حين طلب مني الأمن أن أرسم صورة «المعلم»

عتاب حريب
عتاب حريب
TT

حين طلب مني الأمن أن أرسم صورة «المعلم»

عتاب حريب
عتاب حريب

في عام 2011 كنت على موعد للحصول على فيزا لإقامة معرض في نورث كارولينا بدعوة من جامعة دافيدسون وحصلت على الفيزا في آخر يوم قبل إغلاق السفارة بدمشق.

سافرت عام 2012 ورجعت إلى دمشق، وكانت المظاهرات والاحتجاجات تعم المدن السورية والقرى وأنا أعيش في دمشق أحاول أن أساعد بجهد شخصي أبناء الريف المتضرر والمحاصر، فهناك الكثير من المهنيين والمعارف الذين تضرروا وبحاجة لكثير من الطعام والمستلزمات. كنت أحملها بسيارتي وأحمل معها روحي وأمضي وفي رأسي سيناريوهات العالم كلها. أحضر أجوبة على كل احتمالات الحواجز والشبيحة وعناصر الأمن، عما كنت أكتب بحس ساخر على فيس بوك وأناهض الفساد والقتل. أنا امرأة متمردة بطبعي على الظلم وأمشي عكس التيار، أعشق الحرية والسفر لأعود إلى بلدي بشوق أكثر. هناك تحديات كثيرة كانت أمامنا في بلد كل زاوية فيها حاجز أمني وشبيحة. كانت رعاية ملائكية تنقذني دوماً من رش للرصاص على سيارتي في حاجز حرستا ووضع عبوة ناسفة قرب سيارتي أمام بيتي بعد أن نزلت منها، وتصويب البندقية عليَّ في تأبين باسل شحادة. هربت بأعجوبة. هذه ليست بطولات أرويها ولكن كان حماساً وواجباً علي. ويوماً كنت على حدود لبنان للسفر إلى المغرب لإقامة معرض. أخذوني من الحدود وبدأت التحقيقات معي عن كتاباتي على صفحتي بفيسبوك. وانتهى التحقيق بالتوقيع على ورقة بعدم كتابة أي شيء. وفي اليوم التالي أُلغي منع السفر. وعندما عدت استدعوني مرة أخرى. قلت للمحقق ضاحكة لم أكتب شي مثل ماوعدتكم، فقال لي: رسمتِ. لقد شاهد لوحة فيها قطعة ممزقة من كلمة الثورة التي على الجريدة، فأجبته باستغباء: هذه الجريدة الوطنية ليش ممنوع نحطها، فقال لي: أعرف ما تريدين أن تقولي مع هذه الشخبرة. يصف لوحاتي بـ«الشخابير».

ثم قال لي: نريدك أن ترسمي لنا صورة المعلم، فقلت له: أنا أرسم مناظر وزهوراً لا أرسم حيوانات ولا بشراً واسأل عني مرة باسل الأسد فقد طلب مني ومن مجموعة من الفنانين رسم أحصنته فرفضت لأني لا أعرف، فأجابني: لا أنت فنانة قديرة رح ترسميها فقلت له سأحاول سأطلب من أحد يجيد رسم البورتريه، فقال لي: لا أنت يجب أن ترسميها وتوقعي عليها اسمك.

بقيت أشهراً أماطل ويسألني دائماً على الهاتف: ما خلصتِ، ألاقي الأعذار كل مرة بالكهرباء والتدفئة وعدم جفاف الألوان بالبرد. كنت أنام وأصحو في رعب وسخرية أيضاً. أحياناً أفكر أن أرسم حماراً وفوقه أرسم صورته بألوان تزال بالماء وأرسلها بعد أن أخرج من البلد مع رسالة «امسح الصورة تجد المعلم». المهم كان هذا مسلياً لي في أوقات القلق والتوتر إلى أن قدمت استقالتي من عملي وطلبت من الأمن موافقة أمنية للسفر لمرة واحدة قبل انتهاء الفيزا، وحصلت عليها.

قبل يومين من تحرير حلب كنت في حالة شوق مكبوت لسوريا، وأتمنى بشدةٍ العودة. وكنت أحاول أن أقنع نفسي بأن وضعي في أميركا جيد وصرت مواطنة أميركية وعندي جواز سفر مثل جناحين أطير به بين البلدان بكل سلاسة. وأقنعت نفسي من أول يوم أتيت إلى شيكاغو أنني سأبدأ حياة جديدة وتناسيت بيتي بالشام ومرسمي ولوحاتي وذكرياتي وأصدقائي الذين لم يبق منهم إلا القليل في دمشق. أخوتي قاطعتهم لاختلافي معهم في المبدأ فقد كانوا يقفون مع النظام.

وزاد فقداني لابني الذي قُتل عام 2014 كرهاً لتلك البلاد التي لفظتنا ولم تقدم لنا إلا العنف والنبذ والقتل والتهميش. أنا قدمت الكثير لسوريا، وكنت أقوم بأعمال تطوعية مع الأطفال والشباب لتأجيج روح الفن والحب والحياة والحرية. كنت أعيش مع أجيال متتابعة في عملي معلمة فنون في مدارس سوريا ومعاهدها وجامعاتها.

تحرير حلب كان فرحاً مشوباً بالخوف... أتابع ليل نهار كل وسائل التواصل. لم أعد أنام. عاد الأدرنالين للصعود مثل بدايات الثورة عام 2011 والترقب والحماس، وكنت أقول لنفسي إن لم يصلوا إلى دمشق لن أفرح. كنت ذلك اليوم أبكي، ولم أخرج إلى الشارع لأن دموعي كانت لا تتوقف.

فجأة الحلم عاد، واليأس اختفى، وصار عنا مستقبل مختلف. صار عندي وطن أعود إليه مع أبنائي وأحفادي. صار عندي أمل أعود لأعرف أين قتل ابني وأين رفاته، أعود لأقبل بناته حفيداتي اللاتي لم أرهن منذ سافرت.

* فنانة تشكيلية


مقالات ذات صلة

مواقع التواصل ميداناً للشائعات وإثارة الفتن في المجتمع السوري

المشرق العربي يزداد استعمال الذكاء الاصطناعي لترويج أخبار مغلوطة على وسائل التواصل (رويترز)

مواقع التواصل ميداناً للشائعات وإثارة الفتن في المجتمع السوري

لا تزال الشائعات والمبالغات وخلط الوقائع سبباً رئيساً في تعزيز القلق والمخاوف في أوساط السوريين عموماً والموالين السابقين للنظام السابق بشكل خاص.

سعاد جرَوس (دمشق)
المشرق العربي الشعار الجديد ﻟ«صحيفة تشرين» السورية والتي بات اسمها «صحيفة الحرية» (موقع الصحيفة على فيسبوك)

القيادة السورية الجديدة تغيّر اسم «صحيفة تشرين» إلى «صحيفة الحرية»

غيّرت وزارة الإعلام السورية اسم «صحيفة تشرين» الحكومية إلى «صحيفة الحرية» اليوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مقاتلون تابعون لفصيل «الجيش الوطني السوري» المدعوم من تركيا  (أ.ف.ب)

إردوغان يحذّر من أي تقسيم لسوريا... ويؤكد استعداد تركيا للتدخل

أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رفضه أي تقسيم لسوريا بعد سقوط الرئيس بشار الأسد، مشددا على أن أنقرة جاهزة لاتخاذ «الإجراءات اللازمة» في مواجهة أي خطر لذلك.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
المشرق العربي فيدان والصفدي خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة (الخارجية التركية)

تنسيق تركي - أردني حول دعم المرحلة الانتقالية في سوريا... وعودة اللاجئين

أبدت تركيا توافقاً مع الأردن على العمل لضمان وحدة وسيادة سوريا ودعم إدارتها الجديدة في استعادة الاستقرار وبناء مستقبل يشارك فيه جميع السوريين من دون تفرقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي سيارات تمر أمام دوار يرفع العلم السوري الجديد بعد الإطاحة بنظام الأسد في مدينة السلام التي كانت تُسمّى سابقاً مدينة البعث نسبة للحزب الحاكم في القنيطرة بسوريا 5 يناير 2025 (أ.ب)

سكان القنيطرة السورية محبطون بسبب عدم اتخاذ إجراءات لوقف التقدم الإسرائيلي

يشعر سكان القنيطرة السورية بالإحباط بسبب عدم اتخاذ إجراءات لوقف التقدم العسكري الإسرائيلي الذي بدأ في ديسمبر الماضي، معربين عن تمسّكهم بانتمائهم السوري.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

ديمي مور «في حالة صدمة» بعد فوزها بأول جائزة تمثيل خلال مسيرتها

مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
TT

ديمي مور «في حالة صدمة» بعد فوزها بأول جائزة تمثيل خلال مسيرتها

مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)
مور مع جائزة «غولدن غلوب» (أ.ف.ب)

حصلت الممثلة ديمي مور على جائزة «غولدن غلوب» أفضل ممثلة في فئة الأفلام الغنائية والكوميدية عن دورها في فيلم «ذا سابستانس» الذي يدور حول ممثلة يخفت نجمها تسعى إلى تجديد شبابها.

وقالت مور وهي تحمل الجائزة على المسرح: «أنا في حالة صدمة الآن. لقد كنت أفعل هذا (ممارسة التمثيل) لفترة طويلة، أكثر من 45 عاماً. هذه هي المرة الأولى التي أفوز فيها بأي شيء بصفتي ممثلة»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

الممثلة ديمي مور في مشهد من فيلم «ذا سابستانس» (أ.ب)

تغلبت الممثلة البالغة من العمر 62 عاماً على إيمي آدمز، وسينثيا إيريفو، ومايكي ماديسون، وكارلا صوفيا جاسكون وزندايا لتفوز بجائزة أفضل ممثلة في فيلم موسيقي أو كوميدي، وهي الفئة التي كانت تعدّ تنافسية للغاية.

وقالت مور في خطاب قبولها للجائزة: «أنا في حالة صدمة الآن. لقد كنت أفعل هذا لفترة طويلة، أكثر من 45 عاماً. هذه هي المرة الأولى التي أفوز فيها بأي شيء بصفتي ممثلة وأنا متواضعة للغاية وممتنة للغاية».

اشتهرت مور، التي بدأت مسيرتها المهنية في التمثيل في أوائل الثمانينات، بأفلام مثل «نار القديس إلمو»، و«الشبح»، و«عرض غير لائق» و«التعري».

وبدت مور مندهشة بشكل واضح من فوزها، وقالت إن أحد المنتجين أخبرها ذات مرة قبل 30 عاماً أنها «ممثلة فشار» أي «تسلية».

ديمي مور تحضر حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب» الـ82 في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا (رويترز)

وأضافت مور: «في ذلك الوقت، كنت أقصد بذلك أن هذا ليس شيئاً مسموحاً لي به، وأنني أستطيع تقديم أفلام ناجحة، وتحقق الكثير من المال، لكن لا يمكن الاعتراف بي».

«لقد صدقت ذلك؛ وقد أدى ذلك إلى تآكلي بمرور الوقت إلى الحد الذي جعلني أعتقد قبل بضع سنوات أن هذا ربما كان هو الحال، أو ربما كنت مكتملة، أو ربما فعلت ما كان من المفترض أن أفعله».

وقالت مور، التي رُشّحت مرتين لجائزة «غولدن غلوب» في التسعينات، إنها تلقت سيناريو فيلم «المادة» عندما كانت في «نقطة منخفضة».

وأضافت: «لقد أخبرني الكون أنك لم تنته بعد»، موجهة شكرها إلى الكاتبة والمخرجة كورالي فارغيت والممثلة المشاركة مارغريت كوالي. وفي الفيلم، تلعب مور دور مدربة لياقة بدنية متقدمة في السن على شاشة التلفزيون تلتحق بنظام طبي غامض يعدها بخلق نسخة مثالية من نفسها.