حكومة الطوارئ الإسرائيلية هي «حكومة انتخابات»

الانطباع السائد أنها تغلّب حسابات نتنياهو على «المصلحة الوطنية»

لافتة حملة انتخابية تصوّر زعيم حزب «أزرق أبيض» بيني غانتس منافساً بنيامين نتنياهو 23 مارس الماضي (رويترز)
لافتة حملة انتخابية تصوّر زعيم حزب «أزرق أبيض» بيني غانتس منافساً بنيامين نتنياهو 23 مارس الماضي (رويترز)
TT

حكومة الطوارئ الإسرائيلية هي «حكومة انتخابات»

لافتة حملة انتخابية تصوّر زعيم حزب «أزرق أبيض» بيني غانتس منافساً بنيامين نتنياهو 23 مارس الماضي (رويترز)
لافتة حملة انتخابية تصوّر زعيم حزب «أزرق أبيض» بيني غانتس منافساً بنيامين نتنياهو 23 مارس الماضي (رويترز)

بعد مماطلة لأيام، حقق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الرغبة الجماهيرية الواسعة وأقام حكومة طوارئ لإدارة الحرب، تضم حزب «المعسكر الرسمي»، القادم من المعارضة، وتسليم المسؤولية المباشرة عن إدارة الحرب إلى فريق من 3 أعضاء، هم نتنياهو، ووزير دفاعه الجنرال يوآف غالانت، ووزير الدفاع الأسبق الجنرال بيني غانتس، واثنين مراقبين، الجنرال غادي آيزنكوت من حزب غانتس والدبلوماسي رون دريمر من الليكود.

وحكومة الطوارئ هي حكومة ذات صلاحيات كاملة، مثل أي حكومة أخرى. وحالما يتم التصويت عليها في جلسة الكنيست (البرلمان)، تأخذ صلاحياتها بشكل عادي.

وهي ليست أول حكومة طوارئ ولا الثانية التي تقوم في إسرائيل، لكنها الحكومة الأكثر ضحالة. ففي سنة 1967، أعلن ليفي أشكول عن حكومة طوارئ، لخوض الحرب، لكن المعارضة حظيت يومها بمنصب وزير الدفاع، الذي تولاه موشيه ديان وكان القائد الحقيقي للحرب. وحظي مناحم بيغن ويوسف سبير من غاحل (الليكود اليوم)، بمنصبي وزير دولة وكان بيغن عضواً في الطاقم الأمني المصغر الذي شارك في إدارة الحرب.

صورة التُقطت في 12 أكتوبر (الخميس) تظهر شاطئاً خالياً في تل أبيب (أ.ف.ب)

وفي سنة 2020، تشكلت حكومة طوارئ بقيادة نتنياهو، ضمت في صفوفها حزب غانتس لغرض مكافحة «كورونا» ولم تصمد سوى سنة، وفي ختامها نفذت الحكومة عملية حربية على قطاع غزة حملت اسم «حارس الأسوار»، وهي حرب عن بعد، اعتمدت القصف الجوي والبري بلا اجتياح، سقط فيها 256 فلسطينياً في غزة وجندي إسرائيلي واحد و12 مدنياً، بينهم عربي من النقب وعاملان من تايلاند.

محدودية تأثير المعارضة

لكن، في الحكومة الجديدة لا يوجد تأثير حقيقي لحزب غانتس. فالطاقم الثلاثي الذي سيدير الحرب ويضم نتنياهو وغانتس وغالانت، ومعهم المراقبان آيزنكوت ودريمر بصفة مراقبين، سيكون في قراراته خاضعاً لمصادقة المجلس الوزراء الأمني المصغر في الحكومة، وهو يضم 17 وزيراً، بينهم الوزيران المتطرفان بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير، وسيكون لحزب غانتس فيه خمسة وزراء بلا وزارة، بينهم جدعون ساعر.

كل من توقع أن دخول غانتس يمكنه أن يضع أهدافاً جديدة للحرب، أكثر اعتدالاً وتعقلاً، بعيداً عن سياسة الأرض المحروقة والتدمير الشامل في غزة والاجتياح البري، خاب أمله. لا، بل إن غانتس كان أكثر حدة من نتنياهو وغالانت في وصف أهداف الحرب.

فقد قال نتنياهو: «نحارب بكل قوة، وبدأنا بالهجوم وتلقينا مساعدات عسكرية أميركية، وننتظر وصول حاملة الطائرات»، وأضاف: «حصلنا على تأييد منقطع النظير لمواصلة الحرب، وأطلب تعزيز قوة رجالنا في الجبهات»؛ وأضاف «سنسحق (حماس) ونقضي عليها».

وقال غالانت: «الهجوم الذي شنّته (كتائب القسام)، فجر السبت، هو أخطر من أي هجوم إرهابي آخر وقع في العالم على الإطلاق. لقد نفذوا أعمالاً وحشية لم يشهدها الشعب اليهودي منذ عام 1945» ثم هدد هو الآخر بـ«مسح (حماس) من على سطح الأرض».

جنديتان إسرائيليتان تقفان للحراسة في رعيم موقع مهرجان موسيقى الصحراء «سوبر نوفا» الخميس (د.ب.أ)

ولم يكن خطاب غانتس مختلفاً؛ إذ قال: «وقوفنا هنا معاً هو رسالة مهمة لأعدائنا ولكل مواطني إسرائيل، كلنا نستنفر معاً». وأضاف: «أناشد جميع المواطنين الذين يشعرون بالقلق، بالصبر، وأنا أتفهم الخوف والألم. وليس لدي كلمات لأواسيهم. لكن دولة إسرائيل هي الأقوى في المنطقة، ولديها أقوى جيش. وهذه القوة محسوسة في غزة، اليوم، وإذا لزم الأمر في لبنان سيشعرون بها وسيشاهدها العالم كله، وسيكون نصيب عدونا الدم والنار والدخان».

وقال غانتس: إن «دولة إسرائيل في أصعب أوقاتها وتواجه أياماً مصيرية». وقد حان الوقت للعمل معاً والانتصار، هذا ليس الوقت المناسب لطرح الأسئلة الصعبة، بل هو الوقت المناسب للحصول على إجابات ساحقة في ساحة المعركة. أود أن أتوجه إلى جميع مواطني إسرائيل وأقول لهم: «سيتم تدمير العدو، سيتم سحق حماس وستتم استعادة الأمن».

ولكن أهم جملة قالها غانتس وتعبر عن حقيقة أهداف هذه الحكومة، هي: «شراكتنا ليست سياسية، إنها شراكة مصير. جميع مواطني إسرائيل هم شركاء في المصير، ومعاً سوف نشكل مصيرنا وواقعنا. في هذا الوقت، نحن جميعاً جنود دولة إسرائيل».

غير أن تعبير «شراكتنا ليست سياسية»، يعني في الحقيقة أنها شراكة سياسية وفقط سياسية، فقد انضم غانتس إلى حكومة بهذه الشروط، وقبل أن يكون هامشياً فيها؛ لأنه يعرف بأن هذه هي رغبة الجمهور. فالإسرائيليون يخوضون حرباً ولدى غالبيتهم قلق من طريقة إدارة هذه الحكومة للحرب. والانطباع السائد بين الجمهور، هو أن هذه الحكومة تغلّب الحسابات الحزبية لمعسكر اليمين والحسابات الشخصية لنتنياهو على حسابات «المصلحة الوطنية».

إسرائيلية تزور قبر زوجين إسرائيليين في كريات تيفون قُتلا في هجوم نفذه مسلحون من «حماس» (رويترز)

إخفاقات متعددة

أخطار الحرب تقض مضاجع الإسرائيليين، خصوصاً بعد أن حقق هجوم «حماس» هذا الإنجاز وتغلب على جميع عقبات الجيش الإسرائيلي.

والناس يعرفون أموراً لم تنشر في الصحف، مما رواه شهود العيان، عن إخفاقات الجيش والشرطة والنقص في الاحتياجات الأولية للجنود الذين أرسلوا إلى المعركة. لقد قتل عناصر «حماس» 189 جندياً وضابطاً و30 شرطياً وأسروا 60 عسكرياً، حسب التقديرات. والحكومة غابت عن الساحة، باستثناء نتنياهو، الذي كان يظهر ليبين أنه قائد الحرب «اتصلت وفعلت ودعوت وأمرت...».

أما وزير الدفاع غالانت، الذي هبّ لإنقاذ سمعة الجيش، المتبجحون سموترتش وبن غفير ووزيرة الإعلام الساكتة، وغيرهم، اختبأوا. وعندما تم انتقادهم، خرج بن غفير إلى سديروت ليوزّع الأسلحة على الناس، وعندما أطلقت قذيفة من قطاع غزة ودوت صفارات الإنذار انحبس داخل بيت شكل مهين.

تجند غانتس، حتى لو كان سطحيا، ومعه آيزنكوت، وجدعون ساعر الذي كان يهدد بالانقسام في الحزب، جعله يظهر مرة أخرى كشخصية مسؤولة. وهذا ما يريده الآن. وغانتس يعرف بأن نتنياهو سيكون في وضع صعب عندما تقوم لجنة تحقيق حول إخفاقات الحرب؛ لأنه يتحمل المسؤولية الأولى عن الفشل. فالجيش حذره بأن سياسة حكومته المتطرفة إزاء الفلسطينيين سوف تفجّر تصعيداً أمنياً كبيراً. وهو لم يغير شيئاً في هذه السياسة وترك بن غفير وسموترتش ينفلتان سوية مع المستوطنين. والاعتقاد أنه سيُدان في لجنة التحقيق، على الأقل مثل شارون في أعقاب مجازر صبرا وشاتيلا.

لذلك؛ يحسبها غانتس، وطاقم مستشاريه الاستراتيجيون، ويقدّر بأن الجمهور سيرى فيه بديلاً عن نتنياهو، خصوصاً وأن يائير لبيد يتراجع في الاستطلاعات، من 24 مقعداً له اليوم إلى 16 مقعداً.


مقالات ذات صلة

«حماس» تنفي الاتفاق مع «فتح» على قيام السلطة الفلسطينية بإدارة غزة «مدنياً»

المشرق العربي فلسطينيون نازحون داخلياً يسيرون في أحد شوارع خان يونس جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

«حماس» تنفي الاتفاق مع «فتح» على قيام السلطة الفلسطينية بإدارة غزة «مدنياً»

نفى قيادي في حركة «حماس» الفلسطينية، اليوم (الخميس)، الأنباء التي ترددت عن توافق حركتي «حماس» و«فتح» على قيام السلطة الفلسطينية بإدارة قطاع غزة «مدنياً».

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج وزراء خارجية الخليج وأميركا خلال الاجتماع الوزاري المشترك في نيويورك (واس)

دعم خليجي - أميركي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة

أعرب وزراء خارجية الخليج وأميركا عن دعمهم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة تعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل على حدود 1967.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ تصاعد أعمدة الدخان من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت 26 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

 الإدارة الأميركية تتهم السنوار بالرغبة في حرب إقليمية

قال مسؤول رفيع المستوى بالإدارة الأميركية للصحافيين: «إن الرئيس بايدن ومستشارين كباراً يتواصلون مع أطراف الصراع على طول الخط الأزرق بين إسرائيل ولبنان.

المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون موقع الغارة الإسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بشمال قطاع غزة (رويترز)

مقتل 15 فلسطينياً بقصف إسرائيلي على مدرسة نازحين في شمال غزة

قتل الجيش الإسرائيلي، الخميس، 15 فلسطينياً على الأقل وأصاب آخرين بقصف جوي استهدف مدرسة تؤوي نازحين في مخيم جباليا بشمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي طفل فلسطيني وشقيقته يبكيان أمام جثمان والدهما الذي قُتل بغارة إسرائيلية في دير البلح بوسط قطاع غزة الأربعاء (رويترز)

الحرب الإسرائيلية مستمرة على جبهتي غزة والضفة

واصلت إسرائيل حربها على جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية بالتوازي مع الهجوم الكبير على جبهة لبنان.

«الشرق الأوسط» (رام الله)

نتنياهو يتراجع وينأى بنفسه عن اقتراح أميركي لوقف النار في لبنان

TT

نتنياهو يتراجع وينأى بنفسه عن اقتراح أميركي لوقف النار في لبنان

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الخميس)، عن تفاهم خاص مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ونأى بنفسه عن الاقتراح الذي يهدف إلى وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً في لبنان، الذي قدّمته الولايات المتحدة وفرنسا وحلفاء آخرون، حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

وقال مسؤولون أميركيون إن نتنياهو ومقربين منه شاركوا بشكل مباشر في صياغة اقتراح وقف إطلاق النار المؤقت، وفقاً لما ذكره موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي.

وقد يؤدي تغيير موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يأتي عقب تهديدات علنية من جانب وزراء من اليمين المتطرف في حكومته وانتقادات من جانب زعماء في المعارضة الإسرائيلية، إلى زيادة التوترات مع إدارة بايدن.

وصباح الخميس، وبينما كان نتنياهو يغادر إسرائيل متوجهاً إلى نيويورك، أصدرت الولايات المتحدة وفرنسا و10 دول غربية وعربية أخرى بياناً يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً بين إسرائيل ولبنان. وكان نتنياهو على علم بأن البيان سيصدر.

وجاء في البيان أن الولايات المتحدة والدول الأخرى تتوقع من جميع الأطراف - وبينهم حكومتا لبنان وإسرائيل - أن تعرب عن قبولها للاقتراح.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن مسألة اقتراح وقف إطلاق النار لم يتم بحثها خلال اجتماع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، مساء أمس (الأربعاء)، وإن الوزراء اطلعوا بشكل رئيسي على خطط الجيش الإسرائيلي لمواصلة القتال ضد «حزب الله».

وعندما غادر الوزراء الاجتماع تابعوا التقارير الصحافية حول اقتراح وقف إطلاق النار، ونشر بعضهم تصريحات شديدة اللهجة ضد هذه الخطوة.

وأوضح الوزيران القوميان المتطرفان؛ بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، أنهما يعارضان وقفاً لإطلاق النار، وهدّدا بالتصويت ضد الائتلاف الحاكم إذا وافق على الاقتراح.

وعلم نتنياهو بهذه التصريحات، وهو على متن طائرة متجهة إلى نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي البداية، نشر مكتبه بياناً ينفي فيه أن يكون وقف إطلاق النار وشيكاً، مؤكداً أن رئيس الوزراء لم يقدم ردّه على الاقتراح بعد.

وبعد ساعات قليلة، قال أحد مساعدي نتنياهو للصحافيين، على متن الطائرة، إن «اتجاه إسرائيل حالياً ليس وقف إطلاق النار، بل مزيد من العمل العسكري ضد (حزب الله)». وشدّد نتنياهو من موقفه عندما وصل إلى نيويورك.

وحسب مسؤول إسرائيلي، فقد «تم إبلاغ إسرائيل بالاقتراح الأميركي، لكنها لم توافق عليه قط»، وفق ما ذكرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

وقال مسؤولون أميركيون إن التفاهم كان يدور حول تصريح رئيس الوزراء نتنياهو علناً بأنه «يرحب» بالاقتراح.

وبدلاً من ذلك، قال نتنياهو إن «سياسة إسرائيل واضحة، فنحن نواصل ضرب (حزب الله) بكل قوتنا. ولن نتوقف حتى نحقق كل أهدافنا، وأولها إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان. وهذه هي السياسة، ويجب ألا يخطئ أحد في ذلك».