كشف مصدر سياسي في تل أبيب أن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بشأن نقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، لم تكن مجرد زلة لسان بل هي جزء من مخطط مدروس يجري تداوله بجدية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية.
وقال عميت سيجال، المعلق السياسي في «القناة 12» للتلفزيون الإسرائيلي، المعروف بعلاقات وطيدة مع مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين في اليمين، إن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى أكدوا علمهم بهذه الأفكار، وقالوا إن «الحديث يجري عن خطة واسعة النطاق تتحدث عن نقل مؤقت أو دائم إلى الأردن ومصر وعدة دول إسلامية».
وفي حين اعتبر الفلسطينيون هذه التصريحات خطيرة وتندرج في إطار التطهير العرقي، الذي يخدم غلاة التطرف الإسرائيليين، خرج الناطقون بلسان التيار اليميني المتطرف بترحيب شديد بها.
ترحيب إسرائيلي
وفي بيان صدر عن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، يوم الأحد، قال فيه: «بعد 76 عاماً من احتجاز معظم سكان غزة في ظروف صعبة للحفاظ على رغبتهم في تدمير دولة إسرائيل، فإن فكرة مساعدتهم على بدء حياة جديدة وجيدة في أماكن أخرى، هي فكرة رائعة».
وتابع سموتريتش، الذي كان قد طرح في عام 2017 خطة لترحيل الفلسطينيين عن الضفة الغربية تحت اسم «خطة الحسم»، أنه «لسنوات طويلة اقترح السياسيون حلولاً غير قابلة للتطبيق، لكن هذه المرة جاء اقتراح قوي ومهم وواقعي. فالتفكير خارج الصندوق من خلال حلول جديدة سيجلب السلام والأمن».
وشدد سموتريتش على أنه سيعمل مع نتنياهو والحكومة المصغرة «على صياغة خطة عملية لتنفيذ ذلك في أقرب وقت ممكن».
كما عبر إيتمار بن غفير، وزير الأمن السابق ورئيس حزب «القوة اليهودية»، عن دعمه الكامل لتصريحات ترمب. وقال في بيان: «أبارك الرئيس ترمب على مبادرته لنقل سكان غزة إلى الأردن ومصر. هذا أحد المطالب التي نوجهها لنتنياهو لتشجيع الهجرة الطوعية. ولكن عندما يطرح رئيس أكبر قوة في العالم الفكرة، يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تنفذها والعمل الفوري على تطبيقها. وأنا أدعو رئيس الوزراء إلى التمسك بالفرصة التي يقدمها ترمب، ووضع خطة عملية لتشجيع الهجرة العربية من وطننا».
الرد الفلسطيني
وقُوبلت تصريحات ترمب برفض شامل في الشارع الفلسطيني، وأجمعت الفصائل ومختلف الأحزاب والفعاليات السياسية على إدانتها. وأعلنت «حماس» أنها ترفض التهجير القسري للفلسطينيين، ودعت الإدارة الأميركية إلى «التوقف عن هذه الأطروحات التي تتماهى مع المخططات الإسرائيلية، وتتصادم مع حقوق الشعب الفلسطيني، والاستعاضة عن ذلك بتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حريته، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس». وقال عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، باسم نعيم، إن «شعبنا كما أفشل على مدار عقود كل خطط التهجير والوطن البديل، سيفشل كذلك مثل هذه المشاريع».
من جانبها، أدانت حركة «الجهاد الإسلامي» أيضاً مقترح الرئيس الأميركي، قائلة إن «ذلك يشجع على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية». كما أصدرت لجان المقاومة في فلسطين بياناً قالت فيه إن تصريحات ترمب «عدوانية فاشية تتماهى مع مخططات المجرمين الصهاينة في حكومة المتطرفين الصهاينة وتنفيذ أساطيرهم وخرافاتهم».
رفض أممي وأوروبي
بدورها، علّقت المقررة الأممية الخاصة بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، على تصريحات ترمب بقولها إن «التطهير العرقي ليس بأي حال من الأحوال فكرة خارج الصندوق، بغض النظر عن الطريقة التي يتم الترويج لها». وشددت، في منشور على منصة «إكس»، على أن التطهير العرقي «غير قانوني، وغير أخلاقي، وغير مسؤول».
كما أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه وإدانته الشديدة لتصريحات ترمب، قائلاً: «بعد أكثر من 15 شهراً من ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة الجماعية، وما تضمنته من تدمير شامل لمقومات الحياة الأساسية في قطاع غزة، فلا ينبغي على الفلسطينيين تحمل ثمن هذه الإبادة الجماعية عبر تهجيرهم قسرياً خارج وطنهم، بينما تظل إسرائيل هي القوة المحتلة. لذلك يجب أن تكون هي الجهة التي تعوض الفلسطينيين وتعيد إعمار قطاع غزة في أسرع وقت ممكن».
وأكد المرصد على أن أي خطط لنقل السكان المدنيين قسراً تعد مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف الرابعة التي تنص بوضوح على حظر الترحيل القسري للسكان الواقعين تحت الاحتلال، كما أنها تُعد بمثابة دعم مباشر لسياسات إسرائيل التوسعية والاستعمارية، التي تسعى لإحلال الإسرائيليين مكان الفلسطينيين.
تصريح ترمب
وكان الرئيس الأميركي، قال، مساء السبت، إنه يريد من مصر والأردن استقبال الفلسطينيين من قطاع غزة، وإنه طلب من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن يستقبل الأردن المزيد من الفلسطينيين. وأضاف: «أود أن تستقبل مصر أشخاصاً أيضاً»، مشيراً إلى أنه سيتحدث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في هذا الشأن. وعندما سُئل عما إذا كان هذا اقتراحاً مؤقتاً أو طويل الأجل، قال ترمب: «يمكن أن يكون هذا أو ذاك»، وأضاف: «نتحدث عن مليون ونصف المليون شخص، ونقوم بتطهير المنطقة، التي عصفت بها الحرب، برمتها».
وكان ترمب قد أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن غزة أصبحت مدمرة جراء الحرب، ويمكن الآن أن تتحول إلى «أفضل من موناكو إذا أُعيد بناؤها بالطريقة الصحيحة». كما صرح في اليوم الأول من ولايته أن قطاع غزة «موقع رائع يطل على البحر والطقس به جميل، ويمكن القيام بأشياء رائعة فيه».
وتعكس تصريحات ترمب ما أعلنه قبله صهره جاريد كوشنر الذي قال في فبراير (شباط) من العام الماضي إنه إذا تم تفريغ غزة من المدنيين فيمكن إطلاق العنان لإمكانيات واسعة، لأن موقع القطاع له واجهة بحرية طويلة.