«الحب الأول»... رواية ترسم صورة قاتمة للعواطف الجياشة

«الحب الأول»... رواية ترسم صورة قاتمة للعواطف الجياشة
TT

«الحب الأول»... رواية ترسم صورة قاتمة للعواطف الجياشة

«الحب الأول»... رواية ترسم صورة قاتمة للعواطف الجياشة

عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من رواية «الحب الأول» للكاتب الروسي الأشهر إيفان تورجنيف (1818 - 3 188) التي تعد رغم حجمها الصغير نسبياً من كلاسيكيات الأدب العالمي. ويقدم النص الذي ترجمه رمسيس يونان صورة مختلفة تماماً عن صور الحب التي اعتادها القارئ، فالحب هنا هو القاتل الحقيقي الذي يزهق الأرواح مع سبق الإصرار والترصد، إنه المأزق وليس الخلاص.

بعد أن ينصرف الضيوف في ساعة متأخرة من الليل، يبدأ الحديث ويحكي فلاديمير بتروفيتش لصديقه قصته أو سيرة حبه الأول والذي يحلو له أن يصفها بأنها قصة تخرج عن المألوف بوصف أنها عذاب مبرح لا يتمنى أي شخص أن يحياه. نشأ البطل الرئيس في وسط أرستقراطي حيث استمتع بحرية تامة رغم كونه لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره إلا أن لقاءه بالشخصية الرئيسة «زنيدا» كان بداية شعوره بأن الحياة والجحيم سواء، فتلك الفتاة الجميلة بشكل عصي على التوقع لم تبادله نفس الحب.

إنها فتاة لعوب تغوي هذا وتسحر ذاك، لا هم لها في كل ما ترى سوى أن يصلح ليكون ألعوبة في يدها، «زنيدا» هي المأساة والحل معاً، أجادت لعبة الغرام لتجمع حولها كل شباب بلدتها لترى في عيونهم الوله والافتتان والغربة في الحصول عليها سريعاً وبأي ثمن. الوحيد الذي أحبها بصدق، متحرراً من سطوة الاشتهاء العابر، هو الشاب بتروفيتش الذي راح يحضر سهراتها ويرى في عيون كل من يقصدها ليلاً ولعه بها حتى بتروفيتش نفسه تحول إلى أضحوكة، فبإشارة من أصبعها يتحول إلى وصيف يجلس تحت قدميها.

ولأنها تجيد لعبة الشد والجذب، كانت إذا ما أحست بأن هناك طرفاً سيفر من بين أناملها، تعيد رمي حبائلها حوله حتى لا يفر منها، ولكن من هي «زنيدا»؟ إنها أميرة من طبقة أرستقراطية حولتها الظروف إلى فتاة بائسة حارسة لامرأة عجوز هي أمها التي تستدين من كل من تعرف، اختارت أن تنتقم من الظروف دون أدنى شعور بالذنب فيتحول الحب على يديها إلى دراما هزلية، ترفع من تريد إلى أعلى وتهوي بمن تريد إلى الأرض. وسرعان ما تحل المفاجأة الكبرى، حيث يكتشف العاشق الولهان أن محبوبته الأثيرة تبدي لا مبالاة تجاه الجميع وتعبث بالقلوب والمشاعر، لأنها متورطة بمشاعرها في قصة حب ملك عليها فؤادها لكنه حب ميؤوس منه هو حبها لوالد البطل.

هنا يتحول فلاديمير بتروفيتش تدريجياً عن حبها ويجد ملاذه في مقاومة مشاعره الفياضة بمساعدة نصائح الدكتور لوشين، أحد مريدي «زنيدا». وهكذا ظهرت البذرة الأولى في أدب تورجنيف لفكرة صراع الأب والابن وهي ما تجلت لاحقاً روايته «الآباء والأبناء»، حيث نشرت رواية «الحب الأول» في العام 1860 وكانت من الأعمال الأشهر في ذلك الوقت. وحتى الآن بعد أكثر من قرن ونصف، لم تفقد بريقها ولا يذكر إيفان تورجنيف إلا ويذكر معه هذا العمل.

ولد إيفان تورجنيف 1818 في أملاك عائلته قرب جبال الأورال وهو ابن لأسرة روسية عريقة، كان أبوه فارساً في إحدى كتائب الخيالة ومات عندما كان إيفان في سن السادسة عشرة فرعته أمه فرفارا وهي من أسرة برجوازية كانت تملك أراضي واسعة. درس إيفان في جامعة موسكو ومن ثم جامعة سان بطرسبرغ، إلا أنه أرسل إلى برلين 1843 وتلقى تعليمه على يد معلمين، ألماني وفرنسي، ومن هناك جاء احتكاكه بأوروبا التي عاش فيها وعلى يدها ترجمت أهم الأعمال الأدبية له.

كانت كتاباته الأولى مشغولة بوصف حياة الفلاحين الروس البائسة، ثم كتب بعد ذلك روايته «عش النبلاء» ثم تلاها بتحفته «الحب الأول» والتي تتطابق في أحداثها مع جزء كبير من حياة تورجنيف نفسه، فالأب في الرواية قريب من أبيه في الواقع، كما أن فلاديمير بتروفيتش وقصته مع «زنيدا» تشبه كثيراً قصة حب تورجنيف للمغنية الفرنسية بولين جرسيا التي كان يكن لها مشاعر جياشة رغم معرفته جيداً بالنتيجة وأنه يعيش حباً من طرف واحد.

تُرجمت رواية «الحب الأول» إلى العربية أكثر من مرة، فقد تجرمها محمود عبد المنعم مراد وصدرت ضمن مشروع «الكتاب للجميع»، كذلك صدرت ترجمة أخرى عن دار «التقدم» في موسكو أنجزها غائب طعمة فرمان، كما ترجمها الناقد والمترجم البارز رمسيس يونان، أحد أقطاب الحركة السريالية في مصر.


مقالات ذات صلة

هل كان كارل يونغ عنصريّاً؟

كتب كارل يونغ

هل كان كارل يونغ عنصريّاً؟

ربما يكون كارل غوستاف يونغ (1875 - 1961)، عالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي، أحد أهم مفكري القرن العشرين الذين لا يزال تأثيرهم طاغياً على فهم الإنسان

ندى حطيط
ثقافة وفنون وعاء جنائزي من محفوظات المتحف الوطني العُماني

صيد الأسود على وعاء معدني من سلطنة عُمان

كشفت أعمال التنقيب الأثرية في سلطنة عُمان عن مجموعة من الأوعية المعدنية تعود إلى المرحلة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون رواية أردنية عن صراع الإنسان مع الزمن

رواية أردنية عن صراع الإنسان مع الزمن

تقوم الفكرة الأساسية في رواية «لون آخر للغروب» للكاتبة الأردنية هيا صالح، حول صراع الإنسان مع الزمن، وهو الصراع الذي من أسبابه الأساسية مفهوم السّلطة

«الشرق الأوسط» (عمان)
ثقافة وفنون بيرسيفال إيفيريت

بيرسيفال إيفيريت يقلب رواية مارك توين

بيرسيفال إيفيريت لم يقلبْ مارك توين رأساً على عقب، كما يدَّعِي العنوان، الذي لعبت دوراً في صياغته الرغبة في أن يكون لافتاً وجاذباً،

د. مبارك الخالدي
ثقافة وفنون صافي ناز كاظم تمزج السيرة الذاتية بالنقد

صافي ناز كاظم تمزج السيرة الذاتية بالنقد

تتميز نصوص الكاتبة المصرية صافي ناز كاظم بمذاق خاص من الحيوية والصدق والحرارة ينبع من مزجها الدائم بين السيرة الذاتية والرؤى النقدية

رشا أحمد (القاهرة)

صيد الأسود على وعاء معدني من سلطنة عُمان

وعاء جنائزي من محفوظات المتحف الوطني العُماني
وعاء جنائزي من محفوظات المتحف الوطني العُماني
TT

صيد الأسود على وعاء معدني من سلطنة عُمان

وعاء جنائزي من محفوظات المتحف الوطني العُماني
وعاء جنائزي من محفوظات المتحف الوطني العُماني

كشفت أعمال التنقيب الأثرية في سلطنة عُمان عن مجموعة من الأوعية المعدنية المزينة بنقوش تصويرية تعود إلى المرحلة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد، منها وعاء عُرض ضمن معرض أقيم في ربيع 2023 بمتحف الفنون الجميلة في مدينة ليون الفرنسية، وحمل عنوان «رحلة إلى أرض اللبان». خرج هذا الوعاء المميز من مقبرة في ناحية من ولاية سمائل في محافظة الداخلية، تُعرف بناحية الباروني، وهو من القطع التي وصلت بشكل شبه كامل، وتزينه حلقة دائرية تصوّر فارساً يحمل رمحاً وسط ثلاثة أسود.

دخل هذا الوعاء المتحف الوطني العُماني في مسقط، وهو مصنوع من البرونز، على شكل زُبْدِيَّة يبلغ قطرها 16 سنتمتراً وعمقها 4.6 سنتمتر. يُزين وسط قاع هذه الزُبْدِيَّة نجم وردي يتكون من أربع شتلات بيضاوية مروّسة، تفصل بينها أربع شتلات دائرية. يستقر هذا النجم وسط إطار دائري تلتفّ من حوله أربعة حيوانات رباعية القوائم صُوّرت بشكل جانبي. يظهر صياد يعتلي دابة ضاع الجزء الأكبر من بدنها، غير أنها حافظت على رأسها، وهو على شكل حصان ظهرت ملامحه في وضعية جانبية بشكل كامل. يظهر هذا الصياد في وضعية مشابهة، ويبدو حليق الرأس، عاري الصدر، مرتدياً مئزراً بسيطاً يلتف حول حوضه وأعلى ساقيه.

نراه يمد ذراعه اليمنى إلى الأمام، ممسكاً بزمام حصانه، ويرفع يده اليسرى في حركة موازية، شاهراً رمحاً مسنوناً في اتجاه أسد ضخم يفتح شدقيه على اتساعهما، في مواجهة مباشرة مع الحصان. حدّد تكوين هذا الأسد بدقة تشهد لرهافة كبيرة في التنفيذ الحرفي. الجسم طويل، ومفاصله مجرّدة من التفاصيل، وأعضاؤه أربع قوائم مستقيمة، وذيل طويل وملتو، تعلو طرفه جمة بيضاوية.

تتكرّر صورة هذا الليث بشكل متطابق في الطرف المواجه، حيث تحضر بشكل معاكس، وبين الأسدين المتماثلين، يظهر حيوان ضاعت ملامحه بشكل شبه مبكر، وما تبقّى منها يُظهر أنّها تمثّل أسداً ثالثاً مشابهاً على الأرجح.

بين ظهر الفرس وظهر الأسد الذي يقف من خلفه، نرى ثعباناَ يلتوي عمودياً في الأفق. وفي الطرف المقابل، نرى ثعباناً مماثلاً يفصل بين الأسد المواجه للحصان والأسد الذي ضاعت صورته. يتبنّى هذان الثعبانان في تكوينهما طرازاً شاع خلال العصر الحديدي في نواحٍ عدة من شبه جزيرة عُمان، على مدى أكثر من ألف عام. وتشهد لهذا الشيوع عشرات الأفاعي المعدنية التي عُثر عليها في مقابر أثرية تتوزّع على مواقع تتبع في زمننا سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية.

في المقابل، يشكّل صيد الأسود الذي يزيّن هذا الوعاء مشهداً من المشاهد الحيوانية المتعدّدة التي تزيّن مجموعة من الأوعية المعدنية الجنائزية، كشفت عنها عمليات المسح والتنقيب المتواصلة في الكثير من المقابر الأثرية الخاصة بهذا الإقليم العُماني. تعود هذه الأوعية إلى المرحلة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد، كما تشير اللقى المختلفة التي عُثر عليها في هذه المقابر، وتتميّز بنقوشها التصويرية التي يغلب عليها الطابع الحيواني بشكل شبه دائم. تحضر هذه النقوش في سلسلة من المشاهد تتغيّر ملامحها بين وعاء وآخر، غير أنها تتبع قالباً جامعاً يشكّل أساساً لها. ويتمثّل هذا القالب الواحد في نجم وردي مجرّد، تحيط به حلقة دائرية تصويرية تتغيّر عناصرها الحيوانية وتتبدّل.

يشابه مشهد صيد الأسود على وعاء سمائل مشهداً آخر على كسور من وعاء برونزي من موقع مليحة في الشارقة

خرج وعاء سمائل من محافظة الداخلية، حيث يقع الوادي المعروف بوادي سمائل بين سلسلتين من جبال الحجر، أولاهما سلسلة جبال الحجر الغربي، وقمتها الجبل الأخضر، وثانيتهما سلسلة جبال الحجر الشرقي، وقمتها جبل سمان. ونقع على أربعة أوعية عُمانية مزينة بنقوش حيوان تختلف مكوناتها بشكل كلّي عن مكونات نقش وعاء سمائل، ومصدر هذه الأوعية موقع عملا في ولاية عبري التابعة لمحافظة الظاهرة، وتبدو هذه المحافظة أشبه بسهل ينحدر من السفوح الجنوبية لسلسلة جبال الحجر الغربي، في اتجاه صحراء الربع الخالي.

يشابه مشهد صيد الأسود الذي يزيّن وعاء سمائل مشهداً يحضر بشكل مجتزأ على كسور من وعاء برونزي مصدره موقع مليحة في إمارة الشارقة، وفيه يظهر أسد في وضعية جانبية بين صيادَين ينقضان عليه. يرفع أحد هذين الصيادَين درعه في وجه الطريدة الوحشية، بينما يغرز رفيقه خنجره في مؤخرتها. كذلك نجد على طبق آخر مصدره موقع الدور في أم القيوين مشهداً من هذا الصنف، وفيه يظهر فارس يُطلق سهماً في اتجاه أسد ينتصب من أمامه، وفارس آخر يرفع رمحه في اتجاه أسد آخر يقف في مواجهة حصانه.تشهد هذه القطع الفنية لتقليد فني خاص بهذا الإقليم العُماني، ظهرت شواهده في العقود الثلاثة الأخيرة، وينقسم هذا التقليد كما يبدو فروعاً عدّة يجمع بينها أساس واحد. يمثّل نقش زُبْدِيَّة سمائل فرعاً من هذه الفروع، ويختزل جماليته بشكل بديع، تشهد له حرفية عالية في النقش المتقن والمرهف.