقعية».


مقالات ذات صلة

نتنياهو سيعرض معلومات استخباراتية على ترمب

شؤون إقليمية صاروخ باليستي إيراني يُعرض في شارع وسط طهران بجوار لافتة تحمل صورة المسؤول السابق للعمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني ومسؤول البرنامج الصاروخي أمير علي حاجي زادة الذي قُتل بضربة إسرائيلية في يونيو الماضي (رويترز) play-circle

نتنياهو سيعرض معلومات استخباراتية على ترمب

قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن الهجوم على إيران «لا مفر منه» إذا لم يتوصل الأميركيون إلى اتفاق يقيد برنامج طهران للصواريخ الباليستية.

«الشرق الأوسط» (لندن-تل أبيب)
شؤون إقليمية صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس

عراقجي يحذر من «مؤامرة جديدة» تستهدف الداخل الإيراني

حذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من «مؤامرة جديدة» قال إن خصوم إيران يعملون على تنفيذها عبر تعقيد الأوضاع الاقتصادية وإذكاء السخط الاجتماعي

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية أكرم الدين سريع القائد السابق لشرطة ولايتي بغلان وتخار (إكس)

اغتيال مسؤول أمني أفغاني سابق في العاصمة الإيرانية

قتل أكرم الدين سريع، مسؤول أمني سابق في الحكومة الأفغانية السابقة، في هجوم مسلح وقع في العاصمة الإيرانية طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
خاص وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يبكي على نعش قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي خلال تشييع عسكريين كبار قتلوا في الضربات الإسرائيلية في طهران يوم 28 يونيو الماضي (أرشيفية- أ.ف.ب)

خاص «مطرقة الليل» في 2025... ترمب ينهي «أنصاف الحلول» في إيران

مع عودة دونالد ترمب إلى المكتب البيضاوي في مطلع 2025، لم تحتج استراتيجيته المحدثة لـ«الضغوط القصوى» سوى أقل من عام كي تفرض إيقاعها الكامل على إيران.

عادل السالمي (لندن)
شؤون إقليمية إيرانيون يمرون بجانب لوحة دعائية مناهِضة لإسرائيل تحمل عبارة: «نحن مستعدون. هل أنتم مستعدون؟» معلقة في ساحة فلسطين وسط طهران (إ.ب.أ)

إيران تربط التعاون النووي بإدانة قصف منشآتها

رهنت طهران أي تعاون جديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا سيما ما يتعلق بإعادة تفتيش المنشآت النووية التي تعرضت للقصف، بإدانة واضحة وصريحة من الوكالة.

«الشرق الأوسط» (لندن - نيويورك - طهران)

تصعيد في الخطاب الإسرائيلي - التركي... هل المراد صفقة متبادلة؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال مؤتمر صحافي مشترك عقب مباحثاتهم في إسرائيل 22 ديسمبر (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال مؤتمر صحافي مشترك عقب مباحثاتهم في إسرائيل 22 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

تصعيد في الخطاب الإسرائيلي - التركي... هل المراد صفقة متبادلة؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال مؤتمر صحافي مشترك عقب مباحثاتهم في إسرائيل 22 ديسمبر (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال مؤتمر صحافي مشترك عقب مباحثاتهم في إسرائيل 22 ديسمبر (أ.ف.ب)

على الرغم من تصاعد لهجة الخطاب السياسي بين إسرائيل وتركيا، وما حملته من تلميحات متبادلة رافقت حراكاً سياسياً وعسكرياً في بحر إيجه، رأى البعض أن هذا جزء من ضغوط لإبرام «صفقة تبادل مصالح»، تحديداً في سوريا وغزة؛ مستبعدين الانزلاق إلى هوة حرب أو مواجهة عسكرية.

وقالت مصادر سياسية في إسرائيل إن كلا الطرفين يعرف كيف يُفعّل الضوابط التي تمنع التدهور بينهما إلى صدام، خصوصاً مع وجود دونالد ترمب في سدة الرئاسة الأميركية، إذ من المعروف أن له روابط قوية مع الجانبين.

ومع ذلك، حذر الدبلوماسي المخضرم ألون ليئيل، المدير العام السابق لوزارة الخارجية بإسرائيل والذي كان سفيراً لها لدى تركيا، من أن يتسبب العداء المستحكم بين الجانبين في خطأ ما، أو في سوء تقدير يؤدي إلى تدهور العلاقات.

سفن حربية تركية خلال تدريب في البحر المتوسط 23 ديسمبر (الدفاع التركية - إكس)

كانت إسرائيل قد أقدمت على إجراءات لإقامة تحالف ثلاثي مع اليونان وقبرص، شمل تدريبات عسكرية مشتركة، وتُوج بلقاء في القدس الغربية، يوم الاثنين الماضي، بين رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس.

وفي مؤتمر صحافي عقب اللقاء، وجَّه نتنياهو إشارة ضمنية إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قائلاً: «إلى أولئك الذين يتوهمون قدرتهم على إقامة إمبراطوريات والسيطرة على بلادنا، أقول: انسوا الأمر. لن يحدث. لا تفكروا فيه حتى. نحن ملتزمون وقادرون على الدفاع عن أنفسنا، والتعاون يُعزز قدراتنا».

جاء ذلك في معرض رده على سؤال عما إذا كان التعاون مع اليونان وقبرص موجهاً ضد تركيا، وقال: «لا نريد استعداء أحد»، ثم تابع: «في الماضي، احتلتنا إمبراطوريات، وإذا كان لا يزال لدى أي شخص مثل هذه النيات، فعليه أن ينسى الأمر».

جانب من مباحثات نتنياهو ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس في إسرائيل 22 ديسمبر (د.ب.أ)

وعن الهدف من مثل هذه التحالفات الإقليمية قال نتنياهو: «لقد ثبَّتنا مكانتنا قوةً إقليميةً عظمى في مجالات معينة. هذا يقرّبنا من دول عديدة. هي تأتي إلينا لأنها استوعبت قاعدة مهمة، ألا وهي أن التحالفات تُعقد مع القَويّ وليس مع الضعيف، وأن السلام يُصنع مع القويّ وليس مع الضعيف».

«التهديد الأول»

نقل نتنياهو أيضاً رسالة أخرى موجهة مباشرةً إلى ترمب بالنسبة إلى صفقة بيع طائرات الشبح «إف-35» لتركيا ومشتريات أخرى من طائرات سلاح الجو قائلاً: «أود أن أوضح أن التفوق الجوي الإسرائيلي في الشرق الأوسط هو حجر أساس أمننا القومي».

وفي اليوم التالي من انعقاد القمة الثلاثية، نشرت صحيفة «يني شفق» التركية مقالاً على صفحتها الأولى بعنوان صارخ: «ابتداءً من اليوم، إسرائيل هي التهديد الأول».

وأشار المقال إلى انعقاد القمة، وإلى تبادل إطلاق النار في حلب السورية بين قوات النظام والقوات الكردية المعروفة باسم «قوات سوريا الديمقراطية»، على أنهما من مظاهر العداء؛ وأورد أن إسرائيل قامت خلال القمة بـ«تفعيل» القوات الكردية لإحراج الوفد التركي في سوريا.

وأضافت الصحيفة: «جميع المؤسسات التركية الأمنية تَعدّ إسرائيل تهديداً رئيسياً»، بل حددت المؤسسات الحكومية التي ستنظر إلى إسرائيل من الآن فصاعداً على أنها «التهديد الأول»: وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، وجهاز المخابرات التركي.

الرد التركي الرسمي

أما الرئيس التركي إردوغان، فقد وجَّه رسالة إلى الدول الثلاث، إسرائيل واليونان وقبرص، خلال اجتماع رؤساء فروع حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، الأربعاء، قائلاً: «ليعلم الجميع أننا لن ننتزع حقوق أحد، ولن نسمح لأحد بأن ينتزع حقوقنا».

وأضاف: «سنواصل التمسك بمبادئنا التاريخية والتصرف بكرامة وحكمة وعقلانية وهدوء، بما يليق بخبرتنا وتقاليدنا العريقة ولن نستسلم للاستفزازات».

إردوغان متحدثاً خلال اجتماع لرؤساء فروع حزب «العدالة والتنمية» في أنقرة 24 ديسمبر (الرئاسة التركية)

وقالت وزارة الدفاع التركية إنها تتابع من كثب مبادرات التعاون والبيانات التي صدرت عن الأطراف الثلاثة عقب القمة يوم الاثنين. وشدد المتحدث باسم الوزارة زكي أكتورك، على أن بلاده تؤكد التزامها بالحفاظ على الاستقرار واستمرار الحوار في المنطقة.

وقال أكتورك، خلال إفادة أسبوعية لوزارة الدفاع، الخميس، إن تركيا تؤيد الحوار البنّاء في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط انطلاقاً من علاقات التحالف في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو).

لكنه استطرد: «يجب أن يُفهم أن الخطوات المخالفة لروح التحالف لن تُغير الوضع على أرض الواقع، وأن موقف تركيا من أمن جمهورية شمال قبرص التركية (غير معترف بها دولياً) وحقوقها، واضح وثابت، ولن تتردد تركيا في استخدام الصلاحيات الممنوحة لها بموجب وضعها، بوصفها أحد الضامنين في المفاوضات بشأن الجزيرة القبرصية».

المتحدث باسم وزارة الدفاع التركي زكي أكتورك خلال مؤتمر صحافي في أنقرة الخميس (الدفاع التركية - إكس)

وأضاف أن تركيا «ليست هي من يصعّد التوترات في بحر إيجه وشرق المتوسط، بل الخطوات والنهج الإقصائي والأحادي الذي يهدف إلى فرض أمر واقع، بينما تُفضّل تركيا أن تكون المنطقة حوضاً للتعاون والاستقرار، لا ساحة صراع».

الصفقة المنشودة

وقال الخبير الإسرائيلي في الشؤون التركية، ليئيل، في حديث مع موقع «واي نت» العبري: «أعلم أن تركيا تستعد للحرب، وأرى استعداداتها عبر تعزيز الدفاعات الجوية وتقوية القوات الجوية وتخصيص ميزانيات ضخمة لهذا الغرض. إنهم في حالة ذعرٍ حقيقي من احتمال هجومنا عليهم، ويأخذون الأمر على محمل الجد».

وأشار إلى أن الأتراك «يُسلّحون أنفسهم بطائرات (إف-35) الجديدة، ويُغيّرون قواتهم الجوية بالكامل». وتابع: «لديهم قوة بحرية ومشاة قوية، ويُضاعفون إنتاج الطائرات المسيّرة».

وواصل حديثه قائلاً: «إذا لم نتوصل إلى اتفاق مع سوريا، فستكون أولى المواجهات العسكرية على الأراضي السورية. لن يجرؤ إردوغان على مهاجمة الأراضي الإسرائيلية، ولن نجرؤ نحن على مهاجمة تركيا. لكن كلا البلدين يمتلك جيشاً في سوريا، وإذا لم نتوصل إلى اتفاق ثلاثي أو رباعي مع السوريين والأميركيين، فستقع حوادث مع تركيا في وقت قريب».

أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد قدّر ليئيل أن واشنطن، على عكس الماضي، لم تعد تشعر بالذعر إزاء أي خلاف إسرائيلي - تركي، وباتت ترى أن الطرفين يمارسان ضغوطاً كي تسارع إلى إبرام صفقة بينهما، تقبل إسرائيل بموجبها بدور تركي في غزة، وتقبل تركيا بدور إسرائيلي في سوريا.

وتواترت في الآونة الأخيرة تقارير يونانية وإسرائيلية عن تحركات في شرق البحر المتوسط وعن أن إسرائيل تدرس، بالتعاون مع اليونان وقبرص، إمكانية إنشاء قوة تدخّل سريع مشتركة تضم وحدات من القوات المسلحة للدول الثلاث، بهدف تعزيز التعاون العسكري الاستراتيجي وردع الأنشطة العسكرية التركية في شرق المتوسط، لا سيما مع سعي تركيا لتعزيز نفوذها الإقليمي، بما في ذلك نشر أنظمة دفاع جوي في سوريا، ومحاولة المشاركة في القوة متعددة الجنسيات في غزة، وإجراء محادثات مع الحكومتين المتنافستين في ليبيا للتوصل لتوقيع اتفاقيات بحرية جديدة قد تمنحها دوراً مهيمناً في شمال وشرق البحر المتوسط.


إسرائيل تلوح بضربة إذا لم يقيد برنامج إيران الباليستي

استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض في 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض في 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تلوح بضربة إذا لم يقيد برنامج إيران الباليستي

استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض في 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)
استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض في 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)

قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن الهجوم على إيران «لا مفر منه» إذا لم يتوصل الأميركيون إلى اتفاق يقيد برنامج طهران للصواريخ الباليستية.

ونقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن المسؤول قوله إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيطلع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على معلومات استخباراتية تتعلق بهذا التهديد، خلال لقاء مرتقب بينهما الاثنين المقبل.

وأشار إلى أن إسرائيل قد تضطر للتحرك إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق، مشدداً على أن التهديد الذي تمثله الصواريخ الباليستية الإيرانية «بالغ الخطورة».

وقال المسؤول إن إطلاق عدد كبير من هذه الصواريخ باتجاه إسرائيل «قد يسبب أضراراً تضاهي تأثير قنبلة نووية صغيرة»، وذلك بعد تقارير أفادت بأن إيران تستعد لإنتاج أعداد كبيرة من الصواريخ، بهدف شن هجمات بمئات الصواريخ في كل مرة لردع إسرائيل في حال تجددت الحرب.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، إن إسرائيل «على علم» بأن إيران تجري «تدريبات» في الآونة الأخيرة، مضيفاً أنه سيبحث الأنشطة الإيرانية مع الرئيس الأميركي.

وحذر نتنياهو من أن أي تحرك إيراني سيقابَل برد «قاسٍ للغاية»، في ظل قلق إسرائيلي من أن التحركات الصاروخية قد تكون جزءاً من جهود لإعادة ترميم الترسانة الباليستية بعد حرب يونيو (حزيران) التي استمرت 12 يوماً.

وجاءت تصريحات نتنياهو بعدما أفادت تقارير داخل إيران باختبارات أو مناورات صاروخية في عدة محافظات، قبل أن ينفي التلفزيون الرسمي إجراء أي مناورات أو تجارب، وذلك بعد أن نشرت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تقريراً عن رؤية دخان أبيض نُسب إلى مناورات صاروخية في عدة مناطق. وجاء ذلك في وقت عرضت القناة الأولى تقريراً دعائياً عن هجمات يونيو وتوعّدت إسرائيل بـ«الجحيم الصاروخي».

والاثنين، لمح رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الفريق أول إيال زامير، إلى احتمال استهداف إيران مجدداً، قائلاً إن الجيش سيضرب أعداء إسرائيل «حيثما يتطلب الأمر، على الجبهات القريبة والبعيدة على حد سواء».

وقال زامير إن الحملة ضد إيران تقف في صميم «أطول وأعقد حرب» في تاريخ إسرائيل، معتبراً أن طهران موّلت وسلّحت أطرافاً طوقت إسرائيل على جبهات متعددة.

صاروخ باليستي إيراني يُعرض في شارع وسط طهران بجوار لافتة تحمل صورة المسؤول السابق للعمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني ومسؤول البرنامج الصاروخي أمير علي حاجي زادة الذي قُتل بضربة إسرائيلية في يونيو الماضي (رويترز)

وفي المقابل، قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، أبو الفضل شكارجي، الثلاثاء، إن القدرات البحرية والبرية والصاروخية لإيران «جاهزة لمواجهة أي سيناريو يفرضه العدو»، مضيفاً أن جزءاً كبيراً منها «لم يستخدم بعد».

وكان تقرير لموقع «أكسيوس» قد أفاد الأحد الماضي بأن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا إدارة ترمب خلال عطلة نهاية الأسبوع أن التحركات الصاروخية الإيرانية الأخيرة تثير قلقاً متزايداً، رغم أن المعلومات الاستخباراتية المتوافرة لا تظهر حتى الآن سوى تحركات قوات داخل إيران.

وأشار التقرير إلى أن هامش تحمّل المخاطر لدى الجيش الإسرائيلي بات أدنى بكثير مما كان عليه في السابق، بعد تداعيات هجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ونقل «أكسيوس» عن مصدر إسرائيلي قوله إن «احتمالات الهجوم الإيراني تقل عن 50 في المائة، لكن لا أحد مستعد لتحمّل المخاطرة والاكتفاء بالقول إنها مجرد مناورة».

ونبّهت مصادر إسرائيلية وأميركية إلى أن سوء تقدير متبادل قد يقود إلى حرب غير مقصودة، إذا اعتقد كل طرف أن الآخر يستعد للهجوم وسعى إلى استباقه.

وترى الاستخبارات الإسرائيلية مؤشرات مبكرة على استئناف إيران بناء قدراتها الصاروخية بزخم متسارع مقارنة بفترة ما بعد حرب الأيام الاثني عشر في يونيو، وتشير تقديرات إسرائيلية إلى أن إيران خرجت من تلك الحرب وهي تمتلك نحو 1500 صاروخ، مقارنة بنحو 3000 صاروخ قبلها، إضافة إلى 200 منصة إطلاق من أصل 400 كانت بحوزتها.

وشنّت إسرائيل في 13 يونيو هجوماً واسعاً على منشآت استراتيجية داخل إيران، أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري» ومسؤولين وعلماء مرتبطين بالبرنامج النووي. وانضمت الولايات المتحدة إلى الحرب عبر توجيه ضربات إلى مواقع نووية إيرانية.


عراقجي يحذر من «مؤامرة جديدة» تستهدف الداخل الإيراني

صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس
صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس
TT

عراقجي يحذر من «مؤامرة جديدة» تستهدف الداخل الإيراني

صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس
صورة نشرها حساب عراقجي من وصوله إلى مقر المؤتمرات الدولية بمدينة أصفهان الخميس

حذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من «مؤامرة جديدة» قال إن خصوم إيران يعملون على تنفيذها عبر تعقيد الأوضاع الاقتصادية وإذكاء السخط الاجتماعي.

وقال عراقجي خلال ملتقى «تبيين السياسة الخارجية للبلاد والأوضاع الإقليمية» في أصفهان إن «المؤامرة الجديدة» لا تقوم على المواجهة العسكرية المباشرة، بل على محاولة خلق بيئة ضاغطة اقتصادياً بهدف إضعاف الداخل، مضيفاً أن هذا الرهان «لن ينجح تماماً كما فشل رهان الاستسلام خلال الحرب الأخيرة».

وشنّت إسرائيل في 13 يونيو (حزيران) هجوماً واسعاً على منشآت استراتيجية داخل إيران، أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري» ومسؤولين وعلماء مرتبطين بالبرنامج النووي. وانضمت الولايات المتحدة إلى الحرب عبر توجيه ضربات إلى مواقع نووية إيرانية.

ووصف عراقجي الحرب التي استمرت 12 يوماً بأنها «قصة مقاومة بطولية»، وقال إن «صمود إيران أحبط مؤامرة العدو الرامية إلى إرغام البلاد على الاستسلام». وأضاف أن خصوم إيران «اعتقدوا أنهم قادرون خلال أيام قليلة على فرض استسلام غير مشروط، لكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين إلى التراجع أمام صمود المجتمع والقوات المسلحة». وصرح بأن الحرب «وجهت رسالة من دون أي شروط مسبقة مفادها أن الشعب الإيراني لن يخضع للقهر أو الإملاءات».

وانتقد عراقجي المبالغة في تصوير آلية «سناب باك» التي أعادت القوى الغربية بموجبها العقوبات الأممية على إيران في نهاية سبتمبر (أيلول). وقال إن الروايات التي جرى تسويقها للجمهور حول هذه الآلية «كانت أسوأ بكثير من الواقع»، وهدفت إلى شل الاقتصاد الإيراني نفسياً عبر بث الخوف، في حين أن هذه الأدوات «لم تكن تمتلك في الواقع الفاعلية التي جرى الادعاء بها».

ودعا عراقجي إلى مقاربة واقعية، قائلاً: «علينا أن نقر بوجود العقوبات، وأن نقر أيضاً بأنه يمكن العيش معها»، لافتاً إلى أنه يدرك تكلفة العقوبات وتأثيراتها، مشيراً إلى أنها تكشف أيضاً عن فرص لإصلاح الاختلالات الداخلية. وأضاف أن العقوبات تستخدم في كثير من الأحيان كأداة «حرب نفسية»، سواء عبر التهويل بآليات مثل «سناب باك» أو عبر تضخيم آثارها بما يتجاوز الواقع، بهدف شل الاقتصاد معنوياً قبل أن يكون مادياً.

صورة نشرها موقع عراقجي الرسمي من خطابه في ملتقى بمدينة أصفهان الخميس

وأوضح عراقجي أن «لإيران الحق في التذمر من العقوبات فقط بعد استنفاد كامل طاقاتها الداخلية والإقليمية»، مشيراً إلى أن البلاد لم تستخدم بعد كل إمكانات الجوار ولا كل أدوات الدبلوماسية الخارجية. وقال إن تفعيل هذه الأدوات يمكن أن يخفف من الأعباء الاقتصادية حتى في ظل استمرار القيود.

«الدبلوماسية الاقتصادية»

وتوقف عراقجي عند مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية، مؤكداً أن مهمة وزارة الخارجية تشمل تسهيل مسارات التصدير والاستيراد وفتح أسواق جديدة. وفي هذا السياق، أشار إلى السجاد الإيراني بصفته مثالاً على التداخل بين الاقتصاد والثقافة، موضحاً أن كل سجادة إيرانية في الخارج تمثل «سفيراً ثقافياً»، وأن تراجع صادرات هذا القطاع يشكل خسارة اقتصادية واجتماعية ينبغي معالجتها عبر إزالة العوائق أمام المنتجين والمصدرين.

وقال إن الحكومة «مدينة للشعب»، وإن واجبها هو الخدمة لا المطالبة، عادّاً أن نجاح الدبلوماسية الاقتصادية سيكون أحد معايير تقييم أداء السياسة الخارجية في المرحلة المقبلة، إلى جانب الحفاظ على نهج الصمود في مواجهة الضغوط.

وفيما يخص دور وزارة الخارجية، حدّد عراقجي مهمتين أساسيتين. الأولى مواصلة السعي إلى رفع العقوبات عبر المسارات الدبلوماسية، مع الحفاظ على المبادئ والمصالح الوطنية. وقال: تشكل تجربة الاتفاق النووي والمفاوضات اللاحقة رصيداً تفاوضياً لا يمكن تجاهله، لكنها لا تعني العودة الآلية إلى المسارات السابقة، بل البناء عليها، مؤكداً أن الوزارة «لن تدّخر جهداً» في استثمار أي فرصة لتخفيف الضغوط الدولية.

وأضاف أن المهمة الثانية تتمثل في دعم الاقتصاد الوطني بشكل مباشر، ولا سيما القطاع الخاص. وشدّد على أن السياسة الخارجية لا ينبغي أن تبقى محصورة في التقارير المكتبية، بل أن تتحول إلى عمل ميداني يواكب مشكلات التجار والشركات الإيرانية في الخارج ويسعى إلى حلها. واستشهد بتجربة دعم شركة إيرانية خاصة في مناقصة إقليمية كبيرة انتهت بفوزها في منافسة مع شركات دولية.

ترقب لزيارة نتنياهو

ويأتي ذلك في وقت تصر فيه واشنطن على تنفيذ سياسة «الضغوط القصوى» على الاقتصاد الإيراني، فيما يزداد تركيز إسرائيل على الصواريخ الباليستية بوصفها التهديد الأكثر إلحاحاً، وسط تقديرات إسرائيلية بأن إيران خرجت من حرب يونيو بترسانة أقل مما كانت عليه قبلها، لكنها بدأت خطوات لإعادة البناء.

وقال عراقجي الأسبوع الماضي إن إيران «لا تستبعد» احتمال تعرضها لهجوم جديد، لكنها «مستعدة بالكامل وأكثر من السابق»، مشيراً إلى أن الاستعداد يهدف إلى منع الحرب لا السعي إليها. وأضاف أن استهداف إيران خلال مسار اتصالات دبلوماسية كان «تجربة مريرة»، وأن بلاده أوقفت اتصالات كانت قائمة منذ أشهر، مع تأكيدها أنها مستعدة لاتفاق «عادل ومتوازن».

وتترقب الساحة الإقليمية زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الاثنين المقبل، وسط تقارير إسرائيلية تفيد بأنه يعتزم طرح ملف الصواريخ الإيرانية على الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وتعود مؤشرات التصعيد إلى حرب يونيو التي اندلعت في 13 من الشهر نفسه بهجوم إسرائيلي على منشآت وأهداف داخل إيران، وأشعلت مواجهة استمرت 12 يوماً، قبل أن تنضم الولايات المتحدة لاحقاً بضرب ثلاثة مواقع نووية إيرانية.

وفي طهران، سعى مسؤولون إيرانيون في الأيام الأخيرة إلى تثبيت رواية مفادها أن قدرات البلاد لم تُستنزف خلال الحرب، وأن ما تبقى من أدوات الردع لم يستخدم بعد. وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية أبو الفضل شكارجي الأربعاء، إن القدرات البحرية والبرية والصاروخية لإيران «جاهزة لكل سيناريو»، محذراً من رد «قاطع» إذا فُرضت مواجهة، ومضيفاً أن أي تحرك هجومي إيراني سيكون «لمعاقبة المعتدي».

وتزامن ذلك مع تضارب في الرواية الإيرانية حول أنشطة صاروخية داخل البلاد. وفي إسرائيل، قال نتنياهو إن بلاده «على علم» بأن إيران أجرت «تدريبات» في الآونة الأخيرة، وإنها تراقب الوضع وتتخذ الاستعدادات، محذراً من رد قاس على أي عمل ضد إسرائيل، من دون تقديم تفاصيل إضافية، في سياق تحذيرات من سوء تقدير متبادل قد يدفع نحو مواجهة غير مقصودة.