بعثة أممية: إيران ارتكبت «جرائم ضد الإنسانية» في احتجاجات مهسا أميني

دعوات غربية إلى تمديد التحقيق واجهتها انتقادات إيرانية - روسية - صينية

سارة حسين رئيسة بعثة تقصي الحقائق في احتجاجات إيران خلال مؤتمر صحافي في جنيف اليوم (الأمم المتحدة)
سارة حسين رئيسة بعثة تقصي الحقائق في احتجاجات إيران خلال مؤتمر صحافي في جنيف اليوم (الأمم المتحدة)
TT

بعثة أممية: إيران ارتكبت «جرائم ضد الإنسانية» في احتجاجات مهسا أميني

سارة حسين رئيسة بعثة تقصي الحقائق في احتجاجات إيران خلال مؤتمر صحافي في جنيف اليوم (الأمم المتحدة)
سارة حسين رئيسة بعثة تقصي الحقائق في احتجاجات إيران خلال مؤتمر صحافي في جنيف اليوم (الأمم المتحدة)

انتقدت القوى الغربية انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، خلال مناقشة تقرير بعثة كلفتها الأمم المتحدة بتقصي الحقائق في احتجاجات هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة مهسا أميني قبل عام ونصف العام. وقالت البعثة إن عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والتعذيب والاغتصاب تظهر أن السلطات الإيرانية «ارتكبت جرائم ضد الإنسانية».

ودعا الاتحاد الأوروبي إلى تمديد مهمة البعثة والمقرر الخاص بحالة إيران، في خطوة انتقدها مسؤولون إيرانيون وسط انتقادات روسية - صينية للضغوط على طهران.

واستعرض خبراء الأمم المتحدة خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان في جنيف تقريراً أعدّته بعثة تقصي الحقائق الخاصة بالاحتجاجات الإيرانية، بموازاة تقرير المقرر الأممي الخاص بحالة حقوق الإنسان حول تطورات أوضاع حقوق الإنسان في إيران.

واحتج مسؤولون غربيون وناشطون إيرانيون على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران، بما في ذلك الضغوط على النساء والصحافيين.

وقالت سارة حسين، رئيسة بعثة تقصي الحقائق المكونة من ثلاثة خبراء، لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، إن السلطات الإيرانية «ارتكبت جرائم ضد الإنسانية» خلال حملة إخماد الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بدعوى سوء الحجاب.

ووجدت بعثة تقصي الحقائق أن الاحتجاجات التي تلت ذلك اتسمت بعمليات إعدام خارج نطاق القضاء، واعتقالات تعسفية، وتعذيب وسوء معاملة، فضلاً عن الاغتصاب والعنف الجنسي.

آلاف ممن شاركوا في مراسم «أربعين» مهسا أميني يشقون طريقهم نحو مقبرة بسقز الكردية غرب إيران أكتوبر 2022 (أ.ف.ب)

وقالت حسين إن «هذه الأفعال جرت في سياق هجوم واسع النطاق وممنهج ضد النساء والفتيات وغيرهن من الأشخاص الذين يعبرون عن دعمهم لحقوق الإنسان، ومن ثم فإن بعض هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان قد وصلت إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية».

وجمعت البعثة 27 ألف وثيقة، وأجرت أكثر من 100 مقابلة، بينهم 49 امرأة و58 رجلاً، كما راجعت آراء الخبراء والوثائق الرسمية التي نشرتها الحكومة الإيرانية، حسبما قالت المسؤولة الأممية.

وأكدت البعثة مقتل 551 شخصاً، بينهم 49 امرأة و68 طفلاً في 26 محافظة إيرانية. وأشارت إلى أن السلطات «قمعت الاحتجاجات السلمية بكل قوتها»، مؤكدة استخدام رشاش «كلاشينكوف» والبنادق ذات الرصاص الكبير وكرات الطلاء لقمع الاحتجاجات. وأشارت أيضاً إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في ملاحقة المحتجين.

وحسب سارة حسين، فإن أكبر عدد من القتلى خلال يوم واحد بواقع 103 أشخاص سقطوا في 30 سبتمبر (أيلول) 2022، بعد صلاة الجمعة في مدينة زاهدان في محافظة بلوشستان جنوب شرقي البلاد.

وفاة مهسا أميني

وأوضحت سارة حسين: «تحقيقاتنا أثبتت أن وفاة مهسا أميني كانت غير قانونية، ونتجت عن العنف الجسدي أثناء احتجازها من قبل سلطات الدولة»، حسبما أوردت «رويترز».

وعن الضغوط على النساء، قالت إنه «ليس النساء اللاتي يرفضن قواعد اللباس التي تطلبها الحكومة، إنما أسرهن أيضاً تتعرض لضغوط السلطات». وتابعت: «لا يمسح للإيرانيات باختيار ملابسهن في القرن الحادي والعشرين».

وقالت إنه منذ بدء الاحتجاجات في عام 2022، واجهت النساء والفتيات في إيران يومياً التمييز «الذي يؤثر تقريباً على جميع جوانب حياتهن الخاصة والعامة». وزادت أن «السلطات الإيرانية لا تزال غير مستعدة لقبول أسباب نزول الناس إلى الشارع للاحتجاج».

سارة حسين رئيسة بعثة تقصي الحقائق في احتجاجات إيران خلال مؤتمر صحافي في جنيف اليوم (الأمم المتحدة)

بدوره، رفض المقرر الأممي الخاص بحالة حقوق الإنسان في إيران، المنتهية ولايته، جاويد رحمان، اتهامات له بـ«التسييس»، مكرراً انتقاداته لعدم تعاون المسؤولين مع خبراء الأمم المتحدة، مبدياً شكوكه بنهج المسؤولين الإيرانيين الذين يبدو أنهم يؤيدون عمل مجلس حقوق الإنسان في أجزاء أخرى من العالم.

وقال رحمان: «إذا لم يكن لدى السلطات الإيرانية ما تخفيه، فلماذا لا تسمح لي بزيارة إيران؟»، ورفض اتخاذ العقوبات ذريعةً لانتهاكات حقوق الإنسان، معرباً عن قلقه بشأن انتهاكات الأقليات العرقية والدينية، وإصدار قوانين ضد حقوق المرأة. وأشار إلى الزيادة في عدد عمليات الإعدام في إيران، مطالباً بوقف إعدام القصر والمحتجين.

دعم غربي

ورحب الاتحاد الأوروبي بنتائج تقرير البعثة الأممية، معرباً عن قلقه إزاء الوضع المتدهور لحالة حقوق الإنسان في إيران، مطالباً إيران الإفراج عن جميع المعتقلين بسبب الاحتجاجات أو عدم التزام الحجاب، في أسرع وقت ممكن.

وطلب الاتحاد الأوروبي تمديد مهمة بعثة تقصي الحقائق لاستكمال تحقيقها، وحض السلطات الإيرانية على التعاون.

أما مندوب ألمانيا فقد رفض إسكات من يتحدثون عن حقوق الإنسان، و قال إن «الحكومة الإيرانية تقع الاحتجاجات السلمية بأشد الأساليب الممكنة، وتعتدي جنسياً على الأطفال والنساء وتحرمهم من الحقوق الأساسية».

وأدانت الولايات المتحدة، «السلوك العنيف للسطات في مواجهة الاحتجاجات السلمية». وأشاد المبعوث البريطاني بتقرير الأمم المتحدة، وطالب بمساءلة المسؤولين الإيرانيين، و«انهاء العنف وإقامة العدالة»، وفي الوقت نفسه، أدان الضغوط على الأقليات الدينية، والصحافيين العاملين في وسائل إعلام ناطقة بالفارسية في الخارج.

كما طالب ممثلو كندا وأيرلندا وبلجيكا والنمسا بتمديد بعثة تقصي الحقائق.

انتقادات روسية-صينية

على نقيض المواقف الغربية، عبرت روسيا وبيلاروس وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وسوريا عن دعمها لإيران وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

انتقد ممثل روسيا تقرير بعثة تقصي الحقائق، وطالب بأنهاء مهمة المقرر الأممي لحقوق الإنسان، متهما خبراء الأمم المتحدة بــ«التحريض على كراهية إيران». وأدان «استخدام الدول الغربية لحقوق الإنسان للضغط على الدول المستقلة».

ولم يتخلف موقف روسيا البيضاء، إذا اتهمت المقرر الأممي بـ«التسييس» و«التدخل في شؤون إيران الداخلية». واعتبرت تقرير الأمم المتحدة بأنه «ملئ بالمعلومات الكاذبة».

من جهتها، أشاد الصين بجهود إيران لـ«تحسين حالة حقوق الإنسان»، وانتقدت العقوبات التي فرضتها بعض الدول على إيران.

تمديد المقرر الأممي

وخلال الاجتماع دعت منظمة «العدالة لإيران» المعنية بمراقبة حالة حقوق الإنسان في إيران، خصوصاً المرأة، إلى استمرار بعثة الأمم المتحدة في مهمتها.

وقالت ممثلة المنظمة، شادي أمين، في كلمتها، إن على الأمم المتحدة أن «تضمن إقامة العدالة، خصوصاً ضحايا عنف النظام في الاحتجاجات».

بدورها، دعت نرجس محمدي الناشطة الإيرانية الحائزة جائزة نوبل للسلام العام الماضي، إلى تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة.

ووجهت محمدي رسالة لاجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف، اتهمت فيها الحكومة الإيرانية بـ«انتهاكات ممنهجة وارتكاب جرائم ضد البشرية».

وحضت الناشطة المسجونة في طهران، الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، على «الكشف عن أبعاد التمييز الجنسي وضد الإنساني» للسلطات الإيرانية. وحذرت من أن «مع انتشار الاحتجاجات والحراك الاجتماعي، سيشتد عنف النظام أيضاً».

وجاء في الرسالة التي نشرت على حساب محمدي في «إنستغرام»، أنه «لا يمكن إيقاف عنف النظام ليس فقط ضد المعارضين والمتظاهرين، ولكن أيضاً ضد النساء والأقليات الدينية والمجموعات العرقية».

في السياق ذاته، طلبت 43 منظمة تنشط في مجال حقوق الإنسان بإيران إلى تمديد مهمة المقرر الأممي الخاص بإيران، كذلك مهمة البعثة الخاصة بالتحقيق في انتهاكات الاحتجاجات.

ونقل موقع «راديو فردا» الأميركي عن بيان المنظمات قولها «إن لجنة تقصي الحقائق أحرزت تقدماً ملحوظاً في التحقيق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الاحتجاجات».

حقائق

المقرر الأممي الخاص بحالة حقوق الإنسان في إيران

  • بدأ جاويد رحمان مهمته الخاصة بإيران، في يوليو (تموز) 2018، خلفاً للمحامية الباكستانية، عاصمة جهانغير، التي حلت محل أحمد شهيد، الدبلوماسي المالديفي.
  • تولى أحمد شهيد منصبه في يونيو (حزيران) 2011، على خلفية قمع احتجاجات «الحركة الخضراء» في إيران 2009.
  • منذ 2011 ترفض إيران تلبية طلبات المقرر الأممي لزيارتها للاطلاع على حالة حقوق الإنسان.
  • من المقرر أن يصوت مجلس حقوق الإنسان على تسمية مقرر أممي جديد لخمس سنوات إذا صوت لصالح تمديد المهمة.
  • هذه المرحلة الثانية التي تسمي الأمم المتحدة مقرراً أممياً خاصاً بحالة حقوق الإنسان في إيران بعد ثورة 1979.
  • بدأت المرحلة الأولى في عام 1984 وانتهت في 2002.


مقالات ذات صلة

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

شؤون إقليمية صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل».

عادل السالمي (لندن)
شؤون إقليمية إطلاق صاروخ إيراني خلال مناورات عسكرية في مكان غير معلن بإيران 20 أغسطس 2025 (رويترز)

إيران تطلق صواريخ خلال مناورات بحرية قرب مضيق هرمز

أفاد التلفزيون الإيراني الرسمي بأن إيران أطلقت صواريخ ضخمة في بحر عمان وبالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي خلال اليوم الثاني من مناورات بحرية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)

«إكس» تكشف عن «الإنترنت الخاص» لكبار المسؤولين الإيرانيين

يواجه الإيرانيون العاديون عقوبة قد تصل إلى السجن 10 سنوات أو حتى الإعدام إذا استخدموا منصة «إكس» لكتابة أي شيء تراه الحكومة انتقاداً لها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية مركز كيندي سيكون مقراً لسحب قرعة كأس العالم 2026 في واشنطن (رويترز)

إيران ستحضر قرعة كأس العالم بعد التلويح بالمقاطعة بسبب التأشيرات

ذكرت تقارير إعلامية، اليوم (الخميس)، أن وفداً إيرانيّاً سيحضر قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 غداً (الجمعة) رغم إعلان إيران سابقاً مقاطعة الحفل المقرر بواشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ب)

إيران تدعو وزير خارجية لبنان لزيارتها ومناقشة العلاقات الثنائية

قالت وزارة الخارجية الإيرانية، اليوم الخميس، إن الوزير عباس عراقجي دعا نظيره اللبناني يوسف رجي لزيارة طهران قريباً لمناقشة العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (طهران)

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

​اتفق وزيرا المالية والدفاع في إسرائيل على تقليص ميزانية وزارة الدفاع التي طلبتها الأخيرة في إطار إعداد الموازنة العامة لعام 2026، من 144 مليار شيقل، إلى 112 (34.63 مليار دولار) وبما يمثل زيادة وصلت إلى نحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025، بما يخدم بشكل أساسي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على حساب حاجة الجيش لقوات أكبر مع عجز التجنيد.

وأقرت الحكومة الإسرائيلية بالموازنة التي بلغت 662 مليار شيقل، بعجز 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» فإنه تم الاتفاق على حزمة بقيمة نحو 725 مليون شيقل، توزع على 3 سنوات، بهدف تعزيز الأمن في الضفة.


إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
TT

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل»، وذلك بعد أسبوع من تصريحات أدلى بها وشكك فيها بقدرة إيران على حماية أجوائها وردع أي هجمات جديدة، إذا ما تجددت الحرب التي شهدتها البلاد لمدة 12 يوماً في يونيو (حزيران).

واحتجت وكالة «تسنيم»، رأس الحربة في إعلام «الحرس الثوري»، بشدة على خطاب روحاني الأخير، وعلى توصياته التي دعا فيها إلى منع تكرار الحرب.

وتزامن الهجوم الإعلامي مع بروز مؤشرات سياسية لافتة، إذ عاد اسم روحاني إلى واجهة الجدل الدائر حول هوية المرشح المحتمل لخلافة المرشد علي خامنئي، فيما المشهد الداخلي يزداد توتراً مع دخول ملف الخلافة مرحلة استقطاب أشد.

وبدأت الحرب عندما شنت إسرائيل ضربات على مقار القيادة العسكرية، خصوصاً «الحرس الثوري»، قبل أن تطول منشآت عسكرية ونووية ومسؤولين وعلماء في البرنامج النووي. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.

وعنونت الوكالة ملحقها الأسبوعي لتحليل التطورات المهمة بعنوان «العمل لصالح إسرائيل»، واضعة صورة روحاني على الغلاف. واتهمته بتقديم «تفسيرات نرجسية ومشحونة بالغرور» حول مزاعمه بأنه منع وقوع حرب على إيران عبر الدبلوماسية خلال توليه مناصب سابقة. وتساءلت: «هل كان روحاني يدعي أنه لم يكن هناك أي رادع غير مفاوضاته يمنع الحرب؟ وأن أميركا وإسرائيل كانتا في كامل طاقتيهما آنذاك، وأن إيران لم تكن تمتلك أي قدرة ردعية، وأنه وحده بمنطقه السقراطي والأرسطي حال دون اندلاع حرب كبيرة؟».

وأضافت: «هل خروج ترمب من الاتفاق النووي كان بسبب عدم تفاوض روحاني؟ وماذا عن الحالات التي لم يُمنَع فيها الهجوم؟ لماذا لم يمنع اغتيال قاسم سليماني؟ ولماذا لم يمنع اغتيال محسن فخري زاده؟»، وهو مسؤول الأبعاد الدفاعية في البرنامج النووي سابقاً، الذي قتل على يد مسلحين، في هجوم نسب إلى إسرائيل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

وكان روحاني قد انتقد الأسبوع الماضي فرض الأجواء الأمنية المتشددة، قائلاً إن البلاد بحاجة «إلى أجواء آمنة وليست أمنية». وحذر من بقاء إيران في حالة «لا حرب ولا سلام»، مستشهداً بتصريحات المرشد علي خامنئي. وأضاف: «الأمن يخلق الثقة والطمأنينة، أما الأمننة فتزيل الثقة وتثير قلق الناس. نحن لا نريد فضاءً أمنياً، بل فضاءً آمناً».

وأشار روحاني إلى حاجة البلاد لتعزيز الردع في مختلف المجالات، داعياً إلى «ترميم القدرات الردعية» لمواجهة «مؤامرات الأعداء». وقال إن إيران تفتقر اليوم إلى «الردع الإقليمي الواسع»، مشيراً إلى أن أجواء دول الجوار، بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن، باتت «تحت نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل»، ما جعل التحرك الجوي المعادي حتى حدود إيران «آمناً وخالياً من العوائق». وأضاف أن استمرار الاتفاق النووي كان سيمنع اندلاع حرب الـ12 يوماً، معتبراً أن الأعداء استخدموا الملف النووي «ذريعة للهجوم». وانتقد فشل الحكومات اللاحقة في إعادة إحيائه.

ورأى روحاني أن «أسوأ خيانة للقيادة هي التقليل من الحقائق أو المبالغة فيها»، مؤكداً وجود «أعداء أقوياء وخطرين». وحذّر من الاعتقاد بأن «جميع المشكلات انتهت بعد حرب الـ12 يوماً». وأضاف: «صمدنا وقاومنا، لكننا أيضاً تعرضنا لضربات وواجهنا مشكلات. وبالطبع وجّهنا ضربات للعدو كذلك. غير أن ذلك لا يعني أنّ الأمر لن يتكرر، فمنع تكراره يعتمد علينا».

وهاجمت «تسنيم» مواقف روحاني معتبرةً أنها «تصب عملياً في مصلحة إسرائيل لأنها تبرئ العدو وتلقي بالمسؤولية على الداخل، وتقدّم منطقاً يجعل إسرائيل خارج دائرة اللوم». واعتبرت أن مواقفه «تشكل عملياً عملية سياسية ضد الوحدة المقدسة، وتعمل لصالح إسرائيل، وإن قدّمت في إطار يبدو واقعياً وحريصاً على البلاد».

وقالت الوكالة إن كلام روحاني عن الردع الإقليمي، «ليس خاطئاً، لكن من الغريب أن يصدر منه هو تحديداً؛ فإذا كان يؤمن بذلك، فهل يقرّ بأن عدم دعم حكومته الكافي لجهود إنهاء الأزمة في سوريا عامَي 2013 و2014 كان تقصيراً خطيراً ربما يقترب من مستوى الخيانة؟ كانت إحدى أكبر شكاوى الجنرال قاسم سليماني عدم تعاون حكومة روحاني في الملف السوري، وكان يخرج من بعض الاجتماعات باكياً، إلى أن تدخّل المرشد وأمر بالثبات».

غلاف النشرة الأسبوعية لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الذي يتهم روحاني بتقديم الخدمة لإسرائيل

ورداً على ما قاله روحاني عن «الأمننة»، أضافت الوكالة: «أليس هو أدرى من الجميع بأن حكومته كانت من أكثر الحكومات ذات الطابع الأمني؟ فالوزير الوحيد غير الأمني تقريباً كان وزير الاستخبارات نفسه». وفي إشارة إلى خلفية روحاني، أضافت أن «امتلاك خلفية أمنية ليس عيباً، لكنه مناقض لأسلوب النصائح الذي يقدّمه روحاني الآن».

وفسرت تصريحات روحاني على أنها رد غير مباشر على خطاب متلفز للمرشد علي خامنئي في 27 نوفمبر، حذر فيه من الانقسام الداخلي، مكرراً روايته بأن الولايات المتحدة وإسرائيل «فشلتا» في تحقيق أهداف الحرب، وداعياً الإيرانيين إلى الحفاظ على «الاصطفاف الوطني». وقال: «الخلافات بين التيارات والفئات أمر وارد، لكن المهم أن يقف الجميع معاً في مواجهة العدو».

وخلال ولايتيه الرئاسيتين (2013 – 2021)، كان روحاني قد طرح مراراً شكوكه في دقة المعلومات التي يتلقاها المرشد من مقربيه، في محاولة للنأي بنفسه عن انتقادات تُوجّه إليه بوصفه معارضاً لمواقف خامنئي.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية، واجه روحاني اتهامات من خصومه، بينهم نواب في البرلمان، بأنه يسعى لتولي منصب المرشد إذا تعذر على خامنئي ممارسة مهامه لأي سبب، بما في ذلك تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل إسرائيل.

وبرزت انتقادات الشهر الماضي على لسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي اتهم روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بـ«الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع موسكو». وردد نواب شعار «الموت لفريدون» في إشارة إلى لقب روحاني العائلي. وقال النائب المتشدد أمير حسين ثابتي: «أتمنى أن تتصدى السلطة القضائية لقضايا إساءة التصرف من قبل حسن روحاني، حتى يعود من يفكر في المناصب العليا إلى مكانه الحقيقي خلف قضبان السجن».

وبعد نشر تصريحات روحاني الأخيرة، طرحت الاحتمالات تولي روحاني لمنصب المرشد، مرة أخرى لكن هذه المرة في وسائل إعلام إصلاحية، إذ قال المنظر الإصلاحي صادق زيبا كلام إنه «عندما طرحت قضية خلافة المرشد تدريجياً، حسن روحاني قال لنفسه خلال فترة رئاسته: ماذا ينقصني عن بقية الأشخاص الذين تطرح أسماؤهم للخلافة، ما الذي ينقصني عن مجتبى خامنئي ومن طرحت أسماؤهم، في رأيي روحاني محق، فهو أكثر جدارة من الآخرين على صعيد تجربته التنفيذية».

وبالتزامن مع هذا الاهتمام الإصلاحي، نشر رجل الأعمال بابك زنجاني رسالة شديدة اللهجة على منصة «إكس» هاجم فيها إمكانية تولي روحاني أي دور سياسي مستقبلي، قائلاً إن إيران «تحتاج إلى قوة شابة، متعلمة وفعالة»، لا إلى «أصحاب الشهادات المزيفة». وأضاف: «سيأخذون هذا الحلم معهم إلى القبر... سنطهر إيران من العجز ومن المديرين غير الأكفاء». وحذر: «السلاح الذي تعطل في لحظة المعركة، إن عدتم وربطتموه على خصوركم من جديد، فأنتم تستحقون الموت!».

وزنجاني، الذي اعتقل في عهد حكومة روحاني بتهمة الفساد الاقتصادي وصدر بحقه حكم بالإعدام، أطلق سراحه العام الماضي وعاد إلى نشاطه الاقتصادي، في خطوة ربطها مراقبون بسعي طهران للالتفاف على العقوبات، فيما تربطه حالياً علاقات وثيقة بـ«الحرس الثوري».


نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقضايا الفساد المرفوعة ضده، ووصفها بأنها «مهزلة»، ودافع في مقطع فيديو عن طلبه عفواً رئاسياً مثيراً للجدل.

ونُشر الفيديو، الذي تبلغ مدته 3 دقائق مساء الخميس، بعد أسبوع من طلب نتنياهو رسمياً العفو من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، عادّاً أن محاكمته تؤدي إلى تقسيم الأمة.

كما أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي رسالةً إلى هرتسوغ يحضه فيها على إصدار عفو عن نتنياهو.

وندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي في المقطع بمحاكمته، ووصفها بأنها «محاكمة سياسية» تهدف إلى إجباره على ترك منصبه، نافياً مجدداً ارتكاب أي مخالفات.

ويُتهم نتنياهو في قضيتين بعقد صفقات للحصول على تغطية إيجابية من وسائل إعلام إسرائيلية، ويُتهم في قضية ثالثة بقبول أكثر من 260 ألف دولار في شكل هدايا فاخرة، شملت مجوهرات وشمبانيا، من مليارديرات مقابل الحصول على خدمات سياسية. وكانت قضية فساد رابعة قد أسقطت في وقت سابق.

متظاهرون خارج مقر إقامة بنيامين نتنياهو في القدس يطالبون بعدم منحه العفو (رويترز)

في الفيديو، رفع نتنياهو دمية على شكل شخصية الكرتون «باغز باني»، ساخراً من المدعين العامين الذين أشاروا إلى تلقيه دمية للشخصية هديةً لابنه قبل 29 عاماً بوصفها دليلاً ضده. وقال: «من الآن فصاعداً، ستُعرف هذه المحاكمة باسم محاكمة باغز باني».

ونفى تلقيه السيجار هدية «من صديق»، وعدّ بأن سعيه لضمان تغطية إيجابية من «موقع إنترنت من الدرجة الثانية» أدّى بدلاً من ذلك إلى «التغطية الصحافية الأكثر كراهية وعدائية وسلبية التي يمكن تخيلها في إسرائيل».

يُذكر أن نتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي في السلطة يخضع للمحاكمة بتهم فساد.

وقد تطلبت المحاكمة التي بدأت عام 2019، الإدلاء مؤخراً بشهادته 3 مرات أسبوعياً، وهو يرى أن ذلك يمنعه من ممارسة الحكم بشكل فعال.

وتابع: «هذه المهزلة تُكلّف البلاد ثمناً باهظاً. لا أستطيع تقبّل ذلك... لذلك طلبت العفو».

وقد كشفت هذه القضايا عن انقسامات حادة في المجتمع الإسرائيلي.

والاثنين، قبل آخر مثول لنتنياهو أمام المحكمة، تظاهر أنصار ومعارضون له خارج محكمة تل أبيب، وارتدى بعضهم بدلات السجن البرتقالية للإشارة إلى أنه يجب سجنه.