خاتمي يثير غضب المحافظين بعد تحذير السلطات من الانهيار

دعا إلى فتح الأجواء لمشاركة الأحزاب المرخصة في الانتخابات البرلمانية

الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي يلقي خطاباً في طهران أبريل الماضي (جماران)
الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي يلقي خطاباً في طهران أبريل الماضي (جماران)
TT

خاتمي يثير غضب المحافظين بعد تحذير السلطات من الانهيار

الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي يلقي خطاباً في طهران أبريل الماضي (جماران)
الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي يلقي خطاباً في طهران أبريل الماضي (جماران)

أعربت أوساط محافظة إيرانية عن غضبها من تحذيرات وانتقادات ضمنية وجّهها الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي للحكام وأجهزة الدولة، مطالباً بضرورة إعادة النظر في أسلوب الحكم، محذراً من «سقوط حتمي»، والقيام بتعديلات في الدستور، ورفع الحظر عن مشاركة الأحزاب المرخصة في الانتخابات.

وانتقد خاتمي بشدة طريقة الحكم و«إهدار الطاقات ومواهب» البلاد، ودعا النخب السياسية إلى الوقوف مع الناس، «وأن نعرف آلامهم ونفصح عنها». وصرّح، في هذا الصدد: «يجب أن نقول للسلطة إنها تتعامل بسوء مع الشعب»، وفقاً لما أورد موقع «جماران»؛ منصة مكتب المرشد الإيراني الأول الخميني، أمس الأربعاء.

وكان خاتمي، الذي تولّى منصب رئاسة الجمهورية لمدة 8 سنوات (1997 - 2005)، يتحدث إلى مجموعة من السجناء السياسيين في زمن الشاه.

الإصلاح الذاتي

وقال خاتمي: «لسنا نادمين على الثورة، ولا نرفض الجمهورية الإسلامية، لكن ما يجري حالياً بعيد عن الجمهورية الإسلامية»، مشدداً، مرة أخرى، على ضرورة «الإصلاح الذاتي» للهيئة الحاكمة. وقال: «هذا النوع من الحكم سوف يُلحق أضراراً بالإسلام والشعب وإيران، وخسائر لا تُعوَّض».

وتساءل خاتمي: «أين هي الطبقة المتوسطة، التي تُعدّ محرِّكاً لتقدم المجتمع، فقد دفع جزء منها إلى الطبقة الفقيرة، وهاجر بعض منها، وما تبقّى منها يعاني من شتى أنواع المشاكل». وأضاف: «الناس ليسوا عبيداً، يجب أن يتولى شخص إدارة البلاد، يمكنه العمل والرد على مطالب الناس... إذا قلتم لدينا القوة، والأمور على ما هي عليه، فلماذا تفعلون هذا باسم الإسلام؟!».

وتطرّق خاتمي، في جزء من انتقاداته، إلى الصلاحيات لدى الأجهزة الإيرانية، دون أن تكون فعالة. وقال: «إذا كان مجلس خبراء القيادة في مكانته الحقيقية، فسيكون واجبه تعيين وعزل المرشد، والإشراف على أدائه والأجهزة المنسوبة إليه». وأضاف: «يجب على مجلس صيانة الدستور أن يراقب عدم سرقة أصوات الناس...».

وقال خاتمي إن الهيئة الحاكمة «التي لا يكون هدفها التنمية والرفاه والعدالة والأمن بكل ما في الكلمة من معنى، فإن الأمن لن يكون مستداماً». وأضاف: «لقد قلت سابقاً: ما لم يكن إصلاح ذاتي فستكون نهايتكم حتمية».

وأكد: «ليس لدينا حكم جيد، والناس يبتعدون عن الحكام في كل لحظة، يجب على الدولة إصلاح نفسها، الدستور يعاني من عيوب كثيرة، لكن لا أقول: يجب تغييره بالكامل، بل يجب أن نناقش في أجواء ديمقراطية كيفية القيام بإصلاحات».

وتابع: «يجب على الحكومة أن تقر بارتكاب الأخطاء، وأن تصلح نفسها».

المشاركة في الانتخابات

وعلّق خاتمي أيضاً على أسئلة تتعلق بموقفه الشخصي من الانتخابات البرلمانية، وقال: «الانتخابات من أجل الناس، يجب أن تكون انتخابات واقعية، لا يمكن أن تكبل شخصاً وتطلب منه السباحة. عندما تكون الأبواب مغلقة، ولا يمكن لقطاعات كبيرة من الناس التصويت لمرشحهم، ما الذي يجب التصويت عليه؟!».

وقال خاتمي إن «الأحزاب في كل أنحاء العالم هي التي تحدد أهلية الأشخاص لخوض الانتخابات، لماذا لا تسمحون لشبه الأحزاب المرخصة أن تقدم مرشحيها، وأن يشارك الناس».

ورأى خاتمي أنه «من الطبيعي ألّا تكون رغبة للناس في المشاركة بالانتخابات عندما لا يجد 70 في المائة مرشحهم المطلوب»، محذراً من أن اللجوء إلى استخدام القوة القهرية لا يصلح الأمور، معرباً عن أمله في أنه على من يتولون الأمور في البلاد، «أن يأخذوا المصلحة بعين الاعتبار وأن يفتحوا الأجواء».

وهذا ثاني ظهور كبير لخاتمي، بعدما أصدر بياناً من 15 بنداً، في فبراير (شباط) الماضي، دعا فيه إلى إجراء إصلاحات في إطار الدستور الحالي، ونأى بنفسه، في البيان، عن بيان حليفه الزعيم الإصلاحي ميرحسين موسوي، الذي دعا إلى استفتاء عام على دستور جديد، وتغيير أساس الحكم من «ولاية الفقيه».

«محاكمة ومحاسبة»

وبعد ساعات من نشر تصريحات خاتمي، طالبت صحيفة «كيهان» المتشددة، في عددها الصادر الخميس، بتوقيف الرئيس الإصلاحي، وتقديمه للمحاكم ومعاقبته.

وكتب حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان»، التابعة لمكتب المرشد الإيراني، أن «خاتمي شخص غير كفء يتلاعب بمفردات المعارضة لإظهار نفسه معارضاً»، وقال إنه «أقدم مراراً وتكراراً على خيانة الوطن وإثارة الفوضي واللعب بوصفها عناصر لأجهزة الخارجية في خطة إطاحة النظام».

وقالت الصحيفة: «أمثال خاتمي يجب محاكمتهم ومحاسبتهم؛ ليس فقط من أجل ارتكاب جرائم وخيانة الوطن في 2009، بل من أجل التزوير الانتخابي في 2013 و2017، وتدمير معيشة الناس».

خاتمي يتوسط حسن خميني ومحمد محمدي غلبايغاني رئيس مكتب المرشد الإيراني الشهر الماضي (جماران)

وكانت الصحيفة تشير إلى احتجاجات الحركة الخضراء الإصلاحية، التي قادت احتجاجات 2009، بعد رفض نتائج الانتخابات الرئاسية، وكذلك وعود اقتصادية قطعها الرئيس المعتدل نسبياً حسن روحاني، وفاز بموجبها في انتخابات 2013 و2017.

أما صحيفة «جوان»، الناطقة باسم «الحرس الثوري»، فقد ردّت على تصريحات خاتمي بشأن تأييده الثورة، وقالت: «المرشد لم يكن يريد طردكم من المشهد، لقد كان لدى القيادة أكبر قدر من التسامح معك في إطار القانون، يا ليتك تقتنع بحدودك ونصيبك».

وخاطبت الصحيفة خاتمي أيضاً: «لو كنت شخصاً عارفاً بألم الناس، لشعرت به خلال الـ30 عاماً من توليك المناصب».

واتهمت صحيفة «الحرس الثوري» خاتمي بـ«استعارة عبارات (الرئيس السابق) محمود أحمدي نجاد»، و«تلطيخ» تاريخه في طلب الإصلاح بـ«ورقة الشعبوية».

وكان خاتمي هدفاً لانتقادات وسائل إعلام «الحرس الثوري»، خلال المرحلة التي أعقبت مرحلة تسجيل المرشحين للانتخابات الرئاسية.

وقال أمين عام حزب «مردم سالاري» الإصلاحي، مصطفى كواكبيان، إن «خاتمي خسر شعبيته السابقة، رغم أنه لا يزال يحظى بتأييد بين الأحزاب الإصلاحية»، مشيراً إلى أن خاتمي لا ينوي التدخل في تأييد القوائم الانتخابية أو دعم المرشحين.

تطلعات إصلاحية

وجاءت تصريحات خاتمي في وقت أعربت شخصيات وأحزاب إصلاحية فيه عن تطلعها لخوض الانتخابات البرلمانية.

وقلّل الرئيس السابق لجبهة الإصلاحات بهزاد نبوي من فرص إقبال الشباب على الإصلاحيين. وبعد تقديم استقاله، اختارت الأحزاب الإصلاحية، الناشطة آذر منصوري، لرئاسة الجبهة، في يونيو (حزيران) الماضي.

واضطر نبوي لتقديم استقالته بعد مواقف مثيرة للجدل ضد الحركة الاحتجاجية، التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة مهسا أميني، أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بدعوى سوء الحجاب، سبتمبر (أيلول) العام الماضي.

وقال نبوي، في حوار نشرته مجلة «أكاهي نو»، هذا الأسبوع، إن «الشباب لن يقبل علينا مع رئاسة امرأة على جبهة الإصلاحات».

وانتقد نبوي الزعيم الإصلاحي ميرحسين موسوي، الذي دعا إلى تخطي النظام الحالي، في بيان نشره فبراير الماضي، وقال: «بعض الإصلاحيين كرّروا شعار المرأة، الحياة، الحرية»؛ في إشارة إلى شعار الاحتجاجات التي تقدمتها المرأة.  

ونفى المتحدث باسم جبهة الإصلاحات جواد إمام، في تصريح، لموقع «جماران»، وجود انقسامات في جبهة الإصلاحات، أو أية نوايا لمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة.

واتهم من يطرحون فكرة مقاطعة الإصلاحيين للانتخابات بأنهم «يسعون وراء هذه المقاطعة»، وقال: «هذه المقاطعة حدثت عملياً بسلوكهم وإجراءاتهم ونوعية اختيار الأشخاص من توجه خاص لإجراء الانتخابات، لكي يمنعوا التوجهات المختلفة من المشاركة في الانتخابات».

وانتقد الناشط الإصلاحي قانون الانتخابات الجديد، الذي يمنح مجلس «صيانة الدستور» صلاحيات أوسع في عملية البتّ بأهلية المرشحين، وحذَّر من أنه في حال عدم إعادة النظر في القانون الجديد، وكذلك عدم استعادة الثقة العامة، «لا يمكن أن نشهد انتخابات حرة وتنافسية بحضور كل الأطياف والتوجهات وتحفيز الناس على المشاركة».

وكانت تقارير قد كشفت عن لقاءات بين بعض الشخصيات الإصلاحية؛ من بینهم هادي خامنئي، شقيق المرشد علي خامنئي، مع الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي، الذي تفرض عليه السلطات الإقامة الجبرية منذ 2011.

والاثنين الماضي، قال حسين كروبي، نجل مهدي كروبي، لوكالة «إيلنا» الإصلاحية، إن خبر لقاء والده مع الإصلاحيين بشأن الانتخابات «غير صحيح»، وإنه «ليس لديه موقف محدد حالياً بشأن الانتخابات، نظراً للأوضاع التي تشهدها البلاد».

وقبل ذلك، أفاد موقع «إنصاف نيوز» الإصلاحي بأن كروبي وهادي خامنئي عقدا اجتماعات حول حضور الانتخابات من عدمها، وكيفية حضور المعتدلين من الإصلاحيين في الانتخابات.

وبينما لم تكشف الأحزاب الإصلاحية عن خططها للانتخابات البرلمانية بوضوح، فإن الغموض يسود موقف التيار المعتدل في ظل التكهنات باحتمال عودة رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، ودخول غالبية أعضاء حكومة حسن روحاني إلى السباق البرلماني.

أكثر من 40 ألف طلب

وفي 13 أغسطس (آب) الحالي، أنهت لجنة الانتخابات الإيرانية، التابعة لوزارة الداخلية، عملية تسجيل المرشحين للانتخابات البرلمانية، وقالت وسائل إعلام إيرانية إن 48 ألفاً تقدموا بطلبات الترشح في أنحاء البلاد، للمنافسة على 290 مقعداً في البرلمان الإيراني.

وفي وقت لاحق، قالت وكالة «فارس»، التابعة لـ«الحرس الثوري»، إن أكثر من 800 إصلاحي تقدموا بطلبات للترشح في الانتخابات البرلمانية. وبدورها تحدثت صحيفة «كيهان» الرسمية، الأسبوع الماضي، عن تسجيل «صامت» للإصلاحيين في الانتخابات. وقال وزير الداخلية أحمد وحيدي إن «ممثلي كل التيارات السياسية تقدموا بطلبات الترشح للانتخابات». وأضاف، في مناسبة أخرى، أن «أقصى المشاركة تتحقق بإجراء انتخابات صحية وتنافسية».

وهذه أول انتخابات بعد الاحتجاجات الأخيرة. وتخشى السلطات من عزوف الناخبين عن صناديق الاقتراع، بعدما سجلت الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة أدنى إقبال على مدى 4 عقود. وفي وقت سابق من هذا العام، وجّه المرشد الإيراني أوامر بحشد جميع طاقات أجهزة الدولة لزيادة عدد المشاركين في الانتخابات.

ومطلع هذا الأسبوع، كتب صحيفة «إيران»، الناطقة باسم الحكومة، أن «المشاركة القصوى في الانتخابات باتت واضحة المعالم، بعد تسجيل المرشحين على نطاق واسع».

وذكرت وکالة «فارس» أن البرلمان يدرس مشروع خطة لزيادة 40 مقعداً في البرلمان الإيراني. وقال بعض النواب إن الخطة قد تتأجل. وتتضمن الخطة زيادة عدد النواب في 25 من أصل 31 محافظة إيرانية. ويضم البرلمان حالياً 290 معقداً، وتقدم 250 نائباً من البرلمان الحالي، بطلباتهم لخوض الانتخابات المقبلة.


مقالات ذات صلة

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا play-circle 01:24

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية مسيرات انتحارية من طراز «شاهد 136» خلال العرض العسكري السنوي للجيش الإيراني بطهران (تسنيم)

تقرير: إيران تخفي برامج الصواريخ والمسيرات تحت ستار أنشطة تجارية

قالت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية إن إيران لجأت إلى قطاعها التجاري لإخفاء تطويرها للصواريخ الباليستية، في خطوة للالتفاف على العقوبات الدولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».