«رفيف الفراشة»... الأحلام والحب الضائع

«رفيف الفراشة»... الأحلام والحب الضائع
TT
20

«رفيف الفراشة»... الأحلام والحب الضائع

«رفيف الفراشة»... الأحلام والحب الضائع

في روايته الجديدة «رفيف الفراشة» الصادرة أخيراً في القاهرة عن دار «العين»، يسعى الروائي العراقي المقيم بالعاصمة البلجيكية بروكسل، زهير كريم، إلى خلخلة فكرة الزمن عبر تداخل الماضي والحاضر، وكذلك الشخصيات والأحداث، بشكل يتمرد على القوالب التقليدية للسرد. فالحبكة الدرامية الأساسية تقوم على ما تسمى «رواية داخل رواية». ويظهر المؤلف بشخصيته الحقيقية داخل العمل، بوصفه صانعاً للحدث، وليس مجرد راوٍ له.

تبدأ الأحداث في منزل بمدينة طرابلس الليبية؛ حيث يقيم زهير بغرفة كان يشغلها شاب عراقي منذ فترة مضت.

وتحت السرير، يجد حقيبة مهترئة الجلد، في داخلها لفيفة، في الصفحة الأولى قصاصة، يقول فيها كاتبها إنه يتنازل عن المدونة التي تضمها اللفيفة المكونة من أربعين صفحة من حياة شخصية تشبه المذكرات. من هنا ينطلق المؤلف في معالجة هذه الأوراق ليكتب روايته.

هكذا تظهر للوجود شخصية «كامل»، طالب بالصف الثالث بكلية الهندسة، يحلم بتشييد بيته الخاص بمواصفات خاصة، يبدع في تجسيدها عبر نموذج (ماكيت) للذي سوف يشيده ويعيش فيه؛ لكن الماكيت يتحطم كما تتحطم معه قصة حبه لـ«حنان»، فقد حرَّضته الحبيبة على توزيع منشورات سياسية خطيرة.

وعندما يستجيب تتحول الأحلام إلى كوابيس، فلا عائلة ولا مستقبل ولا أمان. إنه نص شفيف ومراوغ عن الحدث الذي يبدو عابراً وبسيطاً؛ لكنه ينمو بطريقة غامضة وتراجيدية ليغير مصائر الشخصيات. ورغم التجارب القاسية التي يمر بها، يحافظ «كامل» على قضيتين: الأولى إخلاصه للفن المعماري، والثانية حبه لحنان التي لم يعرف شيئاً عنها طوال العشرين عاماً، وهي الفترة التي بدأت منذ مغادرته منزل العائلة حتى استقراره في مدينة طرابلس.

وعلى مدار الرواية تتناوب الشخصيتان الأساسيتان، كامل وحنان، على السرد، بوصفهما صوتين يطرحان التصورات ويضعان الحكاية كاملة أمامنا. إنهما طيفان في النهاية أو حلمان، يبحثان عن لحظة هناء لا تجيء.

من أجواء الرواية نقرأ:

«سمعت موسيقى تنبعث من أحد البيوت المجاورة للشقة التي أسكنها، شاهدت الراقصين يضربون بأقدامهم الأرض في حفلة العرس، يهزون أجسادهم مثل الدراويش في مشهدٍ ظهروا لي فيه ذائبين في الموسيقى. نظرتُ من النافذة وتابعت الاحتفال لساعة تقريباً. أدخن وأتفرج، بينما رائحة الفرح تسللت إلى جسدي، بدأت أرقص في مكاني، ثم قلت لنفسي إن الموسيقى الهندية لا تشبه أغاني (حسين نعمة) ولا (ياس خضر)، الغناء عندنا حتى في الأعراس مناحة تقتل كل رغبة بالحياة، اجترار لذكرى الكوارث وشريط طويل من التراجيديا؛ لكن الموسيقى عندهم لا، إنها مصنوعة من عواطف سحرية تحتفي بالنسيان باعتباره الطريقة التي تطرد التحسُّر، وتحتفل باللحظة ذاتها، الموسيقى تعويذة تحمي بقعة النور من الظُّلْمة. ساعدتني الأجواء المبهجة أن أفكِّك المشاعر المازوشية، عملية جَلْد الذات التي رافقتني باعتباري أحمقَ ومذنباً، لقد سببت الأذى ليس لنفسي وحسب؛ بل للآخرين. قلت إننا كبشر لا يمكن أن نكون طبيعيين من دون أخطاء، أولئك الذين لا يُخطئون كائنات أخرى، طُهْرانيَّة وهذه ليست من صفاتنا، أنا أيضاً ليس لدي أجنحة نورانية على الأقل، لست وسيماً بالقدر الذي أبدو فيه كأني هبطت للتَّوِّ من السماء. لي عينان جميلتان، هذا صحيح، أنف دقيق، بشرة صافية وشعر جميل، جسد مثالي لشابٍّ في الرابعة والعشرين، لستُ ذا جسدٍ مثالي؛ لكن كل شيء يبدو لي أمام المرآة متناسقاً بدرجة جيدة؛ لكني لست ملاكاً».


مقالات ذات صلة

العصر العباسي الأول... المفارقة بين نزق السطوح وتراجيديا الأعماق

ثقافة وفنون العصر العباسي الأول... المفارقة بين نزق السطوح وتراجيديا الأعماق

العصر العباسي الأول... المفارقة بين نزق السطوح وتراجيديا الأعماق

لم يكن التغزل الصريح بالمرأة والاحتفاء بالملذات ظاهرةً عباسيةَ النشأة والتبلور، بل كانت نسخته الأولى قد تشكلت في الحقبة الأموية

شوقي بزيع
ثقافة وفنون آنيتان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت  مصدرهما مقبرة سار الأثرية في البحرين

آنيتان من مقبرة سار الأثرية في البحرين

خرجت من مقبرة سار الأثرية في البحرين مجموعة كبيرة من الأواني، منها وعاءان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت، يتميّزان بنقوشهما التصويريّة المتقنة.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون لوحة «البحر الأبيض المتوسط» للفنان أدولف كوفمان

أقدار البحر المتوسط

«لعنك الله من بحر أثيم مخرب للبيوت»، بهذه العبارة خاطب البحار العجوز الأفق المتوسطي في مرفأ «بيريه» بأثينا، في رواية «زوربا» لكازانتزاكيس،

شرف الدين ماجدولين
ثقافة وفنون مجلة «المسرح»: جيل جديد من مخرجي المسرح الإماراتي

مجلة «المسرح»: جيل جديد من مخرجي المسرح الإماراتي

صدر حديثاً العدد (66) من مجلة «المسرح» عن دائرة الثقافة في الشارقة لشهر مارس (آذار) 2025، ويضم مجموعة متنوعة من المقالات والحوارات والمتابعات والقراءات

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
ثقافة وفنون الحقوق السياسية للمرأة من منظور نسوي تاريخي

الحقوق السياسية للمرأة من منظور نسوي تاريخي

تتساءل الباحثة والأكاديمية د. إكرام طلعت البدوي في كتابها «الفلسفة السياسية النسوية - تاريخ من العدالة المراوغة»، الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

آنيتان من مقبرة سار الأثرية في البحرين

آنيتان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت  مصدرهما مقبرة سار الأثرية في البحرين
آنيتان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت مصدرهما مقبرة سار الأثرية في البحرين
TT
20

آنيتان من مقبرة سار الأثرية في البحرين

آنيتان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت  مصدرهما مقبرة سار الأثرية في البحرين
آنيتان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت مصدرهما مقبرة سار الأثرية في البحرين

خرجت من مقبرة سار الأثرية في البحرين مجموعة كبيرة من الأواني، منها وعاءان من الحجر الصابوني المعروف بالكلوريت، يتميّزان بنقوشهما التصويريّة المتقنة. عُثر على هذين الوعاءين ضمن أثاث جنائزي يعود إلى الحقبة التي عُرفت فيها الجزيرة باسم تايلوس، غير أنهما يعودان في الواقع إلى زمن سابق، شكّلت فيه هذه الجزيرة قطباً أساسياً من إقليم اشتهر باسم دلمون، ممّا يوحي بأن مالكيهما الأصليين عمدوا إلى توارثهما من جيل إلى آخر، على مدى قرون من الزمن.

تتشابه القطعتان من حيث التكوين، وتتبعان أسلوباً واحداً في النقش الناتئ، يتجلّى في حلّتين تصويريّتين مختلفتين. القطعة الأكبر حجماً يبلغ ارتفاعها 7.7 سنتيمتر، وقطرها 12.2 سنتيمتر، وتُعرف بـ«وعاء الكوخ»، وهي مزينة بنقش يمتد على كل مساحتها الخارجية. يتكون هذا النقش من مساحتين متقابلتين، تحمل كل منهما شبكة من الزخارف متنوعة الأشكال. تشكّل المساحة الأولى الإطار الأعلى للوعاء، وتحتلّ ثلث مساحته الخارجية، وتتألف من سلسلة مثلثات متساوية الأضلاع، تستقر وسط شبكة من الكتل الدائرية المتراصة. تمتد المساحة الثانية تحت هذا الإطار التجريدي، وتتكون من عناصر تشكيلية تنصهر في تأليف واحد. يبدو هذا التأليف تجريدياً في الظاهر، غير أنه يحمل ما يُشبه الباب في وسطه، ويمثّل هذا الباب مدخلاً لمسكن على شكل كوخ من القصب.

يتألّف هذا الباب من واجهة مستطيلة تحدّها من كل جهة ثلاث مساحات عمودية متوازية. تعلو هذه الواجهة ثلاثة أقواس تستقر في المساحة الممتدة بين الأعمدة، وتشكّل معها إطاراً مزخرفاً لهذا الباب. في المقابل، تعلو هذه الأقواس مساحة نصف دائرية، تكسوها شبكة أخرى من الكتل الدائرية المتراصة. تتوسّط هذا المدخل مساحتان جداريتان تتكون كل منهما من ستة مكعبات تشكل معاً شبكة زخرفية، تحدّها في القسم الأسفل مساحة أفقية مزينة كذلك بكتل دائرية، تنعقد في ثلاثة صفوف تتبع النسق ننفسه. تكسو ثلاثة من هذه المكعبات سلسلة من الأعمدة المجرّدة المتراصة كأعواد القصب، وتكسو الثلاثة الأخرى سلسلة من الشبكات المكونة من الدوائر الناتئة المعقودة. في الخلاصة، تشكّل هذه الشبكات الزخرفية المتجانسة واجهة لكوخ من قصب، يتوسّطها باب عريض على شكل مقرنص يتميّز بطابع خاص.

تحمل القطعة الثانية زينة تصويرية مغايرة تماماً، تمتدّ على مساحة دائرية يبلغ ارتفاعها 5.5 سنتيمتر، وقطرها 8 سنتيمترات. تبدو هذه الزينة نباتية بشكل صرف، وقوامها نخلة تتكرّر صورتها الواحدة على هذه المساحة الدائرية. تشكّل هذه النخلة عنصراً تشكيلياً ثابتاً تتجلّى سماته في تصوير مكوّناتها المتمثّلة بالجذع والتاج والرطب. يأخذ الجذع شكل عمود في الوسط، تكسوه شبكة من المربعات المتوازية والمتساوية في الحجم تمثّل القشرة الخشبية. يعلو هذا الساق تاج تمتد سعفه الضخمة من الجهتين، وتبلغ أسفله. يتضاءل حجم الجذع أمام هذه السعف، ويبدو أشبه بقصبة رفيعة تنبت منها سلسلة من الأغصان الكبيرة تشكّل طبقتين متوازيتين.

تأخذ الطبقة العليا شكل مثلث تكسوه سلسلة من الأغصان الممتدة عمودياً، وتأخذ الطبقة السفلى شكل كتلة مقوسة تكسوها سلسلة من الأغصان المنحنية في اتجاه الأرض. وبين هاتين الطبقتين، يخرج من كل جهة غصن صغير منحنٍ نحو الأسفل، حاوياً كتلة بيضاوية تكسوها شبكة من المكعبات المرصوصة. ويمثل هذا الغصن على ما يبدو الشمراخ الذي يحمل الرطب.

تعود الآنيتان إلى حقبة تمتدّ من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد

عُثر على هذين الوعاءين ضمن أثاث جنائزي يعود إلى حقبة تمتدّ من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، وهي الحقبة التي عُرفت بها البحرين باسم تايلوس. ويُجمع أهل الاختصاص على القول إن هاتين القطعتين تعودان حكماً إلى مرحلة أقدم بكثير، برزت فيها الجزيرة حاضنة أساسية من إقليم تجاري عُرف باسم دلمون في مصادر بلاد ما بين النهرين، وهما من نتاج نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد، ممّا يوحي بأن مالكيهما الأصليين قاموا بتوارثهما على مدى أجيال، إلى أن أودعتا في قبر، تكريماً لصاحب هذا القبر.

في الواقع، تتبنّى هاتان القطعتان أسلوباً جامعاً انتشر في نواحٍ متباعدة جغرافياً، واختلفت الآراء في تحديد مصدره. ظهر هذا الأسلوب «متعدد الثقافات» في نواحٍ عدة من بلاد الرافدين. وازدهر بشكل واسع في جنوب شرقي إيران، بين مقاطعتي بلوشستان وكرمان، كما تشهد مجموعة هائلة من أواني الكلوريت خرجت من مقاطعة جيروفت. راجت هذه المدرسة كذلك في ساحل الخليج، كما تشهد مجموعة كبيرة من القطع خرجت من جزيرة تاروت التابعة لمحافظة القطيف في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، ومجموعة أخرى موازية خرجت من جزيرة فيلكا التابعة لمحافظة عاصمة الكويت. وأغلب هذه القطع وصل على شكل كسور جزئية.تقابل هاتين المجموعتين مجموعة أخرى مصدرها مقبرة منطقة سار البحرينية التي تقع في المحافظة الشمالية وتبعد نحو 10 كيلومترات غرب العاصمة المنامة، وأهمها هذان الوعاءان اللذان وصلا بشكل كامل.