التصعيد في لبنان... كيف يؤثر على مسار «هدنة غزة»؟

مصر أكّدت أن التوصل لاتفاقٍ هو مفتاحُ التهدئة بالمنطقة

فلسطينيون يتجمّعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)
فلسطينيون يتجمّعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)
TT

التصعيد في لبنان... كيف يؤثر على مسار «هدنة غزة»؟

فلسطينيون يتجمّعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)
فلسطينيون يتجمّعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)

وسط تصعيد «غير مسبوق» تقوده إسرائيل تجاه لبنان، عبر انفجارات طالت الآلاف، واغتيالات لقيادات عليا بـ«حزب الله»؛ حليف إيران، تقف مساعي الهدنة في قطاع غزة التي تراوح مكانها منذ أسابيع، أمام تحديات عديدة، خصوصاً مع انشغال الولايات المتحدة بسباق الانتخابات الرئاسية، وعدم ظهور مقترحها المعدَّل بعد.

وبينما يهدّد «حزب الله» بـ«حساب عسير»، وإيران بردّ «قريب»، لا تزال مصر تعوِّل على أنّ التوصل لاتفاق هدنة سيكون «مفتاحاً للتهدئة بالمنطقة»، إلا أن خبراء يرون أن مسار أي صفقة بشأن غزة «بات مهدَّداً»، خصوصاً في ظل التصعيد الإسرائيلي بلبنان.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، السبت، شن ضربات جوية جديدة ضد مواقع لـ«حزب الله» في لبنان، متوعداً باستهداف كل من يمَسُّ أمن بلاده بـ«كل الجبهات»، بعد يوم من غارة إسرائيلية قرب العاصمة بيروت، أسفرت عن مقتل 31 شخصاً على الأقل، من بينهم قادة للحزب، أبرزهم القياديان العسكريان إبراهيم عقيل وأحمد وهبي، وقُوبلت الغارة الأعنف منذ انطلاق المواجهات مع «حزب الله» قبل عام، حسب إعلام لبناني، بإطلاق الحزب 90 صاروخاً تجاه إسرائيل، وفق ما أعلنته «هيئة البث» الإسرائيلية، السبت، وذلك بعد يومين من توعّد الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، بـ«حساب عسير».

ذلك المشهد يُوحِي بـ«تصعيد خطير للغاية»، حسب ما ذكره مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، معتقداً بتأثير للأزمة على ملف «هدنة غزة». بالقول: «هناك مسار يُفضِي إلى اتفاق وقف إطلاق النار بغزة؛ لكننا لسنا في مرحلة تسمح بطرح شيء على طاولة المحادثات الآن»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، السبت.

نقل رجل مصاب إلى مستشفى ناصر لتلقّي العلاج في أعقاب غارة إسرائيلية بالقرب من خان يونس (أ.ف.ب)

وغداة إعلان وزارة الخارجية الأميركية في 17 سبتمبر (أيلول) الحالي، أن واشنطن تعمل على «تقديم اقتراحٍ مُنقَّح قادر على دفع الأطراف إلى اتفاق نهائي» في غزة، شهد لبنان انفجار آلاف أجهزة «بيجر» للاتصالات، ما أسفر عن مقتل 12، وإصابة أكثر من 2000، بينهم سفير إيران في بيروت مجتبى أماني، وفق إفادات رسمية، وتكررت الانفجارات في اليوم التالي أيضاً.

ونقلت «قناة الحرة» الأميركية، السبت، عن المحلّل السياسي الأميركي، إيلان بيرمان، أنه «من غير المحتمل أن تتمكن إدارة الرئيس جو بايدن من التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة قبل الانتخابات»، وأرجع ذلك إلى أن نتنياهو «يماطل»، وعدم إعطاء زعيم «حماس» المختفي، يحيي السنوار، أي مؤشرات لقبول تسوية ذات مغزى.

تلك التقديرات تتفق مع ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، الخميس، نقلاً عن مسؤولين أميركيين يعتقدون حالياً أنه «من المستبعَد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة (حماس)، قبل أن يغادر بايدن» منصبه في يناير (كانون الثاني) المقبل.

التصعيد الإسرائيلي في لبنان هدفه «تهديد أي مسار يُمكن أن يُسفر عن هدنة في غزة»، وفق تقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة هاجر الإسلامبولي، مؤكدةً أن نتنياهو يستهدف اتساع نطاق الحرب للحفاظ على بقائه السياسي، مستغِلاً انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية.

ولا تعتقد الإسلامبولي أن أي حديث أميركي بقرب حدوث الهدنة حالياً «يخضع لتقييم سليم»، مشيرةً إلى أنه «مجرد بحث عن أصوات انتخابية»، في ظل الوضع المعقَّد بمفاوضات غزة مع «عراقيل نتنياهو» المستمرة، وأبرزها رفض الانسحاب من «محور فيلادلفيا» الذي احتلته إسرائيل، مايو (أيار) الماضي.

فتاة مصابة يتم نقلها إلى مستشفى ناصر لتلقّي العلاج في قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووفق المحلّل السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، فإن عودة الاغتيالات الإسرائيلية بلبنان بعد ما سبقها من اغتيال للقيادي بـ«حزب الله»، فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، في يوليو (تموز) الماضي بطهران، تعني وجود «ضوء أخضر أميركي لرفع سقف التصعيد، وعدم أولوية حسم اتفاق هدنة في غزة».

الرقب يرى أن أي حديث أميركي آخَر هو «تجميل للصورة ودعاية انتخابية»، مع انشغال حزب بايدن بسباق الرئاسة، والأقرب للواقع هو «استمرار التصعيد بجبهة لبنان».

ولا تزال لغة التصعيد سيدة الموقف بالمنطقة، سواءً داخل الأروقة الدولية، أو بميادين المواجهات، حيث حذّر وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، الجمعة، من أنه بعد الهجوم على أجهزة الاتصالات «لم يَعُد أحد في هذا العالم آمِناً بعد اليوم».

بالتزامن، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، عقب بحث التطورات في الساحة الشمالية (مع لبنان): «حتى في الضاحية في بيروت، سنواصل ملاحقة عدوّنا، وسيستمر تسلسل الإجراءات في المرحلة الجديدة».

وبعد يوم من إعلانها اللجوءَ لما تسميه «العمليات الاستشهادية»، أكّدت «حماس»، في بيان، السبت، رداً على الاغتيالات بلبنان، بأن «إسرائيل سوف تدفع الثمن».

ووسط تلك الأصوات التي تتجه للتصعيد، جدّد وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، في لقاء بواشنطن، مساء الجمعة، مع المبعوث الأميركي للبنان، آموس هوكشتاين، «التحذير من خطورة التطورات الخطيرة والمتسارعة التي يشهدها لبنان».

وتحدّث عبد العاطي عن اتصالات «مكثفة» يُجريها الجانب المصري مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية بهدف وقف التصعيد، مشدّداً على «أولوية التوصل لوقف شامل لإطلاق النار في غزة، بوصفه مفتاح التهدئة في المنطقة»، وفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية.

وحسب هاجر الإسلامبولي، فإن حرص مصر على أمنها القومي، وحقوق الشعب الفلسطيني، واستقرار المنطقة، هو «الدافع الأول إزاء تواصُل جهودها»، مضيفةً: «لكن نتنياهو لا يريد سوى التصعيد، منتظراً وصول حليفه دونالد ترمب للبيت الأبيض، وحديث (حماس) عن العمليات الاستشهادية يدل على تراجع قدراتها العسكرية، ولن يؤدي لنتائج كبيرة، بل لتصعيد إسرائيلي أكبر».

وبالفعل، «نتنياهو غير جادّ في حلّ بلبنان أو غزة»، وفق أيمن الرقب، مؤكداً «ستبقى جهود التهدئة بالمنطقة ذات أهمية، خصوصاً مع تحرّكات مصر لتفادي أي منعطف خطير في المنطقة، بينما ستنتظر مفاوضات غزة ما بعد نتائج السباق الانتخابي الأميركي».


مقالات ذات صلة

كيف أثرت حرب لبنان على جهود التهدئة في غزة؟

تحليل إخباري رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)

كيف أثرت حرب لبنان على جهود التهدئة في غزة؟

بينما تراوح مفاوضات الهدنة في غزة مكانها منذ عدة أسابيع، تزداد وتيرة الحرب المشتعلة في لبنان، وتتسارع نداءات إطفائها عبر مقترح أميركي - عربي - أوروبي بوقفها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان يتحدث خلال اجتماع لوزراء خارجية «مجموعة العشرين» في نيويورك (واس)

السعودية تدعو «العشرين» لاعتماد مسار موثوق لقيام الدولة الفلسطينية

دعت السعودية أعضاء مجموعة العشرين إلى تكثيف الجهود المشتركة لتجاوز العجز الدولي في التصدي لانتهاكات إسرائيل، واعتماد مسار موثوق لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمخيم المغازي للاجئين بعد غارة إسرائيلية في 25 ديسمبر 2023 وسط معارك مستمرة بين إسرائيل وحركة «حماس» (أ.ف.ب)

في قطاع غزة المدمر... إحصاء ضحايا الحرب يشكل تحدياً حقيقياً

يشكل إحصاء الضحايا تحدّياً حقيقياً يومياً في قطاع غزة الذي يتعرّض للقصف منذ قرابة السنة والذي تحوّل جزء كبير منه إلى دمار.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية 
بزشكيان يتحدّث إلى ممثّلي وسائل الإعلام الأميركية في نيويورك (الرئاسة الإيرانية)

جدل بعد «تصريحات» بزشكيان عن استعداد لخفض التوتر مع إسرائيل

أثارتْ تصريحاتٌ منسوبةٌ للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بشأن استعداد بلاده لخفض التوتر مع إسرائيل، جدلاً واسعاً في إيران، رغم نفي الحكومة الإيرانية صحتها.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
الولايات المتحدة​ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش متحدثاً في «قمة المستقبل» داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (أ.ف.ب)

حرب غزة والتصعيد الإسرائيلي في لبنان يسبقان بايدن إلى الجمعية العامة

يبدأ زعماء العالم الثلاثاء مناقشاتهم في اجتماعات الأمم المتحدة، وسط تزايد أخطار اتساع حرب غزة والتصعيد الإسرائيلي في لبنان، قبل خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن.

علي بردى (نيويورك)

نتنياهو يتراجع وينأى بنفسه عن اقتراح أميركي لوقف النار في لبنان

TT

نتنياهو يتراجع وينأى بنفسه عن اقتراح أميركي لوقف النار في لبنان

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الخميس)، عن تفاهم خاص مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ونأى بنفسه عن الاقتراح الذي يهدف إلى وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً في لبنان، الذي قدّمته الولايات المتحدة وفرنسا وحلفاء آخرون، حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

وقال مسؤولون أميركيون إن نتنياهو ومقربين منه شاركوا بشكل مباشر في صياغة اقتراح وقف إطلاق النار المؤقت، وفقاً لما ذكره موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي.

وقد يؤدي تغيير موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يأتي عقب تهديدات علنية من جانب وزراء من اليمين المتطرف في حكومته وانتقادات من جانب زعماء في المعارضة الإسرائيلية، إلى زيادة التوترات مع إدارة بايدن.

وصباح الخميس، وبينما كان نتنياهو يغادر إسرائيل متوجهاً إلى نيويورك، أصدرت الولايات المتحدة وفرنسا و10 دول غربية وعربية أخرى بياناً يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً بين إسرائيل ولبنان. وكان نتنياهو على علم بأن البيان سيصدر.

وجاء في البيان أن الولايات المتحدة والدول الأخرى تتوقع من جميع الأطراف - وبينهم حكومتا لبنان وإسرائيل - أن تعرب عن قبولها للاقتراح.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن مسألة اقتراح وقف إطلاق النار لم يتم بحثها خلال اجتماع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، مساء أمس (الأربعاء)، وإن الوزراء اطلعوا بشكل رئيسي على خطط الجيش الإسرائيلي لمواصلة القتال ضد «حزب الله».

وعندما غادر الوزراء الاجتماع تابعوا التقارير الصحافية حول اقتراح وقف إطلاق النار، ونشر بعضهم تصريحات شديدة اللهجة ضد هذه الخطوة.

وأوضح الوزيران القوميان المتطرفان؛ بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، أنهما يعارضان وقفاً لإطلاق النار، وهدّدا بالتصويت ضد الائتلاف الحاكم إذا وافق على الاقتراح.

وعلم نتنياهو بهذه التصريحات، وهو على متن طائرة متجهة إلى نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي البداية، نشر مكتبه بياناً ينفي فيه أن يكون وقف إطلاق النار وشيكاً، مؤكداً أن رئيس الوزراء لم يقدم ردّه على الاقتراح بعد.

وبعد ساعات قليلة، قال أحد مساعدي نتنياهو للصحافيين، على متن الطائرة، إن «اتجاه إسرائيل حالياً ليس وقف إطلاق النار، بل مزيد من العمل العسكري ضد (حزب الله)». وشدّد نتنياهو من موقفه عندما وصل إلى نيويورك.

وحسب مسؤول إسرائيلي، فقد «تم إبلاغ إسرائيل بالاقتراح الأميركي، لكنها لم توافق عليه قط»، وفق ما ذكرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

وقال مسؤولون أميركيون إن التفاهم كان يدور حول تصريح رئيس الوزراء نتنياهو علناً بأنه «يرحب» بالاقتراح.

وبدلاً من ذلك، قال نتنياهو إن «سياسة إسرائيل واضحة، فنحن نواصل ضرب (حزب الله) بكل قوتنا. ولن نتوقف حتى نحقق كل أهدافنا، وأولها إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان. وهذه هي السياسة، ويجب ألا يخطئ أحد في ذلك».