الحقوق السياسية للمرأة من منظور نسوي تاريخي

الحقوق السياسية للمرأة من منظور نسوي تاريخي
TT
20

الحقوق السياسية للمرأة من منظور نسوي تاريخي

الحقوق السياسية للمرأة من منظور نسوي تاريخي

تتساءل الباحثة والأكاديمية د. إكرام طلعت البدوي في كتابها «الفلسفة السياسية النسوية - تاريخ من العدالة المراوغة»، الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، عن أهمية ومبررات الانشغال سياسياً بالحركة النسوية، مشيرة إلى أنه ربما كان الأمر يرتبط بالامتدادات الفكرية النسوية منذ القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. كما يجيء هذا الانشغال تعبيراً عن التزام آيديولوجي بالدعوة والعمل معاً على تحقيق المساواة بين الجنسين على مستويات عدة، من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بقاع مختلفة من أنحاء العالم.

وتشير إلى أن المساواة بمعناها الحقوقي، قانونياً وسياسياً واجتماعياً، هي عبارة عن موقف نقدي ورؤية فلسفية للعالم ترفض أي تمكين على أساس الجنس، وتؤكد ضرورة الاعتراف بالإنسانية كجوهر يتقاسمه الرجل والمرأة معاً، كما تعد الديمقراطية بمعناها السياسي تجسيداً للمساواة بين الجنسين، ومن ثم فإنها محور الارتكاز للمطالب النسوية التي تنادي بالحقوق التي يتمتع بها الرجال منفردين.

ظهرت بوادر الحراك النسوي في أربعينات القرن التاسع عشر من خلال معاهدة «سينيكا فولز» عام 1848 التي أقرت بحقوق المرأة في الولايات المتحدة. أما في بريطانيا فقد بدأت في الخمسينات من القرن نفسه محاولات لإقرار حق التصويت للمرأة في إطار ما قدمه الفيلسوف جون ستيوارت مل، لكن جاء الرفض من قبل مجلس العموم البريطاني. وكان هذا الرفض بمثابة تشجيع لقيام الاتحاد الاجتماعي والسياسي للمرأة عام 1903 بقيادة إميلين بانكهوت (1858-1928) وابنتها كريستابل بانكهورست بالعمل من مقر سري في باريس لشن حملات وتظاهرات دعمتها دعاية ناجحة.

منح التعديل التاسع عشر للدستور الأميركي حق التصويت للأميركيات عام 1920، وفي بريطانيا حصلت المرأة عليه عام 1928. وإذا اعتبرنا أن حق التصويت في هذين البلدين، ومن قبلهما نيوزيلاندا عام 1893، يمثل المحور الأساسي لما يمكن تسميته بـ«الموجة الأولى» فإن الموجة الثانية للحراك السياسي النسوي دشنته بيتي فريدان في كتابها «السحر الأنثوي» عام 1963.

يطرح الكتاب مشكلات إنسانية واجتماعية تعوق مسيرة الحقوق السياسية والقانونية للنساء، ومن ثم ظهرت على السطح تلك المشكلات التي صارت تؤسس لفكرة التغير الاجتماعي السياسي وذلك بعد الحرب العالمية الثانية وبداية حركة حقوق الإنسان حيث أدرجت النساء رسمياً كأصحاب حقوق إنسانية. وقام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 بإعلان المساواة في الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وأيضاً الحقوق المدنية والسياسية، بغض النظر عن النوع الاجتماعي بالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق المرأة 1967 واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979.

ورغم تلك النجاحات، فإن الموجة الثانية عانت من انقسامات بداخل الحركة النسوية ذاتها إزاء حسم مسألة تكافؤ الفرص في مجال التوظيف، كما تعثرت مسألة تحويل التجارب الشخصية النسوية إلى كيان سياسي يمكنه القيام بمظاهرات حاشدة وإضرابات عمالية. ولم تقدم الحركة النسوية تصوراً موحداً للتعامل مع آيديولوجيات الليبرالية والاشتراكية والراديكالية.

على هذه الخلفية، بدا واضحاً أن مسألة «السلطة» تجسد الميزة الكبرى التي حصل عليها الرجل، وتعد العائق الأعظم في طريق تمكين المرأة من المساواة بين الجنسين وحصولها على حقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي من حيث توزيع المسؤوليات والمهام.

وفي الأخير، تشدد المؤلفة على أن مشكلات المرأة لا تخصها وحدها وإنما تخص المجتمع بأسره. ومن الأمثلة الدالة على عدم تمكين المرأة أنه في معظم البلاد الأوروبية وكثير من بلدان العالم تمثل النساء نسبة أقل من الثلث في الانتماء للأحزاب السياسية؛ لذلك فإن تمكينها من الدخول إلى دائرة صنع القرار يظل محدوداً إلى حد بعيد.


مقالات ذات صلة

أماندا نغوين نجت من رعب الاغتصاب... ثم ارتحلت إلى الفضاء

ثقافة وفنون أماندا نغوين

أماندا نغوين نجت من رعب الاغتصاب... ثم ارتحلت إلى الفضاء

هناك عبارة تتكرر في مواضع رئيسية في جميع أنحاء مذكرات أماندا نغوين القوية والمؤثرة عن النشاط والتعافي بعنوان «إنقاذ خمسة».

سيلفيا براونريغ
ثقافة وفنون 5 قطع ثعبانية من موقع سلّوت الأثري في سلطنة عُمان

أفاعي سلّوت في ولاية بهلا بسلطنة عُمان

بدأ استكشاف تاريخ سلطنة عُمان الأثري في النصف الثاني من القرن الماضي، وأدّى إلى العثور على سلسلة من المواقع الأثرية تعود إلى أزمنة سحيقة

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون «صيف سويسري»... معالجة أوهام الذاكرة بالاعتراف

«صيف سويسري»... معالجة أوهام الذاكرة بالاعتراف

أربعة أمور أساسية كانت وراء المشهد المختلف لعالم رواية «صيف سويسري» لإنعام كجه جي - منشورات تكوين/ الرافدين 2024 - يتَّصل الأول بالذاكرة السردية لمشروع الكاتبة

حمزة عليوي
ثقافة وفنون أمل دنقل... «أمير شعراء الرفض» من منظور نقدي

أمل دنقل... «أمير شعراء الرفض» من منظور نقدي

يرصد الكتاب الضخم «سِفر أمل دنقل»، الذي يقع في 680 صفحة، عدداً من أهم الدراسات النقدية والرؤى الإنسانية التي كُتبت عن الشاعر المصري البارز أمل دنقل (1940 - 1983

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون الدبلوماسية الثقافية للمغرب من خلال تجربة متحف

الدبلوماسية الثقافية للمغرب من خلال تجربة متحف

انطلاقاً من الدور البارز الذي تضطلع به المتاحف في سبيل تجسيد الإشعاع الحضاري، والازدهار الثقافي والفني والسياسي للأمم والشعوب،

«الشرق الأوسط» (الرباط)

أماندا نغوين نجت من رعب الاغتصاب... ثم ارتحلت إلى الفضاء

أماندا نغوين
أماندا نغوين
TT
20

أماندا نغوين نجت من رعب الاغتصاب... ثم ارتحلت إلى الفضاء

أماندا نغوين
أماندا نغوين

هناك عبارة تتكرر في مواضع رئيسية في جميع أنحاء مذكرات أماندا نغوين القوية والمؤثرة عن النشاط والتعافي بعنوان «إنقاذ خمسة». أول مرة نراها في الرسالة التي كتبتها وسجلتها على جهاز الحاسوب الخاص بها بعد فترة وجيزة من اغتصابها في حرم جامعة هارفارد: «لا تستسلم أبداً أبداً أبداً».

في الأيام التي تلت ذلك الاعتداء الذي غيّر مجرى حياتها، يبدو من المستحيل أن تستعيد نفسها المحطمة. كتبت نغوين تقول: «متى سأتوقف عن الشعور بهذه الطريقة - وكأن أحشائي ممزقة؟ وكأن روحي مهشمة بصورة لا يُرتجى إصلاحها؟».

تتنقل سردية نغوين عبر الأحداث ذهاباً وإياباً، بدءاً من طفولتها التي نشأت فيها مع والدها الذي كان يعاملها بعنف، إلى اللحظة التاريخية في عام 2016 عندما سُنّ قانون حقوق الناجين في واشنطن، وصولاً إلى وجهة نظر أماندا البالغة التي أصبحت في النهاية رائدة فضاء. وطوال الوقت، تتمثل المهمة الرئيسية للكاتبة في إعادة تنضيد ذواتها المتباينة ضمن كيان واحد متماسك.

تستخدم نغوين أسلوبين مختلفين في سرد حكاياتها المتوازية عن التعافي الشخصي والنشاط السياسي. في فصول مثل «كيف تنجو من الآثار الفورية للاغتصاب: دليل»، تطرح سرداً واقعياً دقيقاً. ومن خلال تضمين تقارير المستشفى، والأدوية التي وصفت لها (مثل الحبوب المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية) وغيرها من التفاصيل الإكلينيكية، تنقل نغوين أجواء البيروقراطية القاسية التي تحيط بالضحايا. وعلى الرغم من أنها تدرك نواياها الحسنة، فإن هذه الدعامات القانونية تبدو على الفور وكأنها تنزع الطابع الشخصي عن نغوين؛ ما يزيد من إحساسها بالانمحاء الذاتي.

يتجسد هذا التوتر في «عتيدة الاغتصاب» الخاصة بها، والتي تحتوي على العينة التي جُمعت في غضون ساعات من الاعتداء عليها - وهي، في الوقت ذاته، مستودع حرفي للأدلة وتذكير ملموس بالسؤال الدائم حول ما إذا كان ينبغي توجيه اتهامات ضد المعتدي عليها الذي لم يُذكر اسمه (وهو طالب زميل لها). لا تزال الطالبة الجامعية في حالة صدمة بالغة الشدة، وعليها أن تتخذ قرارات سوف تؤثر على مسار مستقبلها إلى الأبد.

عندما تفحصت لاحقاً الملف المكون من 65 صفحة الذي قدمته لها المستشفى، علمت أن ولاية ماساتشوستس تتلف أدلة الإدانة بعد ستة أشهر إذا لم تتم متابعتها، على الرغم من أن قانون التقادم على الاعتداء الجنسي يبلغ 15 عاماً. يثير هذا التناقض غضب نغوين؛ إذ تقول: «أشعر بالعجز، وبأنني غير مرئية، وبأنني تعرضت للخيانة مرة أخرى» - وهذه هي النار التي تدفعها في نهاية المطاف إلى رحلة نضالها. «كيف يمكن لورقة يابسة أن تنعم بالحياة من جديد؟ لا يمكنها ذلك. ولكن يمكنها أن تتحول»، كما كتبت. «مع الحرارة المناسبة، حتى ورقة الشجر اليابسة يمكن أن تصبح شرارة مشتعلة».

بينما تخوض نغوين غمار هذه الجوانب القانونية المحيرة للغاية، تواجه التحدي المباشر المتمثل في العودة من حافة الهاوية: ومن بين الإحصائيات التي تستشهد بها حقيقة أن ثلث النساء اللائي تعرضن للاغتصاب يفكرن في الانتحار. يجب على نغوين أن تستكمل عامها الأخير في الجامعة ثم تتابع طلبات التوظيف - للعمل إما في وكالة «ناسا»، كما تأمل، أو لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، التي اختيرت للتعيين فيها. تفكر نغوين أكثر من مرة في معضلة مريعة: الاختيار بين الحياة المهنية أم السعي لتحقيق العدالة؟

أما سرد نغوين الآخر المتناوب، فهو رحلة مؤثرة وخيالية تقوم بها كامرأة في الثلاثين من عمرها، مصحوبة بتذكر نفسها في سن الخامسة والخامسة عشرة والثانية والعشرين عاماً. قد تبدو هذه الحوارات في وهلتها الأولى وكأنها تمرين علاجي، لكن استعادة ذواتها الأصغر سناً تستحيل عملية إنقاذ ضرورية. تكتب: «ها أنا ذا، أهرب بعيداً لأجد عقلي أو ربما لأفقده. مكان أذهب إليه داخل نفسي. إنه عالمي الداخلي».

من المثير للدهشة أن ندرك أن مذكرات النجاة من الاغتصاب قد صارت نوعاً أدبياً قائماً بذاته

سوياً، تنطلق رباعية أماندا في مغامرة أسطورية عبر مراحل الحزن الخمس. وفي كل محطة (صحراء قاحلة، ومنارة متلألئة بالضياء على شاطئ البحر، وسفينة خردة معطلة بالقرب من الميناء) تغوص في الذاكرة: تصف أماندا الوقت الذي كسر فيه والدها معصمها في الليلة التي سبقت موعد التحاقها الجامعة؛ وتكشف عن تجارب الهروب المؤلمة التي خاضها والدها ووالدتها بصفتهما لاجئين بعد سقوط سايغون الفيتنامية.

من خلال هذه القصص تجد نغوين تعاطفاً ليس فقط مع الطفلة التي كانت تتعرض للضرب، وتبحث عن الراحة في التحديق إلى النجوم (ما أدى إلى اهتمامها بالفضاء مدى الحياة)، وإنما حتى مع والدتها التي كانت داعمة دوماً لها ووالدها الغاضب المتسلط. من المريع أن نعلم أنه بعد وصول نغوين إلى كمبردج، قادمة مباشرة من غرفة الطوارئ في لوس أنجليس، لحق بها والدها الذي أصدرت الجامعة أمراً تقييدياً بحقه. «كانت جامعة هارفارد أول بيت حقيقي لي، ولكنني لم أستطع مغادرته لأنني لم أكن محمية خارج أسوارها». إن تحول ملاذها الآمن (لم تعد أبداً إلى كاليفورنيا في العطلات أو الإجازات) موقعاً لمثل هذا الرعب قد ضاعف للغاية من صدمة نغوين.

إن استعادة حتى الذكريات المؤلمة تتيح لنغوين أن تتلمس أخيراً بعض السلام، تماماً كما يُتيح لها نجاح مساعيها من أجل سن تشريع وطني. (وقد رُشحت في عام 2019 لنيل جائزة نوبل للسلام تقديراً لعملها).

من المثير للدهشة أن ندرك أن مذكرات النجاة من الاغتصاب قد صارت نوعاً أدبياً قائماً بذاته وخاصاً بأماندا؛ قد ينصرف ذهن القراء إلى رواية «اعرف اسمي» الرائعة للكاتبة شانيل ميلر وهم يقرأون مذكرات نغوين. لكن كما هو الحال مع روايات الحزن، فإن قصة كل كاتبة حية وضرورية. إن مساهمة نغوين الأصلية، كما يعد عنوانها، سوف تمنح الناجين وغير الناجين على حد سواء بعض الأمل في تحقيق العدالة - والآن صار هذا الأمل ضرورياً أكثر من أي وقت مضى.

* مؤلفة كتاب «اللغز المذهل بأكمله»

- خدمة «نيويورك تايمز»