أمَّ المرشد الإيراني علي خامنئي، محاطاً بكبار المسؤولين، صلاة الجنازة على الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي ومرافقيه، في طهران، اليوم (الأربعاء)، حيث توافدت حشود ضخمة للمشاركة في مراسم تشييعه.
وأظهر التلفزيون الحكومي خامنئي وهو يؤم الصلاة، بينما احتشد عشرات آلاف المشيعين في مصلى جامعة طهران خلال الجنازة، قبل نقل نعش الرئيس الإيراني إلى مسقط رأسه، مدينة مشهد، في شمال شرقي إيران، حيث يُوارى الثرى، غداً (الخميس).
وتحطمت مروحية رئيسي الأحد على سفح جبل في شمال غربي إيران، وسط ضباب كثيف، وكانت متّجهة إلى مدينة تبريز، بعد تدشين مشروع سد عند الحدود مع أذربيجان. وأطلقت عملية بحث وإنقاذ ضخمة بمساعدة من تركيا وروسيا والاتحاد الأوروبي. وأعلن التلفزيون الرسمي وفاته في وقت مبكر، الاثنين.
وبدأت الثلاثاء مراسم جنازة الرئيس الراحل وأعضاء الوفد المرافق له الذين قضوا معه، بمشاركة عشرات الآلاف من المشيعين الذين ارتدوا اللباس الأسود، في مدينة تبريز، وفي قم.
وفي طهران، وقف كبار المسؤولين في دوائر صنع القرار ووزراء الحكومة وقادة القوات المسلحة في أول صفوف المصلين خلف المرشد علي خامنئي الذي أَمَّ الصلاة، وذلك في غياب لافت لرؤساء الجمهورية السابقين، الإصلاحي محمد خاتمي، والمحافظ محمود أحمدي نجاد، والمعتدل نسبياً، حسن روحاني. ولم يتضح ما إذا كان الرؤساء الذين أصدروا بيانات تعزية بين المصلين.
وحمل مشيعون باكون الأربعاء نعش رئيسي، وكذلك نعوش وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، ومسؤولين آخرين قُتلوا إلى جانب الرئيس في تحطم الطائرة، قرب الحدود مع أذربيجان.
وفي وقت لاحق، أقام «الحرس الثوري» جنازة لمسؤول فريق حماية الرئيس الإيراني، العميد مهدي موسوي.
وكانت جنازة رئيسي واحدة من أكبر الجنازات التي حشدت لها السلطات بعد ثورة 1979؛ إذ شاركت مئات حافلات النقل المدني والقطارات وخطوط المترو بنقل المشاركين من المدن الواقعة على ضواحي العاصمة.
وغصت المنطقة المحيطة بجامعة طهران بالمعزين. وانتشرت لافتات ضخمة على طويل الطريق البالغة 5 کیلومترات من بوابة جامعة طهران قرب ساحتي «انقلاب» و«آزادي»، وصفت الرئيس الإيراني ومرافقيه بـ«شهداء الخدمة».
وأفادت «رويترز» بأن سكان طهران تلقوا رسائل هاتفية تحضهم على المشاركة في موكب التشييع.
وقال العديد من المشاركين إنهم جاءوا إلى طهران لحضور المراسم من مدن وبلدات أخرى في جميع أنحاء البلاد حسبما أوردت وكالة «أسوشيتد برس».
وذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية» أن التلفزيون الرسمي تحدث عن «وداع مليوني» لرئيسي الذي رأى فيه كثيرون الخليفة المحتمل لخامنئي في منصب المرشد.
وأعلنت إيران الحداد 5 أيام على رئيسي الذي طبَّق السياسات المتشددة لمعلمه خامنئي، بهدف ترسيخ سلطة رجال الدين وتضييق الخناق على المعارضين والالتزام بموقف متشدد إزاء قضايا السياسة الخارجية، مثل المحادثات النووية مع واشنطن لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
وشارك في الجنازة كل من إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ«حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)»، المدعومة من إيران، ونعيم قاسم نائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني، أبرز الجماعات الموالية لإيران.
وقال هنية، أمام حشد يردد هتاف «الموت لإسرائيل»، إنه جاء نيابة عن الشعب الفلسطيني وباسم فصائل المقاومة في غزة لتقديم «تعازينا».
وقال محسن رضايي القيادي في «الحرس الثوري» إن «استشهاد رئيسي إنجاز كبير للشعب الإيراني»، وأضاف أنه «أعاد مرة أخرى الروح الأخلاقية والمعنوية للمجتمع».
«اجتماع طارئ»
وذكرت وسائل إعلام رسمية أن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عقد اجتماعاً استثنائياً، صباح اليوم الأربعاء، بحضور جميع أعضائه، مشيراً إلى أنه ناقش أهم القضايا الداخلية والإقليمية والدولية.
وكان رئيسي رئيساً للمجلس الذي يتولى عملياً إدارته أمينه العام الذي يختاره المرشد الإيراني، وهو علي أكبر أحمدي. ويضم المجلس وزير الخارجية.
وأمر رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة، اللواء محمد باقري، الاثنين، بفتح تحقيق في سبب تحطم المروحية.
وروى غلام حسين إسماعيلي مدير مكتب الرئيس الإيراني، خلال مقابلة مع التلفزيون الرسمي ملابسات الحادث، كما شهدها من إحدى المروحيات الثلاث التي كانت تقل الوفد الإيراني.
وأوضح أنه عند الإقلاع «كان الطقس صافياً، ولم يكن هناك ما يدعو إلى القلق». لكن بعد نصف ساعة، أمر قائد المروحية الرئاسية المروحيات الثلاث «بالارتفاع فوق منطقة من الغيوم».
وأكد أنه بعد تنفيذ الأمر، ومن دون أن يشعر بأي اضطراب «أدرك قائدنا فجأة أن المروحية التي كانت تقل الرئيس اختفت».
وحلَّق قائد المروحية التي كانت تقل حسين إسماعيلي بعد ذلك «مرات عدة» فوق المنطقة، لكن طبقة السحاب حجبت رؤية اليابسة.
وقال إسماعيلي: «فشلنا مراراً في إجراء اتصال لاسلكي» مع مروحية الرئيس. ثم قرر الطيار الهبوط في منجم للنحاس «للبحث» عن الطائرة المفقودة.
وأضاف: «بعد محاولات عدة» للاتصال، أجاب أحد الركاب الثمانية، محمد علي آل هاشم، إمام جمعة تبريز، و«قال لنا: لا أشعر بأنني بخير، وقال إنه وحيد ولا يعرف أين هو موجود».
وتابع: «شكَّلنا بعد ذلك فريقاً للذهاب والبحث عنهم، وطلبنا مساعدة طارئة فورية».
وبثت وسائل الإعلام تسجيل فيديو من اجتماع إسماعيلي مع خلية الأزمة بحضور قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي، وقائد القوات البرية في تلك القوات، محمد باكبور.
ويظهر الفيديو أن قادة «الحرس» يحاولون تحديد موقع الطائرة على الخريطة أثناء استماعهم لشرح إسماعيلي. ويقول قائد «الحرس»، في إشارة إلى اتصال إمام جمعة: «ربما فُتح أحد الأبواب، وسقط من هناك».
انتخابات مبكرة
وجاءت مراسم التشييع، بينما هرعت المؤسسة الدينية لتنظيم انتخابات مبكرة قد تضعف شرعيتها بشكل أكبر وسط استياء شعبي متزايد.
وكلف نائب الرئيس محمد مخبر (68 عاماً) تولي مهام الرئاسة وصولاً إلى انتخابات ستجري في 28 يونيو (حزيران) لاختيار خلف لرئيسي.
وتم تعيين كبير المفاوضين في الملف النووي الإيراني، علي باقري كني، الذي كان نائباً لوزير الخارجية في الشؤون السياسية، قائماً بأعمال وزير الخارجية.
ومن المقرر إجراء الانتخابات في 28 يونيو (حزيران) لاختيار خليفة لرئيسي.
وقال بيمان جبلي، رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، للصحافيين، إنه تم عقد الاجتماع الأول للمقر الانتخابي في هذا المجمع الإعلامي، ويجري الآن تصميم البرامج الانتخابية.
وقال جبلي للصحافيين على هامش مراسم تشييع رئيسي: «من المؤكد أن تصميم البرامج سيكون مختلفاً نظراً لضيق الوقت». وتبدأ السلطات تسجيل المرشحين بين 30 مايو(أيار) الجاري و3 يونيو (حزيران). وتنطلق الحملة الانتخابية في 12 يونيو وتنهي في نهاية 26 يونيو.
ولم يُظهِر الإيرانيون اهتماماً يُذكر بانتخابات 2021 التي منحت رجل الدين المحافظ الرئاسة، وهو منصب يشرف شاغله على إدارة الشؤون اليومية للحكومة. وتوفي رئيسي بينما تشهد إيران توترات بين القيادة الدينية والمجتمع الأوسع يزيد حدتها تشديد الضوابط السياسية والاجتماعية وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
وتجاهلت أعداد متنامية من الناخبين الانتخابات الأخيرة، وهو مؤشر مثير للقلق بالنسبة للقيادة التي ترى أن الإقبال على التصويت اختبار لشرعية الجمهورية الإسلامية التي تأسست قبل نحو 45 عاماً.
وبعد أن بلغت نسبة إقبال الناخبين مستوى منخفضاً تاريخياً (نحو 41 في المائة) في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في شهر مارس (آذار)، يتعرض حكام إيران لضغوط من أجل تحقيق نسبة مشاركة عالية في الانتخابات الرئاسية المقررة في 28 يونيو (حزيران).
وفي عام 2021، منعت هيئة رقابية يسيطر عليها المحافظون المرشحين المعتدلين والإصلاحيين البارزين من الترشح في الانتخابات الرئاسية.
وقال مسؤولون مطلعون إن هدف ذلك كان ضمان فوز رئيسي. وإذا حدث السيناريو نفسه، فسيقوض ذلك أمل المؤسسة الدينية في تحقيق نسبة إقبال عالية في انتخابات يونيو (حزيران).
ونقلت «رويترز» عن مسؤول إيراني سابق (طلب عدم كشف هويته بسبب حساسية الأمر): «المؤسسة تفتقر إلى خيارات لضمان إقبال كبير في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة». وأضاف: «الناس مستاؤون جداً من وضع الاقتصاد، وكثيرون آخرون غاضبون من القيود الاجتماعية وعدم توفر خيارات انتخابية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انخفاض نسبة الإقبال».
وفود أجنبية
وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن أكثر من 40 وفداً أجنبياً على مستوى رؤساء الدول ووزراء الخارجية ورؤساء البرلمانات سيشاركون في مراسم العزاء في طهران، عصر اليوم (الأربعاء).
ووضع نعش رئيسي ومرافقيه وسط قاعة من قاعات المؤتمرات الدولية في شمال طهران، حيث استقبل محسن منصوري نائب الرئيس الإيراني للشؤون التنفيذية، ومحمد جمشيدي مساعد الرئيس الإيراني للشؤون السياسية، وعلي باقري كني، القائم بأعمال وزير الخارجية، الوفود الأجنبية.