عن دار «البشير»، صدر كتاب «الحيوان في القرآن الكريم - دراسة دلالية» للباحث د. محمد حمدي درويش الذي يستعرض جانباً مهماً ولافتاً من جوانب الإعجاز البلاغي في كتاب الله عز وجل من خلال البحث في الحقل الدلالي والمعرفي للألفاظ والآيات في هذا السياق.
وعن الأسباب التي حفزته لهذا المنحى يرى الباحث أنه لو ذُكر لفظ في القرآن الكريم، لكان حرياً بنا أن نقف أمام هذا اللفظ وقفة تأمل وفهم ودراسة، فما بالنا وقد حظي الحيوان بجانب ليس بالقليل من كتاب الله عز وجل، بل إن هناك بعض السور سميت بأسماء الحيوانات، وهو ما يبين لنا قدر هذا المخلوق الذي رافق الإنسان منذ فجر التاريخ الإنساني، وتأثر كلاهما بالآخر تأثراً كبيراً كان له سمته البارز في حياة الإنسان.
ويلفت إلى أن البشر اعتمدوا على الحيوان في كثير من أعمالهم وحاجاتهم اليومية؛ فاتخذوا من لحمه قُوتَهم، ومن لبنه شرابهم، ومن جلده ملبسهم، وخيمتهم، ومن عظمه سلاحهم ووقودهم، كما اتخذوه كذلك وسيلة انتقال من مكان لآخر.
وقد عبَّر القرآن الكريم عن هذه المنافع وغيرها في غير موضع، مؤكداً أن العلاقة بين الإنسان والحيوان، وإن كانت علاقة تسخير، إذ سخر الله للإنسان كل ما في الكون ومن بينها الحيوان، بيد أنها علاقة قائمة على الرحمة والرفق.
الكتاب، وإن اهتم بالحيوان في القرآن الكريم، فإنه يرمي إلى غاية أعمق، وهي التأمل في بديع صنع الله لنعمة الحيوان، الذي سخره الله للإنسان ليعينه على القيام بمهمته الأساسية في هذا الكون: عبادة الله وعمارة الأرض.
ويعد الكتاب دراسة تحليلية عميقة تسبر أغوار النصوص القرآنية التي ورد فيها ذكر الحيوان، متناولة دلالاتها المتعددة في سياقاتها المختلفة، ومدى ارتباطها بالرسالة القرآنية الكبرى التي تهدف إلى بناء الإنسان وتوجيهه نحو الرقي الإيماني والإنساني.
ويسلط المؤلف الضوء على مواضع ذكر الحيوان في القرآن، سواء بلفظ عام، أو بالإشارة إلى صفة من صفاته، أو باسمه الخاص، مستعرضاً هذه المواضع وفق منهج دلالي يعتمد على السياق الذي ورد فيه اسم الحيوان، ومدى ارتباطه بالرسالة التي يسعى النص القرآني لإيصالها. كما يستند إلى صحيح الأحاديث النبوية وآراء العلماء الموثوق بهم، مع تحليل الظواهر البلاغية في تلك الآيات.
جاء الفصل الأول من هذا الكتاب المهم بعنوان «الحيوان في المثل القرآني»، وفيه يحلل المؤلف الأمثال القرآنية التي ورد فيها الحيوان، ويصنفها وفق أغراضها الدلالية، موضحاً كيف أن اختيار الحيوان في كل مثل لم يكن عشوائياً، بل جاء ملائماً للسياق وللمعنى المقصود من المثل القرآني.
أما الفصل الثاني المعنون بـ«الحيوان في القصص القرآني»، فيرصد الدور الذي لعبه الحيوان في سياق القصص القرآنية، مع تسليط الضوء على الحكايات التي كان فيها للحيوان حضور بارز، كدوره في قصة أصحاب الفيل، وهدهد سليمان، وناقة صالح، وحوت يونس.
وفي فصل «الحيوان والإنسان» حفر عميق لأبعاد العلاقة بين البشر والحيوانات والتي ذهبت إلى حد أن كان للحيوان دور تعليمي بارز في نقل الحكمة لبنى آدم؛ فتعلم الإنسان دفن الموتى من الغراب، ويدلل الكاتب على أن الإسلام أكد على مفهوم الرحمة العامة التي تشمل الإنسان والحيوان معاً.
هكذا تتنوع حقول الدلالة وتكتسب صورة الحيوان ملامح وأبعاداً جديدة، سواء في مصفاة الأمثال التراثية، أو مصفاة الحكاية، وتتعمق بحدس معرفي لافت، حيث يصبح الحيوان مصدراً للتعلم والحكمة بالنسبة للإنسان.
يعد كتاب «الحيوان في القرآن الكريم» الثاني للزميل د. محمد حمدي درويش، الذي يشغل منصب رئيس قسم التصحيح بصحيفة «الشرق الأوسط»، بعد كتابه الأول «الحقول المعرفية عند ابن قتيبة - المنهج والقضايا» الصادر عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب» عام 2020.