القطاع الثقافي ضحية سياسات التقشف الأوروبية

ميزانياته المخصصة في انخفاض مستمر

المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن
المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن
TT

القطاع الثقافي ضحية سياسات التقشف الأوروبية

المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن
المتحف الفني "تيت بريتن" بلندن

الأزمات الخانقة التي أصبحت تثقل كاهل الدول الغربية، وصعود الأنظمة اليمينية المتطرفة، لم تعد سراً على أحد، لكن اللافت للانتباه التداعيات الخطيرة لكل هذه التطورات على القطاع الثقافي، فزيادة على ضعف الاهتمام تخلّ كثير من الحكومات عن اتباع سياسات حماية لثقافتها. إنه وضع القارة العجوز الآن؛ حيث نجحت ديون الحكومات المتراكمة، ومشكلات البطالة، والتضخم، والتوقعات المتشائمة لمعدلات النمو، في تغييب الإشكاليات الثقافية، والدفع بها إلى الصفوف الخلفية. الوضع في تدهور مستمر، حتى أصبحنا لا نستطيع مواكبة الأخبار التي تُفيد بقصّ الدعم، وخفض الميزانيات الثقافية لكثرتها.

في فرنسا، دعم الحكومة للمؤسسات الثقافية الكبرى لا يزال قائماً باعتبارها تُسهم بقوة في إنعاش قطاع السياحة، خصوصاً المتاحف والمكتبات الوطنية والمسارح، لكن الميزانية في تراجع مستمر. فمع مطلع 2025 تفقد وزارة الثقافة أكثر من 200 مليون يورو، معظمها اقتطعت من التمويل الذي كان يخصص للتراث والإبداع، وبعضها يخص أعرق المؤسسات الفرنسية؛ كأوبرا باريس، التي خسرت 6 ملايين يورو، ومسرح كوميدي فرنسييز، الذي انخفض تمويله العام بنحو 5 ملايين، ومتحف اللوفر بـ3 ملايين يورو. إلا أن المشكلة ليست في الوزارة فقط، لأنها ليست الداعم الأهم للقطاع الثقافي في البلاد، فمن بين الـ13 ملياراً التي تُشكلها ميزانية القطاع الثقافي في فرنسا لا تمنح الوزارة سوى 4 مليارات، أما البقية، أي أكثر من 9 مليارات، فهي الحصّة التي تسهم بها السلطات المحلية، أي المحافظات «Collectivités locales»، التي تتمتع بميزانيات خاصة بها. والجديد هو أن بعضاً من مسؤولي هذه الهيئات الرسمية شرعوا في تطبيق سياسة التقشف إلى أقصى الحدود، بدءاً بالمؤسسات والمرافق الثقافية والمبدعين؛ حيث حرمتهم من الدعم المادي، عملاً بالمنطق الذي يقول تغذية البطن قبل تغذية العقل.

متحف برلين

من الشخصيات التي واجهت انتقاد الدوائر الثقافية بهذا الخصوص كريستال مورونسي، رئيسة منطقة بايي دو لا روار (pays de la Loire) الواقعة غرب فرنسا، وهذا بعد أن أقرّت خفض ميزانية الثقافة بنسبة 73 في المائة، أي أكثر من 200 مليون يورو، وهي سابقة خطيرة في فرنسا علّقت عليها وسائل الإعلام الفرنسية بكثرة تحت شعار «الثقافة من الضعيف إلى الأضعف». فإجراء مثل هذا يعني توجيه ضربة قاضية لكثير من المؤسسات والمرافق الصغيرة التي تُعوّل في استمرار نشاطها على الأموال العامة، ومنها المهرجانات المحلية والمسارح، والمتاحف، وفرق الرقص والجمعيات. النقابات الثقافية وصفت هذا الإجراء بـ«العنيف». أما رئيسة المنطقة كريستال مورونسي فقد بررته بالديون المتراكمة التي تملي على ضمير أي مسؤول اعتماد التقشف لإنقاذ الوضع.

الوضع ليس أحسن حالاً في ألمانيا؛ حيث قررت حكومة ولاية برلين خفض التمويل المخصص للفنون والثقافة بنسبة 12 في المائة، وهو ما يعادل 130 مليون يورو. القرار أدّى إلى مخاوف من أن تفقد المدينة مكانتها، كونها واحدة من العواصم الثقافية الرائدة في أوروبا، حتى إن بعض المؤسسات أصبحت تواجه خطر الإغلاق، أهمها متحف برلين للفنون التشكيلية، ودار أوبرا كوميش. أما البقية فهي في حالة يُرثى لها، فمتحف برغام الشهير اضطر للغلق بسبب ترميمات طويلة الأمد (14 سنة)، علماً بأنه لم ينفذ فيه أي إصلاحات منذ 1930. عمدة برلين كاي فيغنر برّر تخفيضات الميزانية بوصفها ضرورية لضمان استمرارية برلين المالية بعد عام صعب اتسّم بانخفاض الإيرادات. ونصح المؤسسات الثقافية بالتفكير في إيجاد وسائل تمويل خاصة، على غرار النموذج الأميركي الذي يعتمد على الرعاية، مضيفاً أن «العقليات يجب أن تتغير؛ لأن خزائن الدولة أصبحت فارغة حتى بالنسبة للثقافة»، علماً بأن هذا التخفيض في ميزانية الثقافة يتعارض بشكل حاد مع نهج برلين السابق، المتمثل في تعزيز الاستثمار في فضاءاتها الثقافية. ففي عام 2021، وافقت ألمانيا على مبلغ قياسي قدره 2.1 مليار يورو تمويلاً فيدرالياً للثقافة، بزيادة قدرها 155 مليون يورو على العام السابق. شخصيات من الوسط الثقافي والفني انتقدت بشدة هذه التخفيضات، منها المخرج الألماني المعروف وين واندرز، الذي صرح لقناة «أورو نيوز» بأن «سحب التمويل العام قرار سيئ، أعتقد أن عليهم الاستثمار في الثقافة بدلاً من القيام بالعكس؛ لأنهم على المدى الطويل رابحون».

القطاع الثقافي في بريطانيا يعيش هو الآخر أزمة حادة؛ حيث نقل كثير من التقارير الإعلامية الانخفاض الشديد الذي سجلته الميزانيات المخصصة للثقافة منذ 2017 ولعدة سنوات على التوالي حتى وصلت نسبة الانخفاض إلى 48 في المائة، حسب موقع «أرت نيوز» البريطاني، الذي نشر مقالاً بعنوان: «لماذا تُموّل الحكومة البريطانية تمثالاً للملكة إليزابيث بـ46 مليون جنيه إسترليني، في حين القطاع الثقافي على ركبتيه». وجاء فيه: «عدد من المؤسسات الفنية والثقافية في جميع أنحاء المملكة المتحدة يُكافح من أجل البقاء، بسبب توقف التمويلات، كشبكة متاحف (التيت) التي تسهم فيها الحكومة بنسبة 35 في المائة، التي أصبحت تعاني من عجز في الميزانية للعام الثاني على التوالي، بسبب انخفاض الدعم، وإن كانت شبكة متاحف (التيت) ما زالت تنشط ولو بصعوبة فإن مؤسسات أخرى لم يحالفها الحظ؛ حيث تم إغلاق أكثر من 500 متحف بريطاني منذ سنة 2000، منها متحف إيستلي (Eastleigh) في هامبشاير، ومتحف كرانوك تشيس (Crannock Chase) في ويست ميدلاندز، بالرغم من الحملات الكثيرة التي نظمت لإنقاذ هذه المؤسسات».



الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة

تتويج الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة (الشرق الأوسط)
تتويج الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة (الشرق الأوسط)
TT

الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة

تتويج الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة (الشرق الأوسط)
تتويج الكويتية نجمة إدريس تحصد جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة (الشرق الأوسط)

حصدت كاتبة القصة الكويتية الدكتورة نجمة إدريس، بمجموعتها القصصية «كنفاه» الصادرة عن دار «صوفيا»، جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة العربية لدورتها السابعة.

وجاء إعلان الفائزة بجائزة «الملتقى» للقصة القصيرة العربية في ظل احتفال الكويت «عاصمة الثقافة العربية والإعلام العربي للعام 2025».

الدكتور محمد الجسّار، الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (الشرق الأوسط)

وفي كلمته في حفل إعلان الفائز بالجائزة، أكدّ الدكتور محمد الجسّار، الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، «الالتزام بدعم جائزة الملتقى، وكذلك المبادرات الثقافية والفكرية ذات البعد العربي، والتي ترفع من شأن الإبداع والأدب وتعزز من مكانة دولة الكويت كحاضنة للفكر والإبداع».

وقال الجسار: «إن جائزة الملتقى للقصة القصيرة، منذ انطلاقتها، أكدت دورها الريادي في دعم فن القصة القصيرة، وتعزيز مكانته في المشهد الأدبي العربي والعالمي، وتحفيز الكتّاب على تقديم أعمال تحمل فرادة الأسلوب وعمق التجربة الإنسانية».

وأضاف: «لقد مثّلت (جائزة الملتقى) الكويت باقتدار في مشهد الجوائز العربية، وكذلك عضويتها في (منتدى الجوائز العربية)، حتى صار يُشار للكويت بأنها بيت القصة القصيرة العربية»، مشيداً بمؤسس الجائزة الأديب طالب الرفاعي، «الذي كان له الفضل، مع زملائه من الأدباء والمثقفين في الكويت والوطن العربي، في تأسيس هذه الجائزة المرموقة، وترسيخ تقاليدها النزيهة»، كما أشاد بلجنة التحكيم «التي بذلت جهداً كبيراً في قراءة الأعمال المقدّمة لهذه الدورة، واختيار الفائزين وفق معايير فنية رفيعة. كما أهنئ جميع المشاركين، فمجرد الوصول إلى هذه المنصة يعد إنجازاً أدبياً يستحق التقدير».

الدكتور عبد العزيز السبيّل رئيس منتدى الجوائز العربية (الشرق الأوسط)

بينما أشار الدكتور عبد العزيز السبيّل، رئيس منتدى الجوائز العربية في كلمته إلى الدور الكبير الذي لعبته جائزة الملتقى في مشهد الجوائز العربية، وقال: «لقد أعادت هذه الجائزة للقصة القصيرة وهجها، وأكدت أهميتها في عقول المبدعين، وقراء العربية، داخل الوطن العربي وخارجه. وجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية عضو نشط، ومؤسس لمنتدى الجوائز العربية، هذا الكيان الثقافي العربي الذي يحتضن أكثر من ثلاثين جائزة علمية وثقافية، ويعمل على دعمها ورعايتها، وتحقيق التواصل فيما بينها».

في حين قال الأديب طالب الرفاعي، مؤسس ورئيس مجلس أمناء الجائزة، إن الملتقى «سيبقى وفياً لفن القصة، وكذلك للجائزة، خاصة وأنها أصبحت الجائزة الأهم في الوطن العربي، مثلما صارت وجهاً مشرقاً من وجوه وصل الكويت بالمبدع العربي».

احتفال تتويج الفائزين بجائزة الملتقى للقصة القصيرة في الكويت (الشرق الأوسط)

وقال الرفاعي: «لأسباب تخصّ اللحظة القرائية العربية، والقصة القصيرة، ومشهد الجوائز العربية، فلقد كُتب لمشروع جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية أن يولد كبيراً ومُتألقاً، وذلك عام 2015. سبع دورات ليست عمراً مديداً لكن هذا العمر كان كفيلاً بأن يجعل من جائزة الملتقى (أوسكاراً) للقصة القصيرة العربية. وأن يجعل من دوراتها بندواتها الثقافية حدثاً إبداعياً ثقافياً كويتياً عربياً عالمياً بامتياز. فسنوياً يحج للترشّح للجائزة قرابة مائتين من كتّاب القصة العربية في كل مكان. وسنوياً يرتفع اسم كاتب قصة عربي، ومجموعة قصصية عربية لتأخذ طريقها إلى الترجمات الأجنبية».

وفي كلمته، قال رئيس لجنة التحكيم الروائي أمير تاج السر: «المنافسة كانت شديدةً بين كتّاب القائمة القصيرة، ولم يكن سهلاً اختيار الفائز. لكن ولأن لجنة التحكيم وضعت معايير فنية دقيقة، يستند كل معيار إلى رقم محدد، وبعد مناقشة شفافة، أجمع أعضاء اللجنة على أن الدكتورة نجمة إدريس تستحق الفوز بجدارة».

وأضاف تاج السرّ: «لقد غدت جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، مطمح كل كاتب قصة، وحلم يراود الكثيرين، وهذا ما كشف عنه الإقبال المتنامي للمشاركة في الجائزة، دورة بعد دورة. ففي دورتها الراهنة؛ السابعة تقدّم للجائزة 133 مجموعة قصصية، وكانت في مجملها تمثيلاً حقيقياً وصادقاً لمشهد القصة القصيرة العربية، على مستوى مضامين القصص، وأساليبها، ومراميها. مما حدا بلجنة التحكيم إلى وضع معايير فنية دقيقة وواضحة، والعمل وفق تلك المعايير لقراءة وغربلة القصص، وفق جدولٍ زمني، أخذها إلى الكثير الكثير من اللقاءات والنقاشات والحوارات، ولحين الوصول إلى القائمة الطويلة، ومن ثم القائمة القصيرة».

وكانت لجنة تحكيم الجائزة قد عقدت اجتماعها الأخير في الكويت، إذ تنافس على الفوز كل من أحمد الخميسي (مصر)، وزياد خدّاش (فلسطين)، وعبد الرحمن عفيف (سوريا/ألمانيا)، ومحمد الراشدي (السعودية)، ونجمة إدريس (الكويت).

وأقامت الجائزة حفلها بإعلان الفائز مساء اليوم الثلاثاء وسط جمع كبير ضمَّ الدكتور عبد العزيز السبيّل، رئيس منتدى الجوائز العربية، وأحمد عبد الحميد، الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، والدكتور علاء عبد الهادي، رئيس اتحاد الكتّاب العرب، وكوكبة من كتّاب القصة العرب والأدباء والمثقفين.