الهجوم الإسرائيلي على جنين ينسجم مع «خطة الحسم»... وتماسك حكومة نتنياهو

العمليات العسكرية لن تتوقف في جنين... وأول آثارها تحطيم كيان السلطة الفلسطينية

TT

الهجوم الإسرائيلي على جنين ينسجم مع «خطة الحسم»... وتماسك حكومة نتنياهو

الجيش الإسرائيلي أحضر الأربعاء جرافاته لتدمير البنية التحتية في جنين (أ.ب)
الجيش الإسرائيلي أحضر الأربعاء جرافاته لتدمير البنية التحتية في جنين (أ.ب)

في الوقت الذي تحدث فيه مسؤولون إسرائيليون عن أن عملية اجتياح جنين ستستغرق عدة أيام، أعلن وزير الدفاع يسرائيل كاتس أنها ستستمر عدة شهور متواصلة، وفيها سيغير الجيش الإسرائيلي استراتيجيته العسكرية وأسلوبه القتالي، ويهدف إلى تحطيم كيان السلطة الفلسطينية في كل الضفة.

لكنّ من يتابع أحداث العملية التي سميت بـ«السور الحديدي» وأسفرت حتى الآن عن مقتل 10 أشخاص، ويمتلك ذاكرة خصبة، يدرك أن هذه العملية ما هي إلا اجترار لعمليات سابقة تعرض لها مخيم جنين والضفة الغربية منذ 9 مارس (آذار) لسنة 2022.

والمشاهد، التي تظهر منذ الاثنين، لأرتال الدبابات وجرافات الهدم وهي تقتحم مخيم جنين بعد غارات بالطائرات الحربية المسيرة والمأهولة، هي نفسها التي شوهدت عشرات المرات خلال السنوات الثلاث الماضية. وما يقال عن ممارسات لجرف الشوارع بدعوى «تدمير العبوات الناسفة والألغام»، ويتم من خلالها تدمير البنى التحتية، هي أيضاً تكرار لها. ولم تتمكن القوات الإسرائيلية في الماضي من القضاء على العبوات الناسفة ولا على المقاومة المسلحة، بل إنها زادت الكراهية والأحقاد، وبالتالي زاد عدد الشبان الفلسطينيين المقاومين، مما عزز لديهم من مشاعر اليأس من الحلول السياسية ومن ثم الجنوح إلى المقاومة.

الجيش الإسرائيلي أحضر الأربعاء جرافاته لتدمير البنية التحتية في جنين (أ.ب)

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن سابقاً عن «حملة كاسر الأمواج»، وذلك في ظل حكومة نفتالي بنيت، التي تم خلالها اعتقال أكثر من 2500 شاب فلسطيني بدعوى تصفية تنظيمات الإرهاب. وأكملت حكومة بنيامين نتنياهو المُهمة وزادتها شدة وشراسة. وعندما نشبت حرب 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في غزة، تعاملت قوات الاحتلال مع الضفة الغربية على أنها جبهة حربية أخرى، إلى جانب غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمين وإيران.

وصعدت إسرائيل من آليات القتل والتدمير، وبدأت تستخدم الطائرات المقاتلة لقصف البلدات. وتم تخصيص مخيمات اللاجئين بعمليات تدمير شاملة، للماء والكهرباء والمجاري وهدم البيوت أو التسبب بتصدعها، حتى لا تعود صالحة للسكن.

خلال هذه العمليات قتل نحو 600 فلسطيني واعتقل 4500 شخص وانهارت الحياة الاقتصادية والتجارية والتعليمية والصحية. وتم نشر نحو 750 حاجزاً عسكرياً (ارتفع عددها إلى 898 حاجزاً في اليومين الماضيين) وإغلاق بلدات ببوابات حديدية. وقد فشلت هذه الممارسات في كسر الفلسطينيين ووقف عمليات المقاومة، التي جرت غالبيتها بمبادرات فردية.

فلسطينيون طلب منهم إخلاء جنين أثناء العلمية العسكرية الإسرائيلية الأربعاء (أ.ف.ب)

لكن القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل رفضوا الاعتراف بذلك وراحوا يستغلون الذاكرة القصيرة للناس ويتحدثون عن «ظروف جديدة» استدعت هذه الهجمة؛ وهي أن «قادة الجيش والمخابرات في تل أبيب يشخصون جهداً إيرانياً بواسطة (حماس) و(الجهاد الإسلامي) لضعضعة المنطقة بعمليات إرهاب وسط إقامة شبكات كتائب الإرهاب بهدف تحدي الجيش الإسرائيلي لعمليات في أرجاء الضفة مثل العملية الأسبوع الماضي في قرية الفندق، التي قتلت فيها امرأتان وشرطي وأصيب بضعة مارة آخرون، وكذا عمليات في خط التماس وفي داخل أراضي إسرائيل».

زكريا الزبيدي

وبحسب المراسل العسكري لصحيفة «معاريف» آفي أشكنازي، «دخل الآن عنصر إضافي سرّع القرار بالخروج إلى عملية واسعة، وهو (اتفاق المخطوفين وتحرير مئات المخربين) في الأسابيع القادمة إلى مناطق الضفة. في الجيش يفهم القادة أن تحريراً مكثفاً سيوقظ نشطاء الإرهاب في الميدان ويرفع دافعيتهم للقيام بالعمليات. بعض المحررين كفلاء بأن يعودوا فوراً إلى دائرة الإرهاب، سواء بالتنفيذ أم بالتخطيط، وإرسال المنفذين. والشخصية المركزية التي يفترض أن تتحرر هي المخرب (زكريا الزبيدي)، رمز مخيم اللاجئين جنين. فقد أقام في أثناء الانتفاضة الثانية (كتائب فتح) والتنظيم في جنين».

صورة أرشيفية للأسير زكريا الزبيدي (أ.ب)

وأضاف: «الزبيدي مخرب من نوع آخر، يقف خلف أعمال قتل قاسية، ويتمتع بشخصية ذات حضور عالٍ، ويعرف اللعبة الإعلامية، وذو قدرة على إثارة حماسة السكان المحليين وتشجيعهم على المشاركة في أعمال الإرهاب. على مدى فترة طويلة كان زكريا تسبب بوجع في رأس (الشباك) والجيش في جنين وشمال السامرة».

لكن الحكومة الإسرائيلية تعمدت في إصدار بيان تقول فيه إنها هي التي تقف وراء القرار بهذا الهجوم، وتحدث الوزير كاتس عن عمليات كبيرة وواسعة ولفترة طويلة، حيث جاء حديثه بالأساس لإرضاء وزير المالية بتسليل سموترتش، الذي أراد ترك الحكومة بعدما وافقت على الصفقة في غزة، وقبِل بالبقاء بشرط أن يتم استئناف القتال في غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة، وأن يتم القيام بحملة عسكرية في الضفة الغربية لتعزيز أمن المستوطنين وتوسيع نطاق البناء الاستيطاني والاعتراف بالبؤر الاستيطانية العشوائية، وزيادة تواجد القوات الإسرائيلية في الشوارع حتى يرتدع الشبان الذين يقذفون الحجارة على المستوطنين، وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات.

فلسطينيون طلب منهم إخلاء جنين أثناء العلمية العسكرية الإسرائيلية الأربعاء (أ.ف.ب)

وسموترتش يعرف أن هذه العمليات ستفجر الأوضاع في الضفة الغربية وستعيد العمليات التفجيرية داخل المدن في إسرائيل، مما يؤدي إلى انفلات المستوطنين اليهود للانتقام بعشرات العمليات المسلحة في البلدات الفلسطينية. وقد سُجِّلت أكثر من 10 اعتداءات كهذه، خلال اليومين الأخيرين، وتم خلالها إحراق عدد من البيوت والسيارات الفلسطينية. ورافقها الجيش بعملياته في جنين.

سموترتش والفوضى

ويحذر الكثيرون في إسرائيل من أن تؤدي هذه العمليات للفوضى العارمة في الضفة الغربية، وإسقاط السلطة الفلسطينية. وهذا بالضبط ما أراده سموترتش، الذي نشر في سنة 2017 ما يعرف باسم «خطة الحسم»، الهادفة إلى تقويض السلطة الفلسطينية وانهيارها وبدء عملية ترحيل للفلسطينيين الذين يرفضون العيش تحت الحكم الإسرائيلي بإذعان.

لذلك، فإنه، وفي الوقت الذي يعلن فيه الجيش أن هدف الحملة هو إلحاق أضرار جسيمة بقدرات منظمات الإرهاب في جنين وفي شمال السامرة، تخدم الحملة خطة اليمين المتطرف التي تظهر السلطة الفلسطينية ضعيفة وعاجزة في نظر المواطنين الفلسطينيين. كما أن حكومة نتنياهو تتبع استراتيجية منذ سنوات، تستند إلى إضعاف السلطة وكل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، لأن وجودها وما تحظى به من دعم دولي يمكن أن يفضي إلى الاعتراف بفلسطين بصفتها دولة في العالم، وقبولها شريكاً فعلياً في عملية السلام في الشرق الأوسط.


مقالات ذات صلة

«أطباء بلا حدود» تدين «العنف المتزايد» للإسرائيليين في الضفة

المشرق العربي جندي إسرائيلي يقف في حقل زراعي عند مدخل مخيم طولكرم للاجئين بالضفة الغربية (أ.ف.ب) play-circle

«أطباء بلا حدود» تدين «العنف المتزايد» للإسرائيليين في الضفة

أدانت منظمة «أطباء بلا حدود» تزايد أعمال العنف التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ومستوطنون يهود ضد فلسطينيين في الضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي ملك الأردن مستقبلاً الرئيس الألماني بحضور ولي العهد الأربعاء (د.ب.أ)

الأردن في مواجهة خطط ترمب بدعم عربي لتثبيت الفلسطينيين على أرضهم

تترقب الأوساط الأردنية والعربية اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والملك عبد الله الثاني الذي سيبلغه الموقف الواضح والرافض لتهجير الفلسطينيين.

محمد خير الرواشدة (عمان)
شؤون إقليمية آليات إسرائيلية في طريق دمرته بالقرب من المدخل الرئيسي لمخيم جنين للاجئين الأربعاء (إ.ب.أ) play-circle

إسرائيل تقول إن عمليتها بالضفة مستمرة في رمضان

هدد الجيش الإسرائيلي بتوسيع العملية العسكرية في الضفة الغربية، بعد أكثر من أسبوعين على انطلاقها، وقال إنها ستستمر خلال شهر رمضان المقبل.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية العاهل الأردني عبد الله الثاني يلتقي الرئيس عباس يوم الأربعاء لتنسيق المواقف بعد تصريحات ترمب (القصر الملكي)

«قنبلة ترمب»... صدمة فلسطينية ونشوة إسرائيلية

رفض الفلسطينيون خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسيطرة على قطاع غزة، وقالوا إنهم سيتصدون لها بكل الطرق، فيما أبدى الإسرائيليون حماساً منقطع النظير لقنبلة ترمب.

كفاح زبون (رام الله)
شؤون إقليمية جنود إسرائيليون في موقع هجوم إطلاق نار على موقع عسكري قرب قرية تياسير في الضفة الغربية المحتلة 4 فبراير 2025 (رويترز) play-circle

مقتل جنديين إسرائيليين في ذروة الهجوم على الضفة

في أكبر رد على العملية الإسرائيلية بالضفة الغربية، هاجم فلسطيني يحمل بندقية حاجزاً عسكرياً، الثلاثاء، ما أسفر عن مقتل جنديين وإصابة 8 آخرين.

كفاح زبون (رام الله)

مصدر تركي: من السابق لأوانه الحديث عن اتفاق دفاعي بين أنقرة ودمشق

الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع (يمين) والرئيس التركي رجب طيب إردوغان يصلان إلى مؤتمر صحافي مشترك في أنقرة (رويترز)
الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع (يمين) والرئيس التركي رجب طيب إردوغان يصلان إلى مؤتمر صحافي مشترك في أنقرة (رويترز)
TT

مصدر تركي: من السابق لأوانه الحديث عن اتفاق دفاعي بين أنقرة ودمشق

الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع (يمين) والرئيس التركي رجب طيب إردوغان يصلان إلى مؤتمر صحافي مشترك في أنقرة (رويترز)
الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع (يمين) والرئيس التركي رجب طيب إردوغان يصلان إلى مؤتمر صحافي مشترك في أنقرة (رويترز)

كشف مصدر بوزارة الدفاع التركية، اليوم (الخميس)، عن أن أولوية أنقرة في سوريا هي إرساء الاستقرار والأمن وتطهير البلاد من المسلحين، لكن من السابق لأوانه الحديث عن اتفاق من شأنه أن يتيح لتركيا إنشاء قواعد عسكرية هناك، وفقاً لوكالة «رويترز».

وذكرت «رويترز»، يوم الثلاثاء، أن تركيا والإدارة السورية الجديدة ستناقشان توقيع اتفاق دفاع مشترك خلال محادثات بين رئيسَي البلدين هذا الأسبوع، بما في ذلك إنشاء قاعدتين جويَّتين تركيَّتين في سوريا، وتدريب الجيش السوري الجديد.

وقال المصدر رداً على سؤال حول التقرير إن وفداً من وزارة الدفاع سافر إلى سوريا، الأسبوع الماضي؛ لإجراء محادثات، وإن البلدين متفقان بشأن وحدة أراضي سوريا واستقرارها وضرورة تطهيرها من كل المسلحين.

وأضاف المصدر: «يجب التعامل مع مثل هذه القصص في الصحافة بحذر وقراءة محتواها وفهمه على نحو صحيح. من السابق لأوانه الحديث عن هذه القضايا في الوقت الحالي».

وتابع المصدر: «سيتم العمل من أجل وضع خريطة طريق مشتركة بما يتماشى مع مطالب الحكومة السورية الجديدة، واتخاذ خطوات ملموسة لتحسين قدرات الجيش السوري»، مضيفاً أن مسؤولي الوزارة أبلغوا نظراءهم السوريين باستعدادهم لتقديم «جميع أشكال الدعم».

ولطالما دعمت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، التي تربطها علاقات ودية مع الإدارة السورية الجديدة، المعارضة المسلحة والسياسية للإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد. وأطاحت المعارضة بالأسد في هجوم قادته قوات الرئيس الجديد أحمد الشرع في ديسمبر (كانون الأول).

وذكرت «رويترز»، يوم الثلاثاء، نقلاً عن مسؤول كبير من المخابرات بالمنطقة، ومسؤول أمني سوري، ومصدرَين أمنيَّين أجنبيَّين مقيمَين في دمشق، أن الاتفاق قد يسمح لتركيا بإنشاء قاعدتين جويَّتين جديدتين في سوريا، واستخدام المجال الجوي السوري لأغراض عسكرية، وتولي دور قيادي في تدريب قوات الجيش السوري الجديد.

ومنذ سقوط الأسد، دأبت أنقرة على الدعوة إلى حل «وحدات حماية الشعب الكردية» المسلحة في سوريا، وإلى أن تعالج الإدارة الجديدة هذه القضية، محذِّرة من أنها ستشنُّ هجوماً جديداً عبر الحدود إذا لم يتم ذلك.

وتُصنِّف تركيا «وحدات حماية الشعب الكردية»، التي تقود «قوات سوريا الديمقراطية» المتحالفة مع الولايات المتحدة، «منظمةً إرهابيةً» تربطها صلات بمسلحي «حزب العمال الكردستاني» الذين يشنون تمرداً منذ عقود في الأراضي التركية. كما تُصنِّف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي «حزب العمال الكردستاني» «منظمةً إرهابيةً».