«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

عاشق للثقافة العربية وتمثل قصائده طفرة في قصيدة النثر الأردية

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد
TT

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر» عنوان لافت لمختارات نقلها عن الأردية المترجم هاني السعيد للشاعر الباكستاني أفضال أحمد سيد الذي يُعد أحد رواد قصيدة النثر في باكستان. وصدر الكتاب حديثاً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة «آفاق عالمية» بالقاهرة.

يقول الشاعر، في كلمته التي كتبها خصوصاً بمناسبة صدور هذه الترجمة العربية الأولى لقصائده، إن «هذا الحدث المبهج» أعاد إلى ذاكرته تلك الأيام التي تعرف فيها للمرة الأولى إلى الشعراء العرب فصار أسيراً لسحرهم ومغامراتهم الشعرية مثل امرئ القيس وأبي نواس وأبي تمام والمتنبي... وغيرهم.

ويذكر أفضال أن لمسلمي شبه القارة الهندية الباكستانية علاقة خاصة باللغة والثقافة العربيتين، وهذا هو السبب في أن الترجمات الأردية للشعراء والكتّاب العرب تحظى بشعبية كبيرة لدى القراء الباكستانيين وخاصة الأسماء المشهورة مثل أدونيس ومحمود درويش ونزار قباني وفدوى طوقان، فضلاً عن الروائيين نجيب محفوظ والطيب صالح ويوسف زيدان.

وأشار إلى أنه حين كان طالباً في الجامعة الأميركية ببيروت في الفترة من سنة 1974 إلى 1976، أتيحت له فرصة ثمينة للتعرف المباشر إلى الثقافة العربية التي وصفها بـ«العظيمة»، وهو ما تعزز حين سافر إلى مصر مرتين فأقام بالقاهرة والإسكندرية والسويس ودمياط، حيث لا يمكن له أن ينسى مشهداً ساحراً وهو التقاء النيل بالبحر المتوسط في منطقة اللسان بمدينة رأس البر التابعة لدمياط. وضمن سياق القصيدة التي تحمل عنوان الكتاب يقول الشاعر في مستهل مختاراته:

«اخترع المغاربة الورق

الفينيقيون الحروف

واخترعت أنا الشعر

اخترع الحب القلب

صنع القلب الخيمة والمراكب

وطوى أقاصي البقاع

بعت أنا الشعر كله

واشتريت النار

وأحرقت يد القهر».

وفي قصيدة بعنوان «الهبوط من تل الزعتر»، يرسم الشاعر صورة مثيرة للحزن والشجن لذاتٍ مُمزّقة تعاني الفقد وانعدام الجذور قائلاً:

«أنا قطعة الغيم

المربوطة بحجر

والملقاة للغرق

ليس لي قبر عائلي

من أسرة مرتزقة

عادتها الموت

بعيداً عن الوطن».

ويصف تجليات الحرب مع الذات والآخرين في نص آخر بعنوان «لم يتم منحي حياة بكل هذه الوفرة»، قائلاً:

«وصلتني أنهاري عبر صفوف الأعداء

فشربت دائماً بقايا حثالات الآخرين

اضطررت إلى التخلي عن موسم فارغ للأمطار

من ترك وصية لي

لأعرف ما إذا كان

هو نفسه الذي كانت تحمله امرأة بين ذراعيها وهي تتوسل إلى الخيالة

والتي بقيت طوال حياتها

تحاول حماية وجهها

من البخار المتصاعد من خياشيم الخيل

لا أعرف ما إذا كان

هو نفسه

الذي ربطته أمه في المهد».

وتتجلى أجواء السجن، نفسياً ومادياً، والتوق إلى الحرية بمعناها الإنساني الشامل في قصيدة «إن استطاع أحد أن يتذكرني»؛ حيث يقول الشاعر:

«حل الشتاء

صدر مجدداً الإعلان

عن صرف بطاطين صوف للمساجين

تغير طول الليالي

وعرضها ووزنها

لكنّ ثمة حُلماً يراودني كل ليلة

أنه يتم ضبطي وأنا أهرب من بين القضبان

أثناء تغير الفصول

في الوقت الذي لا يمكن أسره بمقياس

أقرأ أنا قصيدة».

وأفضال أحمد سيد شاعر ومترجم باكستاني معاصر، ولد في 26 سبتمبر (أيلول) 1946 في غازي بور التابعة لمقاطعة أتربرديش بالهند، قبل تقسيم الهند وباكستان وبنغلاديش؛ حيث بدأ فيها أيضاً حياته المهنية بالعمل في وزارة الزراعة الائتلافية هناك وعند تقسيم باكستان وبنغلاديش 1971، انتقل مع أسرته إلى مدينة كراتشي الباكستانية.

بدأ أفضال كتابة الشعر 1976 وأصدر 5 مجموعات شعرية هي «تاريخ منتحل» 1984، «خيمة سوداء» 1986، «الإعدام في لغتين» 1990، «الروكوكو وعوالم أخرى» 2000، ثم أصدرها مجمعة باعتبارها أعماله الشعرية الكاملة 2009 بعنوان «منجم الطين»، كما أصدر في مطلع 2020 كتاباً يضم قصائده الأولى في الغزل.

وتمثل أغلب قصائده طفرة نوعية في قصيدة النثر الأردية التي ما زالت تعاني من الرفض والتهميش إلى حد كبير لحساب فن الغزل بمفهومه الفارسي والأردي التقليدي الذي ما زال مهيمناً بقوة في شبه القارة الهندية.

ترجم أفضال أعمالاً عن الإنجليزية والفارسية وهو من أوائل من ترجموا لغابرييل غارثيا ماركيز وجان جينيه، كما أصدر في مطلع 2020 ترجمته لمختارات من الشعر الفارسي.

درس أفضال أحمد سيد ماجستير في علم الحشرات بالجامعة الأميركية ببيروت بين عامي 1974 و1976، وذلك في بعثة علمية من الحكومة الائتلافية الباكستانية، فشهد الحرب الأهلية اللبنانية في أثناء إقامته هناك.

يعمل حالياً أستاذاً مساعداً في جامعة حبيب بكراتشي، وهو متزوج من الشاعرة الباكستانية البارزة تنوير أنجم.


مقالات ذات صلة

جاهدة وهبة «تعيش مع الضوء» وتجول العواصم بصوتها دعماً للبنان

يوميات الشرق الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة (صور الفنانة)

جاهدة وهبة «تعيش مع الضوء» وتجول العواصم بصوتها دعماً للبنان

كان لا بد أن تعود الأغنية لتنبض في حنجرة جاهدة وهبة بعد صمت صدمة الحرب. وها هي الفنانة اللبنانية تحمل أغنيتها وتجول العواصم الأوروبية والعربية رافعةً صوت وطنها.

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون الشعر حين يتحول إلى فعل مقاومة

الشعر حين يتحول إلى فعل مقاومة

يحتضن الشاعر المصري كريم عبد السلام، فلسطين، في ديوانه الذي وسمه باسمها «أكتب فلسطين - متجاهلاً ما بعد الحداثة»، ويكشف أقنعة المواقف والسياسات المتخاذلة.....

جمال القصاص
ثقافة وفنون قصيدتان

قصيدتان

متحف العائلة رغم رحيلها لم تخسر الفتاة غرفتها في بيت العائلة المزدحم لم تسمح الأم أن يتوارث الباقون مكانها، حولت غرفتها إلى متحف: احتفظت بالبوسترات…

ثقافة وفنون رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته

رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته

أصدر مخلص خليل عدداً من المجموعات الشعرية، وكان من الأصوات البارزة في فترة السبعينات.

يوميات الشرق صوتٌ يتيح التحليق والإبحار والتدفُّق (الشرق الأوسط)

كاظم الساهر في بيروت: تكامُل التألُّق

يتحوّل كاظم إلى «كظّومة» في صرخات الأحبّة، وتنفلش على الملامح محبّة الجمهور اللبناني لفنان من الصنف المُقدَّر. وهي محبّةٌ كبرى تُكثّفها المهابة والاحترام.

فاطمة عبد الله (بيروت)

كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود
TT

كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود

تتويج كمال داود بجائزة «الغونكور»، وهي أبرز تكريم أدبي فرانكفوني على الإطلاق، لم يكن مفاجأة، فمنذ أشهر توقّعت عدة تقارير فوز الكاتب الجزائري بالجائزة المرموقة التي كان قد اقترب منها بشكل كبير بعد صدور روايته «مرسو التحقيق المضاد»، العمل الذي وضعه في دائرة الضوء في 2014 بعد أن نال استحسان النخب المثقفة حتى وُصف أسلوبه بـ«البارع والمميز» من قِبل منابر إعلامية مرموقة مثل «النيويورك تايمز».

في روايته الجديدة يُطلّ علينا الكاتب الجزائري بأسلوب أدبي مختلف بعيداً عن السرد الخيالي والأحاديث العفوية التي لمسناها في «مرسو»، فنصّ «الحوريات» مستوحى من الواقع وهو واقع مرّ كئيب، حيث اختار كمال داود تقليب المواجع والنبش في تاريخ الذكريات الدامية التي عاشها وطنه في حقبة التسعينات إبان ما سُمي بـ«العشرية السوداء»، فجاءت اللوحة سوداوية وكأن الجزائر أغنية حزينة وألم مزمن يسكن أعماق الكاتب.

كمال داود

الرواية تبدأ بمونولوج مطوّل لـ«فجر»، وهي فتاة في عقدها العشرين بقيت حبيسة ماضيها وحبالها الصوتية التي فقدتها بعد تعرضها لمحاولة ذبح. المونولوج يمر عبر مناجاة داخلية للجنين الذي تحمله، تخبره فيه عن معاناتها وذكرياتها وعن كفاحها من أجل التحرّر من سلطة الرجال. في الفقرة الثانية تقرر «فجر» العودة إلى مسقط رأسها بحثاً عن أشباحها وعن مبرر تنهي به حياة طفلتها حتى لا تولد في مجتمع ظالم، لتلتقي بعيسى بائع الكتب المتجوّل الذي يحمل جسده آثار الإرهاب وهوساً جنونياً بتوثيق مجازر العشرية السوداء بتواريخها وأماكن وقوعها وعدد ضحاياها. في رحلة العودة تغوص الرواية في جحيم الحرب الأهلية وذكريات الجرائم المروّعة، واضعة تحت أنظارنا مشاهد قاسية صعبة الاحتمال، كالمقطع الذي تستحضر فيه «فجر» ليلة الذبح الذي تعرضت له عائلتها، أو الفقرات التي تروي فيها شخصية «حمراء» ليلة اختطافها لتزوج قسراً وهي لا تزال طفلة. وهي نصوص لها وقعها النفسي إذا ما علمنا بأن الكاتب استوحى كتاباته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته مجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر، بينما كان يعمل صحافياً في يومية «لوكوتديان دو أورون» أو أسبوعية وهران.

وأشاد كثير من الأوساط بالقيمة الأدبية للرواية. صحيفة لوموند وصفتها بـ«القوة المذهلة» و«الشاعرية الغامضة». وأشادت صحيفة «لوفيغارو» بالسرد القوي المشحون بالصور الشعرية الصادمة والعواطف الجيّاشة التي تعبّر عن حجم المعاناة. صحيفة «ليبيراسيون» كتبت أنها رواية «أساسية، ومفيدة وشجاعة، وإذا وضعنا جانباً كونها مثقلة بالرموز فإن طاقتها المذهلة تُغلف القراءة». وبالنسبة لصحيفة «سود ويست»، تصرّح بأن «الحوريات» «كتاب رائع وجميل وطموح وإنساني وسياسي للغاية» قبل أن تضيف أن «نفوذ (غاليمار) - دار النشر التي ينتمي إليها كمال داود - ودورها في وصول الرواية إلى التتويج ليس بالهيّن. على أن النقد لم يكن دائماً إيجابياً؛ حيث جاءت وجهات النظر متباينةً بخصوص القيمة الأدبية لرواية كمال داود، ففي قراءات نقدية سابقة لم تلقَ الدرجة نفسها من الاستحسان، فمنهم من عاب على الرواية اللجوء المفرط للرموز بدءاً بالأسماء: «حورية»، «فجر»، «شهرزاد»؛ إلى رمزية الأماكن كالقرية التي شهدت ذبح عائلتها والتي وصلت إليها «فجر» صبيحة عيد الأضحى بينما كان الأهالي يذبحون الأضاحي، حتى كتب أحد النقّاد أن ثقل الرموز سحق القصّة، كما أن تشبث الكاتب بسرد الأحداث الواقعية بتواريخها وأماكنها وعدد ضحاياها جعل القارئ يفقد الصلة بالأسلوب الروائي.

الكاتب استوحى روايته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته الصحافية لمجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر

الصحافية والناقدة الأدبية نيلي كابريان من مجلة «لي زان كوريبتبل» وإن كانت قد رحّبت بوجود هذه الرواية وأهميتها، واجهت، كما تقول، مشكلة في «طريقة كتابتها غير المثيرة للاهتمام»: «لقد شعرت بالملل قليلاً بعد فترة من القراءة بسبب الكتابة التي طغى عليها الأسلوب الأكاديمي الفضفاض، فالروايات التي تبدأ بعنوان لا تنجح دائماً، وهو كتاب يهتم فعلاً بمعاناة النساء اللائي ليس لهن صوت، لكن من منظور أدبي، يبقى الأسلوب أكاديمياً منمّقاً، وهو ما جعلني لا أتحمس للاستمرار في القراءة». وبالنسبة للوران شالومو الكاتب والناقد الأدبي المستقل فإن رواية «الحوريات» نصّ شجاع ومُحرج في الوقت نفسه، شجاع لأنه يتعرض لموضوع سياسي حسّاس قد يعرّض صاحبه لمضايقات كبيرة، ولكن وبالرغم من نواياه الحسنة، فإن الكتاب يفتقر للدقة. ويضيف الكاتب: «لم أتعرف على كمال داود في هذا العمل، هو يدّعي أنه شخص آخر وهو ما أصابني بالحساسية، حتى نكاد نراه وهو يحاول تمرير قباقيبه الكبيرة لتبدو كنعال حمراء اللون. الكاتب ركّز في نقده على «السرد المظلم بشكل متصنّع وإرادي لإنتاج إحساس بالعمق، إضافة للجُمل الملتوية المُثقلة بلا داعٍ».

وفي موضوع نقدي آخر مخصّص لرواية «الحوريات» أشاد أرنو فيفيانت الإعلامي والناقد الأدبي بصحيفة «ليبيراسيون» بها واصفاً الرواية بأنها «كتاب (عظيم جداً). على الرغم من طوله (400 صفحة) وكثرة الرموز، فإن الأسلوب الاستعاري يجعل القراءة مذهلة، وهو وإن اقترب من (الغونكور) عام 2014 حين تصور كتابة أخرى لرواية ألبير كامو (الغريب)، فهو، وبعد عشر سنوات، يعود بهذه الرواية الجديدة محاولاً هذه المرة إعادة كتابة (الطاعون) الرواية الأخرى لكامو. ليس فقط لأن الأحداث تدور في مدينة وهران في كلتا الروايتين، ولكن أيضاً بسبب التغيير الذي حدث في أسلوب الكتابة والذي كان قد ميّز رواية (الطاعون) أيضاً».

إليزابيث فيليب الكاتبة الصحافية من مجلة «نوفيل أبسورفاتور» وصفت الرواية بالأساسية والشجاعة لأنها «تتعرض للظلم الذي تواجهه بعض النساء في المجتمعات المحافظة، وهي أساسية من حيث إنها تعطي صوتاً لمن حرم منه». لكنها تصف الرواية في الوقت نفسه بـ«المملّة». وهي تقول بأن تحفُّظها لا يخصّ الأسلوب المنمّق الذي تميزت به الرواية، بل البناء السردي، فـ«الكاتب يدرج القصص الواحدة تلو الأخرى في نوع من التشويش الزمني، محاولاً تبرير ذلك بالسرد الشعري، لكن النتيجة لا تسهّل عملية القراءة التي تصبح أشبه بالتمرين الشاق».