إبراهيم رئيسي... مشروع غير مكتمل لخلافة المرشد

TT

إبراهيم رئيسي... مشروع غير مكتمل لخلافة المرشد

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلقي خطاباً خلال استقبال خامنئي للمسؤولين (موقع المرشد)
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلقي خطاباً خلال استقبال خامنئي للمسؤولين (موقع المرشد)

تبعثرت أوراق المرشحين المحتملين لخلافة المرشد الإيراني علي خامنئي، مع خروج أبرزهم الرئيس إبراهيم رئيسي الذي لقي حتفه، أمس (الأحد)، إثر تحطم مروحيته في منطقة جبلية وسط ظروف مناخية قاسية.

ومع خروج رئيسي (63 عاماً) من المعادلة السياسية، أصبحت قضية خلافة خامنئي (85 عاماً) أكثر ضبابية من أي وقت مضى.

وتحول رئيسي إلى ظاهرة في السياسة الإيرانية، بسبب تدرجه في مناصب حساسة، خلال العقد الأخير الذي شهد تطورات مهمة، مثل إبرام الاتفاق النووي، والانسحاب الأميركي، بفرض دونالد ترمب استراتيجية الضغوط القصوى على إيران، وتفاقم الأزمات الداخلية، وانفجار مستويات غير مسبوقة من الاستياء الشعبي في وجه الحكام الذين تبنوا سياسة استراتيجية السير على حافة الهاوية و«الصبر الاستراتيجي»، لضمان بقائهم في السلطة.

تولى رئيسي منصب الرئاسة في 2021، خلفاً للرئيس المعتدل نسبياً حسن روحاني، في انتخابات رئاسية شهدت عزوفاً قياسياً عن صناديق الاقتراع، وفي ظل غياب منافس حقيقي، مع إبعاد جميع المرشحين المحسوبين على التيارين المعتدل والإصلاحي من سباق الرئاسة.

وحصل رئيسي على 17.9 مليون صوت من 28.9 مليون توجهوا إلى صناديق الاقتراع من أصل 59 مليوناً كان يحق لهم التصويت.

وجاء انتخاب رئيسي بعد تأكيدات خامنئي ضرورة تولي حكومة «ثورية شابة»، في سياق ما أطلق عليها المرشد الإيراني علي خامنئي قبل سنوات «الخطوة الثانية للثورة الإيرانية» بعد مضي 40 عاماً على ثورة 1979.

ورث رئيسي من الحكومة السابقة عشرات الأزمات والتوترات الداخلية والخارجية التي بقيت مع انتهاء ولاية حسن روحاني الثانية، دون حل.

صورة نشرتها «الطاقة الذرية» الإيرانية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ويبدو أمامه محمد إسلامي في أبريل 2023

إخفاقات

ومنذ خطاب تنصيبه بالبرلمان في أغسطس (آب) 2021، تعهد رئيسي بإعطاء الأولوية لرفع العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي ومكافحة الفساد. لكن رئيسي أخفق إلى حد بعيد في تطبيق وعوده بشأن مكافحة الفساد الاقتصادي.

داخلياً، أخفق رئيسي إلى حد بعيد في تطبيق وعوده بشأن مكافحة الفساد الاقتصادي. وعزل رئيسي وزير الزراعة السابق، جواد ساداتي نجاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد إثبات تورطه في ملفات فساد ضخمة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدر القضاء الإيراني حكماً على ساداتي نجاد بالسجن 3 سنوات على خلفية تورطه في ملف فساد مرتبط باستيراد ماشية. وهو يواجه أيضاً اتهامات في قضية فساد تتعلق باستيراد الشاي بقيمة 3.7 مليار دولار.

وفي المجال الاقتصادي، استمرت معاناة العملة الإيرانية التي جربت مستويات من الانهيار، مع زيادة مطردة في معدلات التضخم، وغليان الأسواق.

قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده يتحدث للرئيس إبراهيم رئيسي في أثناء عرض عسكري سابق بطهران (تسنيم)

السياسة الخارجية

وفي السياسة الخارجية، تعهد بالعمل على توثيق العلاقات مع الصين وروسيا على المستوى «الاستراتيجي»، على نقيض الحكومة السابقة التي استخدمت الملف النووي واتفاق فيينا في 2015 للاستثمار في سياسة الانفتاح على الغرب. ووصفت الاتفاق بأنه «إنجاز تاريخي».

وبذلك، عملت حكومة رئيسي على تهميش مفاوضات الاتفاق النووي، وإبقاء مسار المفاوضات في غرفة الإنعاش دون أن تعلن موته بشكل نهائي. وبعد مماطلة دامت نحو 6 أشهر، أرسلت حكومة رئيسي فريقها التفاوضي، لمواصلة المسار التفاوضي الذي انقطع في نهاية حكومة روحاني. ولكن في كل جولة جديدة من التفاوض، قدمت إيران شروطاً جديدة للقبول بإعادة الامتثال للاتفاق النووي، الأمر الذي زاد من تعقيدات مهمة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي لا يزال يعول على دبلوماسيته في لجم قدرات إيران النووية، قبل أن تدق الحرب الأوكرانية - الروسية المسمار الأخير في نعش الاتفاق.

وبشكل عام، أبدى رئيسي خلال 3 سنوات استعداداً أكبر من الرؤساء السابقين في الامتثال لتوصيات المرشد الإيراني، خصوصاً استراتيجية «الردع» لتحصين النظام من المخاطر التي تستهدف وجوده. وعلى هذا الأساس، واصلت إيران المضي قدماً في توسع برنامجها النووي إلى مستويات إنتاج الأسلحة.

ومقابل الاتفاق النووي، سرعت حكومة رئيسي من عملية الامتثال لاستراتيجية «التوجه نحو الشرق» التي يطالب بتنفيذها المرشد الإيراني للحد من تأثير العقوبات الغربية على المدى الطويل، مع ترجيح كفة روسيا على الصين التي تعاملت بحذر في تعاونها الاقتصادي مع طهران، امتثالاً للعقوبات الأميركية.

ولم تعكس العلاقات مع موسكو التي تواجه بدورها عقوبات غربية مشددة، أي فوائد للاقتصاد الإيراني. وتعرضت إيران لمزيد من العقوبات لبيع طائرات مسيرة إلى روسيا. لكن العلاقات مع روسيا والصين ساعدت إيران في تخفيف عزلتها الدولية، عبر تأييدهما لانضمام طهران إلى منظمتي «شنغهاي» و«بريكس» للتعاون الاقتصادي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مُرحّباً بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في الكرملين ديسمبر الماضي (إ.ب.أ)

التوجه نحو الشرق

واكب انخراط إيران في سياسة «التوجه نحو الشرق»، محاولات لكسر العزلة الإقليمية، عبر تحسين العلاقات مع دول الجوار، وتوصلت إلى اتفاق مع السعودية، بوساطة صينية، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية. وبدأت إيران مفاوضات مع مصر لتطبيع العلاقات بين الجانبين، بعد قطيعة دامت 4 عقود.

وتسارعت سياسة تحسين العلاقات مع الجوار، بينما كانت البلاد تحت وطأة انتقادات غربية، جراء الحملة التي أطلقتها السلطات لإخماد الاحتجاجات الشعبية الحاشدة التي هزت البلاد في سبتمبر (أيلول) 2022، وتدهور وضع الحريات مع إيران، إذ حاولت حكومة رئيسي تلبية مطالب الأوساط المتشددة، خصوصاً تلك المطالبة بإعادة شرطة الأخلاق لضبط الحجاب والعفاف. وأدت وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق، إلى أكبر موجة احتجاجات شعبية تهز البلاد، خلال 43 عاماً بعد ثورة 1979.

وأعلنت حكومة رئيسي تأييدها لحملة إخماد الاحتجاجات التي خلفت أكثر من 500 قتيل. ووصفت السلطات الاحتجاجات بأنها «حرب هجينة» ضد النظام.

بطاقة هوية

ارتبط اسم إبراهيم رئيسي خلال الأعوام الثمانية الماضية، بأكثر من حدث لافت، وهو جعل الأضواء تسلط عليه. وكان الموقف الأكثر إثارة للجدل في صيف عام 2016، عندما نشر التسجيل الصوتي لنائب الخميني حسين علي منتظري حول إعدامات 1988. وكان رئيسي أحد «الفرسان الأربعة» في «فرقة الموت» الذين نفذوا أوامر الخميني في أكبر موجة إعدامات استهدفت نحو 3800 سجين سياسي أكثرهم دون سن 25 سنة.

وجاء نشر التسجيل مع إصدار خامنئي مرسوماً بتعيين رئيسي على رأس الجهاز القضائي، خلفاً لرجل الدين المتنفذ صادق لاريجاني، الذي يترأس مجلس تشخيص مصلحة النظام في الوقت الحالي.

وكان هذا ثاني منصب يتولاه رئيسي بأمر من المرشد الإيراني خلال عام. ففي عام 2015، أصدر المرشد الإيراني مرسوماً بتعيين رئيسي على رأس هيئة «العتبة الرضوية» (نسبة للإمام علي الرضا)، ليكون وريثاً لأحد أبرز رجال الدين المتنفذين في إقليم خراسان - مسقط رأس خامنئي - المعروف بلقب «إمبراطور خراسان» واعظ طبسي.

وتعد «الهيئة الرضوية» أكبر مؤسسة دينية وقفية والأثرى بين المجموعات الاقتصادية الإيرانية. ففي آخر إحصائية منشورة عام 2014، تجاوزت إيراداتها السنوية 210 مليارات دولار أميركي وبلغت أرباحها الخالصة 160 مليار دولار. وهي مؤسسة لا تدفع الضرائب.

ولد إبراهيم رئيسي عام 1961 لأسرة دينية بمدينة مشهد (شمال شرقي إيران)، وفقد والده في الخامسة من العمر. وبعد انتهاء المرحلة الابتدائية التحق بالحوزة العلمية في مشهد قبل أن ينتقل في سن الـ15 إلى مدينة قُم معقل الحوزات العلمية، حيث تلقى دروسه في مدرسة «حقاني» التي تخرج فيها أهم رجال الدين المتنفذين والمتشددين في النظام الحالي، على رأسهم خامنئي. والمعروف أنه تلقى دروس فقه الخارج على يد خامنئي منذ 1990.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يجلس خلف المرشد علي خامنئي أغسطس 2021 (موقع خامنئي)

كان رئيسي في الـ18 عندما سقط نظام الشاه وأعلن نظام ولاية الفقيه. وتلقى دروساً مكثفة على يد محمد بهشتي (نائب الخميني) وعلي خامنئي للدخول في القضاء الجديد. وكانت انطلاقته مع تأسيس محكمة الثورة قبل أن يصبح مدعياً عاماً فيها، وهو لم يبلغ العشرين من العمر. وحينذاك تزوج من بنت أحمد علم الهدى، رئيس اللجان الثورية، التي لعبت دوراً كبيراً في تصفية المعارضين والنشطاء السياسيين قبل أن تندمج بالقوات الأمنية والحرس الثوري. ويعد علم الهدى أبرز من أصدروا أوامر الاغتيالات والقمع بين 1980 و1982. منذ عام 1984، تولى رئيسي منصب مساعد المدعي العام في طهران لشؤون الجماعات المعارضة، وكان رئيسي يشغل المنصب عندما مثل القضاء في «لجنة الموت» التي تسببت في إعدامات 1988.

وبعدها شغل رئيسي منصب مدعي عام طهران بين عامي 1990 و1995، قبل أن يصبح رئيس منظمة التفتيش في إيران بين عامي 1995 و2005. وبعد ذلك عينه رئيس القضاء الإيراني محمود هاشمي شاهرودي نائباً أول له، وبقي في المنصب بين عامي 2005 و2015. ثم شغل منصب المدعي العام الإيراني بين عامي 2015 و2016. وتجدر الإشارة إلى أنه كان المدعي العام في المحكمة الخاصة برجال الدين منذ عام 2013. وفي 2009، كان رئيسي أحد أعضاء اللجنة الثلاثية في القضاء الإيراني للتحقيق في قتل سجناء وتعرضهم لانتهاكات في سجن كهريزك عقب احتجاجات «الحركة الخضراء»، ورفض نتائج الانتخابات من قبل المرشحين مير حسين موسوي، ومهدي كروبي. ورفضت الهيئة التي ترأسها رئيسي التهم الموجهة من كروبي، وفي المقابل، اقترحت «ملاحقة الأشخاص الذين تسببوا في تشويش الرأي العام بنشر التهم والافتراءات والتهم»، وكان رئيسي عدّ فرض الإقامة الجبرية من أجل الحفاظ على حياة كل من كروبي وموسوي.

خلافة المرشد

وكان إبراهيم رئيسي يعد أبرز المرشحين لخلافة المرشد. وبالإضافة إلى منصب الرئاسة، تولى منصب نائب رئيس مجلس خبراء القيادة، الهيئة التي تسمي خليفة المرشد. وفاز رئيسي بانتخابات مجلس الخبراء لولاية جديدة بالانتخابات التي خاضها في مارس (آذار).

وأثار عدم ترشح رئيسي من مدينة طهران، وتوجهه إلى محافظة نائية، لم ينافسه هناك إلا رجل دين مغمور، انتباه المراقبين.

والآن بعد غياب رئيسي، ستكون الأنظار مسلطة على نجلي المرشد الإيراني، مجتبي ومسعود خامنئي، إلى جانب عدد من رجال الدين الصاعدين.

وزعم عضو «مجلس خبراء القيادة»، محمود محمدي عراقي، في فبراير (شباط) الماضي، أن خامنئي «عارض تقييم أهلية أحد أبنائه لتولي منصب المرشد لتجنب شبهة توريث المنصب».

وسيترك الغياب المفاجئ للرئيس الإيراني تأثيره على جميع المعادلات والتوقعات بشأن احتمال توليه منصب المرشد الإيراني.

وكان رئيسي شخصية مغمورة عندما لفت الأنظار في عام 2015 بوصفه مرشحاً محتملاً لخلافة خامنئي. ولوحظ وقتذاك تقارب كبير بين رئيسي وقادة «الحرس الثوري»، بعدما أصدر خامنئي مرسوماً لترأسه العتبة الرضوية.

ورافق ذلك مؤشرات كثيرة؛ أولها التحول المفاجئ للقبه الديني من «حجة الله» إلى «آية الله» الذي بدأت ترويجه وسائل إعلام «الحرس الثوري»، وبموازاة ذلك، أعلن عن بدء رئيسي تدريس مادة «فقه الخارج» في الحوزة العلمية، وهي من أعلى الدروس الحوزية، وهو ما يعني حيازته الشروط الدينية لتولي منصب المرشد.

وكان المؤشر الثاني هو لقاؤه الشهير مع قادة «الحرس الثوري» في أبريل (نيسان) 2016، وهو ما أعطى دليلاً إضافياً على توجهه الجديد عندما عبر عن آرائه تجاه الأوضاع في المنطقة ودور إيران فيها، عادّاً دور الحرس الثوري وقادته في تطورات المنطقة «صعباً». وفي اللقاء ذاته، أشاد بمواقف أمين عام «حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، في اتباع «ولاية الفقيه»، بينما انتقد بعض من يخذلون النظام داخل إيران. واللافت أن قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني حينذاك، قدم تقريراً حول موقع إيران الاستراتيجي في تطورات المنطقة. وعدّ اللقاء المذكور بمثابة بيعة الجنرالات لرجل يتدرب على أدبيات المرشد.


مقالات ذات صلة

إيران تُصعّد بـ6 آلاف طارد مركزي

شؤون إقليمية مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة في منشأة «نطنز» في 8 أغسطس (أ.ب)

إيران تُصعّد بـ6 آلاف طارد مركزي

أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنَّ طهران «تنوي بالفعل نصب أجهزة طرد مركزي جديدة».

راغدة بهنام (برلين) «الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية صورة نشرتها «الذرية» الإيرانية لشباب يقفون أمام نماذج لأجهزة الطرد المركزي في يونيو 2023 play-circle 01:37

«طاردات» إيران... الطريق الطويل نحو القنبلة النووية

وصول إيران إلى القنبلة النووية يمر بطريق طويل، عبر نصب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي، بمعدل يفوق الحد المسموح في اتفاق حظر الانتشار النووي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)

خاص لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

اعترف دبلوماسي أوروبي رفيع لـ«الشرق الأوسط» بأن «مدى الخلافات» مع إيران يتسع، وذلك بعد لقاءات أوروبية - إيرانية عقدت في جنيف لمناقشة مسائل خلافية.

راغدة بهنام (برلين)
شؤون إقليمية نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي (حسابه على منصة إكس)

دبلوماسي إيراني: سنواصل الحوار مع القوى الأوروبية «في المستقبل القريب»

أفاد دبلوماسي إيراني بعد محادثات سرية في جنيف، بأنّ إيران وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة «ستواصل محادثاتها الدبلوماسية في المستقبل القريب».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية خلال عملية إطلاق صاروخ «باليستي» إيراني في مكان غير معلن في إيران... صورة منشورة في 25 مايو 2023 (رويترز)

رئيسا المخابرات الفرنسية والبريطانية: «النووي» الإيراني هو «التهديد العالمي الأكثر خطورة»

قال رئيسا المخابرات الفرنسية والبريطانية، اليوم (الجمعة)، إن تعزيز النشاط النووي الإيراني هو «التهديد العالمي الأكثر خطورة» في الوقت الراهن.

«الشرق الأوسط» (باريس)

لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
TT

لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)

رغم الصخب الذي سبق المحادثات الأوروبية - الإيرانية في جنيف، فإنها لم تحمل مبادرات جديدة أو تحدد «خريطة طريق» للمفاوضات النووية، كما روج إعلام مقرب من النظام الإيراني قبيل اللقاء. كما لم تكن محصورة فقط بالملف النووي الإيراني بل تناولت علاقة إيران العسكرية بروسيا، بحسب ما قال دبلوماسيان أوروبيان رفيعا المستوى لـ«الشرق الأوسط».

واعترف دبلوماسي أوروبي بأن اللقاءات التي جمعت بين مسؤولين إيرانيين وأوروبيين في جنيف، أثبتت أن «حجم الخلافات» يتسع بين الطرفين على أكثر من صعيد.

وكان دبلوماسي أوروبي رفيع ثان قال لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام، إن اللقاءات في جنيف «جزء من إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الإيرانيين»، وإنها «ستكون شاملة، وإنه لا قرارات ستتخذ حول كيفية التعاطي مع الملف النووي الإيراني قبل اتضاح الرؤية الأميركية مع تسلم ترمب مهامه مطلع العام المقبل».

غروسي ونائبه يتوسطان المتحدث باسم «الذرية الإيرانية» بهروز كمالوندي ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي أمام مدخل منشأة نطنز في أصفهان (إرنا)

جنيف استكمال لنيويورك

وعلمت «الشرق الأوسط» أن اللقاءات كانت مُعدّة مسبقاً، وجاءت استكمالاً لما جرى في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تم التركيز بشكل أساسي على التصعيد النووي الإيراني، والتعاون العسكري الإيراني مع روسيا.

والتقى مديرو الأقسام السياسية في وزارات خارجية الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الجمعة، بكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين مجيد تخت روانجي، ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي، غداة لقاء المسؤولين الإيرانيين بأنريكي مورا، الوسيط الأوروبي في المفاوضات النووية.

نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي (حسابه على منصة «إكس»)

وكتب مورا في تغريدة على منصة «إكس» أن اللقاء كان «صريحاً»، وأنه نقل للمسؤولين الإيرانيين ضرورة أن توقف طهران «تعاونها العسكري مع روسيا»، إضافة إلى الحاجة للتوصل «لحل دبلوماسي للمسألة النووية، ووقف تدخلات إيران الإقليمية».

ورد غريب آبادي بتغريدة أخرى، ينتقد فيها الاتحاد الأوروبي، وقال إن «أوروبا فشلت بأن تكون لاعباً جدياً بسبب غياب الثقة والمسؤولية». وكتب أيضاً أنه وجّه انتقادات لمورا تتعلق بالسياسات العامة للاتحاد الأوروبي تجاه المسائل الإقليمية والدولية، واصفاً تصرف التكتل «بغير المسؤول».

وبعد لقائه بالمسؤولين من الترويكا الأوروبية، كتب غريب آبادي على منصة «إكس» أن المحادثات «ركزت على الملف النووي ورفع العقوبات». وأضاف: «نحن ملتزمون بمصلحة شعبنا وتفضيلنا هو للطريق الدبلوماسي والحوار». وأشار إلى أنه تم الاتفاق على إبقاء الحوار الدبلوماسي مفتوحاً في المستقبل القريب.

ما فرصة «سناب باك»؟

جاءت لقاءات جنيف بعد أيام على تقديم الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، مشروع قرار ضد إيران في مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تم تبنيه من قبل المجلس.

وأدان القرار عدم تعاون إيران مع الوكالة، وتصعيدها تخصيب اليورانيوم. وردت طهران بعد أيام بإبلاغ الوكالة الدولية بأنها تنوي تركيب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي الجديدة.

ومع ذلك، قال الدبلوماسي الأوروبي لـ«الشرق الأوسط»، إن الحديث عن إعادة تفعيل آلية الزناد أو «سناب باك» ما «زال مبكراً».

وكانت بريطانيا قد لمحت قبل أيام إلى إمكانية تفعيل الآلية، وقالت الخارجية في بيان قبل أيام على لقاء جنيف: «ما زلنا ملتزمين باتخاذ جميع الخطوات الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، بما في ذلك عبر آلية (سناب باك) إذا لزم الأمر».

وتسمح هذه الآلية بإعادة فرض كامل العقوبات الدولية على إيران لخرقها لالتزاماتها النووية ضمن الاتفاق الذي عقد عام 2015 مع دول 5 زائد واحد، وانسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018 في الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وتخشى إيران من أن يعود ترمب إلى استراتيجية «الضغوط القصوى»، بما في ذلك السعي لتفعيل آلية «سناب باك». وفضلاً عن ترمب، يسود القلق في إيران أيضاً من تفعيل آلية «سناب باك» من قبل قوى أوروبية.

ويمر تفعيل آلية «سناب باك» عبر تفعيل بند يعرف بـ«فض النزاع». وكانت إدارة ترمب الأولى أقدمت على تفعيلها، لكنها واجهت معارضة أوروبية حالت دونها، رغم أن وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، أعلن تفعيل بلاده للآلية.

ضجيج مبالغ فيه

مع ذلك، لم تكن لقاءات جنيف محصورة فقط بالمفاوضات النووية، كما ألمحت وسائل إعلام إيرانية. ورغم تغريدة غريب آبادي التي لم تحمل الكثير من الدبلوماسية، قال الدبلوماسي الأوروبي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن الاجتماع حصل «كما كان متوقعاً»، مضيفاً أنه لا يفهم «الضجيج الإعلامي المبالغ به الذي سبق اللقاءات» التي أُعدّ لها مسبقاً.

وكانت وكالة أنباء «رويترز» قد نقلت عن مسؤول إيراني قبيل اجتماع جنيف قوله إنه إذا «اتفقت إيران مع الترويكا الأوروبية على الانتهاء من وضع خريطة طريق» حول الاتفاق النووي، فإن «الولايات المتحدة ستقرر إما إحياء اتفاق عام 2015 وإما إنهاءه».

وينتهي العمل بالاتفاق النووي أصلاً في أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل، وسيتعين على المجتمع الدولي بدء مفاوضات حول اتفاق جديد مع إيران، بسبب قرب انتهاء الاتفاق الحالي الذي تخرقه إيران باستمرار منذ انسحاب واشنطن منه.

وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية كانت على صلة بالمفاوضات، إن الاتفاق الحالي «لم يعد بالإمكان إحياؤه، ولكنه سيشكل أرضية لأية مفاوضات جديدة» يمكن أن تبدأها دول 5 زائد واحد مع إيران، بهدف التوصل لاتفاق ثانٍ يقيد نشاطات إيران النووية.