«الحرس الثوري»: الخيار الوحيد أمام ترمب تقليص الدعم لإسرائيل

قائد «الحرس الثوري» يلقي كلمة بمدينة مشهد شمال شرقي إيران (فارس)
قائد «الحرس الثوري» يلقي كلمة بمدينة مشهد شمال شرقي إيران (فارس)
TT

«الحرس الثوري»: الخيار الوحيد أمام ترمب تقليص الدعم لإسرائيل

قائد «الحرس الثوري» يلقي كلمة بمدينة مشهد شمال شرقي إيران (فارس)
قائد «الحرس الثوري» يلقي كلمة بمدينة مشهد شمال شرقي إيران (فارس)

قال قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن «الخيار الوحيد أمام المسؤولين الأميركيين الجدد هو تقليص الدعم لإسرائيل»، مضيفاً أن «الشعب الأميركي لم يصوِّت لمن جهزوا آلة القتل الصهيونية»، وذلك في أول تعليق على فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية.

ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله إن الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة «أثبتت أن مقاومة غزة يمكنها أن تغيّر حتى الحكومة الأميركية».

وقال سلامي أمام مؤتمر عام لمسؤولي ومنتسبي دائرة الدعاية والإعلام في «الحرس الثوري»، الجمعة، إن «الديمقراطيين هم من دعموا حرب فلسطين بكل إمكاناتهم».

وتَطَرَّقَ سلامي إلى التطورات الأخيرة في جبهة لبنان، قائلاً: «العدو حاول استهداف قادة (حزب الله)، وإخراجهم من المشهد الميداني، لكنه فشل في تحقيق أهدافه».

وأضاف: «فقد عملوا لسنوات على مراقبة دقيقة لكشف الشبكات العملياتية للمقاومة في لبنان، وتحديد الأفراد، وشنّ هجمات إرهابية، وقد شاهدتم كيف نفذوا عمليات دقيقة استهدفت أشخاصاً مثل فؤاد شكر، وصولاً إلى أمين عام (حزب الله) حسن نصر الله».

وقال: «جبهة المقاومة اليوم في أقرب مسافة ممكنة من العدو، وتخوض معه مواجهات مباشرة».

وهدد سلامي ضمناً بتصعيد العمليات البحرية ضد إسرائيل التي وصفها بـ«الولاية الأميركية»، وقال: «تدمير موانئ إسرائيل، وتهديد أمن البحر الأبيض المتوسط كفيل بإسقاطها».

وقال في السياق نفسه: «إسرائيل اليوم هي جيش منهَك، واقتصاد منهار تحت إدارة أميركية، بينما الجمهورية الإسلامية قوية لا يمكن هزيمتها».

وأشار سلامي إلى أن «التغيير الوحيد» الذي يواجه المسؤولين الأميركيين في ولاية ترمب الثانية هو «تقليص الدعم؛ لأنه بالفعل، كل ما كان ممكناً قد قدمته أميركا لدعم قوة العمليات الصهيونية».

وأضاف: «ماذا يمكنهم أن يفعلوا؟ هم يعرفون أنه مع توسع الحرب، فإن مصداقية وقوة ومصالح الولايات المتحدة هي التي تتعرض للأذى يوماً بعد يوم».

وبشأن الموقف الإيراني قال سلامي: «نحن نفعل ما نريد. نحن في الميدان، وقلوبنا مطمئنة (...) سيكون النصر حليفنا».

وكان لافتاً أن سلامي امتنع عن تكرار التهديدات الإيرانية الأخيرة بشأن الرد على ضربات إسرائيلية طالت مواقع عسكرية إيرانية، الشهر الماضي.

وتعد تصريحات سلامي ثاني تعليق على لسان مسؤول إيراني خلال 24 ساعة، يربط بين تصويت الأميركيين لترمب، وموقف واشنطن من العمليات العسكرية الإسرائيلية والحرب في غزة ولبنان.

صورة معلَّقة في طهران مكتوب عليها «أميركا هي الشيطان الأكبر» (إ.ب.أ)

رسالة من ظريف

وصف محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني، فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتأييد غالبية الأميركيين له، بما في ذلك الجالية المسلمة، بأنه يمثل احتجاجاً على «التواطؤ الأميركي في إبادة إسرائيلية ضد غزة، وارتكاب مجازر في لبنان».

ولم يتضح بعد ما إذا كان ظريف يعتمد على استطلاعات رأي بشأن توجهات الجالية المسلمة، أم أنه يقدم تحليلاً شخصياً.

وكتب ظريف على منصة «إكس»: «لقد تحدث الشعب الأميركي، بمن في ذلك معظم المسلمين، بصوت عالٍ وواضح في رفض سَنَة مخزية من التواطؤ الأميركي في إبادة إسرائيل في غزة والمجزرة في لبنان».

كما وجَّه ظريف رسالة مباشرة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وجي دي فانس، نائب الرئيس الأميركي، عبر منصة «إكس»، مطالباً إياهما بالعمل بالوعود الانتخابية بمنع حروب جديدة، وضرورة إنهاء الحروب.

وقال ظريف: «نأمل أن تقف الإدارة المقبلة بقيادة ترمب ودي فانس ضد الحرب كما تَعَهَّدا، وأن يأخذوا في الحسبان الدرس الواضح الذي قدّمه الناخب الأميركي بضرورة إنهاء الحروب، ومنع حروب جديدة».

وأشار ظريف ضمناً إلى التوتر الإيراني - الإسرائيلي، وقال إن «إيران التي أظهرت عزيمتها وقدرتها على الوقوف في وجه أي عدوان، لن تتأثر بالتهديدات، لكنها ستقدر الاحترام».

إشارات للتقارب من ترمب

بدوره، أرسل علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني، إشارات من سعي الحكومة الإيرانية للتقارب من حكومة دونالد ترمب.

واستُبعد لاريجاني قبل شهور من سباق الانتخابات الرئاسية، مِن قبل «مجلس صيانة الدستور»، وهو عضو حالي في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وترأس البرلمان لمدة 12 عاماً.

أجاب لاريجاني عن سؤال لقناة «خبر» الإيرانية بشأن موقف طهران من فوز ترمب في تصريحات تلفزيونية: «لا نعلم، يجب أن ننتظر قليلاً لنرى كيف ستكون الأمور؛ لأنه في المرة السابقة لم يتصرف بحكمة».

ودعا لاريجاني إلى تنشيط الدبلوماسية في الوقت الحالي «على مستوى عالٍ»، وأضاف: «عندما يكون الصراع على مستوى استراتيجي، يجب أن يكون هناك اهتمام كافٍ بالجانبين العسكري والدفاعي، ويجب أن تكون هناك دبلوماسية على مستوى عالٍ موازية لذلك. هناك قوى مختلفة، وجيران، وطرق مفتوحة. لقد قلت دائمًا إن جيران إيران مهمون جداً، ويجب أن يولوا اهتماماً لذلك، وكذلك القوى الأخرى مثل الصين وروسيا».

وبشأن أوروبا، قال إنها «تختلف، فبعضهم يتصرف بشكل غير صحيح، وبعضهم أكثر توازناً، ويجب أن يكون هناك تواصل مع الجميع».

هيمنت صورة ترمب على الصحف الإيرانية الصادرة الخميس وعنونت صحيفة «همشهري» بـ«عودة القاتل» في إشارة إلى أوامر الرئيس الأميركي بقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني

وأشار لاريجاني إلى تصريحات أدلى بها ترمب خلال حملته الانتخابية بشأن البرنامج النووي الإيراني. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أبدى ترمب انفتاحه للجلوس إلى طاولة المحادثات مع طهران؛ للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، لكنه لاحقاً انتقد مرونة إدارة جو بايدن في تطبيق العقوبات الصارمة على إيران.

وفي خطاب انتخابي ألقاه في أكتوبر (تشرين الأول)، أعلن ترمب عدم رغبته في خوض حرب مع إيران، وقال للصحافيين بعد الإدلاء بصوته: «لا أريد إلحاق الضرر بإيران، لكن لا يمكن أن تمتلك أسلحة نووية»، ونفى أي مساعٍ لتغيير نظام الحكم في طهران.

وبعد إعلان السلطات الأميركية إحباط محاولة لاغتيال، وتوجيه تحذير من الرئيس الأميركي جو بايدن لإيران، قال ترمب إن إسرائيل يجب أن «تضرب البرنامج النووي الإيراني أولاً، ثم تقلق بشأن البقية في وقت لاحق»، رداً على الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، مطلع أكتوبر الماضي.

وقال ترمب في حملته الرئاسية إن سياسة الرئيس جو بايدن المتمثلة في عدم فرض عقوبات صارمة على صادرات النفط أضعفت واشنطن، وزادت من جسارة طهران؛ ما سمح لها ببيع النفط، وجمع الأموال، والتوسع في مساعيها النووية، ودعم نفوذها عبر جماعات مسلحة.

وقال لاريجاني: «يجب ألا نربط أعمالنا بأشخاص لا قيمة لهم. لا نعتقد أنه إذا جاء (ترمب) فستصبح الأمور غاية في الخطورة».

وأضاف أن «العقوبات تمثِّل صخرة تقف أمام تطورنا، لذا يجب أن نرفع هذه الصخرة». وأضاف: «قد يتأخر الوقت، لكن يجب ألا نقيم مأتماً؛ لأن الأمة التي تواصل العزاء لا تصل إلى أي مكان».

وقلل من أهمية احتمال تشديد العقوبات، قائلاً: «ماذا يريد ترمب أن يفرض من عقوبات؟ كانت هناك 1500 عقوبة أميركية ضد الأفراد، على سبيل المثال، فرضوا عقوبات على السيد ظريف. هذه العقوبات تهدف بشكل أكبر إلى تدمير المصداقية».

خطأ الحسابات

وكرر لاريجاني تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي بشأن ارتكاب إسرائيل «خطأً في الحسابات». وقال: «إسرائيل تعتقد أن تبادُل الضربات سيضر إيران... الخطأ في الحسابات يكمن في أن إيران بلد كبير لديه عدد كبير من السكان والنخب، وليس مثل إسرائيل».

وأضاف: «إسرائيل تسعى لجر إيران إلى الحرب، وفقاً لما قاله المرشد، يجب ألا نقع في فخهم، وألا نرد بشكل عاطفي أو غريزي، بل يجب أن نرد بطريقة استراتيجية تماماً».

ورغم ذلك، قال لاريجاني إن «القرارات بيد المجلس الأعلى للأمن القومي، وليس من الصواب أن أعلِّق على هذا الموضوع؛ لأنه دقيق وتكتيكي وحساس جداً».

وصرح بحذر شديد: «يجب أن نتخذ قرارات صحيحة، ونرد عليهم. كما يجب على وسائل الإعلام أن تقدم تحليلاً دقيقاً للموضوع».

إيرانية تمر أمام جدارية على حائط السفارة الأميركية تصور مسؤولاً إيرانياً وآخر أميركياً ملطخاً بالدماء إلى طاولة مفاوضات (إ.ب.أ)

تأتي هذه التصريحات بعدما قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأربعاء، إن بلاده غير مَعنية بنتيجة الانتخابات الأميركية. وأضاف بزشكيان: «بالنسبة لنا لا يهم على الإطلاق من فاز في الانتخابات الأميركية؛ لأن بلدنا ونظامنا يعتمدان على قوتنا الداخلية».

وتَجَنَّبَ المرشد الإيراني علي خامنئي التعليق على الانتخابات الأميركية، في أول ظهور له، الخميس، غداة فوز ترمب.

وخلال ولايته الأولى، أعاد ترمب فرض العقوبات على إيران بعد انسحابه من الاتفاق النووي المبرَم عام 2015 بين إيران والقوى العالمية، الذي كبح جماح البرنامج النووي لطهران مقابل امتيازات اقتصادية.

وأثَّرت إعادة فرض العقوبات الأميركية في عام 2018 في صادرات إيران النفطية؛ ما أدى إلى خفض العوائد الحكومية، وإجبار طهران على اتخاذ خطوات لا تحظى بقبول شعبي مثل زيادة الضرائب، فضلاً عن مواجهة عجز كبير في الميزانية، وهي السياسات التي أبقت التضخم السنوي بالقرب من 40 في المائة.

وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في سبتمبر، إن طهران مستعدة لإنهاء الأزمة النووية مع الغرب الذي يتهمها بالسعي إلى امتلاك القدرة على تطوير الأسلحة النووية.

في المقابل، تقول إيران إن برنامجها النووي مخصَّص للأغراض السلمية فقط، لكن في الآونة الأخيرة لوّح مسؤولون ونواب برلمان بإمكانية تغيير مسار البرنامج النووي، وتبنِّي عقيدة جديدة.

وحاول الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن إحياء الاتفاق النووي مع إيران من خلال المفاوضات، لكنه أخفق في التوصل إلى اتفاق جديد. ولم يوضح ترمب ما إذا كان سيعمل على استئناف العمل على تلك المسألة أم لا.


مقالات ذات صلة

واشنطن تكشف تفاصيل خطة إيرانية لاغتيال ترمب

الولايات المتحدة​  ABD'nin 2. kez seçilen başkanı Donald Trump (Reuters)

واشنطن تكشف تفاصيل خطة إيرانية لاغتيال ترمب

كشفت وزارة العدل الأميركية أمس، عن تفاصيل خطة إيرانية لاغتيال دونالد ترمب قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (رويترز)

طهران: تحديات ضخمة تواجه العودة للمفاوضات حول الاتفاق النووي

قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الجمعة، إن العودة إلى طاولة المفاوضات حول الاتفاق النووي تواجه تحديات ضخمة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

«إف بي آي» يحبط مؤامرة إيرانية لاغتيال ترمب

كشفت وزارة العدل الأميركية، الجمعة، عن تفاصیل مؤامرة إيرانية فاشلة لاغتيال دونالد ترمب قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية صاروخ باليستي أرض-أرض من نوع «خيبر» في طهران... 25 مايو 2023 (رويترز)

مستشار خامنئي يحذّر من شن هجوم «غريزي» على إسرائيل

حذّر مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي من شن رد «غريزي» على الغارات الجوية الإسرائيلية الانتقامية على المنشآت العسكرية الإيرانية الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية ظريف خلال مشاركته في اجتماع حكومي (الرئاسة الإيرانية)

ظريف يخاطب ترمب: إيران لن تتأثر بالتهديدات وستقدر الاحترام

قال محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني، في رسالة مباشرة إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، إن إيران «لن تتأثر بالتهديدات لكنها ستقدر الاحترام».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

«حادث دبلوماسي» يفاقم توتر العلاقات بين تل أبيب وباريس

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو متوسطاً وزير الداخلية الفلسطيني زياد الريح ومحافظة رام الله ليلى غنام خلال زيارة لحي في رام الله هاجمه مستوطنون إسرائيليون وأضرموا فيه النار يوم 7 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو متوسطاً وزير الداخلية الفلسطيني زياد الريح ومحافظة رام الله ليلى غنام خلال زيارة لحي في رام الله هاجمه مستوطنون إسرائيليون وأضرموا فيه النار يوم 7 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

«حادث دبلوماسي» يفاقم توتر العلاقات بين تل أبيب وباريس

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو متوسطاً وزير الداخلية الفلسطيني زياد الريح ومحافظة رام الله ليلى غنام خلال زيارة لحي في رام الله هاجمه مستوطنون إسرائيليون وأضرموا فيه النار يوم 7 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو متوسطاً وزير الداخلية الفلسطيني زياد الريح ومحافظة رام الله ليلى غنام خلال زيارة لحي في رام الله هاجمه مستوطنون إسرائيليون وأضرموا فيه النار يوم 7 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

تسبّبت الشرطة الإسرائيلية في مدينة القدس بـ«إشكال» دبلوماسي بين باريس وتل أبيب، وهو أمر يمكن أن يفاقم العلاقات المتوترة أصلاً بين الطرفين.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتصرف فيها الشرطة الإسرائيلية بطريقة غير لائقة، بحسب رأي الفرنسيين الذين يعتقدون أن هناك رغبة في تقليص نفوذهم في المدينة المقدسة من خلال التضييق على المسؤولين الفرنسيين خلال زياراتهم لها. وما زالت حاضرة في الأذهان قضية غضب الرئيس الأسبق جاك شيراك في عام 1996 لدى زيارته القدس عندما تبين له أن مرافقيه من الأمن الإسرائيلي يسعون لمنع تواصله مع الفلسطينيين في المدينة، فصرخ بوجه المسؤول عنهم: «هل تريدني أن أذهب إلى المطار وأستقل طائرتي للعودة إلى بلدي؟».

والأمر نفسه حصل مع الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون في عام 2020 عندما كان في زيارة رسمية لإسرائيل والأراضي المحتلة، إذ عمدت الشرطة الإسرائيلية إلى إعاقة دخوله إلى كنيسة القديسة حنة القائمة في المدينة القديمة، التي هي ملك للدولة الفرنسية منذ أكثر من 150 عاماً. وما كان لماكرون إلا أن توجه إلى المسؤول الأمني بقوله: «لا يعجبني ما فعلته أمامي، من فضلك، ارحل من هنا»، ما دفع الشرطة إلى إخلاء المكان.

الوزير بارو لدى لقائه يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي (وهو وزير الخارجية السابق) (أ.ف.ب)

وما حصل الخميس لا يختلف كثيراً عن هذا السيناريو. فوزير خارجية فرنسا كان في زيارة رسمية لإسرائيل للمرة الثانية خلال شهر واحد، وغايته - كما قال - الدفع باتجاه وقف الحرب، سواء في غزة أو بين إسرائيل و«حزب الله». ولأن فرنسا تمتلك 4 مواقع دينية في القدس، ولأنها، منذ عقود، تعد رسمياً برعايتها، وتتولى الاعتناء بها عن طريق قنصليتها في القدس، فقد أراد الوزير جان نويل بارو زيارة أحدها، وهو المجمع المسمى «أليونا» الذي يضم ديراً وكنيسة «باتر نوستر» القائمة على «جبل الزيتون» المشرف على المدنية القديمة.

حصل «الإشكال» عندما سعى أفراد من الشرطة الإسرائيلية إلى الدخول إلى الكنيسة بسلاحهم ومن غير إذن من السلطات الفرنسية، ممثلة بقنصليتها في القدس. وحصل تلاسن بين هؤلاء وبين عنصرين من الدرك الفرنسي تابعين للقنصلية، ويتمتعان بالحصانة الدبلوماسية، لأنهما سعيا إلى منع الإسرائيليين من الدخول إلى حرم الكنيسة. وما كان من الشرطة، وفق ما أظهرته مقاطع فيديو، إلا أن دفعت أحد العنصرين أرضاً والانبطاح فوقه وتكبيل يديه وسوقه إلى سيارة تابعة لها ونقلته مع زميله إلى أحد المخافر. ولم يفرج عن الاثنين إلا بعد تدخل الوزير بارو مباشرة لدى السلطات. وبسبب هذا الحادث، الذي لم تعره إسرائيل أي اهتمام، نافية عنها أي تهمة أو تقصير، فقد ألغى بارو زيارة المجمع، واتهم الشرطة الإسرائيلية بأنها وصلت حاملة سلاحها ومن غير إذن، معتبراً أن ما حصل «أمر لا يمكن القبول به». واستطرد قائلاً: «من المرجح أن يتسبب هذا الاعتداء على سلامة مكان تحت إشراف فرنسا، في إضعاف الروابط التي جئت في الواقع لتنميتها مع إسرائيل، في وقت نحتاج فيه جميعاً إلى إحراز تقدم في المنطقة على طريق السلام».

من جانبها، أصدرت الخارجية الفرنسية بياناً، اعتبرت فيه أن «تصرفات (الشرطة الإسرائيلية) غير مقبولة»، وأن فرنسا «تدينها بشدة، خصوصاً أنها تأتي في وقت تبذل فيه (باريس) كل ما في وسعها للعمل على تهدئة العنف في المنطقة». وأوضح البيان أنه «سيتم استدعاء السفير الإسرائيلي في فرنسا إلى الوزارة في الأيام القليلة المقبلة»، ولكن من غير تحديد يوم بعينه.

رجال شرطة إسرائيليون يعتدون الخميس على عنصر أمني فرنسي عند مدخل مجمع «إليونا» الديني في القدس (أ.ف.ب)

النقمة الفرنسية إزاء الإهانة التي لحقت بباريس من دولة تعتبرها حليفة وصديقة لها، واجهتها إسرائيل بنفي أي مسؤولية عن شرطتها، وبالتأكيد على أن تنسيقاً مسبقاً حول الزيارة تم بين الطرفين. الأمر الذي نقضته المصادر الفرنسية. وإذا صحت الرواية الفرنسية، فإن عدة أسئلة تطرح نفسها حول الأغراض التي دفعت تل أبيب لافتعال «حادث دبلوماسي» جديد مع فرنسا.

وليس سراً أن علاقات البلدين تجتاز مرحلة من الفتور، بل التباعد، بعد السجال الذي حصل بين الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد دعوة الأول إلى وقف تصدير السلاح إلى إسرائيل كوسيلة وحيدة لوقف الحرب، أو طلب الحكومة الفرنسية استبعاد الشركات الإسرائيلية من معرضين عسكريين في فرنسا، في يونيو (حزيران) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واتهام ماكرون الجيش الإسرائيلي مداورة بارتكاب «مجازر» في غزة، أو تذكير نتنياهو بأن إسرائيل قامت بفضل قرار من الأمم المتحدة، وبالتالي عليه ألا ينسى دور المنظمة الدولية التي يرفض الانصياع لقراراتها.

ويأخذ ماكرون على نتنياهو طريقة تعامله مع المبادرة الفرنسية - الأميركية لوقف الحرب، التي قبلها رئيس الوزراء الإسرائيلي ثم انقلب عليها.

ورجّح مصدر سياسي فرنسي أن تكون إسرائيل بصدد «توجيه رسالة مزدوجة» إلى باريس: أولاً، التأكيد على سيادتها التامة على القدس، وعلى ما تشتمله، بما في ذلك الأماكن العائدة لفرنسا والمستفيدة من حمايتها. وثانياً، إفهامها أنها لا تحتاج إليها، بل إنها تعتبرها عائقاً دون تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية من الحرب المزدوجة (لبنان وغزة). والملفت أن ماكرون سعى لإصلاح ذات البين بينه وبين نتنياهو، وداوم على الاتصال به والإعلان عن تمسكه بأمن إسرائيل وبحقّها في الدفاع عن النفس. لكن محاولات الرئيس الفرنسي تظل، كما يبدو، دون نتيجة حتى اليوم.