آنيتان من مقبرة سار الأثرية في البحرين

أسلوب واحد في النقش الناتئ وحلّتان تصويريّتان مختلفتان

آنيتان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت  مصدرهما مقبرة سار الأثرية في البحرين
آنيتان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت مصدرهما مقبرة سار الأثرية في البحرين
TT

آنيتان من مقبرة سار الأثرية في البحرين

آنيتان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت  مصدرهما مقبرة سار الأثرية في البحرين
آنيتان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت مصدرهما مقبرة سار الأثرية في البحرين

خرجت من مقبرة سار الأثرية في البحرين مجموعة كبيرة من الأواني، منها وعاءان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت، يتميّزان بنقوشهما التصويريّة المتقنة. عُثر على هذين الوعاءين ضمن أثاث جنائزي يعود إلى الحقبة التي عُرفت فيها الجزيرة باسم تايلوس، غير أنهما يعودان في الواقع إلى زمن سابق، شكّلت فيه هذه الجزيرة قطباً أساسياً من إقليم اشتهر باسم دلمون، ممّا يوحي بأن مالكيهما الأصليين عمدوا إلى توارثهما من جيل إلى آخر، على مدى قرون من الزمن.

تتشابه القطعتان من حيث التكوين، وتتبعان أسلوباً واحداً في النقش الناتئ، يتجلّى في حلّتين تصويريّتين مختلفتين. القطعة الأكبر حجماً يبلغ ارتفاعها 7.7 سنتيمتر، وقطرها 12.2 سنتيمتر، وتُعرف بـ«وعاء الكوخ»، وهي مزينة بنقش يمتد على كل مساحتها الخارجية. يتكون هذا النقش من مساحتين متقابلتين، تحمل كل منهما شبكة من الزخارف متنوعة الأشكال. تشكّل المساحة الأولى الإطار الأعلى للوعاء، وتحتلّ ثلث مساحته الخارجية، وتتألف من سلسلة مثلثات متساوية الأضلاع، تستقر وسط شبكة من الكتل الدائرية المتراصة. تمتد المساحة الثانية تحت هذا الإطار التجريدي، وتتكون من عناصر تشكيلية تنصهر في تأليف واحد. يبدو هذا التأليف تجريدياً في الظاهر، غير أنه يحمل ما يُشبه الباب في وسطه، ويمثّل هذا الباب مدخلاً لمسكن على شكل كوخ من القصب.

يتألّف هذا الباب من واجهة مستطيلة تحدّها من كل جهة ثلاث مساحات عمودية متوازية. تعلو هذه الواجهة ثلاثة أقواس تستقر في المساحة الممتدة بين الأعمدة، وتشكّل معها إطاراً مزخرفاً لهذا الباب. في المقابل، تعلو هذه الأقواس مساحة نصف دائرية، تكسوها شبكة أخرى من الكتل الدائرية المتراصة. تتوسّط هذا المدخل مساحتان جداريتان تتكون كل منهما من ستة مكعبات تشكل معاً شبكة زخرفية، تحدّها في القسم الأسفل مساحة أفقية مزينة كذلك بكتل دائرية، تنعقد في ثلاثة صفوف تتبع النسق ننفسه. تكسو ثلاثة من هذه المكعبات سلسلة من الأعمدة المجرّدة المتراصة كأعواد القصب، وتكسو الثلاثة الأخرى سلسلة من الشبكات المكونة من الدوائر الناتئة المعقودة. في الخلاصة، تشكّل هذه الشبكات الزخرفية المتجانسة واجهة لكوخ من قصب، يتوسّطها باب عريض على شكل مقرنص يتميّز بطابع خاص.

تحمل القطعة الثانية زينة تصويرية مغايرة تماماً، تمتدّ على مساحة دائرية يبلغ ارتفاعها 5.5 سنتيمتر، وقطرها 8 سنتيمترات. تبدو هذه الزينة نباتية بشكل صرف، وقوامها نخلة تتكرّر صورتها الواحدة على هذه المساحة الدائرية. تشكّل هذه النخلة عنصراً تشكيلياً ثابتاً تتجلّى سماته في تصوير مكوّناتها المتمثّلة بالجذع والتاج والرطب. يأخذ الجذع شكل عمود في الوسط، تكسوه شبكة من المربعات المتوازية والمتساوية في الحجم تمثّل القشرة الخشبية. يعلو هذا الساق تاج تمتد سعفه الضخمة من الجهتين، وتبلغ أسفله. يتضاءل حجم الجذع أمام هذه السعف، ويبدو أشبه بقصبة رفيعة تنبت منها سلسلة من الأغصان الكبيرة تشكّل طبقتين متوازيتين.

تأخذ الطبقة العليا شكل مثلث تكسوه سلسلة من الأغصان الممتدة عمودياً، وتأخذ الطبقة السفلى شكل كتلة مقوسة تكسوها سلسلة من الأغصان المنحنية في اتجاه الأرض. وبين هاتين الطبقتين، يخرج من كل جهة غصن صغير منحنٍ نحو الأسفل، حاوياً كتلة بيضاوية تكسوها شبكة من المكعبات المرصوصة. ويمثل هذا الغصن على ما يبدو الشمراخ الذي يحمل الرطب.

تعود الآنيتان إلى حقبة تمتدّ من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد

عُثر على هذين الوعاءين ضمن أثاث جنائزي يعود إلى حقبة تمتدّ من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، وهي الحقبة التي عُرفت بها البحرين باسم تايلوس. ويُجمع أهل الاختصاص على القول إن هاتين القطعتين تعودان حكماً إلى مرحلة أقدم بكثير، برزت فيها الجزيرة حاضنة أساسية من إقليم تجاري عُرف باسم دلمون في مصادر بلاد ما بين النهرين، وهما من نتاج نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد، ممّا يوحي بأن مالكيهما الأصليين قاموا بتوارثهما على مدى أجيال، إلى أن أودعتا في قبر، تكريماً لصاحب هذا القبر.

في الواقع، تتبنّى هاتان القطعتان أسلوباً جامعاً انتشر في نواحٍ متباعدة جغرافياً، واختلفت الآراء في تحديد مصدره. ظهر هذا الأسلوب «متعدد الثقافات» في نواحٍ عدة من بلاد الرافدين. وازدهر بشكل واسع في جنوب شرقي إيران، بين مقاطعتي بلوشستان وكرمان، كما تشهد مجموعة هائلة من أواني الكلوريت خرجت من مقاطعة جيروفت. راجت هذه المدرسة كذلك في ساحل الخليج، كما تشهد مجموعة كبيرة من القطع خرجت من جزيرة تاروت التابعة لمحافظة القطيف في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، ومجموعة أخرى موازية خرجت من جزيرة فيلكا التابعة لمحافظة عاصمة الكويت. وأغلب هذه القطع وصل على شكل كسور جزئية.تقابل هاتين المجموعتين مجموعة أخرى مصدرها مقبرة منطقة سار البحرينية التي تقع في المحافظة الشمالية وتبعد نحو 10 كيلومترات غرب العاصمة المنامة، وأهمها هذان الوعاءان اللذان وصلا بشكل كامل.


مقالات ذات صلة

حنين الصايغ: لم أكتب دفاعاً عن طائفة إنما عن بشر لهم حيواتهم

ثقافة وفنون  الكاتبة والشاعرة اللبنانية حنين الصايغ

حنين الصايغ: لم أكتب دفاعاً عن طائفة إنما عن بشر لهم حيواتهم

استطاعت الكاتبة والشاعرة اللبنانية حنين الصايغ أن تحقق حضوراً لافتاً في المشهد الأدبي من خلال روايتها الأولى «ميثاق النساء» (دار الآداب)، التي أثارت تفاعلاً…

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون أحمد عامر يرسم شخوصاً عالقين في فخ الوجود

أحمد عامر يرسم شخوصاً عالقين في فخ الوجود

في مجموعته القصصية «عين سحرية تطل على خرابة»، يسعى الروائي والقاص المصري أحمد عامر إلى رؤية الواقع بعيون أبطاله المأزومين المهزومين،

عمر شهريار
ثقافة وفنون «جماليات الإفصاح الوجداني»... قراءات في الأدب الألماني

«جماليات الإفصاح الوجداني»... قراءات في الأدب الألماني

صدر حديثاً عن «دار النهار» اللبنانية كتاب جديد للدكتور مشير باسيل عون بعنوان «جماليات الإفصاح الوجداني»، وهو مجموعة مقالات بحثية تتناول جوانب فلسفية وجمالية

«الشرق الأوسط» ( بيروت)
ثقافة وفنون محمد سمير ندا

محمد سمير ندا: أفضّل أن أعيش كالخفاش بعيداً عن الأضواء

حوار مطول يجيب فيه الكاتب على الجدل واللغط الذي أثير حول روايته «صلاة القلق» الفائزة بجائزة البوكر، ونفى مهاجمته للرئيس الراحل جمال عبد الناصر

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون طه حسين

بيتهوفن وطه حسين ونجيب محفوظ

يستحضر الكاتب هؤلاء العمالقة الثلاثة في تاريخ الأدب والفن... ويسرد ذكرياته معهم متمنياً أن «أقبِّل يد كل منهم امتناناً»

د. رشيد العناني

أسبوع «يوروفيجن» ينطلق وسط احتجاجات على مشاركة إسرائيل

من فعاليات حفل افتتاح مسابقة «يوروفيجن» في بازل (إ.ب.أ)
من فعاليات حفل افتتاح مسابقة «يوروفيجن» في بازل (إ.ب.أ)
TT

أسبوع «يوروفيجن» ينطلق وسط احتجاجات على مشاركة إسرائيل

من فعاليات حفل افتتاح مسابقة «يوروفيجن» في بازل (إ.ب.أ)
من فعاليات حفل افتتاح مسابقة «يوروفيجن» في بازل (إ.ب.أ)

انطلقت مسابقة الأغنية الأوروبية «يوروفيجن» في شوارع مدينة بازل السويسرية، الأحد، بموكب احتفالي تحت أشعة الشمس، ليبدأ بذلك أسبوع من الاحتفالات قبل الحفلة النهائية. وقد شهدت الفعاليات احتجاجات ضد مشاركة إسرائيل في المسابقة.

وتستضيف المدينة السويسرية النسخة التاسعة والستين من أكبر حدث موسيقي يُبث مباشرة على الهواء في العالم، ويتابعه نحو 160 مليون مشاهد.

وفي حين تهيمن إيقاعات البوب الأوروبية والعروض الموسيقية المذهلة والأغاني الحماسية على الحدث الموسيقي، ليست «يوروفيجن» بمنأى عن السياق الجيوسياسي في العالم.

وعند انطلاق الموكب الاحتفالي من أمام مبنى بلدية بازل التاريخي، لوّحت مجموعة من المشاركين بعشرات الأعلام الفلسطينية، ورُفع أحد الأعلام إلى جانب لافتة كتب عليها: «إسرائيل: افتحوا حدود غزة. دعوا المساعدات تدخل».

متظاهرون مؤيدون لفلسطين عند مبنى بلدية بازل (د.ب.أ)

وقد أوقفت الشرطة متظاهراً كان يلوّح بعلم. ورفع أحد الأشخاص لافتة كُتب عليها: «لا تصفيق للإبادة الجماعية»، بينما كُتب على أخرى «نغني وغزة تحترق»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

إيماءة تشير إلى «قطع العنق»

ومرشّحة إسرائيل هذا العام هي يوفال رافائيل، التي نجت من هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل حين اختبأت تحت جثث قتلى بينما كان عناصر حركة «حماس» يهاجمون مهرجان نوفا الموسيقي.

وعند مغادرتها مبنى البلدية، رحبت المغنية بالحشود، وأرسلت القبلات لهم، ووقفت أمام المصورين وهي تلوح بالعلم الإسرائيلي.

وأعلنت هيئة البث العامة الإسرائيلية «كان» أنها تقدمت بشكوى إلى الشرطة السويسرية ضد متظاهر قام بإيماءة تشير إلى «قطع العنق» تجاه يوفال رافائيل وبصق على الوفد الإسرائيلي.

وفي اتصال مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، قالت الشرطة السويسرية إنها «على علم بالحادث»، وإنها «سترفع تقريراً» للسلطات المعنية.

وقالت بيلبون بيرجيت ألتالر، وهي امرأة من مدينة بازل كانت من بين المتظاهرين: «لطالما استخدمت إسرائيل مسابقة يوروفيجن منصة دعائية. ومن المخزي أن مدينة بازل، على سبيل المثال، لا تفعل شيئاً». وأضافت: «من المهم أن تشهد يوروفيجن تغييراً».

وتستضيف سويسرا هذا الحدث الموسيقي بعد فوز الفنان السويسري نيمو بمسابقة يوروفيجن 2024 في مالمو بالسويد مع أغنيته «ذي كود» التي تتناول قصته الشخصية، وميوله الجنسية.

وقد انضم نيمو إلى الدعوات المطالبة باستبعاد إسرائيل. وقال لموقع «هافينغتون بوست» الإخباري: «أؤيد الدعوة إلى استبعاد إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبية».

وأضاف أن «تصرفات إسرائيل تتناقض بشكل أساسي مع القيم التي تؤكد مسابقة يوروفيجن دعمها، وهي السلام، والوحدة، واحترام حقوق الإنسان».

وأشارت أجهزة الطوارئ في بازل إلى أنّ الموكب الذي وصل إلى ساحة ميسيبلاتز «جرى من دون أي مشكلات كبيرة».

وقالت الشرطة في بيان مقتضب: «تمكّنت عناصر الشرطة بفضل وجودهم في المكان من توقيف نحو 150 شخصاً في ساحة ميسيبلاتز، وبالتالي تجنّب أي تعطيل للحدث الرسمي».

المشجعون يحتفلون في شوارع بازل خلال موكب حفل افتتاح مسابقة «يوروفيجن» (إ.ب.أ)

«قلب أوروبا»

وشارك المرشّحون من 37 دولة في الموكب الذي طغت عليه الملابس الملوّنة، والمبهرجة.

وقال رئيس كانتون بازل، كونرادين كرامر: «لقد حانت اللحظة التي كنا ننتظرها. المسرح جاهز. الإثارة واضحة، والمدينة بأكملها تنبض بطاقة فريدة، وقوية».

وتابع مازحاً: «إن مسابقة يوروفيجن هي الاختراع السويسري الأكثر ثورية بعد سكين الجيب، والسحّاب، وطبق موسلي».

وأضاف قبل الإعلان رسمياً عن انطلاق يوروفيجن 2025 إنّ «مدينة بازل الواقعة في قلب أوروبا هي المكان المثالي لجمع الناس من خلال الموسيقى».

ونُقل الفنانون بواسطة ترام، وحافلات قديمة على «سجادة فيروزية» هي الأطول في تاريخ مسابقة يوروفيجن مع 1.3 كيلومتر.

وانطلق الموكب الذي ضمّ عازفي آلات إيقاعية، وفرقاً راقصة، وموسيقية، ومنسقي موسيقى التكنو، عابراً نهر الراين عبر جسر ميتلير قبل أن ينتهي في منطقة المشجعين في «قرية يوروفيجن».

من فعاليات موكب افتتاح مسابقة الأغنية الأوروبية (إ.ب.أ)

السويد والنمسا الأوفر حظاً

ستشهد حفلتا الدور نصف النهائي اللتان تقامان الثلاثاء والخميس استبعاد 11 دولة، لتبقى 26 دولة تتنافس في الحفلة النهائية المرتقبة، السبت.

وتشير التوقعات إلى أن السويد هي الأوفر حظاً للفوز باللقب هذه السنة، وتمثلها فرقة «كاي» أو «KAJ»، التي تغني عن متعة الساونا، والشواء بطريقة فكاهية، وجذابة.

أما ثاني الأسماء المُتوقّع فوزها، فهي النمساوي «جاي جاي - JJ» مع أغنية «وايستد لاف» التي تتشابه مع أغنية «ذي كود» بالتناوب بين الغناء، والإيقاعات الحديثة.

وتشكل فرنسا، تليها إسرائيل، وبلجيكا، وهولندا، وفنلندا، الدول التي تتصدّر لائحة توقعات المراهنين.