باحثان إسرائيليان: حرب غزة إبادة شعب من مدرسة النازية

قالا إن القطاع بوصفه تجمعاً بشرياً وقومياً لم يعد موجوداً

فلسطينيون يعاينون مباني أصابها القصف الإسرائيلي في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يعاينون مباني أصابها القصف الإسرائيلي في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

باحثان إسرائيليان: حرب غزة إبادة شعب من مدرسة النازية

فلسطينيون يعاينون مباني أصابها القصف الإسرائيلي في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يعاينون مباني أصابها القصف الإسرائيلي في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

بعد أن بدا أن الحرب في قطاع غزة على وشك أن تضع أوزارها، خرج اثنان من كبار الباحثين والمؤرخين الإسرائيليين بتقرير يؤكدان فيه أن الممارسات الإسرائيلية خلال هذه الحرب لا تساوي الممارسات النازية في أوسشفتس، لكنها جرائم يحدد مكانها في إطار «إبادة شعب».

وقالا في صحيفة «هآرتس» إنه بعد انتهاء الحرب، «سوف نضطر للنظر إلى أنفسنا في المرآة، لنجد أننا مجتمع ارتكب جرائم إبادة جماعية ستلطخ تاريخ اليهود من الآن إلى الأبد».

ويفند العالمان البروفسور دانييل بيلتمان والبروفسور عاموس غولدبرغ، ما يقوله كثير من العلماء الإسرائيليين الذين هبوا لمنح غطاء للحكومة والجيش في إسرائيل، بقولهما إن التعريف المناسب للفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة يخضع منذ أكثر من سنة لنقاش بين الباحثين ورجال القانون والنشطاء السياسيين والمراسلين وغيرهم، وهو نقاش معظم الإسرائيليين لا يطلعون عليه.

لكن فحصاً مقارناً للأحداث في السنة الأخيرة، يقود إلى الاستنتاج بأن إسرائيل «تنفذ إبادة جماعية في غزة. ولا يخفف من هذه الممارسات كون الولايات المتحدة أو فرنسا ارتكبت فظائع شبيهة أو أكثر ضد مدنيين في حرب فيتنام (1965 – 1973) أو حرب الجزائر (1954 – 1962)».

التشبيه بفيتنام

من حرب فيتنام (متداولة على مواقع التواصل)

وتابع الباحثان قولهما: «كما أن ممارسات (الفيتكونغ) في فيتنام من جرائم بشعة ضد الإنسانية لا تبرر للأميركيين جرائمهم، فإن جرائم (حماس) ضد الإسرائيليين لا تبرر جرائم الإبادة في غزة. والاعتراف بالأعمال الفظيعة للفيتكونغ و(حماس) لا ينفي الحاجة إلى أن يتم تعريف، بشكل دقيق، ما فعله في حينه الجيش الأميركي في فيتنام، وما يفعله الجيش الإسرائيلي الآن في قطاع غزة». وأضافا أن «إسرائيل في الحقيقة لم تقم بإلقاء قنبلة ذرية على غزة (رغم اقتراح وزير التراث عميحاي إلياهو القيام بهذا)، لكن في حرب غزة تم تجاوز حواجز حذرت إسرائيل من اختراقها في السابق».

وأشار الباحثان إلى أن التحقيق الذي أجراه يوفال إبراهام ونشر في صحيفة «محادثة محلية»، في 3 أبريل (نيسان) 2024، وتم تأكيده في تحقيق لصحيفة «واشنطن بوست» في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2024، أظهر أن الجيش الإسرائيلي استخدم الذكاء الاصطناعي في عمليات القصف في غزة، بشكل أدى إلى إلحاق أضرار زائدة بالأبرياء «إذ كانت تمت المصادقة أحياناً على تدمير حي بأكمله وقتل 300 شخص غير متورطين فقط من أجل المس بشخص كبير واحد من (حماس). وهذا المنطق يحول جميع سكان غزة إلى أهداف مشروعة».

كما كان هناك تحقيق أجراه الدكتور لي مردخاي في صحيفة «هآرتس»، بتاريخ 5 ديسمبر الماضي، يقدر بأن 60 – 80 في المائة من المصابين في غزة غير متورطين، أي أكثر مما كان في أي حرب أخرى في القرن الحالي. وقال الباحثان: «باستثناء فكرة استخدام السلاح النووي، فإن السياسيين وقادة كباراً في الجيش وإعلاميين، أدلوا بتصريحات كثيرة تدل على نية الإبادة الجماعية، وكل ذلك تم توثيقه، مثل (لا يوجد في غزة أبرياء)؛ و(نحن سننفذ نكبة 2)؛ و(يجب تدمير العماليق وما شابه)».

دعوى جنوب أفريقيا

نتنياهو يصل لاجتماع حزب «الليكود» بعد طلب المدعي العام للجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحقه ووزير دفاعه (أ.ف.ب)

وبعد استعراض عدد من المواقع التي شهدت عمليات إبادة في التاريخ الحديث، مثل رواندا ويوغوسلافيا، يقول الباحثان: «في سياق غزة فإن الدعوى ضد إسرائيل للاشتباه بارتكاب إبادة جماعية، التي قدمتها جنوب أفريقيا والتي طلب الانضمام إليها 14 دولة أخرى، هي دعوى قوية جداً، سواء بسبب العدد الكبير من تصريحات الإبادة الجماعية لمتخذي القرارات في إسرائيل أو بسبب طبيعة النشاطات نفسها مثل التجويع المنهجي لسكان غزة، والتطهير العرقي في شمال القطاع، وقصف مناطق تم عدّها آمنة».

وأوضحا أن «معظم حالات الإبادة الجماعية في العصر الحديث وقع بعد صراع عنيف وطويل بين مجموعة القتلة ومجموعة الضحايا. مثلاً، الأرمن ثاروا ضد ظلم العثمانيين وقمع طموحاتهم القومية، وقاموا بنشاطات إرهابية ضد الدولة في نهاية القرن التاسع عشر. كذلك، أبناء الهرارو في جنوب غربي أفريقيا تمردوا على السلطة الإمبريالية الألمانية التي ردت عليهم بإبادتهم عبر تبني سياسة إبادة مصادر رزقهم من قطعان الأبقار. وأيضاً أبناء الهوتو قتلوا أبناء التوتسي في رواندا بعد سنوات طويلة من الصراع، الذي كانت بدايته في الامتيازات التي منحها الحكم الاستعماري البلجيكي لأبناء التوتسي بعد الحرب العالمية الأولى».

الدفاع عن النفس

فلسطينيون يتجمعون لتلقي مساعدات الطعام وسط أزمة الجوع مع استمرار الحرب في جنوب قطاع غزة (رويترز)

وعملياً، فإن معظم أعمال الإبادة الجماعية تعد من قبل منفذيها خطوة للدفاع عن النفس من ضحاياهم. والصراع بين إسرائيل والفلسطينيين ينتمي بلا شك إلى هذا النوع. فالإبادة الجماعية في غزة عُدّت من قبل معظم الإسرائيليين حرب دفاع عن النفس جاءت بعد هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

فالإبادة الجماعية يجب ألا تكون مشابهة للنموذج النازي، الذي عَدّ كل يهودي عدواً يجب القضاء عليه. الإبادة الجماعية لم تكن في أي يوم خطية، ودائماً تحدث فيها عمليات متناقضة. «مثلاً، في حين أن الأرمن طردوا وذبحوا في أجزاء واسعة من الإمبراطورية العثمانية، فإنهم في مدن كبيرة مثل إسطنبول وإزمير لم يتضرروا تقريباً. وفي بعض الحالات أجل القائد النازي هاينرخ هملر، إبادة اليهود في أماكن وأوقات معينة لاعتبارات سياسية أو دبلوماسية، الأمر الذي مكّن من فتح نافذة ضيقة للإنقاذ. وأيضاً يمكن لإسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة التي يتم استغلالها أحياناً لتشجيع عصابات إجرامية محلية، وفي الوقت نفسه كي تقتل آلاف المواطنين الأبرياء».

ويقتبس المؤرخان ما نقله الصحافي ينيف كوفوفيتش من شهادات تقشعر لها الأبدان على ما يحدث في ممر نتساريم، حيث اتضح أن كل الذين يجتازون الخط الوهمي يتم إطلاق النار عليهم وقتلهم، سواء كانوا مسلحين أو مدنيين ضلوا الطريق «حتى لو كانوا أطفالاً».

الإبادة في غزة

رجل يحمل جثة طفل رضيع قُتل في غارات إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

ويختتم الباحثان تقريرهما بالقول إن «الإبادة هي كل عمل يؤدي إلى تدمير القدرة على الوجود لمجموعة، ليس بالتحديد قتلها الجسدي. التقدير هو أنه نحو 50 ألف شخص قتلوا في غزة، و110 آلاف شخص أصيبوا. وعدد الذين بقوا تحت الأنقاض غير معروف، وربما لن تتم معرفته أبداً».

وأضافا أن «الأغلبية الساحقة من الضحايا مواطنون غير مشاركين في القتال. 90 في المائة من سكان غزة تم تهجيرهم من بيوتهم ويعيشون في ظروف سيئة جداً، ما يزيد عدد الوفيات. هذا بالإضافة إلى قتل الأطفال والتجويع والتدمير المنهجي، بما في ذلك البنى التحتية للمنظومة الصحية وتدمير معظم المباني، بما في ذلك محور أحياء وبلدات بالكامل مثل جباليا وبيت لاهيا، والتطهير العرقي في شمال القطاع، وتدمير كل الجامعات ومعظم المؤسسات الثقافية والمساجد، وتدمير البنى التحتية للحكومة والمنظمة، والقبور الجماعية، وتدمير البنى التحتية لإنتاج المواد الغذائية المحلية وخزانات المياه. كل ذلك يرسم صورة واضحة للإبادة الجماعية. غزة بوصفها تجمعاً بشرياً وقومياً جماعياً لم تعد موجودة. فهكذا بالضبط تبدو الإبادة الجماعية».


مقالات ذات صلة

ترمب سيوقّع أمراً تنفيذياً لمعاقبة «الجنائية الدولية»

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ف.ب) play-circle

ترمب سيوقّع أمراً تنفيذياً لمعاقبة «الجنائية الدولية»

قال مسؤول في البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي سيوقع، الخميس، على أمر تنفيذي لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية لاستهدافها الولايات المتحدة وحلفائها مثل إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (أ.ب) play-circle

وزير الخارجية الإسرائيلي: ليست لدينا تفاصيل بعد بشأن خطة ترمب لغزة

قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، اليوم الخميس، إن إسرائيل ليست لديها تفاصيل حتى الآن بشأن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن غزة.

شمال افريقيا سيارات إسعاف مصرية تستقبل الجرحى الفلسطينيين (مجلس الوزراء المصري)

5 آلاف شاحنة مساعدات دخلت من مصر إلى غزة

استقبلت مصر، الخميس، الدفعة الخامسة من جرحى ومرضى غزة، حيث دخل عبر معبر رفح 36 مصاباً يرافقهم 26 من ذويهم، بحسب إحصاء رسمي من «الهيئة العامة للاستعلامات».

هشام المياني (القاهرة )
شمال افريقيا مصطفى مدبولي خلال لقاء محمد مصطفى في القاهرة (مجلس الوزراء المصري)

مصر تجدد رفضها لأي تصور يستهدف «تصفية» القضية الفلسطينية

حذرت وزارة الخارجية المصرية، الخميس، من تداعيات تصريحات مسؤولين بالحكومة الإسرائيلية بشأن «بدء تنفيذ مخطط تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا (رويترز) play-circle

روسيا: تصريحات ترمب «الشعبوية» حول غزة تزيد التوتر

قالت وزارة الخارجية الروسية، رداً على سؤال حول تصريحات الرئيس الأميركي بشأن خطة الاستيلاء على غزة، إنها تعتبر أي تصريحات شعبوية غير بناءة وتزيد من التوتر.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

عقوبات أميركية تستهدف شحن النفط الإيراني إلى الصين

ترمب خلال اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي الثلاثاء (إ.ب.أ)
ترمب خلال اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

عقوبات أميركية تستهدف شحن النفط الإيراني إلى الصين

ترمب خلال اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي الثلاثاء (إ.ب.أ)
ترمب خلال اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي الثلاثاء (إ.ب.أ)

فرضت وزارة الخزانة الأميركية، اليوم الخميس، عقوبات تستهدف «شبكة دولية» تشحن ملايين البراميل من النفط الخام الإيراني سنوياً إلى الصين، وتساهم بتمويل أنشطة طهران العسكرية.

تأتي هذه الخطوة بعدما أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإعادة استراتيجية «الضغوط القصوى» على إيران بهدف إجبارها على قبول اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي.

وتشمل أوامر ترمب خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة منع البلاد من الحصول على سلاح نووي.

وتعدّ هذه العقوبات هي أول حزمة عقوبات اقتصادية تفرضها إدارة ترمب الجديدة على طهران.

ترمب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية في المكتب البيضاوي أمس (إ.ب.أ)

وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان إن العقوبات تستهدف «شبكة دولية تسهل نقل ملايين من براميل النفط الخام الإيراني، بقيمة مئات ملايين الدولارات، إلى الصين».

من جهتها، ذكرت وزارة الخارجية الأميركية في بيان منفصل أن «هذه الشبكة تنتج عائدات غير مشروعة للجيش الإيراني»، مما يسمح له «بتمويل الجماعات الإرهابية مثل (حماس) و(حزب الله)».

ونقل البيان عن وزير الخزانة، سكوت بيسنت، قوله: «لا يزال النظام الإيراني يركز على الاستفادة من عائداته النفطية لتمويل تطوير برنامجه النووي، وإنتاج صواريخه الباليستية الفتاكة والطائرات المسيّرة، ودعم مجموعاته الإرهابية الإقليمية بالوكالة».

وأكد أن «الولايات المتحدة ملتزمة باستهداف أي محاولة من جانب إيران لتأمين التمويل لهذه الأنشطة الخبيثة».

ومن بين الكيانات والأفراد الخاضعين للعقوبات شركة «سبهر للطاقة»، التي تصفها واشنطن بأنها «شركة واجهة» تعمل نيابة عن الجيش الإيراني، كما تم استهداف العديد من ناقلات النفط والشركات التي تستأجرها.

وتؤدي العقوبات إلى تجميد الأصول التي تحتفظ بها الشركات المستهدفة بشكل مباشر أو غير مباشر في الولايات المتحدة، فضلاً عن حظر الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً، ومنع المواطنين الأميركيين من التعامل مع الشركات المستهدفة بالعقوبات، تحت طائلة التعرض للعقوبات بدورهم.

وانتقدت إيران إعادة العمل بهذه الاستراتيجية «الضغوط القصوى»، قائلة إنها «ستفشل» مجدداً.

وبموجب هذه الاستراتيجية التي بدأها ترمب خلال ولايته الأولى، انسحبت واشنطن عام 2018 من الاتفاق النووي الذي فرض قيوداً على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.

ودعا ترمب الأربعاء إلى «اتفاق نووي سلمي خاضع للتدقيق» مع إيران، مشدّداً على أن طهران «لا يمكن أن تمتلك سلاحاً نووياً».