أسبوع واحد فقط قضاه أكرم ياسين في منزله المتضرر جزئياً بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منه، قبل أن تعود القوات وتهاجم المخيم مرة ثانية، فيضطر لمغادرة المنزل الذي أعاد ترميمه إلى حد ما، معتقداً أن حياة النزوح البائسة من مكان إلى مكان انتهت أخيراً.
وكان مخيم الشاطئ الذي يضم أيضاً منزل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الموجود في الخارج منذ سنوات، مسرحاً للعملية البرية الإسرائيلية في بداياتها، كما كان إلى جانب مناطق تجاوره، بمثابة طريق إمداد عسكري لقوات الاحتلال طوال مدة وجودها في محور شمال غربي غزة، قبل أن تنسحب منه القوات الإسرائيلية لأسابيع قليلة ثم تعود.
ياسين الذي عاد لمحاولة تجهيز منزله للسكن، لم يهنأ طويلاً به، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم نكد نعود إليه حتى طردونا مرة أخرى».
أضاف: «طردونا أول مرة إلى مناطق أخرى، ثم طردونا مرة ثانية ومرة ثالثة من منطقة إلى منطقة، وبعد أن انسحبوا من المخيم عدنا، لكنهم عادوا إلى الكرَّة نفسها، وطلبوا منا إخلاء المخيم إلى دير البلح. زي أحجار الشطرنج بيحركوا فينا من مربع لمربع. واضح أنه أسلوب جديد. بيهاجموا مكان وبيطردوا الناس لمكان ثاني بعدين بيهاجموا المكان الثاني وبيطردوا الناس لثالث وهكذا. رحلة شقاء لا تنتهي».
ورصد مراسل «الشرق الأوسط» في غزة نهجاً جديداً تحاول إسرائيل فرضه في منطقة شمال القطاع ومدينة غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، يتمثل في شن هجمات غير منتظمة في كل الأماكن من وقت لآخر، كأنها ترغب في نقل تجربتها في الضفة الغربية، من خلال استباحتها المناطق في كل وقت، وتنفيذ عمليات قتل ومداهمة واعتقالات مستمرة.
تزيد هذه العمليات من معاناة السكان في غزة، حيث ينزحون من مكان إلى آخر، ويحملون ما تبقى من أشيائهم بحثاً عن مكان آمن.
واضطر سمير السمك من سكان حي تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة إلى الابتعاد عن عائلته، بعد أن كان يزور ابنته في حي الشيخ رضوان، وتفاجأ بهجوم إسرائيلي على مدرسة تابعة لـ«الأونروا» تقع في مدينة عرفات للشرطة وسط مدينة غزة، حيث كان يعيش مع بقية عائلته، قبل أن يُعتقل بعضهم ويرحَّل آخرون.
قال السمك لـ«الشرق الأوسط»، إنه بعد اقتحام المدرسة جرى عزل الرجال وتعريتهم واعتقالهم، وأُجبرت النساء والأطفال وكبار السن على التوجه إلى دير البلح. وأضاف: «بقيت وحدي هنا. بعد اعتقال ابنيَّ الاثنين، وترحيل زوجتي وبناتي إلى وسط القطاع».
وتابع: «وين نروح؟ كل مكان بنروح له بيرجعوا يقتحموه، والقصف ما بيوقف لا من الطائرات ولا من المدفعية. بكفينا تشريد وتهجير من مكان للثاني، إحنا تعبنا، وبدنا هالحرب توقف ونعيش بشوية أمان ونجتمع مع أهلنا».
يعيش كثير من الغزيين في شمال غزة معاناة تفريقهم عن بقية أفراد عائلاتهم، بفعل المداهمات الإسرائيلية المتكررة التي تنتهي عادة بقتل البعض، واعتقال آخرين، أو الطرد إلى مناطق أخرى.
مصادر ميدانية قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن إسرائيل تحاول استخدام أساليب مشابهة للعمليات التي تنفذها في مخيمات شمال الضفة الغربية، وتريد تثبيت معادلات جديدة تتعلق بشكل أساسي بقدرتها على الدخول متى شاءت، ورصد أي خلايا مقاومة قد تتصدى لها، بقتل أفرادها ها أو أسرهم إن استطاعت. مضيفة: «يريدون تثبيت أنه لا يوجد مكان آمن، وأن السيطرة الأمنية لهم».
وكشفت المصادر أن هناك تعليمات صدرت من «كتائب القسام» الجناح المسلح لحركة «حماس»، لعناصرها، بالتصرف مع تلك القوات «بما يتناسب مع الوضع الميداني»، والأخذ بالحسبان عدم تعريض المدنيين للخطر، خصوصاً أن قوات الاحتلال تقوم بعمليات انتقامية بشكل أكبر في حال تعرضت لأي هجوم في أي منطقة عادت إليها.
وتستخدم إسرائيل هذه الأساليب في منطقة الشمال فقط، بينما ما زالت تهاجم مناطق الجنوب بشكل مكثف وشامل.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد أكد، مراراً، أن جيشه سيحتفظ بالسيطرة الأمنية على قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، ولن يسلم القطاع لأي جهة أمنية فلسطينية.