«الحرس الثوري» يتوعد بـ«إزالة» إسرائيل انتقاماً لمقتل قائد «الإمدادات» في سوريا

خامنئي يؤمّ صلاة الجنازة على موسوي

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي (موقع المرشد الإيراني)
TT

«الحرس الثوري» يتوعد بـ«إزالة» إسرائيل انتقاماً لمقتل قائد «الإمدادات» في سوريا

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي (موقع المرشد الإيراني)

تعهد قائد «الحرس الثوري» الإيراني بـ«إزالة» إسرائيل، انتقاماً لمقتل مسؤول إمدادات قواته في سوريا، رضي موسوي، لكنه قال إن المقاتلين الفلسطينيين مَن سيفعل ذلك، في وقت أمَّ المرشد الإيراني علي خامنئي، صلاة الجنازة، على جثة القيادي الذي قضى في ضربة جوية على منطقة السيدة زينب، واتهمت طهران، إسرائيل بالوقوف وراءها.

وقال قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي، إن موسوي «كان أحد أكثر قادة جبهة المقاومة خبرة وتأثيراً»، عادّاً مقتله ردّاً على عمليات «طوفان الأقصى». وأضاف: «لن يكفينا أقل من محو الكيان الصهيوني لنثأر»، لافتاً إلى أنه قام بمهام إقليمية لمدة 33 عاماً.

ونقلت «رويترز» قوله: «يحدوني الأمل بعون الله في أن يزيل المقاتلون الفلسطينيون العظام الشرفاء، قريباً، الاسم الجغرافي والسياسي لهذا النظام الشرير المزيف».

وجاء خطاب سلامي في مراسم حشد لها «الحرس الثوري» لتشييع موسوي في طهران، وذلك بعدما وقف خلف خامنئي في صلاة الجنازة على جثة موسوي، وتُظهر صور نشرها مكتب المرشد الإيراني حضور قائد «فيلق القدس» إسماعيل قآاني، ونائبه محمد رضا فلاح زاده.

وحضر کلٌّ من وزير الخارجية السوري فيصل مقداد، ورئيس جهاز الأمن الوطني السوري علي مملوك، مراسم جنازة موسوي في طهران، حسبما أظهرت صور نشرتها وسائل إعلام إيرانية.

إسماعيل قاآني قائد «فيلق القدس» ونائبه محمد رضا فلاح زاده بجوار جثة موسوي (موقع المرشد الإيراني)

واتهم مسؤولون عسكريون إيرانيون، إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم على مقر موسوي. وقال بعضهم إن «إسرائيل تهدف إلى جر بلادهم إلى مواجهة مباشرة ،بما في ذلك مع الولايات المتحدة».

ورغم الاتهامات الإيرانية لإسرائيل، دعا نائب الشؤون القانونية للرئيس الإيراني، محمد دهقان، إلى «ضرورة» تحديد ومعاقبة المسؤولين عن مقتل رضي موسوي. وقال: «أي جريمة تُرتكب ضد أيٍّ من أتباع إيران، واجبنا متابعة هذا الموضوع، وتحديد هوية المسؤولين، الذين من الممكن ملاحقتهم في الدول الأخرى».

الفصل بين سليماني و«طوفان الأقصى»

وقال سلامي إن عملية «طوفان الأقصى» التي نفّذتها حركة «حماس» ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «فلسطينية بالكامل»، وذلك في تأكيدٍ ثانٍ على التراجع عمّا قاله المتحدث باسم «الحرس الثوري» رمضان شريف، الأربعاء، حول دوافع تلك العملية.

ونقلت وكالة أنباء «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي القول إن العملية «جرى التخطيط لها وتنفيذها من الفلسطينيين، ولم يتدخل أي تيار من خارج فلسطين في خلق هذا النصر المبهر وفي إيجاد هذا الطوفان العظيم، إذ إن المسألة كانت فلسطينية بالكامل».

سلامي يُلقي خطاباً خلال تشييع رضي موسوي في طهران اليوم (أ.ب)

وقال المتحدث باسم «الحرس الثوري» رمضان شريف إن «عملية (طوفان الأقصى) كانت إحدى العمليات الانتقامية التي اتخذها محور المقاومة» من إسرائيل لمقتل قاسم سليماني، القائد السابق لـ«فيلق القدس»، ذراع العمليات العسكرية والاستخباراتية لـ«الحرس الثوري» خارج الحدود الإيرانية.

وسرعان ما نشرت حركة «حماس»، الأربعاء، بياناً يدحض تصريحات المتحدث باسم «الحرس الثوري»، وقالت: «أكدنا مراراً دوافع وأسباب عملية (طوفان الأقصى)، وفي مقدمتها الأخطار التي تهدد المسجد الأقصى».

وبعد بيان «حماس»، نشرت وسائل إعلام «الحرس الثوري»، بياناً مقتضباً يقول إن تصريحات المتحدث «أسيء فهمها»، ونشرت تعديلاً لتصريح المتحدث يقول فيه إن «نتائج (طوفان الأقصى) جزء من الانتقام لاغتيال الجنرال سليماني».

ورغم محاولة «الحرس الثوري» تعديل ما ورد على لسان شريف، أكد سلامي هذا التراجع، قائلاً: «قال المتحدث باسم (الحرس) أمس، إن عملية (طوفان الأقصى) كانت انتقاماً لسليماني، بدوري أريد أن أقول إن هذين الموضوعين منفصلان، أي إن (طوفان الأقصى) مستقل عن حركتنا للانتقام لمقتل سليماني، التي هي «في ظرف خاص، ضد مَن وجَّه الأوامر ومنفذي اغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما» حسبما أوردت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري».

وقال سلامي إن عملية «طوفان الأقصى ردة فعل من الفلسطينيين إزاء 75 عاماً من الاحتلال وارتكاب الجرائم بحقهم».

وعن هجمات البحر الأحمر، قال سلامي إن «هويتها يمنية، وهم يتخذون قرار عملياتهم، ولا صلة لها بنا».

في السياق نفسه، نقلت مواقع إيرانية، عن محمد غلبيايغاني، مدير مكتب المرشد الإيراني، قوله إن «غزة قضية الفلسطينيين؛ ولا شأن لنا بها».

وتستعد إيران لإحياء الذكرى الرابعة لمقتل سليماني بضربة جوية أميركية، أمر بها الرئيس السابق دونالد ترمب مطلع 2020؛ الأمر الذي هدد باشتعال حرب مباشرة بين البلدين.

من المحيط الهادي إلى البحر الأحمر

في الأثناء؛ ذكرت صحيفة «كيهان»؛ المقربة من مكتب المرشد الإيراني، أن «الانتقام من إسرائيل يمتد من المحيط الهادي إلى البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، ويزداد شدة في المستقبل».

وكتب الصحيفة؛ التي يرأس تحريرها حسين شريعتمداري، ممثل خامنئي، أن «الانتقام الإيراني ليس رد فعل؛ إنما حملات استراتيجية مستمرة». وقالت إن «الحرب ليست خطاً أحمر لإيران، لهذا أسقطت طائرة مسيّرة أميركية في زمن دونالد ترمب، واستهدفت قاعدة (عين الأسد) في حدث نادر بعد الحرب العالمية الثانية»، مشيرة إلى أن «الحرب مع أميركا تقدمت في منطقة البوكمال في حدود سوريا والعراق».

وأضافت: «للانتقام مستويات، وهذا جزء من الاستراتيجية الشاملة لإيران». وقالت إن «الانتقام بحد ذاته رد فعل، في حين أن إيران لم تسعَ إلى رد الفعل منذ سنوات؛ إنما هي في وارد توجيه ضربات استراتيجية للأعداء بطريقة فعالة ومبتكرة وهجومية»، وأضافت في السياق نفسه: «إذا كان قُتل سليماني ورضي موسوي، فإنهما قبل ذلك هندسا ضربات عميقة للكيان الصهيوني وأميركا، لا يمكن ردها».

اتصالات أميركية

وأبلغ وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، مؤتمر «رابطة مدرسي حوزة قم العلمية»، أن «إسرائيل لم تحقق أياً من أهدافها في الحرب، لكنهم عندما رأوا أنهم غير قادرين على تدمير (حماس)؛ طرحوا تبادل الأسرى».

وخلال الأسابيع الأولى من حرب غزة، كان عبداللهيان قد أعلن مرات عدة أن قادة «حماس» أبلغوا طهران بأنهم مستعدون لتبادل الأسرى، معلناً استعداد بلاده للوساطة مع تركيا وقطر وأطراف أخرى.

واستعرض عبداللهيان أعمال الجماعات المسلحة الموالية لإيران خلال حرب غزة. وقال إن «هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، استهدفت السفن المتجهة للكيان الصهيوني».

عبداللهیان یلقی خطابا أمام مؤتمر سنوي لرجال الدين (حوزة قم العلمية)

وكرر عبداللهيان أقوالاً سابقة بأن بلاده تلقت رسائل أميركية كثيرة مفادها بأنها لا تسعى وراء توسع الحرب وبأنها تطالب إيران بتوصية وكلائها بألا يقدموا على أعمال ضد القوات الأميركية.

وأضاف: «في كل مرة؛ وجهنا رداً قوياً على مستوى النظام؛ بأنكم تكذبون في أنكم لا تريدون توسع الحرب؛ لأن قواعدكم تستخدم ليل نهار كمية كبيرة من الأسلحة ضد منطقة محدودة تسمى غزة».

وادعى عبداللهيان إن الإدارة الأميركية تواجه تحدياً، وأنها «تعقد هذه الأيام اجتماعاتها في الطابق الثامن تحت الأرض في البيت الأبيض في المكان المخصص للحرب النووية». وأضاف: «هناك صراع بينهم: لماذا ندعم إسرائيل لهذا الحد، لدرجة تعدّ هزيمة إسرائيل هزيمة لأميركا؟»، دون أن يوضح كيفية توصله إلى هذه المعلومات.

وقال إن «الأميركيين يواجهون هذا التحدي حالياً... واحد من التطورات التي حدثت في العالم؛ هو أن الهيمنة الأميركية فقدت القدرة على فرض قراراتها». وتابع: «اليوم حركة غير حكومية باسم (حماس) بقوة قوامها من 30 إلى 40 ألفاً وفي منطقة محاصرة لمدة 16 عاماً، أوصلت الأمور إلى حد أجبرهم على التفاوض معها».


مقالات ذات صلة

تل أبيب تهدد بتحويل الضفة «غزة ثانية»

المشرق العربي رجال إنقاذ وقوات الأمن الإسرائيلية يعملون في موقع هجوم بالضفة الغربية يوم 6 يناير 2025 (أ.ف.ب)

تل أبيب تهدد بتحويل الضفة «غزة ثانية»

هدد مسؤولون إسرائيليون، أمس، بتحويل الضفة الغربية إلى «غزة ثانية»، بعد عملية نفذها مهاجمون فلسطينيون ضد مركبات إسرائيلية قرب قرية الفندق شمال الضفة، أسفرت

كفاح زبون (رام الله) «الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي فلسطيني يجلس أمام متعلقاته التي تم انتشالها من أنقاض مبنى مدمر في أعقاب غارة إسرائيلية على مخيم البريج وسط قطاع غزة الاثنين (أ.ف.ب)

تململ في إسرائيل حول «صفقة غزة» بعد «قائمة الـ34» المثيرة للجدل

يبدو أن الزخم الذي أخذته «مفاوضات الدوحة» الرامية إلى إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن والأسرى، تراجع قليلاً.

كفاح زبون (رام الله) كفاح زبون (رام الله) «الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي فلسطينيون يجمعون الطعام المتبرع به في مركز توزيع أغذية في دير البلح وسط قطاع غزة، 2 يناير 2025 (أ.ب)

برنامج الأغذية العالمي يندد بهجوم إسرائيلي على قافلة له في غزة

قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، اليوم (الاثنين)، إن قوات إسرائيلية فتحت النار على قافلة تابعة له في غزة أمس الأحد في واقعة وصفها بأنها «مروعة».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون أنقاض مبنى سكني انهار بفعل القصف الإسرائيلي في منطقة السرايا بمدينة غزة السبت (أ.ف.ب)

«هاجس مخيم جباليا المدمّر» يلاحق سكان مدينة غزة

تشكل صور الدمار الهائل، التي تخرج من شمال قطاع غزة، تحديداً من مخيم جباليا، هاجساً بالنسبة لكثير من سكان محافظة مدينة غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي تصاعد الدخان جرَّاء الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

مقتل 13 فلسطينياً بغارات إسرائيلية على غزة

أفاد الدفاع المدني في غزة بأن 13 فلسطينياً بينهم عدد من الأطفال قُتلوا في غارات جوية إسرائيلية في قطاع غزة، اليوم (الاثنين).

«الشرق الأوسط» (غزة)

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».