إيران تتطلع لـ«مسار جديد» مع «الذرية الدولية»

عراقجي: زيارة غروسي تأتي في وقت مناسب جداً

غروسي (وسط) ونائبه ماسيمو أبارو الذي يترأس إدارة الضمانات في «الذرية الدولية» على هامش مباحثات مع إسلامي في أصفهان مايو الماضي (إ.ب.أ)
غروسي (وسط) ونائبه ماسيمو أبارو الذي يترأس إدارة الضمانات في «الذرية الدولية» على هامش مباحثات مع إسلامي في أصفهان مايو الماضي (إ.ب.أ)
TT

إيران تتطلع لـ«مسار جديد» مع «الذرية الدولية»

غروسي (وسط) ونائبه ماسيمو أبارو الذي يترأس إدارة الضمانات في «الذرية الدولية» على هامش مباحثات مع إسلامي في أصفهان مايو الماضي (إ.ب.أ)
غروسي (وسط) ونائبه ماسيمو أبارو الذي يترأس إدارة الضمانات في «الذرية الدولية» على هامش مباحثات مع إسلامي في أصفهان مايو الماضي (إ.ب.أ)

تتطلع إيران إلى وضع مسار جديد للتعاون مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الذي يروز العاصمة طهران، لإجراء مباحثات «مهمة»، بشأن القضايا العالقة بين الطرفين، غداة تحذيره من أن «هوامش المناورة بدأت تتقلص»، بشأن برنامج طهران النووي.

وصل غروسي مساء اليوم الأربعاء إلى طهران لإجراء محادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي يشكّل محور توتّرات مع دول غربية، وفق مشاهد بثّها التلفزيون الرسمي.

تأتي زيارة غروسي عقب إعادة انتخاب ترمب رئيساً للولايات المتحدة وفي ظل مناخ من التوتر الحاد بين إيران وإسرائيل.

وقال غروسي الثلاثاء لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» على هامش مؤتمر «كوب 29» للمناخ الذي تستضيفه باكو، إن على السلطات الإيرانية «أن تفهم أن الوضع الدولي يزداد توتراً، وأن هوامش المناورة بدأت تتقلص، وأن إيجاد سبل للتوصل إلى حلول دبلوماسية أمر ضروري».

وأفاد بأن طهران تسمح للوكالة بالقيام بعمليات تفتيش لكن «نحتاج إلى المزيد. نظراً إلى حجم وعمق ومدى طموح برنامج إيران. علينا إيجاد وسائل لمنح الوكالة رؤية أوضح».

وقال غروسي في مقابلة الثلاثاء مع قناة «سي إن إن» الأميركية إن الإيرانيين «يمتلكون كميات كبيرة من المواد النووية التي يمكن استخدامها لتصنيع أسلحة نووية»، مضيفاً: «ليست لديهم أسلحة نووية في هذه المرحلة».

واعتمد الجمهوري خلال ولايته الأولى سياسة «ضغوط قصوى» حيال طهران، تمثّلت على وجه الخصوص بالانسحاب من الاتفاق الدولي بشأن برنامج إيران النووي، وتصنيف «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب.

وأكد ترمب في تصريحات، الأسبوع الماضي، أنه لا يسعى إلى إلحاق الأذى بإيران، ويريد لشعبها أن يكون له «بلد ناجح جداً»، لكنه شدّد على وجوب الحؤول دون امتلاك طهران سلاحاً نووياً.

وكان غروسي يأمل في زيارة طهران قبل انتخابات الرئاسة الأميركية، في إطار سعيه لحل عدد من المسائل العالقة منذ فترة طويلة، التي أثرت في علاقات إيران مع الوكالة وقوى غربية.

محاولات سابقة

وحاول غروسي أيضاً زيارة طهران، في سبتمبر (أيلول) الماضي، قبل الاجتماع الفصلي؛ لإجراء محادثات مع الرئيس المدعوم من الإصلاحيين، مسعود بزشكيان، لكن طهران لم تتجاوب مع محاولاته.

ونهاية سبتمبر، أعلن غروسي أن إيران تبدو مستعدة لاستئناف المفاوضات، لكنها لا تزال ترفض عودة مفتشي الوكالة الذرية إلى مواقعها.

وتعود آخر زيارة قام بها غروسي لطهران إلى مايو (أيار). وفي الأيام الأخيرة، أعربت طهران عن أنها مستعدة للتعاون مع الوكالة لحل القضايا العالقة، دون تقديم تفاصيل.

قفزة في زمن بايدن

وأبرم الاتفاق النووي بين طهران و6 قوى كبرى، عام 2015، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وأتاح رفع عقوبات عن إيران مقابل تقييد أنشطتها النووية وضمان سلميتها.

إلا أن ترمب أعاد فرض عقوبات اقتصادية صارمة بعد انسحابه من الاتفاق في 2018. وردّت طهران ببدء التراجع تدريجياً عن غالبية التزاماتها بموجب الاتفاق، وأضافت، خلال ولاية ترمب الأولى، عدداً من أجهزة الطرد المركزي، ورفعت التخصيب من 3.67 في المائة، وهو السقف الذي حدّده الاتفاق النووي، إلى 4.5 في المائة.

وفي يناير (كانون الثاني) 2021، مع بدء مهام الرئيس جو بايدن الذي تعهَّد بإحياء الاتفاق، اتخذت طهران سلسلة خطوات غير مسبوقة، أتاحت نمو وتوسّع برنامجها النووي بشكل كبير.

ومن أبرز تلك الخطوات رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة. ومع انطلاق المحادثات النووية في أبريل (نيسان) 2021، قامت طهران برفع مستوى التخصيب إلى 60 في المائة، وهو المستوى القريب من 90 في المائة المطلوب لتطوير سلاح ذري.

كما أوقفت طهران العمل بالبروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي، في فبراير (شباط) 2021. وتمتنع من حينها عن تسليم تسجيلات كاميرات المراقبة في المنشآت النووية، بالإضافة إلى وقف كاميرات إضافية في مواقع حساسة. وجمَّدت طهران ترخيص مفتشين دوليين، في يونيو (حزيران) الماضي.

غروسي يجري مفاوضات مع عراقجي على هامش مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني في مايو 2021 (الوكالة الدولية)

مسار جديد

وسيحلّ غروسي، الأربعاء، على إيران للمرة الأولى منذ مايو (أيار). وأكدت الوكالة في بيان أن الزيارة تهدف إلى عقد «اجتماعات عالية المستوى مع الحكومة الإيرانية»، وإجراء «مباحثات تقنية تشمل كل الجوانب».

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في طهران: «بالطبع هناك بعض المشكلات والاختلافات في التعاون مع الوكالة الدولية، لكننا نعتقد أن زيارة غروسي تأتي في وقت مناسب جداً، وقد تم التخطيط لهذه الزيارة منذ فترة».

ونقلت وكالة «مهر» الحكومية: «نأمل أن نتمكن من التوصل إلى اتفاقات حول بعض الخلافات الموجودة وكيفية التعاون المستقبلي».

ونوَّه عراقجي بأن غروسي يتمتع «بروح إيجابية بناء على ما نقله زملاؤنا الذين تحدثوا معه في فيينا». وأضاف: «نأمل من خلال ذلك أن نتمكن من وضع مسار جديد للتعاون بين إيران والوكالة الدولية».

ومنذ تولّي الديمقراطي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، خلفاً لترمب، مطلع عام 2021، أجرت طهران وواشنطن مباحثات غير مباشرة بواسطة أطراف الاتفاق النووي، سعياً لإحيائه. إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.

وبعد تولي الرئيس الإصلاحي، مسعود بزشكيان، منصبه في أغسطس (آب) الماضي، أشارت طهران إلى أنها ستكون منفتحة على إجراء محادثات لإعادة إحياء الاتفاق.

وحثّت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران مراراً على التعاون، وهو ما كرّره غروسي في زيارته الأخيرة، بدعوته إلى إجراءات «ملموسة» في هذا المجال.

وخفّضت إيران من تعاونها مع الوكالة خلال الأعوام الأخيرة، وأزالت بعض كاميرات المراقبة من المنشآت، وسحبت اعتمادات عدد من مفتشي الوكالة.

فتوى خامنئي

تعود جذور البرنامج النووي الإيراني إلى الخمسينات من القرن الماضي، حين وقّعت واشنطن اتفاق تعاون مع طهران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. وفي السبعينات، صادقت إيران على معاهدة الحدّ من الانتشار النووي.

ومع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، بدأت بعض الأصوات في طهران تطرح بشكل علني إمكانية إعادة النظر في العقيدة النووية. وحثّ أعضاء في البرلمان المرشد علي خامنئي، صاحب الكلمة الفصل في السياسة العليا للجمهورية، على إعادة النظر في فتواه بشأن السلاح النووي.

ويعتبر خامنئي، في فتواه، استخدام أسلحة الدمار الشامل «حراماً، ونرى السعي لحماية أبناء البشر من هذا البلاء الكبير واجباً على عاتق الجميع».

وانتشر الكلام عن وجود الفتوى في 2003، بعدما أشار إليها أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حينذاك، حسن روحاني، خلال مفاوضات مع ممثلين من «الترويكا» الأوروبية. وبعد 10 سنوات من طرحه وجود فتوى من هذا النوع، لعب روحاني دوراً محورياً في المفاوضات النووية التي انطلقت في 2013، وانتهت بالاتفاق النووي.

وغالباً ما يعتبر المسؤولون الإيرانيون أن هذه الفتوى بمثابة ضمانة لسلمية البرنامج النووي، ولكن التلويح بتغيير المسار النووي أثار شكوكاً بين المحللين حول تماسك الفتوى.

محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية يشرح لخامنئي مجسمات لسلسلة أجهزة الطرد المركزي (إرنا)

والاثنين، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من أن طهران باتت «أكثر عرضة من أي وقت مضى لضربات على منشآتها النووية».

وتتهم إسرائيل منذ سنوات إيران بالسعي لحيازة السلاح النووي، وهو ما تنفيه طهران التي تتهم بدورها تل أبيب بالوقوف خلف عمليات اغتيال علماء وتخريب منشآت نووية.

وتبادل العدوان اللدودان خلال الأشهر الماضية ضربات مباشرة غير مسبوقة في تاريخ الصراع بينهما، وذلك على خلفية الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حركة «حماس» في قطاع غزة، و«حزب الله» في لبنان.

وأثار ذلك مخاوف من انخراط إيران وإسرائيل في حرب مباشرة، بعد أعوام من العمليات الخفية وضربات غير مباشرة في أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط.

وقال كمال خرازي، كبير مستشاري المرشد الإيراني في الشؤون الدبلوماسية: «سنكون مضطرين لتغيير عقيدتنا العسكرية، إذا تعرضت الجمهورية الإسلامية لتهديد وجودي». وأضاف: «نملك الآن القدرة على إنتاج الأسلحة، والعائق الوحيد هو فتوى المرشد التي تحظر إنتاج الأسلحة النووية».

كما لوَّح خرازي برفع الحظر عن زيادة مدى الصواريخ الباليستية، بما يتخطى 2000 كيلومتر، وهو السقف المحدد من قبل خامنئي.


مقالات ذات صلة

الغرب يطالب إيران بتدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

شؤون إقليمية 
صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الفصلي في فيينا

الغرب يطالب إيران بتدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت بريطانيا وألمانيا وفرنسا، أمس (الخميس)، إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60 في المائة «فوراً».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية  منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

«عسكرة» النووي الإيراني في صلب المخاوف الغربية

«عسكرة» البرنامج النووي الإيراني في صلب المخاوف الغربية ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حاول، دون طائل، تجنب التصعيد بين الغربيين وإيران.

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية محسن نذیري أصل مندوب إيران الدائم لدى المنظمات الدولية يحمل لوحة باسم بلاده في الاجتماع الفصلي في فيينا اليوم (الذرية الدولية)

الغرب يحرّك قراراً ضد «نووي إيران»

طرحت القوى الأوروبية بدعم من الولايات المتحدة قراراً يدين تحدي إيران لمطالب الحد من برنامجها النووي، في حين دعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، طهران إلى

ميشال أبونجم (باريس)

جرائم غزة تكرّس نتنياهو «مطلوباً دولياً»

فلسطيني داخل «مستشفى كمال عدوان» يحمل طفلاً من ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت بيت لاهيا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطيني داخل «مستشفى كمال عدوان» يحمل طفلاً من ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت بيت لاهيا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

جرائم غزة تكرّس نتنياهو «مطلوباً دولياً»

فلسطيني داخل «مستشفى كمال عدوان» يحمل طفلاً من ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت بيت لاهيا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطيني داخل «مستشفى كمال عدوان» يحمل طفلاً من ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت بيت لاهيا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

في سابقة تاريخية، كرست مذكرة اعتقال أصدرتها «المحكمة الجنائية الدولية»، أمس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «مطلوباً دولياً» جراء اتهامه مع آخرين بارتكاب «جرائم حرب» في غزة التي تجاوز عدد ضحاياها، أمس، 44 ألف قتيل.

وجاء أمر المحكمة ليشمل كلاً من نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، وقائد «كتائب القسام» محمد الضيف. وقالت المحكمة إنها وجدت أسباباً وجيهة لاتهامهم بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب».

وبعدما أعلن نتنياهو رفضه القرار، اتهم «الجنائية الدولية» بـ«معاداة السامية» على حد زعمه. أما المدّعي العام للمحكمة، كريم خان، فقد طالب الدول الأعضاء في المحكمة والبالغ عددها 124 دولة بالتحرك لتنفيذ مذكرات التوقيف.

وأعرب متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي عن رفض واشنطن بشكل قاطع للقرار بحق المسؤولين الإسرائيليين.

لكن دولاً أوروبية، أكدت التزامها القانون الدولي بشكل عام، مع تحفظ البعض عن تأكيد أو نفى تنفيذ أمر الاعتقال. وشدد مسؤول السياسة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على أن «جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، ومنها دول أعضاء في الاتحاد، ملزَمة تنفيذ قرارات المحكمة».

ورحبت السلطة الوطنية الفلسطينية بالقرار، ورأت أنه «يُعيد الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته»، وكذلك أيدته حركة «حماس» وعدّته «سابقة تاريخيّة مهمة»، من دون الإشارة إلى المذكرة بحق الضيف.