باريس تهاجم إيران... وتنبّه إسرائيل إلى «غرور القوة»

سيباستيان لوكورنو دعا تل أبيب إلى النظر أبعد من النجاح العسكري

سيباستيان لوكورنو خلال زيارة تفقدية 8 أكتوبر لقاعدة «سان ديزيه» الجوية بمناسبة الذكرى الستين لإطلاق القوة الجوية الاستراتيجية (أ.ف.ب)
سيباستيان لوكورنو خلال زيارة تفقدية 8 أكتوبر لقاعدة «سان ديزيه» الجوية بمناسبة الذكرى الستين لإطلاق القوة الجوية الاستراتيجية (أ.ف.ب)
TT

باريس تهاجم إيران... وتنبّه إسرائيل إلى «غرور القوة»

سيباستيان لوكورنو خلال زيارة تفقدية 8 أكتوبر لقاعدة «سان ديزيه» الجوية بمناسبة الذكرى الستين لإطلاق القوة الجوية الاستراتيجية (أ.ف.ب)
سيباستيان لوكورنو خلال زيارة تفقدية 8 أكتوبر لقاعدة «سان ديزيه» الجوية بمناسبة الذكرى الستين لإطلاق القوة الجوية الاستراتيجية (أ.ف.ب)

مضبطة اتهام واسعة وجهها وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، الخميس، لإيران، في حين تتكاثر التوقعات حول زمن ونوع الرد الإسرائيلي المرتقب على استهداف إسرائيل بـ181 صاروخاً، انتقاماً لاغتيال إسماعيل هنية في طهران، ومقتل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في بيروت.

فوزير الدفاع، المقرب كثيراً من الرئيس إيمانويل ماكرون، والوحيد الذي احتفظ بمنصبه في التشكيلة الجديدة، يرى أن يد إيران في كل شيء، وعبّر عن مخاوفه من «اشتعال المنطقة، وحصول حرب إقليمية سيكون لها تأثيرها المؤكد على الأوروبيين وعلى أمن الفرنسيين»، وأكد أن «التصعيد لم يكن مطلقاً بخطورة التصعيد الراهن».

وفيما حذّر زميله جان نويل بارو، وزير الخارجية من «استفزازات» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبنانيين بأن يكون مصيرهم شبيهاً بمصير غزة، فإن لوكورنو، بسؤاله عن الملف نفسه، فضّل توجيه سهام النقد لطهران محذراً، بداية، من «سوء تقدير أجندتها لضرب الاستقرار في المنطقة منذ عام 1979»، أي منذ قيام «الجمهورية الإسلامية».

وقال لوكورنو، في حديثه لإذاعة «فرنس أنتير»، الخميس، إن النظام الإيراني «يريد تدمير إسرائيل، وينفي حقها في الوجود، في حين أن إسرائيل لا تسعى لتدمير إيران».

فضلاً عن ذلك، فإن إيران «دولة تتلاعب بعتبة تخصيب (اليورانيوم)، وهي بالتالي دولة (تهدد) بانتشار السلاح النووي، فضلاً عن أنها دولة تستخدم الوكلاء لزعزعة استقرار المنطقة بأكملها، بمن في ذلك بالطبع الحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، و(حزب الله) في لبنان»، كما أنها «تحتجز مواطنين فرنسيين في سجونها ظلماً».

الوزير لوكورنو مع وزير الخارجية جان نويل بارو خارجين من اجتماع لمجلس الوزراء الفرنسي (أ.ف.ب)

التصعيد يفضي إلى التصعيد

خلاصة الوزير الفرنسي أنه «علينا أن ندرك أن أجندة زعزعة الاستقرار هذه لم تكن سائدة إلى هذا الحد من قبل». ولأن التخوف -إلى جانب حربي غزة ولبنان- من نشوب حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، فإن لوكورنو حرص على التحذير من 3 فخاخ: تجاوز إسرائيل القانونين الدولي والإنساني لجهة استهداف المدنيين. وأن تركب إسرائيل رأسها بسبب النجاحات العسكرية التكتيكية التي حققتها حتى اليوم «ولكن ما يهم فرنسا هو أمن إسرائيل وأمن المنطقة». ويتمثل الفخ الثالث في المخاطر المترتبة على لجوء إسرائيل وإيران إلى «التصعيد بوصفه أداة لتخفيف التصعيد».

بكلام آخر، يسعى كل طرف إلى استعادة قدرته على الردع من خلال التصعيد. من هنا تنبيه المسؤول الفرنسي من «أن التصعيد لا يفضي سوى إلى التصعيد» ومنه إلى الانفجار، خصوصاً بعد أن تحوّلت الحرب التي انطلقت قبل عام «بالواسطة» إلى حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل. ولذا، أضاف لوكورنو: «أعتقد أننا اليوم في وضع لم يكن مطلقاً بهذه الخطورة سابقا»، وبالتالي، فإن اندلاع الصراع المفتوح بين الطرفين قائم.

ولتلافي هذا السيناريو الأسود، فإن باريس تدعو لأن يكون الرد الإسرائيلي على إيران «متناسباً». وذكر لوكورنو أن فرنسا، بعكس الولايات المتحدة الأميركية، ليست جزءاً من المشاورات الخاصة بتحديد أهداف الرد الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن باريس تنبه من «بعده الاستراتيجي»، وما يمكن أن يترتب عليه، وهي ترى أن اختيار هذه الأهداف والطريقة التي تنفذ فيها إسرائيل ردها سيكونان «أساسيين» في رسم مصير الصراع.

ورغم حرصه على الامتناع عن الخوض في ما يمكن لإسرائيل استهدافه أو عدم استهدافه، فإن لوكورنو يقيم فارقاً بين استهداف البنى العسكرية أو المدنية، وضرب البنى النووية، أي بنى الطاقة. لكنه لا يتردد، في أي حال، في اعتبار أن الحرب الإقليمية المفتوحة أمر ممكن الحدوث، وأن نتائجها سوف تصيب فرنسا كما ستصيب أوروبا. من هنا، تحذيره إسرائيل من الوقوع في المنزلقات الثلاثة المذكورة سابقاً، عادّاً أن هذا الأمر يُشكل راهناً «هدفاً للدبلوماسية الفرنسية».

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 سبتمبر الماضي (رويترز)

صوت فرنسا

ما زالت فرنسا تتحرك دبلوماسياً، ثنائياً أو داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصاً في مجلس الأمن الدولي؛ إذ دعت إلى اجتماعين للمجلس؛ أحدهما حول لبنان.

ونهاية الأسبوع، أثار ماكرون جدلاً كبيراً مع نتنياهو بدعوته إلى وقف مد إسرائيل بالسلاح حتى لا تستخدمه في غزة. وبدعوته تلك، أثار موضوع تزويد فرنسا لإسرائيل بالسلاح. وبهذا الخصوص، شرح وزير الدفاع أن بلاده لا تقدم أسلحة لإسرائيل، ولكن فقط «مكونات لأنظمة دفاعية بحتة»، منها ما يدخل في نظامها الدفاعي الصاروخي (القبة الحديدة) أو في تصفيح سيارات عسكرية، نافياً ما تؤكده أوساط حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد.

السؤال المطروح، فرنسياً، إزاء ما يشهده الشرق الأوسط، يتناول قدرة باريس على التأثير في مسار الأحداث، وتحديداً على قرارات نتنياهو. جواب لوكورنو جاء بالغ الوضوح، إذ قال: «التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي أمر بالغ الصعوبة، حتى إنه لا يستمع لما يقوله حليفه الأميركي».

رغم ذلك، يؤكد أن فرنسا «لا تزال الدولة الأوروبية الوحيدة التي تحظى بالمصداقية، والتي يتم الإصغاء إليها في الشرق الأوسط؛ لأن لدينا قوات مسلحة هناك، بمن في ذلك جنودنا الـ 700 في (اليونيفيل)».

وأشار لوكورنو إلى الدور العسكري الذي تقوم به فرنسا في العراق «إذ تقوم بتدريب ومساعدة العراق على استعادة سيادته. وإلا فمع وجود خلايا (داعش) من جهة والميليشيات الشيعية من جهة أخرى، قد ينهار العراق أيضاً؛ لذا علينا أن ندرك أن علينا أن ننظر إلى الصورة الكبرى، ما يفسر السبب الذي من أجله بدأت حديثي من أجندة زعزعة الاستقرار التي تجلبها طهران للمنطقة والعالم كله».

ويمكن استكمال الصورة بالإشارة إلى أن فرنسا نشرت قطعاً بحرية في البحر الأحمر، وساهمت مرتين في التصدي للصواريخ الإيرانية التي كانت تستهدف إسرائيل، في أبريل (نيسان)، وفي الأول من الشهر الحالي. كما أن لباريس قاعدة عسكرية مزدوجة في الإمارات، ولها طائرات في أحد المطارات العسكرية الأردنية، فضلاً عن اتفاقيات دفاعية مع قطر والإمارات.

أنقاض مبانٍ مدمرة بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم 10 أكتوبر (أ.ف.ب)

قدرات «حزب الله»

في حديث صحافي سابق، أكد لوكورنو أن «حزب الله» يعد ثاني أقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط، بفضل ما وفّرته وتوفّره له إيران من أسلحة. والسؤال المطروح اليوم، معرفة ما آلت إليه قوات الحزب بعد النجاحات التكتيكية التي حققتها إسرائيل.

وردّاً على هذا السؤال، قال لوكورنو، إن «حزب الله» أصيب بحالة من «التضعضع» وقدراته العسكرية «تضاءلت كثيراً، لكنها لا تزال موجودة» مرجحاً، «رغم صعوبة إعطاء أرقام دقيقة» أنه ما زال يمتلك نصف ما كان في حوزته من أسلحة.

وفي أي حال، وجّه الوزير الفرنسي إلى «أصدقائنا الإسرائيليين ألا يغتروا بأي شكل من الأشكال بالنجاحات التكتيكية الأخيرة». وبنظر لوكورنو، فإنه بعد «صدمة السابع من أكتوبر (تشرين الأول)»، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تسعى «لإعادة تأسيس الردع، وأيضاً لطمأنة مواطنيهم وأصدقائنا الإسرائيليين، وهو أمر مشروع تماماً». لكنه، في أي حال، يؤكد الحاجة للخروج من التفكير العسكري على المدى القصير البحت، والنظر إلى المدى الأبعد، واعتبار أنه «لا مخرج ملائماً سوى الحل السياسي، أي حل الدولتين» بين إسرائيل والفلسطينيين.

وتنطبق هذه المقاربة السياسية أيضاً على الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل؛ إذ يتعين العثور على تسويات سياسية عندما تصمت المدافع.


مقالات ذات صلة

هل فعلاً تنوي إسرائيل ضرب إيران بشكل منفرد؟

تحليل إخباري ترمب ونتنياهو في البيت الأبيض يوم 7 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

هل فعلاً تنوي إسرائيل ضرب إيران بشكل منفرد؟

نشرت شبكة «سي إن إن» الأميركية، الثلاثاء، معلومات استخباراتية جديدة حصلت عليها الولايات المتحدة تشير إلى أن إسرائيل تُحضر لضرب منشآت نووية في إيران.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية مبنى السفارة الأذربيجانية في طهران (أ.ب)

طهران تعدم منفذ الهجوم المسلح على سفارة أذربيجان

أعلن القضاء الإيراني، الأربعاء، إعدام منفذ الهجوم المسلح على سفارة أذربيجان في العاصمة طهران، وأسفر عن مقتل دبلوماسي وحارسين في ذروة التوتر بين طهران وباكو.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بغرفة عمليات تحت الأرض يتابعان ضربة موجهة لإيران أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية) play-circle

معلومات أميركية حول تجهيز إسرائيل ضربة لمنشآت نووية إيرانية

كشفت معلومات استخباراتية جديدة، عن أن إسرائيل تمضي قدماً في التحضير لهجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية، بموازاة سعي إدارة دونالد ترمب للتوصل إلى اتفاق.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن)
شؤون إقليمية رئيس وزراء إسرائيل السابق نفتالي بينيت (أ.ب)

«الشاباك» يحبط محاولة تجسس «إيرانية» على بينيت

كشف جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) عن إحباط محاولة تجسس جديدة يُشتبه بأن إيران تقف وراءها، استهدفت هذه المرة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت.

«الشرق الأوسط» (رام الله - تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس الأركان محمد باقري وقائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده خلال الكشف عن ترسانة باليستية مارس (آذار) الماضي (التلفزيون الرسمي)

قائد وحدة صواريخ «الحرس الثوري»: لا خطر على قدرات الردع الهجومية

قلل قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» من قدرة إسرائيل على إلحاق الضرر بمنظومة «الردع الهجومية» لبلاده.

«الشرق الأوسط» (طهران)

إسرائيل تعترض صاروخا أطلق من اليمن تسبب بإغلاق مطار بن غوريون

صورة لما تقول عنه جماعة «الحوثي» اليمنية إنه إطلاق لصاروخ فرط صوتي من طراز «فلسطين 2» باتجاه إسرائيل (أرشيفية - جماعة الحوثي عبر «تلغرام»)
صورة لما تقول عنه جماعة «الحوثي» اليمنية إنه إطلاق لصاروخ فرط صوتي من طراز «فلسطين 2» باتجاه إسرائيل (أرشيفية - جماعة الحوثي عبر «تلغرام»)
TT

إسرائيل تعترض صاروخا أطلق من اليمن تسبب بإغلاق مطار بن غوريون

صورة لما تقول عنه جماعة «الحوثي» اليمنية إنه إطلاق لصاروخ فرط صوتي من طراز «فلسطين 2» باتجاه إسرائيل (أرشيفية - جماعة الحوثي عبر «تلغرام»)
صورة لما تقول عنه جماعة «الحوثي» اليمنية إنه إطلاق لصاروخ فرط صوتي من طراز «فلسطين 2» باتجاه إسرائيل (أرشيفية - جماعة الحوثي عبر «تلغرام»)

قال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض صاروخا أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل في ساعة مبكرة من صباح اليوم الخميس، في أحدث هجوم يحمل بصمات جماعة الحوثي اليمنية.

وأوضحت القناة 12 الإسرائيلية أن «منظومة حيتس للدفاع الجوي اعترضت الصاروخ الذي أطلق من اليمن»، والذي تسبب في إغلاق مطار بن غوريون. وأفاد الإسعاف الإسرائيلي بإصابة إسرائيلي خلال توجهه لملجأ عقب إطلاق الصاروخ.

وذكر الجيش في بيان أن الصاروخ تسبب في إطلاق صفارات الإنذار في عدة مناطق بوسط إسرائيل. وتنفذ إسرائيل ضربات انتقامية على الجماعة، كان من بينها ضربة في السادس من مايو (أيار) ألحقت أضرارا بمطار صنعاء الدولي، وضربة أخرى الأسبوع الماضي استهدفت موانئ الحديدة والصليف على البحر الأحمر.

ورغم الضربات الإسرائيلية، تواصل جماعة الحوثي المسلحة إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل وتقول إنها تهدف «لإسناد الفلسطينيين في غزة». ووافقت الجماعة على وقف الهجمات على السفن الأمريكية. ولم تعلن الجماعة مسؤوليتها عن إطلاق الصاروخ اليوم الخميس.

ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في أكتوبر تشرين الأول 2023، شن الحوثيون عشرات الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة مستهدفين إسرائيل. وقد جرى اعتراض معظمها أو فشلت في الوصول إلى أهدافها.