كانت الضربات الإسرائيلية على المواقع العسكرية والنووية الإيرانية متعددة وحساسة وغير مسبوقة، وكان هذا أكبر هجوم على إيران منذ الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن الماضي، وفقاً لموقع «كونفرزيشن».
وكما كان متوقعاً، ردّت إيران بسرعة، حتى مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على أراضيها، ويُعيد الصراع المتفاقم تشكيل الديناميكيات الإقليمية، وتجد إيران نفسها الآن أمام طريق مسدود.
ولفت الموقع إلى أن الضربات تأتي في وقت حساس، فقد جاءت في مرحلة حرجة من المفاوضات عالية المخاطر بين إيران والولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي، التي بدأت في وقت سابق من هذا العام.
وفي الأسبوع الماضي، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً اتهمت فيه طهران بتخزين اليورانيوم عالي التخصيب بمستويات خطيرة تقترب من مرحلة التسلح.
ووفقاً للتقرير، جمعت إيران نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 60 في المائة. وإذا خُصِّب هذا اليورانيوم بدرجة نقاء 90 في المائة، فسيكون كافياً لصنع 9 إلى 10 قنابل.
وفي اليوم السابق للهجوم الإسرائيلي، أعلن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيضاً أن إيران تنتهك التزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي لأول مرة منذ عقدين.
وواجهت المحادثات النووية مؤخراً عقبة كبيرة بسبب قضية رئيسية، وهي رفض الولايات المتحدة السماح لإيران بتخصيب أي يورانيوم على الإطلاق لبرنامج نووي مدني.
وكانت إيران قد وافقت سابقاً على تحديد تخصيبها بنسبة 3.67 في المائة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى، تم التوصل إليه عام 2015 وتخلّى عنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب عام 2018، لكنها رفضت التخلي عن حقها في التخصيب كلياً.
وذكرت التقارير أن ترمب حثّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عدم مهاجمة إيران الأسبوع الماضي، معتقداً أنه على وشك التوصل إلى اتفاق.
لكن بعد الهجوم، صعّد ترمب تهديداته لإيران مجدداً، حاثاً إياها على الموافقة على اتفاق «قبل أن ينفذ كل شيء»، ووصف الضربات الإسرائيلية بأنها «ممتازة»، وأشار إلى أن «المزيد قادم».
في هذا السياق، من المفهوم لماذا لا تعدّ إيران الولايات المتحدة وسيطاً محايداً.
ردّاً على ذلك، علّقت إيران مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، معلنةً عدم مشاركتها في الجولة السادسة من المحادثات المقررة يوم الأحد.
وبدلاً من إجبار إيران على الموافقة على اتفاق، قد يُخاطر الضغط المفرط بدفعها نحو موقف أكثر تطرفاً.
في حين نفى المسؤولون الإيرانيون أي نية لتطوير برنامج نووي عسكري، فقد حذّروا من أن استمرار الهجمات الإسرائيلية والضغط الأميركي قد يُجبر طهران على إعادة النظر في خيارها بوصفه آلية ردع.
لماذا قد يعني الاستسلام نهاية النظام؟
في مناسبات عديدة، أصرّ ترمب على أنه لا يسعى إلى «تغيير النظام» في إيران، وقد زعم مراراً أنه يريد أن يرى إيران «ناجحة»؛ والشرط الوحيد هو قبولها للاتفاق الأميركي.
مع ذلك، من وجهة نظر إيران، لا يُنظر إلى الاقتراح الأميركي على أنه عرض سلام، بل خطة للاستسلام، ويُخشى أن يُمهّد هذا الطريق في نهاية المطاف لتغيير النظام تحت ستار الدبلوماسية.
وردّ المرشد الإيراني علي خامنئي على الاقتراح الأميركي الأخير بإصراره على أن تخصيب اليورانيوم يبقى «خطاً أحمر» لإيران.
إن التخلّي عن هذا الحق من المنظور الإيراني لن يؤدي إلا إلى تشجيع خصومها على تصعيد ضغطهم على النظام وتقديم مطالب أخرى، مثل تفكيك برنامج الصواريخ الإيراني.
وتخشى طهران من أن يدفع هذا البلاد إلى حالة من العزلة، دون أي وسيلة لردع أي ضربات إسرائيلية مستقبلية.
وعلاوة على ذلك، قد يُشعل الرضوخ للشروط الأميركية رد فعل محلياً عنيفاً على جبهتين: من حركة معارضة متنامية بالفعل، ومن قاعدة المؤيدين المخلصين للنظام، الذين سيعدّون أي تراجع خيانة.
في هذا السياق، يعتقد الكثيرون في القيادة الإيرانية أن الرضوخ لشروط ترمب لن يمنع تغيير النظام، بل سيُعجّله.
ما الخيارات المتبقية لإيران الآن؟
بينما تجد إيران نفسها عالقة بين ضغوط متصاعدة وتهديدات وجودية، تجد نفسها أمام خيارات قليلة قابلة للتطبيق سوى استعراض قوتها.
وقد بدأت بالفعل اتباع هذه الاستراتيجية بشن ضربات صاروخية انتقامية على المدن الإسرائيلية.
كان هذا الرد أقوى بكثير من الضربات المتبادلة التي شنتها إسرائيل وإيران العام الماضي، والتي كانت محدودة نسبياً، وقد ألحقت الضربات الإيرانية أضراراً جسيمة بالمناطق الحكومية والسكنية في تل أبيب والقدس.
ولا ترى إيران بديلاً سوى المضي قدماً، بعد أن انجرَّت بالفعل إلى مواجهة مفتوحة. إن أي مؤشر على الضعف من شأنه أن يقوض شرعية النظام بشدة في الداخل، ويشجع خصومه في الخارج.
وعلاوة على ذلك، تراهن طهران على عزوف ترمب عن الحروب الخارجية، ويعتقد القادة الإيرانيون أن الولايات المتحدة ليست مستعدة ولا راغبة في الدخول في صراع مكلف آخر بالمنطقة؛ صراع قد يعطل التجارة العالمية.
لذلك، من المرجح أن تعتقد القيادة الإيرانية أن صمودها الآن سيُحدّ من الصراع، ما دامت الولايات المتحدة قد بقيت على الحياد، وعندها، سيحاول قادة إيران العودة إلى طاولة المفاوضات، من وجهة نظرهم، من موقع قوة.