لماذا يتهرب الجميع من لجنة تحقيق حول قصف المستشفى المعمداني؟

كيف تبنت الإدارة الأميركية الرواية الإسرائيلية دون مساءلة؟

فلسطينية في موقع المستشفى المعمداني تصرخ بعد قصف طاله مساء الثلاثاء وأسقط مئات الضحايا (أ.ف.ب)
فلسطينية في موقع المستشفى المعمداني تصرخ بعد قصف طاله مساء الثلاثاء وأسقط مئات الضحايا (أ.ف.ب)
TT

لماذا يتهرب الجميع من لجنة تحقيق حول قصف المستشفى المعمداني؟

فلسطينية في موقع المستشفى المعمداني تصرخ بعد قصف طاله مساء الثلاثاء وأسقط مئات الضحايا (أ.ف.ب)
فلسطينية في موقع المستشفى المعمداني تصرخ بعد قصف طاله مساء الثلاثاء وأسقط مئات الضحايا (أ.ف.ب)

لا شك في أن الجريمة التي ارتكبت في المستشفى المعمداني في قطاع غزة، والتي تدعي إسرائيل أنها ناجمة عن قصف فاشل من «الجهاد الإسلامي» هو الذي تسبب في وقوعها، فيما يجمع الفلسطينيون على أنها عملية إسرائيلية «نتيجة خطأ في أحسن الأحوال ومذبحة مخططة في أسوأ الاحتمالات»، علامة فارقة في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لأنها ستحفر في الذاكرة مثل مجازر صبرا وشاتيلا ومجزرة قانا، ومثل التفجيرات الانتحارية في حافلات الركاب في شوارع تل أبيب والقدس، ومجزرة الخليل وإحراق المسجد الأقصى، وتبقى غذاء لتعميق العداء وتأجيج الكراهية في الطرفين.

إحراق المسجد الأقصى 21 اغسطس 1969 (وفا)

لذلك تستحق مجزرة غزة إجراء تحقيق مهني محايد وسريع، وعدم الاكتفاء برواية طرف واحد من دون الآخر، والتركيز في الجهد لوقف الحرب حتى لا تحصد مزيدا من المجازر.

وينبغي ملاحظة أن إسرائيل تبذل جهودا خارقة لتثبت أنها ليست المسؤولة عن هذه المجزرة بالذات. وبعد أن استطاعت إقناع الرئيس الأميركي، جو بايدن، بأن المسؤولية تقع على «الجهاد الإسلامي»، وتسعى لإقناع الآخرين في المنطقة والعالم. فهي تعرف أنها إذا استطاعت تمرير هذه الرواية، توجه ضربة قاسية للفلسطينيين وتخفف الانتقاد العالمي لها. فتعرض صورا وأشرطة مصورة وتقارير خبراء. وتقول إن صاروخ الجهاد انطلق من موقع بالقرب من المستشفى ولكن الإطلاق كان فاشلا، مثل كثير من الصواريخ.

لقاء تضامني من بايدن لنتنياهو في تل أبيب الأربعاء (د.ب.أ)

وعرضت جدولا يبين أن 12 في المائة من الصواريخ التي أطلقت يوم 17 الحالي (الثلاثاء) سقطت في قطاع غزة ولم تصل إلى هدفها في إسرائيل. وقال خبراؤها إن آثار الانفجار تؤكد أنه لا يمكن أن يكون الصاروخ من غارة إسرائيلية. بهذه المعطيات اقتنع بايدن بأن إسرائيل بريئة، حتى أنه لم يطلب تحقيقا مهنيا حياديا.

و«الجهاد» وبقية الفصائل الفلسطينية حاولت من طرفها صد هذه الرواية، وقالت إن «المزاعم التي يروج لها الاحتلال الإسرائيلي حول مسؤولية الحركة عن استهداف المستشفى الأهلي العربي المعمداني في غزة، هي اتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة. فنحن كما باقي قوى المقاومة في غزة، لا نستخدم دور العبادة ولا المنشآت العامة، ولا سيما المستشفيات، مراكز عسكرية أو لتخزين الأسلحة أو لإطلاق الصواريخ».

داخل المستشفى أم خارجه

وأشار البيان إلى أن «مزاعم الاحتلال كانت متضاربة، كان المتحدث باسم خارجية الاحتلال، لئور بن دور، قد قال إنه تم تخزين أسلحة ومتفجرات بشكل متعمد داخل المستشفى، وإن الانفجار وقع داخل المستشفى عقب إطلاق الصواريخ من محيطه، في حين زعم بيان لجيش الاحتلال بأن محاولة إطلاق صواريخ فاشلة أصابت المستشفى». وأضافت الحركة في بيانها، أن «تضارب التصريحات يؤكد عدم صدقية الرواية، بين إطلاق من داخل المستشفى أو تعرضه للصواريخ من خارجها».

فلسطينيون يتفقدون الدمار الذي أعقب الهجوم على مستشفى المعمداني في غزة (د.ب.أ)

من هنا، ينبغي إجراء تحقيق وتجاوز هذه القضية والامتناع عن جعلها قضية أساسية. فالحرب التي تدور رحاها على غزة، هي حرب مآسٍ ومجازر، بطبيعة الحال. فإسرائيل تمتلك جيشا ضخما وإمكانيات حربية هائلة وأسلحة حديثة وفتاكة، تحارب بها قطاع غزة (وليس فقط حماس والجهاد). ولا تخفي أن أحد أهداف هذه الحرب هو إيلام السكان المدنيين، وتذكيرهم بنكبة 1948، حتى يصرخوا ضد «حماس» ويتهموها بأنها المسؤولة عن تكرار نكبتهم. ولذلك تقصف العمارات والبيوت وتدمر البنى التحتية بالكامل، وتتحدث صراحة عن تسوية مباني غزة بالأرض لكي تكشف الأنفاق، تمهيدا لحملة الاجتياح البري.

المواطنون الفلسطينيون في غزة لا يملكون قدرة على الرد ويحاولون الهرب من الغارات. والفصائل الفلسطينية ترد بالصواريخ، التي تحدث دمارا وتتسبب في مقتل وإصابة عشرات المواطنين في إسرائيل (بينهم 19 شخصا عربيا من فلسطينيي 48 في النقب و4 عرب على الحدود الشمالية من قصف حزب الله). ولكن لا مجال للمقارنة بين الخسائر الإسرائيلية والخسائر الفلسطينية، لا من ناحية العدد ولا من ناحية هول الدمار.

في مثل هذه الغارات، تقع أخطاء تخلف إصابات ومجازر، بطبيعة الحال. ولكن قدرات إسرائيل على التحكم في الخطأ أكبر، لأن غاراتها تتم وفق نظام تحكم إلكتروني دقيق، بينما في الطرف الفلسطيني يعتمد تكنولوجيا قديمة بالمقارنة. ومن مجموع نحو 3500 فلسطيني قتلوا في الغارات، كانت هناك عشرات العائلات التي أبيدت بكل أفرادها. والغارات مستمرة بشكل واسع. وخطة التجويع والتعطيش ما زالت قائمة.

وقد حذرت الأمم المتحدة، يوم الثلاثاء، من أن المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة «يتكدسون في منطقة أصغر من أي وقت مضى»، وأن المواد الأساسية المنقذة للحياة نفدت، ودعت إلى هدنة إنسانية للسماح بوصول المساعدات. وقالت جويس مسويا مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية ونائبة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، في اجتماع عقده مبعوثون عرب في القطاع: «تشير التقديرات الآن إلى أن ما يصل إلى مليون شخص فروا من منازلهم إلى أجزاء أخرى من غزة».

وقالت مسويا: «في الواقع، ليس لدى المدنيين مكان يذهبون إليه - لا مكان يهربون فيه من القنابل والصواريخ، ولا مكان يجدون فيه الماء أو الطعام، أو يهربون من الكارثة الإنسانية التي تتكشف». وحثت على «وقف الأعمال العدائية لأسباب إنسانية».

لذلك، ومع كل الألم من مذبحة المستشفى، القضية أكبر وأخطر وتحتاج إلى رؤية أشمل.


مقالات ذات صلة

إيران و«حماس» تنددان بالقصف الإسرائيلي على اليمن

العالم العربي دخان يتصاعد نتيجة غارة إسرائيلية على محطة كهرباء في صنعاء (أ.ف.ب)

إيران و«حماس» تنددان بالقصف الإسرائيلي على اليمن

وصفت حركة «حماس»، اليوم الخميس، الضربات الإسرائيلية على اليمن بأنها «تصعيد خطير وامتداد للعدوان».

«الشرق الأوسط» (غزة - طهران)
خاص غزيون يقيمون الثلاثاء صلاة الميت على عدد من ضحايا غارة إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خاص الغزيون متلهفون لهدنة على قاعدة «وقف الموت مكسب»

يتابع الغزيون باهتمام بالغ، الأخبار التي يتم تناقلها عبر وسائل الإعلام عن قرب التوصل إلى اتفاق هدنة محتمل في القطاع بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يتحدث مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في جلسة للكنيست يوم 24 يوليو الماضي (أرشيفية - رويترز)

سموتريتش رافضاً «صفقة غزة»: نتنياهو يعرف خطوطنا الحمر 

رفض وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الاتفاق المزمع لوقف النار في قطاع غزة، قائلاً إنه بشكله الحالي «ليس جيداً ولا يخدم أهداف إسرائيل في الحرب.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي دخان يتصاعد من غارات إسرائيلية على رفح في وقت سابق (أ.ف.ب) play-circle 01:24

لماذا يزداد التفاؤل بشأن إمكانية التوصل لوقف إطلاق النار في غزة؟

طرحت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية سؤالاً بشأن ازدياد التفاؤل بشأن إمكانية التوصل لوقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة «حماس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي قوات الأمن الفلسطينية (رويترز)

قوات الأمن الفلسطينية تحاول السيطرة على الاضطرابات بالضفة الغربية

تخوض قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية معارك مع مقاتلين إسلاميين في مدينة جنين منذ أيام، في محاولة لفرض سيطرتها على أحد المعاقل التاريخية للفصائل المسلحة.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)

تركيا ترفض وصف ترمب لإسقاط الأسد بـ«عملية استيلاء غير ودية» لأنقرة

جدارية للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وبها آثار لثقوب رصاص 16 ديسمبر 2024 (رويترز)
جدارية للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وبها آثار لثقوب رصاص 16 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

تركيا ترفض وصف ترمب لإسقاط الأسد بـ«عملية استيلاء غير ودية» لأنقرة

جدارية للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وبها آثار لثقوب رصاص 16 ديسمبر 2024 (رويترز)
جدارية للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وبها آثار لثقوب رصاص 16 ديسمبر 2024 (رويترز)

رفضت تركيا، الأربعاء، توصيف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إسقاط فصائل المعارضة السورية بشار الأسد بأنه «عملية استيلاء غير ودية» من جانب أنقرة.

وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في مقابلة أجرتها معه قناة «الجزيرة»: «لا يمكننا وصف الأمر بأنه استيلاء، لأنه سيكون خطأ فادحاً توصيف ما يحصل في سوريا على هذا النحو». وأضاف: «بالنسبة للشعب السوري، ليس هذا استيلاء»، مشدّداً على أن «إرادة الشعب السوري هي السائدة الآن».

وكان ترمب قد قال، الاثنين الماضي، إن تركيا سيكون معها المفتاح للأحداث في سوريا، مؤكداً أن الكثير من الأمور لا تزال غير واضحة في هذا البلد بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وأضاف ترمب: «أعتقد أن تركيا ذكية للغاية... لقد قامت تركيا بعملية استيلاء غير ودية، من دون خسارة الكثير من الأرواح. أستطيع أن أقول إن الأسد كان جزاراً، وما فعله بالأطفال كان وحشياً».

وتابع الرئيس الأميركي المنتخب: «أعتقد أن تركيا ستكون لها السيطرة».

ودعمت تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي، المعارضة التي أنهت، بتوليها السلطة في دمشق، الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عاماً. وأعادت أنقرة فتح سفارتها في دمشق، يوم السبت، بعد يومين من زيارة رئيس المخابرات التركي للعاصمة السورية.

وفرّ الأسد إلى روسيا بعد هجوم خاطف لفصائل معارضة قادته «هيئة تحرير الشام»، سيطرت خلاله على مدينة تلو أخرى حتى وصلت إلى العاصمة السورية.