توتر بين بزشكيان والبرلمان بسبب «الاتفاق النووي» و«فاتف»

نواب انتقدوا تصريحاته عن «أخوة أميركا» و«تصدير الثورة»

صورة من فيديو على موقع البرلمان الإيراني من رئيسه محمد باقر قاليباف لدى استقباله الرئيس مسعود بزشكيان
صورة من فيديو على موقع البرلمان الإيراني من رئيسه محمد باقر قاليباف لدى استقباله الرئيس مسعود بزشكيان
TT

توتر بين بزشكيان والبرلمان بسبب «الاتفاق النووي» و«فاتف»

صورة من فيديو على موقع البرلمان الإيراني من رئيسه محمد باقر قاليباف لدى استقباله الرئيس مسعود بزشكيان
صورة من فيديو على موقع البرلمان الإيراني من رئيسه محمد باقر قاليباف لدى استقباله الرئيس مسعود بزشكيان

واجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان انتقادات حادة من المشرعين المتشددين بعدما تعهد بإعادة فتح ملف الانضمام إلى مجموعة العمل المالي «فاتف» المعنية بمكافحة تمويل الإرهاب، معلناً استعداد بلاده للعودة إلى التزامات الاتفاق النووي، بحال عودة الأطراف الأخرى.

وقام بزشكيان بزيارة مفاجئة إلى البرلمان، وحضر جلسة غير رسمية للرد على «بعض الشبهات» حول تصريحاته في المؤتمر الصحافي الأول الذي عقده بعد نحو 70 يوماً على فوزه بمنصب الرئاسة، في الانتخابات الرئاسية المبكرة إثر مقتل الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي في تحطم مروحية.

وقال المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان علي رضا سليمي إن بزشكيان «قدم بعض الملاحظات، وشرح موضوعات مختلفة لحل قضايا المواطنين»، وقال: «تحدث 14 نائباً، كل منهم لمدة دقيقة واحدة».

وقال عضو هيئة عضو هيئة رئاسة البرلمان، أحمد نادري إن بزشكيان أجاب في الجلسة غير الرسمية عن أسئلة 14 نائباً، حول القضايا الجارية خصوصاً المشكلات الاقتصادية، موضحاً أن بعض النواب «أثاروا شكوكاً وشبهات بشأن تصريحات الرئيس في المؤتمر الصحافي والتي رد عليها الرئيس في نهاية هذه الجلسة الودية»، حسبما أوردت وكالة «إيسنا» الحكومية.

لكن النائب مصطفى بوردهقان، كشف في تصريحات لوكالة «إيلنا» الإصلاحية عن أجواء متوترة في الحضور المفاجئ للرئيس الإيراني، معرباً عن أسفه لأن بعض النواب «لم يظهر الكثير من الود، وانشغلوا بالقضايا الهامشية، لكن في النهاية انتهت الأمور على خير ووئام».

وأعرب النائب عن اعتقاده أن حضور الرئيس في البرلمان «خارج البروتوكولات، دون تخطيط مسبق، يظهر احتراماً للنواب وبطريقة غير مباشرة للشعب». وأضاف: «يجلس نواب ممثلون من كل منطقة في إيران، والرئيس يأتي ويتحدث، فلا يصح أن ندخل في حالة من التوتر».

وحول القضايا التي نوقشت في اجتماع الرئيس مع النواب، قال بوردهقان: «كانت هناك نفس القضايا المعتادة التي تُطرح دائماً، تحدث (الرئيس) عن الوحدة والتعاون، وشدد على ضرورة تجاوز الخلافات. كما تناول مسألة اختلال التوازن في قطاع الطاقة والبنزين، وأكد أنه يتابع الموضوع من كثب».

ووجَّه عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، النائب المتشدد، محمود نبويان هجوماً لاذعاً على بزشكيان، ونائبه للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، وحليفهم الرئيس الأسبق حسن روحاني.

ونقلت مواقع إيرانية عن نبويان قوله: «أعلن الرئيس في مؤتمره الصحافي أن حل كثير من المشكلات مرتبط بحل مسألة الاتفاق النووي واتفاقية (فاتف)، ويبدو أن نفس المسار الخاطئ تماماً الذي سلكته حكومة روحاني سيتبع مرة أخرى، حيث سيتم ربط حل المشكلات بموافقة أعداء الأمة».

وقال النائب إن مجموعة «فاتف» طالبت إيران بإدراج «(فيلق القدس)، وقاسم سليماني وأهالي غزة، و(حماس) واليمن وكل قوى المقاومة على قائمة الإرهاب، بالإضافة إلى ذلك، يجب إطلاع أميركا والدول الأخرى على جميع المعلومات المالية، يعني أن كل طرق التجارة للشعب الإيراني سيتم تحديدها وإغلاقها بالكامل. فهل الذين يكتبون للرئيس قد أخبروه بهذه الأمور أم لا؟».

وأضاف: «حاولوا أولاً قراءة نص الاتفاق النووي واتفاقية (فاتف) مرة واحدة على الأقل، ولا تثقوا فقط بوساوس أولئك الذين تعيش عائلاتهم وأطفالهم في الخارج. ثانياً، استخلصوا العبر من المحاولات الباطلة خلال عهد روحاني...».

وبشأن تأثير إحياء الاتفاق النووي على العقوبات، قال نبويان: «العقوبات لن تُرفع من خلال الاتفاق النووي؛ لأن ظريف التزم في الاتفاق بأن تبقى جميع العقوبات الأولية، وكذلك العقوبات المتعلقة بالصواريخ وحقوق الإنسان والإقليمية والسيبرانية وجميع القضايا الأخرى».

وحذر نبويان من إحياء الاتفاق «يعني أن الصناعة النووية ستقيد وتُدمر، وألا ترفع العقوبات، والدليل هو أن العقوبات خلال 8 سنوات من توقيع الاتفاق زادت من 800 إلى 1500 عقوبة».

بزشكيان يصل إلى مقر المؤتمر الصحافي الأول له بعد 70 يوماً من فوزه بالرئاسة (د.ب.أ)

«أخوة أميركا»

وقال بزشكيان في المؤتمر الصحافي إنه من الممكن لإيران أن تجري محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة إذا «أثبتت واشنطن فعلياً أنها ليست معادية للجمهورية الإسلامية».

وأجاب رداً على سؤال بشأن رسالته الواضحة إلى الولايات المتحدة، بأن بلاده «لا تسعى للتوسع (في المنطقة)، أو تصدير الثورة». وقال: «لا نعادي الولايات المتحدة. عليهم أن يوقفوا عداءهم تجاهنا من خلال إظهار حسن نيتهم ​​عملياً»، مضيفاً: «نحن إخوة للأميركيين أيضاً».

ووجَّه النائب المتشدد، أمير حسين ثابتي، إنذاراً شفهياً إلى بزشكيان، قائلاً إن «الأميركيين أثبتوا أنهم لا يريدون الأخوة معنا، ويريدون العداء». واحتج أيضاً على قوله بشأن عدم سعي بلاده لتصدير الثورة، وطالبه باحترام المادة 154 من الدستور الإيراني التي تنص على أن «الجمهورية الإسلامية تدعم النضال العادل للمستضعفين ضد المستكبرين في أي مكان من العالم». وأضاف: «هل من المقرر أن تقوموا بتغيير الدستور تحت عنوان الوفاق الوطني».

وفي سياق الرسائل للقوى الغربية، قال بزشكيان إن «حكومته لم ترسل أي أسلحة إلى روسيا منذ توليها السلطة في أغسطس (آب) الماضي»، بعد أن اتهمت القوى الغربية طهران بتسليم صواريخ باليستية إلى موسكو في سبتمبر (أيلول).

ولا تخضع القوات المسلحة الإيرانية للرئيس والحكومة، بل يعين المرشد علي خامنئي، صاحب كلمة الفصل في المؤسسة الحاكمة، رئيس الأركان وقادة الجيش، والجهاز الموازي له «الحرس الثوري» الذي يشرف على صناعة الصواريخ الإيرانية، وتتولى ذراعه الخارجية «فيلق القدس» شحنها إلى جماعات مسلحة في الخارج.

ويسمى الرئيس الإيراني وزير الدفاع بعد تنسيق مع المرشد الإيراني وهيئة الأركان، لكن الحكومة لا تلعب دوراً رئيسياً في شحن الأسلحة.  

وفرضت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية، على خلفية إرسال صواريخ باليستية إلى روسيا.

وكان وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، قد كشف في تسجيل صوتي جرى تسريبه، في مارس (آذار) 2021، عن تلقيه اتصالاً من نظيره الأميركي، جون كيري، بعد توقيع الاتفاق النووي، يبلغه فيها بإرسال أسلحة إلى سوريا عبر الخطوط الجوية الإيرانية.

وتعهد بزشكيان بإعادة مناقشة الانضمام إلى «فاتف» في مجلس تشخيص مصلحة النظام، حيث تجمدت الخطة في عهد حكومة حسن روحاني، بعدما أثارت خطتها خلافات كبيرة مع البرلمان ومجلس صيانة الدستور الهيئة التي تراقب تشريعات البرلمان.

وحينها، قالت الأوساط المؤيدة لأنشطة «الحرس الثوري» في الخارج، إن قبول قواعد «فاتف» سيقيد تمويل جماعات يراها «فيلق القدس»، على رأسها «حزب الله» اللبناني.

حقائق

مجموعة العمل المالي (فاتف)

• هيئة عالمية للحكومات معنية بمكافحة تدفقات الأموال غير المشروعة.

• أُسست في 1989 ومقرها باريس.

• تدعم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر وضع قواعد عالمية والتحقق مما إذا كانت الدول تحترم تلك القواعد.

وبعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي، وإعادة العقوبات على طهران في 2018، قالت الشركات الأجنبية إن التزام إيران بقواعد «فاتف» ضروري إذا كانت تريد اجتذاب المستثمرين.

كذلك، ربطت فرنسا وبريطانيا وألمانيا التزام إيران وحذفها من القائمة السوداء لـ«فاتف» باستخدام قناة أطلقت للتجارة بغير الدولار مع إيران تجنباً للوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية.

وهيمنت مفردات «الاتفاق النووي» و«فاتف» على الصفحات الأولى للصحف الإيرانية الصادرة، صباح الثلاثاء. وقال بزشكيان: «لا مناص لنا من حلحلة قضية (فاتف)»، وهو العنوان الذي سلطت عليه الضوء صحيفة «شرق» الإصلاحية.

وكتبت صحيفة «دنياي اقتصاد»: "عودة ملف (فاتف) إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام».  وفي عنوانها الرئيسي، اقتبست صحيفة «سازندكي» الإصلاحية عن بزشيكان قوله: «الاتفاق النووي يعني خلق الوظائف».

صحيفة «شرق» تعلّق على تصريح بزشكيان حول «فاتف»

ومن جهتها، قالت صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة، إن «الوفاق الوطني والتآزر أساس حل المشكلات». أما صحيفة «كيهان» الرسمية فقد اتهمت بزشكيان بالتهرب من سؤالها حول أسباب تعيين مسؤولين من أصحاب الخلفيات المثيرة للجدل.

أما صحيفة «جوان» الناطقة باسم «الحرس الثوري»، فقد أبرزت قول بزشكيان: «لا نطيق إسرائيل».  بينما اختارت صحيفة «هم ميهن» عنوانها من تصريح بزشكيان: «لا يمكن إدارة البلاد بالغطرسة».


مقالات ذات صلة

مدير الوكالة الدولية: وصلنا مع إيران إلى طريق مسدود بشأن الضمانات

شؤون إقليمية غروسي وإسلامي خلال معرض للصناعة النووية الإيرانية في أصفهان الثلاثاء الماضي (د.ب.أ)

مدير الوكالة الدولية: وصلنا مع إيران إلى طريق مسدود بشأن الضمانات

أعرب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، عن قلقه من الوصول إلى طريق مسدود في تخطي القضايا العالقة مع إيران بشأن الضمانات.

«الشرق الأوسط» (لندن-فيينا)
شؤون إقليمية تُظهر هذه الصورة المأخوذة من مقطع فيديو نشرته حسابات تابعة لـ«الحرس الثوري» إطلاق قمر اصطناعي إيراني صباح السبت (أ.ب)

واشنطن: إطلاق إيران للقمر الاصطناعي غطاء لأنشطة باليستية

اتهمت «الخارجية الأميركية» إيران بالسعي لتوسيع برنامجها للصواريخ الباليستية، بعدما أطلقت قمراً اصطناعياً بحثياً إلى مداره مستخدمة صاروخاً من صنع «الحرس الثوري».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية رافاييل غروسي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثاً الاثنين للإعلام مع بدء أعمال مجلس المحافظين في فيينا (رويترز)

«ليّ ذراع» بين طهران والغرب بشأن الملف النووي

الأميركيون والأوروبيون يندّدون بمواصلة إيران تطوير برنامجها النووي، والسفيرة الأميركية لدى «الوكالة الدولية» تحث طهران على «خطوات لبناء الثقة الدولية».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع الوكالة الذرية الدولية من مؤتمر صحافي لمديرها العام رافاييل غروسي في فيينا الاثنين

الاتحاد الأوروبي يتلقى إشارات إيرانية لإحياء المفاوضات النووية

أرسلت إيران إشارات إلى الاتحاد الأوروبي، الوسيط في المفاوضات النووية، تؤكد فيها حرصها على إعادة إحياء المفاوضات المتوقفة منذ عامين، حسبما علمت «الشرق الأوسط».

راغدة بهنام (برلين)
شؤون إقليمية عينات أجهزة الطرد المركزي في معرض للصناعات النووية بطهران  يونيو 2023 (رويترز)

إيران: إحياء الاتفاق النووي مشروط بعودة الأطراف الأخرى إليه

أعلنت طهران استعدادها لإجراء مفاوضات بشأن الاتفاق النووي المنهار، على هامش أعمال الجمعية العامة في الأمم المتحدة، المقررة نهاية الشهر الحالي.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

هل يتمرد نتنياهو على واشنطن ويوسع عملياته في جنوب لبنان؟

نتنياهو في قاعدة «رامات» بحيفا يوم 21 أغسطس 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)
نتنياهو في قاعدة «رامات» بحيفا يوم 21 أغسطس 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)
TT

هل يتمرد نتنياهو على واشنطن ويوسع عملياته في جنوب لبنان؟

نتنياهو في قاعدة «رامات» بحيفا يوم 21 أغسطس 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)
نتنياهو في قاعدة «رامات» بحيفا يوم 21 أغسطس 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)

تهديد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بفتح جبهة جنوب لبنان على نطاق واسع، التي يراهن من خلالها على تغيير الواقع الأمني على الأرض، بما يضمن عودة النازحين إلى الشمال الإسرائيلي، يلقى معارضة أممية تتصدرها الولايات المتحدة الأميركية، التي أبلغته بلسان مستشار الرئيس الأميركي، أموس هوكستين، بأنه سيكون مكلفاً للطرفين، أي إسرائيل و«حزب الله»، ويشكل خطراً على مصير الأسرى لدى حركة «حماس»، ويمكن أن يؤدي إلى تمدد الحرب نحو الإقليم، وأن الحل لتأمين عودة النازحين من المستعمرات الشمالية يكمن في ترجيح كفة الخيار الدبلوماسي، لا في إقحام المنطقة في دوامة من العنف تؤدي حكماً إلى زعزعة الاستقرار.

فتهديد نتنياهو بتوسعة الحرب يفتقد إلى ضوء أخضر أميركي - أوروبي، وهو كان أول من قال بأنه يسعى لقيام تحالف دولي يوفّر له الغطاء السياسي الذي يؤيده بلا تحفظ، لتغيير الواقع الأمني على امتداد الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وهذا لن يتأمن له، بالتالي يُطرح السؤال: هل يتمرّد نتنياهو على واشنطن ويبادر إلى فتح جبهة جديدة؟ إلا إذا أراد، كما تقول مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، الضغط وصولاً لفك الارتباط بين جنوب لبنان وغزة، للهروب إلى الأمام من الضغوط التي يتعرض لها من قبل ذوي الأسرى لدى «حماس» والاستعاضة عنها بالتأييد الذي يلقاه حال قرر أن يترجم تهديده بتوسيع العمليات العسكرية جنوباً لضمان عودة النازحين إلى أماكن سكنهم.

مصير غالانت

وتلفت المصادر الدبلوماسية الغربية إلى أن توسيع العمليات العسكرية في جنوب لبنان سيُواجه برد من «حزب الله»، وسيؤدي إلى تفلُّت الوضع على نحو لا يبقيه تحت السيطرة، وتسأل: كيف يمكن لنتنياهو تأمين عودة النازحين، حتى لو قرر توسيع دائرة الأرض المحروقة بتخطيه الحدود الجغرافية لمنطقة جنوب الليطاني من دون التوصل لوقف النار على امتداد الجبهة الشمالية، طالما أن الحزب سيضطر للرد، ولديه من القدرات الصاروخية ما يتيح له استهداف العمق الإسرائيلي؟

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية لبنانية أن الحزب يتعامل مع تهديدات نتنياهو بأنها تأتي في سياق الضغط والتهويل، وإن كان لا يأمن لنياته ويستعد لتوسيع المواجهة المشتعلة في حال أقدم على توسعتها بفتح جبهة الجنوب على مصراعيها، بلا سقوف أو ضوابط تبقيها تحت السيطرة. وتسأل، نقلاً عن المصادر الدبلوماسية الغربية، عما إذا كان نتنياهو سيبادر إلى إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، أم أنه سيبقي على إقالته ورقة لابتزاز واشنطن التي تنظر إليه على أنه أحد أبرز حلفائها في إسرائيل. فهل يجرؤ على الإطاحة به واستبدال وزير به يتناغم معه بلا شروط؟

كما تسأل المصادر نفسها عما إذا كان نتنياهو يتطلع من خلال تهديداته بتوسيع العمليات جنوباً إلى تقطيع الوقت على طريقته إلى حين تبيان ما ستؤول إليه الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في ضوء رهانه على فوز الرئيس السابق دونالد ترامب على منافسته كامالا هاريس.

بصمة إيران على الصاروخ «الحوثي»

تضيف المصادر أن القاسم المشترك بين الإدارة الأميركية الحالية والقيادة الإيرانية يكمن في أنهما يسعيان لاحتواء التصعيد في جنوب لبنان، وأن طهران تراهن على دور واشنطن لنزع فتيل التفجير، كونها تلتقي مع «الحزب الديمقراطي» في توفير الظروف السياسية المؤاتية لترجيح كفة هاريس على منافسها ترمب لضمان رفع منسوب التفاوض بينها وبين واشنطن الذي لم ينقطع تحت ضغط التداعيات المترتبة على الحرب الدائرة في غزة وتعثر التوصل لوقف النار في القطاع.

وترى المصادر نفسها، وهي مواكبة للأجواء السائدة داخل «حزب الله» الذي أتم جهوزيته على كافة المستويات للرد على قيام نتنياهو بتوسيع العمليات جنوباً، أن التوقيت الذي اختارته جماعة الحوثي في صنعاء لإطلاق أول صاروخ باليستي، سقط على بعد 7 كيلومترات من تل أبيب لم يكن بريئاً، وأرادت منه تمرير رسالة إلى نتنياهو بأنه عيّنة مما ينتظره حال أقدم على توسعة الحرب جنوباً.

وتؤكد المصادر أن التوقيت يحمل بصمة مزدوجة من إيران و«حزب الله»، وإلا لما تمكنت هذه الجماعة من إطلاقه بدقة من دون أن تستعين بما لديهما من خبرة وتقنية عالية، وتقول إن نتنياهو بإقدامه على توسعة الحرب جنوباً سيفتح الباب أمام عودة تحريك الساحات المنضوية في «محور الممانعة»، تحديداً في العراق واليمن.

هل يفعلها نتنياهو؟

لذلك يبقى السؤال: هل يفعلها نتنياهو؟ وماذا كان ينتظر لتوسيع العمليات العسكرية في الجنوب، وهو الذي أطلق عشرات التهديدات بتوسعتها منذ أن قرر «حزب الله» مساندة «حماس»؟ وهل يضطر للتريث مجدداً إلى ما بعد إلقائه خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية التي تعقد قريباً بمشاركة عدد من رؤساء الدول الأعضاء فيها، رغم أنه يدرك منذ الآن أن لا مجال للرهان على كسب تحالف دولي يغطي ويؤيد، بلا تحفّظ، توسيعها جنوباً؟

وعليه، فإن الحزب، وإن كان يتعاطى مع تهديدات نتنياهو من زاوية التهويل والضغط لعله يحقق سياسياً ما عجز عنه عسكرياً، فهو في المقابل، كما تقول مصادره، أعد العدة للرد عليه، ما يضطره لأن يعيد النظر في تصعيده للمواجهة التي تبقى محكومة بمعادلة توازن الرعب.