في الوقت الذي أعلنت فيه دمشق أن أي تطبيع للعلاقات مع أنقرة ينبغي أن يُبنى على أسس في مقدمتها سحب قواتها من شمال سوريا ووقف الدعم المقدم لـ«الجماعات الإرهابية»، كشفت تقارير عن خطة تركية من شقين لحل مشكلة اللاجئين السوريين بُنيت على التطبيع المحتمل للعلاقات مع سوريا.
وحسب التقارير التي تداولتها وسائل الإعلام التركية، الأحد، عن الخطة التي تتحدث كواليس أنقرة عنها، فإنها تُدرس تحت عنوان «الاندماج والعودة»، وستنفَّذ على مرحلتين؛ الأولى يُدمج فيها السوريون غير الراغبين في العودة إلى بلادهم، والأخرى تأمين العودة الآمنة للاجئين في حال الاتفاق مع الحكومة السورية.
خطة للاجئين
وقالت صحيفة «تركيا» القريبة من الحكومة، إنه في ظل ازدياد احتمالات عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ونظيره السوري بشار الأسد، على الرغم من بيان الخارجية السورية، الذي صدر السبت، وأكد مجدداً شرط انسحاب تركيا العسكري من شمال سوريا ووقف دعم الجماعات الإرهابية، يجري تطوير صيغ جديدة فيما يتعلق باللاجئين في تركيا.
وحسب الكاتبة في موقع «بانجري» الإخباري، نوراي باباجان، فإن خطة إعادة المهاجرين إلى وطنهم وراء وضع إردوغان اللقاء مع الأسد على جدول الأعمال، وأن وزارتي الداخلية والخارجية ورئاسة أركان الجيش تعمل عليها بعد الأزمة التي نجمت عن رفض المجتمع بقاء اللاجئين، والتي تنذر بخطر تحولها إلى فوضى في المستقبل المنظور.
وذكرت باباجان في مقال، الأحد، عنونته بـ«سوريا وأزمة اللاجئين... خطة الأسد متعددة الرؤوس»، أن «إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية (التركية) تدرس الخطة من جميع جوانبها، وهناك إمكانية لأن يتم إنشاء مجلس لتنسيق سياسات الهجرة داخل الرئاسة التركية». مشيراً إلى أن «كل هذا العمل يجري تحت إشراف وزير الخارجية هاكان فيدان، الذي كلَّفه إردوغان بالتحضير للقائه الأسد».
وأضافت أن نائب الرئيس، جودت بلماظ، يقوم بالإعداد لإنشاء «مجلس التنسيق» التابع للرئاسة، الذي سيتولى العمل على خريطة طريق تشمل جميع الوزارات المعنية بأزمة اللاجئين والمهاجرين، على أساس خطة عمل من شقين: الأول معنيٌّ بسياسات الاندماج، والآخر إعادة اللاجئين إلى سوريا بشكل آمن.
ولفتت باباجان إلى أن «الفوضى التي يمكن أن تنتج عن الأزمة الاقتصادية ومشكلة اللاجئين والمهاجرين تُخيف الحكومة، وأن الخطة الجديدة تعتمد على إقامة علاقات جيدة مع دمشق، لكن هذا وحده لن يكون كافياً في ظل ما لوحظ مؤخراً من احتمال أن تنقلب المعارضة السورية في المنطقة الآمنة التي أنشأتها تركيا على الحدود ضد أنقرة في أي وقت، إذ هناك فصائل تفسر التقارب التركي مع الأسد بأنه (خيانة تركية) للمعارضة.
ونقلت باباجان عن مصادر في حزب «العدالة والتنمية» الحاكم قولهم، إنه «إذا جلست تركيا مع الإدارة السورية دون تعرض جهود التطبيع لحادث سير (أي عقبات)، فسيتعين عليها أن تحسب ما ستعطيه، وليس ما ستحصل عليه».
ولخصت المصادر الموضوعات التي تسلمها أجندة تركيا في اللقاء مع الأسد، في «الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وضمان العودة الآمنة لمن اضطروا إلى الهجرة من بلدانهم وتأمين الظروف المناسبة لذلك، وضمان إعادة الحكومة السورية أملاك السوريين العائدين، والقضاء على التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على مساحة كبيرة من الأراضي السوية»، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب» التي تقودها «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» التي تسيطر على نحو 30 في المائة من أراضي سوريا وتهدد أمن تركيا.
وأشارت باباجان إلى أنه تتم أيضاً مناقشة إنشاء آلية تحفيز لعودة اللاجئين في تركيا إلى بلادهم، عبر حل قضايا الملكية، ووضع خطة جديدة فيما يتعلق بإدماج اللاجئين المتبقين، حيث سيتعين تسجيل طالبي اللجوء الذين يعملون بشكل غير رسمي على أنهم عمال مع إخضاع تصاريح عملهم وإقامتهم لشروط معينة.
ودعا خبراء السياسة الخارجية في تركيا إلى إشراك «الاتحاد الأوروبي» في العملية المتعلقة بمثل هذه القضية متعددة الأبعاد والمزعجة. وقالت باباجان إن الدول الأوروبية، التي تستخدم تركيا منطقة عازلة للمهاجرين، تحتاج إلى إنشاء صندوق جديد حتى تنجح هذه الخطة، وإلا فإن هناك احتمالاً كبيراً أن تضربهم موجة اللاجئين هذه.
وبدورها ذكرت صحيفة «تركيا» أن مسؤولي قطاع الأعمال في تركيا يطالبون منذ فترة ليست بالقصيرة بتوظيف اللاجئين عمالاً مسجلين من خلال الحصول على تصاريح العمل والإقامة، وفي حال تطبيق سياسات الاندماج، فسيتم اتخاذ الخطوة الأولى لضمان تسجيلهم في القوى العاملة.
وأضافت أنه «سيجري وضع سياسات حول كيفية ضمان إدماج أولئك الذين لا يرغبون في العودة إلى سوريا في عديد من الجوانب، بما في ذلك التكيف الثقافي في تركيا والعمل والإقامة واللغة».
دوافع التطبيع
في غضون ذلك، تتصاعد التساؤلات حول الهدف من وراء الدعوات المتكررة من إردوغان للأسد لعقد لقاء لإعادة العلاقات بين البلدين كما كانت في الماضي.
وحسبما ذكر الكاتب في صحيفة «حرييت» الموالية للحكومة التركية، أحمد هاكان، استناداً إلى خلاصة معلومات من مسؤولين أتراك خلال مرافقته إردوغان ضمن الوفد الإعلامي إلى القمة الـ75 لحلف شمال الأطلسي (ناتو) التي اختُتمت في واشنطن، الخميس، هناك سببان رئيسيان وراء رغبة تركيا في صنع السلام مع الأسد.
وأضاف أن السبب الأول: منع جهود حزب العمال الكردستاني لإنشاء «دويلة إرهابية» في شمال سوريا، وحماية وحدة الأراضي السورية، والآخر: وجود ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري، تريد تركيا ضمان عودة جزء كبير منهم، إن لم يكن جميعهم، إلى سوريا.
أما بالنسبة لوضع الفصائل المسلحة المنضوية تحت «الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا، فقال هاكان إن المسؤولين أكدوا أن تركيا ستواصل حماية هذا الجيش.
هل ينجح لقاء إردوغان والأسد؟
بدوره تساءل الكاتب في الصحيفة ذاتها، فاتح تشكيرجه، عمّا إذا كان سيُعقد لقاء بالفعل بين إردوغان والأسد، قائلاً إن احتمال عقد اللقاء يبقى مرتفعاً، رغم بيان الخارجية السورية.
وطرح سؤالاً آخر حول إمكانية أن يكون هناك حل نتيجة هذا اللقاء، وأجاب بأنه «أمر صعب»، لأن الأسد لا يملك القدرة على تغيير البنية القائمة في سوريا، حيث تسيطر أميركا على الوحدات الكردية وتسعى لإقامة دويلة كردية على الحدود التركية، وقد تُحدث فوضى إذا تولى ترمب الرئاسة في أميركا مجدداً وأصر على سحب القوات الأميركية في ظل معارضة الكونغرس.
وقال تشكيرجه إنه بالنظر إلى البحر باتجاه الغرب، تسيطر روسيا على ميناءي طرطوس واللاذقية، وحصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على حق استخدامهما إلى الأبد مقابل حماية الأسد، وبفضلهما رست روسيا، التي كانت تحاول الوصول إلى البحار الدافئة منذ زمن سحيق، في البحر المتوسط أخيراً واكتسبت قوة عسكرية في شرقه، ولهذا السبب، لن يتخلى بوتين عن الأسد بسهولة.
وأضاف أن «الميليشيات الإيرانية موجودة أيضاً على الخريطة، وعلاقة الأسد بإيران معروفة، ومن الواضح أن هناك تعاوناً ضد إسرائيل، والنفوذ الإيراني واضح للعيان، وفي اللقاء المحتمل لإردوغان مع الأسد، يجب أن يوضع العامل الإيراني في الاعتبار، فالأسد ليس في وضع يسمح له باتخاذ القرارات بمفرده، والقوى الموجودة قد تشكل في نهاية المطاف (جبهة غير مرئية) ضد تركيا».
ولفت إلى أن «إردوغان يولي اهتماماً كبيراً لعلاقته مع بوتين، والتحرك لفتح الباب أمام المحادثات بين أنقرة ودمشق على المستوى الرئاسي هو التحرك الصحيح لاستقرار المنطقة، لكن يجب الانتباه إلى أن اللقاء مع الأسد لن يكون كافياً، ويتعين على تركيا أن تكون مستعدة لسباق طويل من المفاوضات مع الجهات الفاعلة القوية الأخرى في سوريا».
وأوضح تشيكرجه أن «معنى العمليات التركية في شمال سوريا والقواعد المقامة هناك أصبح الآن أكثر وضوحاً، لأن تركيا، كغيرها من الدول الأجنبية التي أسست مجال نفوذ لها في سوريا، ووصلت إلى موقع فعال على صعيد اتخاذ القرار بفضل هذه العمليات والقواعد، أي اتخذت الإجراءات اللازمة لتكون (في الميدان وعلى الطاولة)، كما أن حقيقة وجود عوامل تهديد توضح معنى عبارة تركيا: (فليتحقق الأمن في سوريا، ثم نناقش مسألة الانسحاب)».
وخلص إلى أن العلاقة بين أنقرة ودمشق ليست بمثابة تقويم دبلوماسي من شأنه أن يؤدي إلى نتائج فورية، لكن حتى البدء فيه له قيمة.