«أمشي ويصل غيري»... سامح محجوب يستعيد جماليات قصيدة التفعيلة

«أمشي ويصل غيري»... سامح محجوب يستعيد جماليات قصيدة التفعيلة
TT

«أمشي ويصل غيري»... سامح محجوب يستعيد جماليات قصيدة التفعيلة

«أمشي ويصل غيري»... سامح محجوب يستعيد جماليات قصيدة التفعيلة

عن دار «الشؤون الثقافية» التابعة لوزارة الثقافة العراقية صدر ديوان «أمشي ويصل غيري» للشاعر المصري سامح محجوب والذي يستعيد من خلال أجوائه جماليات قصيدة التفعيلة، مشرّبة بمسحة من الشجن، تضمر في رائحتها حالة من الأسى والفقد والحسرة على أمل مراوغ، دائماً يهرب من ظلال الخطى والطريق التي تقطعها الذات الشعرية في الوصول إليه بمحبة خالصة، وهو ما يشي به عنوان الديوان. رغم ذلك يتميز بإيقاعات موسيقية رشيقة تطرح جماليات مختلفة، سواء على مستوى اللغة أو الصورة أو المجاز أو حتى المفارقة الدرامية الصاخبة.

يتجلى ذلك في كثير من المواضع، لا سيما تلك العبارة التي يصدّر بها الشاعر ديوانه «ليسَ أصعبَ مِن أن تواجهَ ذاتك في حافلةٍ ليليةٍ سائقُها مخمور»، ثم تتوالى ملامح الديوان تباعاً، حيث يعود الشاعر إلى عوالم قصيدة التفعيلة بصور شعرية خارجة عن المألوف محملة بخيال طازج مدهش، في تجربة حية تؤكد أن الإبداع قادر على أن يتجاوز الشكل ويتكرس في المضمون. ويطل قمر الغزل وعبير الغرام عبر قصائد الديوان كما في قصيدة «سر النعناع» التي يقول فيها الشاعر: «فُلٌّ / لمساءٍ يجلسُ / في مقهى الفيشاوي / كأميرٍ عربيّ / فُلٌّ ليديها / القاسيتين حناناً / في مرفأ كفىّ / فُلٌّ لنسيمٍ مرّ/ ولم يُفْشِ سِرّ النعناع / يا سرّ النعناع / لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عليّ».

ويقول الشاعر في قصيدة «نانسي»: نانسي امرأةٌ أبْدَعَهَا / الكَعْبُ العالي / تمشي مُثْقَلَةً بالجُغرافيا / لا يُشبهُهَا غيرُ كمانٍ/ تركَ الأورْكِسْتِرَا / وَتَمَشَّى في شارعِ طلعت حربْ/ نانسي تفتحُ للنصِ البابَ / ليخرجَ من علياءِ بلاغتِها أعزلْ / وتقولُ لمن يغلقُ بابَ التأويلِ:تمهَّل/ نوني... نونانِ/ ويائي لا تُسْألْ/ وتقول: أحبكَ يا مجنونُ/ أقولُ: شربتُ/ شربتُ ولم أثملْ». ويموج الديوان بظلال الحب وهمسات العشاق كما في قصائد عدة، منها «بكائية لكمان يوهان شتراوس» و«سوبرانو» في مقابل مراثي الزمن والبكاء على أطلال جمال منسي ودهشة مفقودة كما في قصائد «مقابر جماعية» و«القيامة» و«الشاعر الرجيم» و«الأربعينيات»، حيث يقدم الشاعر تجربة ثرية موغلة في الرمز والمجاز وتسبح في فضاء الحلم والذاكرة.

وتعيد قصيدة «نسر مهزوم» صياغة العلاقة بين الفرد المحبط والوطن كشجرة وارفة الظلال تشكل ملاذاً آمناً، لكن تلك العلاقة لم تخلُ من مناوشات العتاب والغضب تحت عنوان عريض هو المحبة على طريقة «هاملت» حين قال مخاطباً أمه: «أقسو كي أكون رحيماً». يقول الشاعر: «أدعوكِ طريقاً ومنازلَ طفلاً / يولدُ من رحمِ الْيَمّ / يحملُ بين يديهِ الشمسَ / وفي عينيهِ ينامُ الغيم / هذي الأرضُ الموعودةُ بالعشاق / يرثون ثراها قيداً وسلاسل / قمراً محبوساً / خلف الجدران».

صدر لسامح محجوب من قبل خمسة دواوين هي «لا شيء يساوي حزن النهر» 2006، و«الحفر بيد واحدة» 2010، و«مجاز الماء» 2015 و«امرأة مفخخة بالياسمين... ينتظرها عاشق أعزل» 2017، ظل فيها مخلصاً لشعر التفعيلة بقوافيه وجرسه الانسيابي، إلى أن اتجه لكتابة قصيدة النثر في ديوانه «يفسر للريح أسفارها» 2019.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.