كشفت أنقرة أن موعد ومكان اللقاء المحتمل بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والسوري بشار الأسد لم يتحددا بعد.
وفي ظل جدل واسع فجرته تصريحات إردوغان عن توجيه دعوة إلى الأسد في أي لحظة، واحتمال عقد قمة ثلاثية تضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، عمر تشيليك، إن موعد لقاء الرئيس إردوغان مع الرئيس السوري لم يتحدد بعد.
وأضاف تشيليك، في مؤتمر صحافي ليل الاثنين - الثلاثاء، أعقب اجتماع المجلس التنفيذي المركزي للحزب برئاسة إردوغان، أن «العمل حول هذا الأمر مستمر، ولم توجه دعوة للأسد بعد، وبالتالي ليس هناك وضوح بشأن مكان اللقاء وموعده حتى هذه اللحظة».
وشدد تشيليك على أن تركيا تواصل موقفها «الثابت» حيال الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وأن وجودها العسكري في شمال سوريا لا يستهدف وحدة الأراضي السورية، بل الكفاح ضد مساعي إنشاء «كيان إرهابي» هناك.
وقال: «من خلال عملية التطبيع هذه، نسعى لأن تكون سوريا آمنة للملايين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم، ولن نخذل أبداً أي شخص وثق بنا وعمل معنا»، في إشارة إلى المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري.
وعبر إردوغان في الأيام الماضية عن أن بلاده تنتظر اتخاذ الأسد خطوة لتحسين العلاقات معها، لافتاً إلى؛ «سنوجه دعوتنا إلى الأسد، وقد تكون في أي لحظة، ونأمل في أن نعيد العلاقات التركية - السورية إلى ما كانت عليه في الماضي».
تصريحات إردوغان جاءت رداً على تصريحات الأسد، خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في دمشق، الشهر الماضي، التي أكد فيها انفتاح بلاده على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا، والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى.
واقعية وشكوك
في سياق الأحداث، رأى مراقبون في أنقرة أن تصريحات الأسد حملت تخفيفاً لموقفه المتشدد السابق بشأن انسحاب تركيا عسكرياً من شمال سوريا، وتخلياً عن شرط التعهد المكتوب بالانسحاب كشرط للقاء إردوغان.
وعدّ الكاتب في صحيفة «جمهوريت» المعارضة، أورهان بورصلي، عودة الحكومة إلى «سياسة واقعية مع سوريا بعد 13 عاماً ضاعت نتيجة أخطاء من جانب الحكومة في التعامل مع ملف الأزمة السورية كبدت تركيا خسائر كبيرة بسبب العداء مع الأسد»، «أمراً جيداً بلا شك».
أما الكاتب في صحيفة «يني شفق» القريبة من الحكومة التركية، سليمان سيفي أوغون، فعدّ أن سياسة تركيا تجاه سوريا عبر التاريخ الحديث، كانت تعتمد على مبدأ التوازن، وأن أكثر ما يثير القلق في محاولات التطبيع التي تقودها روسيا الآن، أن روسيا لا تريد الاشتباك مع أميركا، وأن الأسد لا يرى محتلاً لسوريا سوى تركيا، ويريد أن تنسحب من المناطق التي فيها جنودها.
وعدّ الوساطة الروسية مناورة هدفها إبعاد تركيا عن حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأن نية موسكو ليست السلام بين تركيا وسوريا، فضلاً عن عدم تفاؤله تجاه الأسد.
ورأى كاتب في صحيفة «صباح» القريبة من الحكومة أيضاً، أن الظروف الإقليمية المتغيّرة، والمخاوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة ضغطت على روسيا وإيران لإنجاز التطبيع بين تركيا وسوريا، لكنه أكد أن ملفات العلاقات التركية - السورية، معقدة، ولا يمكن مقارنتها بظروف المصالحة بين تركيا ومصر والسعودية والإمارات، بالنظر إلى الوضع في شرق الفرات.
وعدّ التوتر في تركيا وغرب الفرات بسبب اللاجئين السوريين، محاولة من جانب القوى المتضرّرة من المصالحة بين أنقرة ودمشق لتعطيلها.
خيارات الأسد
وعن صمت دمشق إزاء التصريحات المتعاقبة من جانب إردوغان عن لقاء الأسد، رأى الكاتب في صحيفة «حرييت» القريب من دوائر السلطة في تركيا، عبد القادر سيلفي، أن الأسد لا يملك سوى خيارين: إمّا استمرار توازن الرعب الحالي، أو البدء بتطبيع العلاقات بسرعة، في ظل تصاعد التهديد الإسرائيلي يومياً من غزة إلى لبنان، ومن ثم ستكون سوريا، وخشية بوتين من فقد السيطرة على الأوضاع في سوريا حال اندلاع حرب واسعة.
وقال سيلفي إن المصالحة بين تركيا وسوريا ستخفّف الحصار الذي تواجهه سوريا من قبل إسرائيل وإيران، كما أن تركيا وسوريا تحتاجان إلى التعاون في منع قيام كيان كردي، وفي حال اتخذ إردوغان والأسد خطوة في هذا الإطار، سيشكلان معادلة جديدة، وسيبدأ إنشاء سوريا الجديدة.
وذهب المحلل السياسي إيلتر توران، إلى أنه من الواضح بما فيه الكفاية أن إردوغان تخلى تماماً عن دعم المعارضة السورية، كما أنه من الواضح أنه ضد أحلام الحكم الذاتي للأكراد الذين يتمتعون بالدعم الأميركي.
وقال إن تركيا، ورغبة منها في العودة إلى البداية (أي قبل 2011)، من المحتمل أن تقوم بإصلاح العلاقات مع الأسد، لكن المسار قد لا يكون سريعاً وسلساً وشاملاً، كما يرغب إردوغان.