رفض المرشد الإيراني علي خامنئي، الأربعاء، المقترح الأميركي الأخير لإبرام اتفاق جديد بشأن برنامج بلاده النووي، مشدداً على أن طهران ماضية في تخصيب اليورانيوم رغم اعتراضات واشنطن، واصفاً طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه «هراء».
وقال خامنئي، (86 عاماً)، في مراسم ذكرى وفاة المرشد الأول (الخميني)، اليوم، إن المقترح الأميركي «لا يتماشى مع المصالح الوطنية لإيران»، وهاجم موقف حكومة ترمب بشدة قائلاً: «جوابنا على هراء الحكومة الأميركية الصاخبة، واضح؛ لن يستطيعوا فعل أي شيء في هذا الشأن».
وكانت سلطنة عُمان التي تلعب دور الوسيط في المحادثات النووية، قدّمت إلى إيران، السبت، مقترحاً من مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لإبرام اتفاق نووي جديد.
وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الأحد، إن طهران سترد «خلال الأيام المقبلة بناءً على مواقفها المبدئية ومصالح الشعب».
وقال خامنئي إن «تخصيب اليورانيوم يشكّل مسألة محورية في الصناعة النووية، وهو ما ركز عليه العدو»، مضيفاً: «لو امتلكنا 100 مفاعل نووي دون إمكانية تخصيب اليورانيوم، فلن يكون لذلك أي جدوى. إذا لم نخصّب فسنضطر إلى مدّ أيدينا إلى الولايات المتحدة، التي ستفرض علينا شروطاً تعجيزية».
وأضاف أن الاقتراح الأميركي «يتناقض مع إيمان أمتنا بالاعتماد على الذات ومبدأ (نحن قادرون). قادة أميركا الوقحون والسوقيون يكررون مطلب عدم امتلاك إيران برنامجاً نووياً بأساليب متنوعة. من أنتم لتقرروا ما إذا كان ينبغي لإيران التخصيب أم لا؟ ما شأنكم بذلك؟ من أنتم؟».
ووصف خامنئي «القضية النووية» بأنها «قضية وطنية»، لافتاً إلى أن الصناعة النووية «صناعة أساسية ومحورية». وخاطب المسؤولين الإيرانيين، وبينهم الرئيس مسعود بزشكيان، قائلاً إن «تعطيل الصناعة النووية يعني بثّ اليأس في نفوس آلاف الشباب والعلماء الذين تم إعدادهم خلال السنوات الماضية».

وقال خامنئي إنه «لا ينبغي أن تنتظر الأمة الإيرانية الضوء الأخضر أو الأحمر من أميركا»، مضيفاً أن إيران «نجحت في امتلاك دورة الوقود النووي الكاملة»، مضيفاً: «نستطيع اليوم إنتاج الوقود النووي من المنجم، وصولاً إلى محطة الطاقة بأنفسنا». وأشار إلى أن «عدد الدول التي تمتلك هذه القدرة لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة».
ووجه خامنئي تحذيرات إلى الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، لكنه قال: «هؤلاء لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً حيال هذا الموضوع»، وأمر القوات المسلحة بـ«تعزيز القدرات الدفاعية». ولم يشر إلى وقف المسار الدبلوماسي.
استعداد للمواجهة
تعقيباً على ذلك، قالت هيئة الأركان الإيرانية، في بيان، إنها «مستعدة لمواجهة أي شر قد يصدر عن الأعداء».
وجاء في البيان أن «القوات المسلحة، بجاهزية وقدرة يُضرب بهما المثل، مستعدة لمواجهة أي شرّ أو خطأ استراتيجي من جانب الأعداء، في أي وقت وعلى أي مستوى من التهديد».
بدوره، قال رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، محمد إسلامي، إن «برنامج تطوير الصناعة النووية سيستمر بقوة وصلابة، رغم كل الضغوط السياسية والعقوبات والتهديدات العسكرية والأمنية المستمرة».
ودافع إسلامي عن خطاب خامنئي بشأن ضرورة التخصيب في البلاد، ووصفه بـ«الاستراتيجي والتوضيحي».
من جانبه، علّق عراقجي، على خطاب خامنئي، قائلاً في منشور على منصة «إكس»: «هناك سبب واضح يجعل عدداً قليلاً فقط من الدول تمتلك القدرة على تزويد مفاعلاتها النووية بالوقود. فإلى جانب الحاجة إلى موارد مالية هائلة ورؤية سياسية بعيدة المدى يتطلّب الأمر وجود قاعدة صناعية متينة ومجمّع تكنولوجي - أكاديمي قادر على تأهيل الكوادر البشرية وتطوير المعرفة التقنية اللازمة».
There is a reason why only a few nations master the ability to fuel nuclear reactors. Apart from significant financial resources and political vision, it requires a solid industrial base and a technological-academic complex that can produce necessary human resources and know-how....
— Seyed Abbas Araghchi (@araghchi) June 4, 2025
وأضاف عراقجي: «لقد دفعت إيران ثمناً باهظاً لامتلاك هذه القدرات، ولا يوجد أي سيناريو يمكننا فيه التخلي عن الوطنيين الذين حوّلوا هذا الحلم إلى واقع ملموس». واختتم منشوره: «نجدّد التأكيد: لا تخصيب، لا اتفاق. لا سلاح نووي، لدينا اتفاق».
أتى ذلك بعدما قال عراقجي، في بيروت، الثلاثاء، إن الاقتراح الأميركي «يتضمّن نقاطاً ملتبسة. ثمة مسائل عدة في هذا الاقتراح غير واضحة». وكان الوزير قد أعلن، الأحد، أن طهران ستقدم ردها «خلال الأيام المقبلة، استناداً إلى مواقفها المبدئية ومصالح الشعب الإيراني».
وبعد خمس جولات من المحادثات، لا تزال هناك العديد من القضايا التي يصعب حلها، ومنها إصرار إيران على مواصلة تخصيب اليورانيوم على أراضيها ورفضها شحن كامل مخزونها الحالي من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج. واليورانيوم مادة خام يمكن استخدامها لصنع قنابل نووية.

وبعد ساعات من خطاب خامنئي، ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن الرئيس مسعود بزشكيان تلقى مكالمة هاتفية من سلطان عمان، هيثم بن طارق، داعياً الأخير لزيارة طهران.
وأفادت الرئاسة الإيرانية، في بيان، بأن السلطان هيثم أعرب عن أمله في أن تشهد طهران لقاء بين مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين قريباً. وبدورها، ذكرت وكالة الأنباء العمانية أن السلطان هيثم بن طارق قدم التهاني للرئيس الإيراني بمناسبة قدوم عيد الأضحى.
وقال بزشكيان، أمس الثلاثاء، إن طهران لن ترضخ لضغوط الولايات المتحدة لتفكيك برنامجها النووي. وصرح في خطاب بثه التلفزيون: «إنهم (الولايات المتحدة) يقولون إنه يجب عليكم تفكيك كل ما لديكم؛ لكن لا إنسان حراً يرضخ للظلم والقهر».
وذكرت «رويترز»، الاثنين، أن طهران على وشك رفض الاقتراح الأميركي؛ بذريعة أنه «غير قابل للتنفيذ»، ولم يخفّف موقف واشنطن بشأن تخصيب اليورانيوم أو يلبِّ مصالح طهران.
ونقلت الوكالة عن «دبلوماسي إيراني كبير» قوله إن التقييم الذي أجرته «لجنة المفاوضات النووية الإيرانية»، تحت إشراف خامنئي، وجد أن الاقتراح الأميركي «منحاز تماماً» ولا يخدم مصالح طهران.
ترمب يحذر وبوتين يعرض وساطة
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنّه ناقش مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الملف الإيراني، في مكالمة هاتفية استغرقت ساعة وخمس عشرة دقيقة، تناولت أيضاً الملف الأوكراني، واصفاً محادثاته بـ«الجيدة».
وقال ترمب: «الوقت ينفد أمام قرار إيران المتعلّق بالأسلحة النووية، وهو قرار يجب اتخاذه بسرعة». وأضاف: «أبلغت الرئيس بوتين أنّ إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي، وأعتقد أننا كنا متفقين على هذه النقطة».
ولفت ترمب إلى أن «بوتين اقترح أنه سيشارك في المناقشات مع إيران، وربما يكون مفيداً في التوصل إلى حل سريع»، ونبّه إلى أن «إيران كانت تماطل في اتخاذ قرارها بشأن هذه المسألة المهمة للغاية، وسنحتاج إلى إجابة حاسمة في فترة زمنية قصيرة جداً».
وقبل ساعات، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الأربعاء، إن روسيا تشعر بالقلق إزاء تنامي التوتر بشأن إيران وخطر انزلاق الموقف إلى مواجهة شاملة.
وقال مساعد الرئيس الروسي للسياسة الخارجية يوري أوشاكوف ترمب عبر عن اعتقاده بأن تعاون روسيا «ضروري» لمعالجة القضية النووية الإيرانية.
وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أمس الثلاثاء، بأن لإيران «الحق» في برنامج نووي سلمي، مكرراً دعم موسكو للمحادثات «الهادفة إلى حل سلمي».
شروط واشنطن
وشدد ترمب، في وقت متأخر، الاثنين، على أن مشروع الاتفاق النووي المحتمل لن يسمح لطهران «بأي تخصيب لليورانيوم».
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، للصحافيين، الثلاثاء، إن الرئيس الأميركي عبّر عن موقفه بوضوح. وأضافت: «قدّم المبعوث الخاص ويتكوف عرضاً مفصّلاً ومقبولاً إلى النظام الإيراني، والرئيس يأمل بأن يقبلوه. وإن لم يفعلوا فسيواجهون عواقب وخيمة».

وقبل تأكيد ترمب بساعات، أفاد موقع «أكسيوس» الإخباري عن مصادر بأن المقترح الأميركي يسمح للإيرانيين بتخصيب محدود لليورانيوم لا يتخطى 3 في المائة، مشيراً إلى أن العرض السري الأميركي يشير إلى مرونة جديدة في الموقف الأميركي؛ مما قد يشكّل اختراقاً في المفاوضات.
وأفادت مصادر مطلعة بأن المقترح الأميركي يتضمّن مجموعة من البنود الأساسية، أبرزها حظر إنشاء منشآت تخصيب جديدة على الأراضي الإيرانية، بالإضافة إلى تفكيك البنية التحتية الحيوية المتعلقة بتحويل اليورانيوم ومعالجته.
ويشمل أيضاً وقف أي تطوير إضافي لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، إلى جانب خفض نسبة التخصيب إلى 3 في المائة بشكل مؤقت ضمن إطار زمني يُتفق عليه لاحقاً. كما يقضي بتعطيل المنشآت النووية تحت الأرض لفترة محددة، مع السماح باستخدام المنشآت فوق الأرض لتلبية الاحتياجات المدنية فقط، وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويطالب المقترح إيران بتفعيل البروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي فوراً، لضمان رقابة صارمة وشفافة، كذلك يتضمن تأسيس تحالف إقليمي للتخصيب النووي يضم إيران ودولاً خليجية والولايات المتحدة، يخضع لإشراف دولي.
ونقل موقع «أكسيوس»، أمس، عن مسؤول إيراني كبير قوله إن طهران منفتحة على إبرام اتفاق نووي مع الولايات المتحدة يدور حول فكرة تشكيل اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم ويتخذ من إيران مقراً له.

وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، الثلاثاء، نقلاً عن مسؤولين إيرانيين وأوروبيين لم تذكرهم بالاسم، أن إدارة ترمب اقترحت خطة مؤقتة تسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بمستويات منخفضة ريثما تعمل على وضع خطة أكثر تفصيلاً مع دول أخرى تهدف إلى منع طهران من صنع سلاح نووي.
وقال ترمب، الأسبوع الماضي، إنه يسعى لاتفاق قوي يشمل تعزيز التفتيش الدولي وتفكيك جزء من البنية النووية. وقال: «أريدها صفقة صارمة تُخوّل لنا إدخال المفتشين، وأخذ ما نحتاج إليه، وتفجير ما ينبغي تفجيره، ولكن دون أي خسائر بشرية. يمكننا تفجير مختبر فارغ بدلاً من تدميره وفيه أشخاص».
وتقول طهران إنها تريد امتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية، وترفض دوماً اتهامات القوى الغربية لها بالسعي لتطوير أسلحة نووية.
وذكر تقرير سري أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مطلع هذا الأسبوع، أن إيران لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لمستوى 60 في المائة الذي يمكن، حال تخصيبه إلى مستوى أعلى، أن يُستخدم في صنع نحو عشر قنابل نووية.

وتؤكد «الوكالة الذرية» أنه لا يوجد بلد آخر خصَّب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي دون إنتاج أسلحة نووية. وغالباً ما تستخدم محطات الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية وقوداً مخصباً بنسبة تتراوح بين 3 في المائة و5 في المائة.
وقال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الأسبوع الماضي، إن أي اتفاق جديد يجب أن ينص على «تفتيش دقيق للغاية».
وتقول الوكالة التابعة للأمم المتحدة إنها لا تستطيع حالياً «تقديم ضمانات بأن برنامج إيران النووي سلمي تماماً».
ومن المقرر أن يراجع مجلس محافظي «الوكالة الذرية» نشاط إيران النووي في اجتماعه ربع السنوي، المقرر عقده في فيينا، مطلع الأسبوع الماضي، قبل أن يُطرح الملف النووي الإيراني لنقاش دوري في مجلس الأمن على ضوء تقرير غروسي.
وحذّر عراقجي من أن «إيران سترد بشكل مناسب على أي تحرك غير لائق من جانب الأطراف الأوروبية»، في إشارة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي لوّحت بتفعيل آلية «سناب باك» للعودة التلقائية إلى العقوبات الأممية.
وينص القرار «2231» الذي يتبنّى الاتفاق النووي على الآلية، إذا لم تعمل إيران بالتزامات الاتفاق النووي. وينتهي مفعول الآلية في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويُتوقع تمديدها في حال توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق جديد.
«الضغوط القصوى»
وعاود ترمب ممارسة استراتيجية «الضغوط القصوى» على طهران منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، التي تضمنت تشديد العقوبات والتهديد بقصف إيران إذا لم تفضِ المفاوضات إلى اتفاق. وخلال ولايته الأولى عام 2018، انسحب ترمب من الاتفاق النووي المبرم بين طهران وست قوى عالمية عام 2015، وعاود فرض العقوبات التي شلت الاقتصاد الإيراني. وردّت طهران بزيادة مستوى التخصيب بما يتجاوز كثيراً حدود الاتفاق.
وترى إسرائيل، عدو إيران اللدود، في البرنامج النووي الإيراني تهديداً وجودياً، وهدّدت مراراً بقصف منشآت طهران النووية لمنعها من امتلاك أسلحة نووية.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن البيت الأبيض وجّه تعليمات، الأسبوع الماضي، بتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بفرض عقوبات جديدة على إيران، في خطوة تعكس تحولاً ملحوظاً في سياسة «الضغط الأقصى».
ووفقاً للصحيفة، فإن التوجيه تم توزيعه على كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي ووزارة الخزانة، ولاحقاً إلى وزارة الخارجية، مع إشراك المعنيين بملفات الشرق الأوسط.
لكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، قالت للصحافيين، الثلاثاء، إن سياسة أقصى الضغوط الأميركية تجاه إيران لا تزال «بكامل قوتها» رغم مساعي واشنطن للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران.


