مجلة «المسرح» الإماراتية... الإرث الكلاسيكي لمسرح ما بعد الحداثة

مجلة «المسرح» الإماراتية... الإرث الكلاسيكي لمسرح ما بعد الحداثة
TT

مجلة «المسرح» الإماراتية... الإرث الكلاسيكي لمسرح ما بعد الحداثة

مجلة «المسرح» الإماراتية... الإرث الكلاسيكي لمسرح ما بعد الحداثة

صدر حديثاً العدد 61 (أكتوبر/ تشرين الأول 2024) من مجلة «المسرح»، التي تصدرها شهرياً دائرة الثقافة في الشارقة، واحتوى مجموعة من القراءات والحوارات والمتابعات والرسائل حول النشاط المسرحي المحلي والعربي والعالمي.

في باب «مدخل» نشرت المجلة استطلاعاً مع عدد من الفنانين المحليين حول منظورهم لتطور صناعة الأزياء المسرحية، إضافة إلى تغطية لأبرز الفعاليات التي قدمتها الدورة الحادية عشرة من «مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة».

وفي «قراءات» كتبت ليندا منير عن توظيف فن الكاريكاتير في مسرحية «فردة حلم»، أحدث أعمال المخرج السوري رائد خليل، وكتبت منار خالد عن البنية الدرامية في عرض «الاختبار» للمخرج المصري عبد الرحمن محمد، وأبرز عوّاد علي رسالة الوحدة والسلام التي طرحها عرض «روميو وجولييت» للمخرج العراقي فاضل الجاف، وكتب جوان جان عن «البخيل» للمخرجة السورية رنا جمول، وتناول إبراهيم الحسيني النص والعرض في قراءته لمسرحية «زغرودة» للمخرج الإماراتي عبد الرحمن الملا.

وفي «حوار» نشرت المجلة مقابلة أجراها سامر محمد إسماعيل مع المخرج الأردني عبد السلام قبيلات، تحدث فيها عن بداياته وتأثره بدراسة المسرح في روسيا، وتجربته في إنشاء «مسرح الشمس» المستقل في العاصمة الأردنية.

وفي «رؤى» كتب فهد الكغاط تحت عنوان «مساحة بيتر بروك... بين الفراغين الكمي والمسرحي»، وكتب سعيد كريمي تحت عنوان «الإرث الكلاسيكي لمسرح ما بعد الحداثة».

في «أسفار» حكى جمال ياقوت إحدى رحلاته إلى العاصمة اليونانية أثينا، مبرزاً جماليات عمارتها وفضاءاتها الثقافية وصروحها المسرحية. وفي «أفق» حاور الحسام محيي الدين المخرج اللبناني هاشم عدنان. وفي «رسائل» كتب شريف الشافعي عن أحدث عروض المسرح الصيني، ووائل سعيد عن انتعاش «المسرح الغنائي» في مصر، وسعيدة شريف عن قائمة العروض الجديدة التي سيشاهدها جمهور المسرح في المغرب، بينما كتب رابح هوادف عن الحضور المتجذر والمتجدد للمرأة الجزائرية في مجال الإخراج المسرحي.

في «مطالعات» نقرأ لمنتجب صقر مقالاً حول كتاب «نظرية الدراما الحديثة» للناقد الألماني بيتر سوندي. وتتضمن «متابعات» مقابلتين قصيرتين مع المخرج التونسي عيسى الطاهر بالعربي، والممثلة المغربية فاطمة الزهراء شتوان، وقراءة في مسرحية «هاملت» وفق الصيغة الإخراجية للكندي روبرت لوباج، كتبتها باترشيا كيني، وترجمتها إلى العربية لمياء شمت. وتضمّن الباب مقالة لصبري حافظ حول جماليات مسرحة الأجناس الأدبية انطلاقاً من رؤيته لمسرحية «إليزابيث كوستيللو: سبعة دروس وخمس حكايات أخلاقية» للمخرج البولندي كريستوف فارليكوفسكي.



حصاة بن صلت... أهي قبلة بيت الصلاة؟

النقش التصويري الذي يظهر على الوجه الجنوبي لحصاة بن صلت، مع رسم توثيقي له
النقش التصويري الذي يظهر على الوجه الجنوبي لحصاة بن صلت، مع رسم توثيقي له
TT

حصاة بن صلت... أهي قبلة بيت الصلاة؟

النقش التصويري الذي يظهر على الوجه الجنوبي لحصاة بن صلت، مع رسم توثيقي له
النقش التصويري الذي يظهر على الوجه الجنوبي لحصاة بن صلت، مع رسم توثيقي له

وصل العالم الجيولوجي الأميركي روبرت كولمان إلى عُمان في خريف 1973 لإنجاز دراسة علمية معمّقة تتناول تكوين طبقات أرض هذه البلاد، وعاد إلى موطنه في شتاء 1974 بعدما أنهى مهمته الاستكشافية. توقّف الباحث خلال تجواله أمام شواهد الفنون الصخرية التي تشكّل أقدم أنواع التدوين الإنساني، وأشار إلى صخرة كبيرة تتميز بنقوش تصويرية آدمية ناتئة. أثارت هذه الصخرة فضول العلماء منذ ذلك التاريخ، وعُرفت باسم «صخرة كولمان»، نسبة إلى الجيولوجي الذي سلّط الضوء عليها، وهي في الواقع صخرة معروفة محلياً، وتسمّى في موطنها حصاة بن صلت، نسبة إلى فارس أسطوري يُدعى صلت، تناقل الرواة قصته على مدى أجيال.

تقع هذه الصخرة في ولاية الحمراء، في محافظة الداخلية، وتبعد نحو كيلومتر من مركز هذه الولاية، حيث تنتصب وسط وادي الخوض، ملتقى أودية المنطقة، عند سفح موقع قرن كدم الذي يحوي العديد من المعالم الأثرية. ترتفع حصاة بن صلت نحو 3 أمتار عن قاع الوادي، وسط أشجار مورقة تحيط بها من 3 جهات، ويذكّر اسمها باسم «معبد تي صلت» الأثري الذي يقع غرب جبل كدم، ما بين موقع قرن كدم وقرية غمر. يعود هذا المعبد إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، ويحمل اسماً باللغة السلوتية يشير إلى «بيت الصلاة»، ويرى البعض أن الصخرة التي تُسمّى حصاة بن صلت تشكّل قبلة له، غير أن هذه القراءة تفتقر إلى أي سند، وتبقى افتراضية.

في المقابل، يتناقل الرواة جيلاً بعد آخر قصة تدخل في خانة الأدب الشعبي، بطلها فارس مغوار يُدعى صلت، تربّص به أعداؤه، فغمروا الطريق التي يسلكها بالمياه حتى صارت وحلاً. وقع الفارس في هذه المصيدة حين انغرست قوائم حصانه في الوحل، فترجّل عنه، وأخرجه من هذا الوحل، وحين وجد نفسه أمام الصخرة التي تحدّ طريقه، عاد إلى الخلف، وانطلق بسرعة، ونجح في اجتيازها بعد أن ضرب حصانه بقوائمه قمة هذه الحصاة، فأحدثت حفرة لا تزال باقية، كما تركت أثراً للدماء التي سالت منها، تشهد له البقع الحمراء التي لا تزال ظاهرة في الجانب الغربي من الحصاة. تدخل هذه القصة في خانة الحكايات الشعبية التي تأسّست على نقوش صخرية تصويرية، ولا تشكّل بالتالي أي أساس علمي لقراءة المشهد التصويري الذي يمثّله هذا النقش، وهو نقش ناتئ، بخلاف ما نراه في نقوش سلطنة عمان الأثرية الصخرية، ولا نجد ما يماثله في ميراث جنوب شرقي الجزيرة العربي الخاص بهذا الميدان.

يعود هذا المشهد التصويري إلى النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد كما يرجّح كبار المختصين، ويتألف من صورتين. تحضر الصورة الأولى على الوجه الجنوبي، وتجمع بين 4 أشخاص بقيت معالم 3 منهم ظاهرة، وتآكلت ملامح رابعهم. في المقابل، تحضر الصورة الثانية على الوجه الشمالي، وتجمع بين 3 أشخاص، طمس الزمن ملامح اثنين منهم بشكل شبه كامل. يحضر هذا النقش على مساحة صخرية مليئة بالنتوءات، ولا يمكن قراءة عناصره بشكل جليّ إلا من خلال الرسوم التوثيقية العلمية.

على الوجه الجنوبي، يحضر في الوسط رجل يرتدي مئزراً، يقف منتصباً، رافعاً ذراعيه نحو الأعلى، حاملاً بيده اليمنى أداة تمثّل على الأرجح سلاحاً ذا طرف حاد. يظهر هذا المحارب في وضعية المواجهة، على ارتفاع مترين ونصف المتر، وتظهر قدماه في وضعية جانبية. يحد مئزره حزام تزينه سلسلة من الحبات الكروية، وتظهر على قدمه اليسرى حبات مشابهة مرصوفة عمودياً، مما يوحي بأنه ينتعل حذاء طويلاً من النوع الذي يُعرف بالجزمة. ملامح الوجه ظاهرة، وتتكوّن من عينين دائريتين فارغتين، وأنف مستطيل أفطح، وفم مطبق صغير، يتوسّطه شقّ أفقي يحدّ شفتيه. الكتفان عريضتان ومقوّستان، والصدر أملس وعارٍ من أي تفاصيل تشريحية. اليدان ظاهرتان، وتتمثّل ملامح اليمنى بـ5 أصابع تقبض على السلاح المنسلّ في الأفق، كما تتمثّل ملامح اليسرى بـ5 أصابع متراصفة كأسنان المشط.

عن يمين هذا المحارب، يحضر شخص يقف كذلك في وضعية المواجهة، وتشير ملامح وجهه وشعره الطويل إلى هوية أنثوية، وتتأكد هذه الهوية بحضور دائرتين مجردتين تستقران أفقياً عند أعلى الصدر. تبدو هذه المرأة زوجة لهذا المحارب، وتماثل ملامح وجهها ملامح رفيقها من حيث التكوين. يبلغ طول هذه المرأة 1.25 متر، وتحضر منتصبة في وقفة جامدة تخلو من أي حركة، مرتديةً ثوباً بسيطاً يعلوه حزام يلتفّ حول الخصر، وتبدو ذراعاها متصلتين ببدنها. عن يسار المحارب، عند أقصى طرف وجه الصخرة الجنوبي، يظهر شخص ثالث صوّر بقياس أصغر حجماً، ممّا يوحي بأنه ابن هذين الزوجين. يبلغ طول هذا الفتى 80 سنتيمتراً، ويماثل في وقفته وقفة أمه، ويظهر وجهه بشكل جلي، وهو وجه دائري، وملامحه مماثلة لملامح والديه.

تقدّم الصورتان الجامعتان المنشورتان مشهداً يصعب فك رموزه ودلالته والأرجح أنه يعكس وجهاً من وجوه الروابط الاجتماعية في الحقبة التي عُرفت فيها شبه جزيرة عُمان باسم ماجان

في الطرف المقابل، يظهر الشخص الرابع الذي امّحت ملامحه، وهو رجل يبلغ طوله 1.55 متر، يقف في وضعية مماثلة، مرتدياً مئزراً مماثلاً لمئزر جاره المحارب. يرفع هذا الرجل ذراعه اليمنى نحو الأعلى، حاملاً بيده أداة امّحت صورتها، ويرخي ذراعه اليسرى نحو الأسفل. يتكرّر حضور هذا الرجل على الوجه الشمالي للصخرة، وتبدو ذراعاه منسدلتين نحو الأسفل. إلى جانب هذا الرجل، يحضر من جهة اليسار شخصان امّحت معالمهما، وهما يمثلان رجلاً وامرأة، كما توحي الصور الفوتوغرافية التي التُقطت منذ نصف قرن.

تقدّم هاتان الصورتان الجامعتان مشهداً يصعب فك رموزه ودلالته، والأرجح أنه يعكس وجهاً من وجوه الروابط الاجتماعية التي نشأت في تلك الحقبة التي عُرفت فيها شبه جزيرة عُمان باسم ماجان. على الصعيد الفني، تشابه قامات هذا المشهد في تكوينها قامات تحضر في شواهد أثرية أخرى معاصرة لها، وتشهد لفن تصويري يعكس أثر ميراث بلاد السند الفني، كما تؤكّد الدراسات الخاصة بهذا الميدان.