مقر السفارة الأميركية في طهران تجسيد لعقود من العداء

صورة للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في مكتب السفير بالمبنى السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)
صورة للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في مكتب السفير بالمبنى السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)
TT

مقر السفارة الأميركية في طهران تجسيد لعقود من العداء

صورة للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في مكتب السفير بالمبنى السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)
صورة للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في مكتب السفير بالمبنى السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)

يمكن بسهولة التعرّف على مقر السفارة الأميركية السابق في وسط طهران بسبب الرسوم المناهضة للولايات المتحدة التي تغطي جدرانه، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

ويجسّد المبنى، الذي بات يعرف بمتحف «وكر الجواسيس»، العداء المتجذر في العلاقات الإيرانية الأميركية التي شابتها أزمات انعدام ثقة على مدى عقود، وتشكّل الحرب الدائرة حالياً بين إسرائيل و«حماس» أحد تجلياتها.

يُستقبل زوار الموقع بعلم أميركي ممزّق ورسم جداري لتمثال الحرية، وهي تحمّل في يدها شعلة حرية متآكلة، بينما يصوّر رسم آخر وجهها على شكل جمجمة.

المبنى السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)

في الداخل، يعود الزائر بالزمن إلى لحظة سيطرة طلاب إيرانيين عليه يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979. فالأشياء لا تزال على حالها تقريباً من أثاث ومعدات مكتبية، تشمل آلات تمزيق ورق وحواسيب، ووثائق تم بذل جهود كبيرة لإعادة تشكيلها بعدما حاول موظفو السفارة على عجل التخلص منها في الساعات التي سبقت اقتحام المجمّع.

تظهر صور مناهضة للولايات المتحدة معلقة في المبنى السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)

ولا تزال صورة للرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر معلّقة على جدار ما كان في الماضي مكتب السفير.

احتجز الطلبة 52 موظفاً في السفارة رهائن على مدى 444 يوماً، مطالبين واشنطن بتسليم إيران الشاه الذي كان يخضع للعلاج من مرض السرطان في الولايات المتحدة.

صورة تظهر مشهد أزمة رهائن في المبنى السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)

جاءت الأزمة بعد أقل من 9 أشهر على إطاحة الشاه المدعوم من الولايات المتحدة، وكانت «حدثاً مؤسساً للجمهورية الإسلامية»، وفق ما أفاد طالب الماجستير حسين لوكالة الصحافة الفرنسية من أمام المتحف.

قطعت واشنطن العلاقات رسمياً مع طهران عام 1980 وهي لا تزال مجمّدة مذّاك.

رجل يقف بالقرب من العلم الأميركي الممزق في المبنى السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)

وقال مدير المجمّع، ماجد علي زاده، إن المتحف يستقبل اليوم «100 إلى 200 زائر يومياً، 70 في المائة منهم سياح».

وأضاف أن «الأجانب، خصوصاً الروس والصينيين، يبدون اهتماماً أكبر من الإيرانيين». وأفاد أن بعض السياح «يأتون لرؤية المكان حيث تعرّض الأميركيون للإهانة».

ولم تتعافَ العلاقات بين واشنطن وطهران إطلاقاً جراء هذه الأزمة.

وقال حسين: «كان الثمن باهظاً جداً» نظراً إلى أن «الأميركيين لم يغفروا إطلاقاً ما حصل ونعيش مذاك في أجواء من التوتر والعقوبات».

ومنذ ثورة عام 1979، اعتمدت إيران على الدوام خطاباً شديد اللهجة مناهضاً للولايات المتحدة، يشكل صلب سياستها الخارجية.

العداء الإيراني - الأميركي

والأربعاء، أشاد المرشد علي خامنئي باقتحام السفارة قبيل حلول ذكرى مرور 44 عاماً على العملية.

ووصف خامنئي شعار «الموت لأميركا» بـ«النهج»، وقال عن العداء الإيراني - الأميركي، إن «أميركا تنسب عداءها إلى قضية السفارة، ويقولون (الأميركيون) إن سبب فرض العقوبات على إيران والتعامل معها بسوء، وإذكاء الاضطرابات، وخلق مشكلات، يرجع إلى اقتحام سفارتها على يد الطلاب، هذا ما يقوله الأميركيون وأتباعهم في الداخل».

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من الطلبة في طهران أمس (موقع المرشد الإيراني)

لكنه قال إن الوثائق التي حصلت عليها إيران بعد اقتحام السفارة الأميركية تظهر أن «العداء» الأميركي يعود إلى انقلاب 1953، الذي أطاح برئيس الوزراء اليساري محمد مصدق.

وأضاف: «تظهر الوثائق أن السفارة الأميركية، على مدى 10 أشهر من ثورة 1979، حتى اقتحام السفارة كانت مركزاً للتآمر والتجسس والتخطيط للانقلاب والحرب الداخلية، وإدارة وسائل الإعلام المعادية».

وقال إن «(الموت لأميركا) ليس شعاراً، إنما نهج نشأ من مؤامرات وعداوات أميركية لا نهاية لها مع الأمة الإيرانية على مدى العقود السبعة الماضية».

ويحتشد الإيرانيون كل عام في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) أمام المبنى للتنديد بـ«غطرسة» الولايات المتحدة، التي تشير إليها الجمهورية الإسلامية باسم «الشيطان الأكبر»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

تظهر صور مناهضة للولايات المتحدة معلقة في المبنى السابق للسفارة الأميركية في طهران (أ.ف.ب)

ويخضع مبنى السفارة للقسم الدعائي في قوات الباسيج التابعة لـ«الحرس الثوري» منذ سنوات.

وتمثّل البعثة السويسرية مصالح الولايات المتحدة في إيران، وقد سهّلت مؤخراً عملية تبادل سجناء تمّت بعد مفاوضات مضنية بين طهران وواشنطن. أما في واشنطن فتمثّل السفارة الباكستانية المصالح الإيرانية.

وتخضع الجمهورية الإسلامية لعقوبات أميركية قاسية منذ انسحبت واشنطن عام 2018 من اتفاق تاريخي خفف العقوبات عن طهران في مقابل قيود على برنامجها النووي.

وزادت التوترات بين إيران والولايات المتحدة منذ هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) التي شنّتها «حماس» على إسرائيل.

وأشادت إيران بهجمات «حماس» ووصفت القصف الإسرائيلي المكثّف على غزة بأنه «إبادة جماعية».

ونددت طهران بواشنطن لدعمها إسرائيل، فيما اتّهم خامنئي في 25 أكتوبر الولايات المتحدة بالتواطؤ مع «المجرمين».

بدورها، اتهمت واشنطن طهران «بتسهيل» الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية في الشرق الأوسط.

ورغم العداء المتواصل منذ 50 عاماً تقريباً، رأى مدير المتحف علي زاده أن إعادة فتح السفارة أمر ممكن «إذا قبلت الولايات المتحدة واحترمت موقع إيران في المنطقة». وأضاف أنه عموماً «لم تكن لدى الإيرانيين يوماً أي مشكلات شخصية مع الأميركيين».


مقالات ذات صلة

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وعباس عراقجي استعرضا العلاقات الثنائية هاتفياً الاثنين (الشرق الأوسط)

وزير الخارجية السعودي يناقش مع نظيره الإيراني تداعيات التصعيد في المنطقة

ناقش الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، الاثنين، آخر التطورات في المنطقة وتداعيات التصعيد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شؤون إقليمية نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران فجر السبت (وزارة الدفاع الإسرائيلية)

إسرائيل ترصد الخلافات الداخلية في إيران وتحذرها من الرد

عقدت القيادة الإسرائيلية اجتماعاً ضم كبار المسؤولين الأمنيين لمناقشة السيناريوهات المحتملة لرد إيران، وتوصلوا إلى استنتاج بأن القيادة الإيرانية لا تزال مترددة.

«الشرق الأوسط» ( تل أبيب)
شؤون إقليمية تشييع مهدي نقوي الضابط في الدفاعات الجوية الإيرانية بمدينة بروجرد وسط البلاد (إرنا)

الجيش الإيراني ينفي إطلاق 600 صاروخ من إسرائيل

نفى الجيش الإيراني أن تكون إسرائيل أطلقت على إيران 600 صاروخ في الهجوم غير المسبوق الذي شنته مقاتلات إسرائيلية، فجر السبت.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية صورة نشرها الجيش الإسرائيلي لمقاتلة شاركت في ضرب إيران قبل لحظات من إقلاعها (أ.ف.ب) play-circle 00:43

قائد «الحرس» الإيراني يتوعد بـ«عواقب مريرة» بعد الضربات الإسرائيلية

توعَّد قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي، إسرائيل، الاثنين، بـ«عواقب مريرة تتجاوز كل التصورات»، بعد استهدافها مواقع عسكرية إيرانية.

«الشرق الأوسط» (طهران)

إسرائيل ترصد الخلافات الداخلية في إيران وتحذرها من الرد

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران فجر السبت (وزارة الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران فجر السبت (وزارة الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل ترصد الخلافات الداخلية في إيران وتحذرها من الرد

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران فجر السبت (وزارة الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض بمقر وزارة الدفاع يتابعان الضربة الموجهة لإيران فجر السبت (وزارة الدفاع الإسرائيلية)

في أعقاب الأبحاث التي أجرتها القيادات الأمنية والسياسية، والتي رصدت الخلافات الداخلية في إيران حول كيفية التعامل مع الهجوم الإسرائيلي، يوم السبت، وسبل الرد على هذا الهجوم أو تجاوز تداعياته، وجهت تل أبيب تهديداً جديداً بأنها سترد على أي رد بشكل أقسى.

كما أشارت إلى صور جديدة تم تسريبها تظهر أن حجم الإصابات كان أكبر بكثير مما تصوره طهران، وأن الهجوم قد أصاب عدة مواقع حساسة، بما في ذلك منشآت تتعلق بالمشروع النووي الإيراني.

وقالت مصادر في تل أبيب إنه «على الرغم من التفاهمات مع الولايات المتحدة بعدم قصف المواقع المتعلقة بالمنشآت النووية أو النفطية، قامت إسرائيل بقصف وتدمير ثلاثة مبانٍ في قاعدة بارشين، التي تقع على بعد 40 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة طهران، والتي تُستخدم لإجراء تجارب في المجال النووي ولإنتاج الوقود الصلب للصواريخ الباليستية. وأكدت المصادر أن إيران استخدمت هذا الموقع لتطوير رؤوس نووية، وأنه تعرض في السابق (عام 2022) لضربات خفية عرقلت تطويره لمدة عام. كما أن القصف الإسرائيلي الجديد من المتوقع أن يؤخر ما تم التخطيط له لمدة سنة على الأقل. بالإضافة إلى ذلك، دُمرت عدد من المواقع التي كانت تُستخدم لتطوير صناعة الصواريخ الباليستية الجديدة القادرة على الوصول إلى إسرائيل. وقد أكدت هذه الرواية بإرفاقها بصور الأقمار الاصطناعية التي نشرتها شركة «Planet Labs»، إذ تمت المقارنة بين الصور قبل الهجوم وبعده، مما يظهر المباني المدمرة بوضوح.

وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، شاركت حوالي 100 طائرة في الهجوم الإسرائيلي على 20 موقعاً في إيران، معظمها من الطائرات المقاتلة، بالإضافة إلى بعض الطائرات المستخدمة للمراقبة والحماية، وكذلك لتشويش الرادارات وتزويد الوقود، بما في ذلك الطائرات المسيرة. وأوضحت الصحيفة أن أياً من الطائرات الإسرائيلية المقاتلة لم تخترق أجواء إيران، بل اعتمدت على القصف من مسافات بعيدة.

كما نقلت الصحيفة عن مصادر داخل إيران أن عدد القتلى في هذا الهجوم ليس أربعة أشخاص، كما تم الإبلاغ سابقاً، بل يتراوح بين 20 و27 شخصاً. ورصدت الصحيفة تصريحات خبراء أمنيين أفادوا بأن المهمة الأولى للهجوم كانت شل عمل الرادارات التي نصبتها إيران في البلاد، وكذلك في سوريا والعراق، بينما كانت المهمة الثانية هي قصف منظومات الصواريخ المضادة للطائرات. ونتيجة لذلك، لم تنجح هذه المنظومات في إسقاط أي طائرة إسرائيلية.

ولُوحظ أن استمرار نشر الرواية الإسرائيلية، الذي يتخذ في بعض الأحيان طابعاً استفزازياً تجاه القيادات الإيرانية، يعزز التوجه المطالب بالانتقام عبر رد إيراني. وفي أعقاب المواقف التي أظهرها المرشد الإيراني علي خامنئي، ورئيس البرلمان، الجنرال محمد باقر قاليباف، التي تعكس روح الانتقام وحتمية الرد على الهجوم الإسرائيلي، عقد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، اجتماعاً لقادة الأجهزة الأمنية، بحضور وزير الدفاع، يوآف غالانت، ومستشار الأمن القومي، تساحي هنغبي.

وتداول المجتمعون خلال هذا الاجتماع حول هذه المسألة والسيناريوهات المحتملة لرد الفعل الإيراني. وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أن القيادة الإيرانية لم تتخذ بعد قراراً بشأن كيفية الرد، وأنها لا تزال تراقب ردود الفعل المحتملة، سواء في حال ردت أو لم ترد.

تقييم استخباراتي

وفقاً لتسريبات للإعلام، ترى شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان) أن «الضربة للأهداف العسكرية كانت قاسية للغاية في نتائجها، لكنها تركت لطهران مجالاً للإعلان عن فشل إسرائيل». وأشارت التقارير إلى «نشوب خلافات بين تيارين في إيران: التيار المتشدد الذي يطالب بالرد الفوري، والتيار البراغماتي الذي يدعو لامتصاص الضربة والمضي قدماً في تنفيذ المشاريع الأمنية الكبرى».

وأضافت التقارير أن «الناطقين باسم التيار المتشدد، بمن فيهم خامنئي وقاليباف، الذين تحدثوا عن حتمية الرد، قد لا يقصدون بالضرورة شن هجوم مباشر. وربما يشيرون إلى تنفيذ عمليات إرهابية، أو تفعيل الجماعات المسلحة في العراق واليمن، مثل الحوثيين، أو إطلاق صواريخ ثقيلة من قبل (حزب الله)، أو حتى تحقيق حلمهم بتنفيذ اغتيالات تستهدف شخصيات إسرائيلية».

وأكد ممثلو «أمان» أن «طهران تضم معسكرين مستعدين للصراع: معسكر المتشددين الذين يطالبون برد مباشر وفوري وتسريع العمل على البرنامج النووي، في مقابل الرئيس البراغماتي وحكومته الذين يقترحون اتباع أساليب أخرى». وأشاروا إلى أن «المرشد الإيراني علي خامنئي سيكون في موقف وسطي بين الطرفين. ومع استمرار انتظار رفع مستوى الدفاع الجوي الإيراني من قبل روسيا، تظل المخاطر التي تواجه إيران كبيرة. لذلك، قد يميل خامنئي إلى ضمان تعهد بالتحرك في المستقبل، بينما يسعى لاحتواء الموقف في الوقت الحالي. ولكن كل الاحتمالات لا تزال مفتوحة».

ورغم ذلك، تقرر في إسرائيل مواصلة الرصد والمتابعة حتى تتضح الصورة بشكل أكبر، مع التركيز على الأهداف التي قد تختار إيران ضربها في حال قررت الرد، وتحديد طبيعة هذا الرد «هل سيكون رداً رمزياً لإغلاق الملف أم رداً جدياً قد يؤدي إلى فتح جولة جديدة من الحرب». وفي الوقت نفسه، حرص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت على إطلاق تحذير، مؤكدين أن إسرائيل سترد على أي هجوم إيراني بشكل أشد بكثير من الضربات السابقة.