رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته

رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته
TT

رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته

رحيل الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل في غربته

رحل صباح أمس في غربته بهولندا الشاعر والصحافي العراقي مخلص خليل بعد صراع مرير مع المرض.

وكان الراحل قد عمل مبكراً في جريدة «طريق الشعب» البغدادية التي صدرت عاد 1973، وأصبح مسؤولاً في أحد أقسامها. ثم غادر العراق 1979 حاله حال المئات من العراقيين بعد اشتداد حملة «البعث» العراقي ضد معارضيه.

استقر لفترة في بيروت، ثم غادرها بعد الغزو الإسرائيلي للبنان 1982 إلى دمشق، التي عاش فيها سنوات طويلة، ثم لجأ إلى هولندا في التسعينات من القرن الماضي لحين رحيله.

أصدر مخلص خليل عدداً من المجموعات الشعرية، وكان من الأصوات البارزة في فترة السبعينات. ثم توقف عن النشر، لكنه استمر في الكتابة. وقد ترك عدداً من المجموعات غير المنشورة.

من شعره:

اليوم انتحر رجل وحيد

لم أره إلا مرة واحدة

لا يعرفه إلا القليل من عائلتنا المهاجرة.

لم يجد الطريق إلى الشهرة

لم يقاسمه السكن أحد

لم يبح بسره أبداً

فجأة ذات مساء

كتب ثلاث كلمات ودسها في جيبه:

أنا الذي اهتديت...

وركب الباص.


مقالات ذات صلة

كاظم الساهر في بيروت: تكامُل التألُّق

يوميات الشرق صوتٌ يتيح التحليق والإبحار والتدفُّق (الشرق الأوسط)

كاظم الساهر في بيروت: تكامُل التألُّق

يتحوّل كاظم إلى «كظّومة» في صرخات الأحبّة، وتنفلش على الملامح محبّة الجمهور اللبناني لفنان من الصنف المُقدَّر. وهي محبّةٌ كبرى تُكثّفها المهابة والاحترام.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مَنْح هبة القواس درع مئوية الجامعة تقديراً لعطاءاتها (الجهة المنظّمة)

مئوية «اللبنانية – الأميركية» تُحييها الموسيقى والشعر

قرنٌ على ولادة إحدى أعرق المؤسّسات الأكاديمية في لبنان، والتي حملت شعار تعليم المرأة اللبنانية والعربية والارتقاء بها اجتماعياً واقتصادياً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق قضى الأمير بدر بن عبد المحسن خمسة عقود في إغناء الوسط الثقافي وكتابة الشعر وتدبيج القصائد وتزيين خرائط الوجدان (حساب الأمير على «إكس»)

«المختبر السعودي للنقد» يبدأ باكورة أعماله بقراءة جديدة لأعمال الأمير بدر بن عبد المحسن

يبدأ «المختبر السعودي للنقد» باكورة أعماله بتقديم قراءة نقدية جديدة لأعمال وإنتاج الأمير الراحل بدر بن عبد المحسن.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق الأمير بدر بن عبد المحسن خلال مشاركته أمسية شعرية في باريس (الشرق الأوسط)

فنانون وشعراء يودعون أيقونة الشعر بعد خمسة عقود من العطاء

نعى شعراء وفنانون الأمير البدر، وتجربته التي امتدت لـ5عقود، غنى له خلالها نخبة من فناني العالم العربي، وتعاقبت الأجيال على الاستماع والاستمتاع ببراعته الشعرية.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق تجد في الخيبة والهزيمة سرَّ وصول إلى ضياء الحياة (حسابها الشخصي)

سهام الشعشاع لـ«الشرق الأوسط»: أنصاف الموهوبين حاضرون على حساب الأصيل

لا تدّعي سهام الشعشاع أنها قادرة على تنقية شِعر الأغنية من الشوائب، لكنها على الأقل تحاول الانتصار للغة أنيقة، ولفنّ بعيد عن التلوّث، يطرد العتمة ويكسر الكآبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)

نظرية بودلير حول الضحك تدخل الحملة الانتخابية الأميركية

مارغريت دوراس
مارغريت دوراس
TT

نظرية بودلير حول الضحك تدخل الحملة الانتخابية الأميركية

مارغريت دوراس
مارغريت دوراس

ما العلاقة بين كامالا هاريس، وترمب، وبودلير؟ للوهلة الأولى لا شيء، فمرشحا الانتخابات الأميركية شخصيتان سياسيتان، أما بودلير فقد كرّس حياته للكتابة. لكنَّ الشاعر الفرنسي دخل بصفة غير مباشرة الحملة الانتخابية الأميركية، واستطاع أن يفسر لنا بنظريته حول الضحك وباستنتاج منطقي حجم الخطأ الذي ارتكبه ترمب وفريقه حين اختاروا استراتيجية الهجوم على كامالا هاريس مستخدمين سلاح «الضحك».

كامالا هاريس

الباحثة وأستاذة الأدب الفرنسي في جامعة «أكزيتر» البريطانية ماريا سكوت، شرحت في مقال بموقع «ثي كنفرسيشن» يحمل عنوان «الاستهزاء بضحكة كامالا هاريس استراتيجية غير مضمونة وفقاً لبودلير»، أنه كان من المفروض على المرشح الأميركي وفريقه أن يقرأوا أعمال الشاعر الفرنسي تشارلز بودلير، ولو فعلوا لما اختاروا «الضحك» للهجوم. صاحب ديوان «أزهار الشر» يشرح الفكرة في محاولة نثرية عنوانها «جوهر الضحك» نُشرت عام 1855، يميز فيها بين الضحك الذي يهدف إلى السخرية والازدراء من أشخاص نعتقد أننا متفوقون عليهم (ضحك ترمب) والضحك الهزلي البريء الذي يؤدي إلى نشر روح البهجة والتعاطف (ضحك هاريس)، وقد شرح ذلك عبر مفهومَي «المُضحك العادي le comique ordinaire» و«المُضحك الهزلي le comique grotesque»، إذ كتب كأنه يصف شيئاً رآه: «رجل ممدَّد في الشارع، يتعثر على مدرج الطريق ويتسبب في سقوط تاجه. وعلى مرأى هذا الرجل الملقى في الشارع، يبدأ الآخرون في الضحك». يستنتج بودلير أن الضحك هنا شّر وأنه تصرُّف شيطاني وعلامة على الخطيئة الأصلية حتى إنه كتب «الرجل الحكيم لا يضحك إلا وهو يرتجف».

بودلير

ويواصل الشاعر موضحاً أن الحكماء يخافون من الضحك لأنهم يشعرون بوجود «تناقض سرِّي» بين الحكمة والضحك، وأن المجانين وحدهم هم من يضحكون، لأنهم لا يدركون ضعفهم ويظنون أنهم عظماء. وكان الضحك الذي يسميه بودلير «عادياً» قد نظّر له أيضاً الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز. وهو الضحك الذي يثيره مشهد تعثر شخص ما وسقوطه. وما يجعلنا نضحك، وفقاً لهوبز، هو الاعتراف بـ«تفوقنا» على الشخص الذي نراه يسقط. وقد تبنّى الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون أيضاً هذه النظرة إلى الضحك في كتابه «الضحك» (1990). فبالنسبة إلى برغسون، نحن نضحك على الآخرين عندما يتصرفون مثل الكائنات الميكانيكية، ونفعل ذلك كنوع من التنشئة الاجتماعية: لتشجيعهم على أن يكونوا أكثر إنسانية.

نظرية التفوق تفسر إذن لماذا نضحك على غباء الآخرين أو على المهرّجين، ومع ذلك، عندما يُستخدم الضحك سلاحاً سياسياً فإن الأمور تصبح أكثر تعقيداً، إذ يوجب علينا الأخذ بعين الاعتبار نقطتين أساسيتين: أولاهما العلاقة المركبة بين الفكاهة والتعاطف. فالروائي والكاتب المسرحي ستندال الذي قضى جزءاً من حياته محاولاً كتابة الكوميديا، كان يجد صعوبة في كتابة شخصيات فكاهية لأنها، كما كان يقول، تثير التعاطف وتمنع عموماً مشاعر الازدراء. وهنا المفارقة: فالفكاهة تخلق روابط من التعاطف بين الأشخاص الذين يتشاركون النكتة ويضحكون بينهم لكنّ الأشخاص أنفسهم لا يشعرون بأي تعاطف مع موضوع النكتة. ولكن ماذا يحدث لو أن الشخص موضوع النكتة يضحك بنفسه أيضاً كما هو الحال مع السيدة كامالا هاريس؟ في هذه الحالة قد يحّل التعاطف مع الشخص الضاحك محل الازدراء. وبعبارة أخرى، ترمب يريدنا أن نضحك على كامالا هاريس بغرض الاستهزاء بها ولكن ما يحدث هو أننا نضحك معها بدلاً من الضحك عليها. وهو ما يشرحه بودلير في «جوهر الضحك» حين يكتب: «الممثل الذي يقع على خشبة المسرح هو أول من يضحك، ضحكة بريئة متفوقة، فهو قادر على أن يكون نفسه وشخصاً آخر في أن واحد، هو مدرك لوضعه لكنه لا يخشى أن يصبح مثيراً للضحك: يسقط الرجل في الشارع، فيستقيم وينفجر ضاحكاً، إنه رجل حكيم ساخر...».

فرجينبا وولف

تكتب الباحثة ماريا سكوت في موقع «ثي كنفرسيشن»: أليست كامالا هاريس هي هذا «المُضحك الهزلي» الذي يتحدث عنه بودلير؟ تضحك مع الآخرين، لا عليهم، كما يفعل ترمب. صحيفة «سلات» أكدت الفكرة في مقال بعنوان «القصّة وراء نكتة شجرة جوز الهند لكامالا هاريس» جاء فيه ما يلي: «كيف أصبحت نكتة شجرة جوز الهند you think you just fell out of coconut tree متداولة بكثرة في شبكات التواصل؟ لا أحد يعلم فعلاً، لكنَّ الطريقة (شبه المُحرجة) التي تروي بها القصّة والضحكة المدوية التي تختمها بها قد جلبت لها بالتأكيد التعاطف ومزيداً من الأنصار. خصومها حاولوا استغلال القصّة للاستهزاء بها، لكنَّ السخرية الذاتية التي اعتمدها أنصارها قلبت السحر على الساحر»... وإذا كنا نستطيع الضحك مع الآخرين وليس الضحك عليهم فهذا يقودنا إلى النقطة الثانية التي تنتج عن استعمال الضحك سلاحاً سياسياً وهي قوة «الفرحة»، هذه العبارة المتداولة بقوة في التعليقات السياسية والرسائل التي ترد بخصوص ضحك كامالا هاريس، حتى أصبحت بمثابة العمود الفقري لحملتها خلال الأيام الماضية. وإن لم تكن نظرية بودلير حول الضحك كافية، فإن مراقبين كثراً قد لاحظوا أيضاً أن وضع الضحك في قلب الحملة الانتخابية بين رجل وامرأة يحمل في طياته مشاعر الازدراء وكره النساء والغرض منه التمييز بين ضحك الرجال «الجيد»، الذي يفترض أنه محترم، وضحك النساء «السيئ»، غير اللائق وغير المحترم. شخصيات أدبية كثيرة تطرَّقت إلى هذا التمييز، وهو ما شرحته الباحثة المختصة في تاريخ الأدب سابين ملشيور بوني في كتابها «النساء والضحك» (دار نشر بوف) حين قالت إن «الضحك والقدرة على الإضحاك ظلَّا لفترة طويلة حكراً على الرجال، بل إن ضحك المرأة قد يبدو خطيراً وعلامة من علامات الوقاحة، وناقلاً للجنون والهستيريا». المرأة التي تضحك كثيراً هي إذن امرأة «مجنونة»، وقد يكون هذا ما حاول ترمب إقناعنا به حين صرّح في تجمع ميشيغان في العشرين من شهر يوليو (تموز)، حين قال: «أنا أسميها كامالا الضاحكة، هل شاهدتموها وهي تضحك؟ إنها مجنونة. تعلمون أننا نستطيع معرفة الكثير من الضحكة. لا، إنها مجنونة. بالتأكيد إنها مجنونة». هذا المنطق الكاره للنساء حاربه كثير من الشخصيات الأدبية. فمارغريت دوراس، مثلاً، تحدَّت السلطة الذكورية في كثير من أعمالها مستعملةً الضحك والسخرية. ورأت فرجينيا وولف، رغم المآسي التي مرَّت بها، فعل الضحك خاصّية «تحريرية» وقد تحدثت عن ذلك في مقال رائع نشرته في صحيفة «الغارديان» عام 1905 بعنوان «قيمة الضحك» تقول فيه إن الضحك يفتح أعيننا لأنه «يرينا الكائنات كما هي، مجردة من زخارف الثروة والمرتبة الاجتماعية والتعليم».