المؤلف الوسيط... من دور النشر إلى أروقة العرض

مهنة «المحرر الأدبي» برزت منذ النصف الثاني من القرن الـ19

رشيد الضعيف
رشيد الضعيف
TT

المؤلف الوسيط... من دور النشر إلى أروقة العرض

رشيد الضعيف
رشيد الضعيف

لم تكن وظيفة الوساطة بين الكاتب والناشر تمثل سلطة في عالم صناعة الكتب، سواء كانت ذات طبيعة إبداعية أو معرفية، إلا في حدود منتصف القرن الماضي، رغم بروز مهنة «المحرر الأدبي» منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث خصص فولتير تعريفاً لعمله في «المعجم الموسوعي للقرن التاسع عشر»، بوصفه الساهر على «توظيف معرفته ومهاراته وطاقته الإبداعية في ترجمة أفكار الغير، وإن لم يؤمن بها»، بينما لم يتجاوز عمر القيم الفني ستة عقود في الغرب، وبرز بوصفه صانع صيغة العرض، الذي يختار اللوحات، ويبرز بنهجه التنظيمي محتواها الفني. فالشيء الأكيد أن الروائي أو الفيلسوف أو الناقد أو المؤرخ، أو المسرحي، لا يحتاج إلى دار نشر فقط ليرى عمله النور، مثلما لا يحتاج الفنان إلى مجرد غاليري ليقدم أعماله الفنية للجمهور، ثمة مؤلفان وسيطان في عملية الانتقال من الورشة إلى المنتج المعروض للبيع، «محرر» يراجع مخطوط الكاتب وينقحه ويقترح تعديلات قد تمتد من العنوان إلى المبنى العام مروراً بالفصول والمباحث، والمشاهد والفضاءات والشخصيات، وقيّم معارض (كيراتور) يحول الأعمال المتراكمة، المتقاطعة والمتنائية، إلى متوالية لوحات ومنحوتات وتنصيبات ينتظمها نسق بصري، يضمر رؤية، تغوي جامعي الأعمال الفنية. الوسيطان معاً منتسبان إلى تقاليد مهنية، لها مهاراتها وحدوسها الفارقة، ليس من شأنها الزيادة في المتن، وإنما الإعلاء من الكيف المتقن، كلاهما متصل بالصيغة، التي تلتبس بالجوهر، تلك التي تقتضي صرامة مع الذات، وكلاهما أيضاً وافد من عالم برزخ بين المعرفة الجمالية ومهارات التسويق، الأمر الذي يفترض أن يمتلكا معاً حساسية خاصة تجاه منطق العرض، بما يصون الكاتب والفنان والناشر وصاحب الرواق من أقدار الخيبة والسقوط.

محمد برادة

في مقال لامع للناقد الفرنسي لوران بوديي بعنوان: «الكيراتور: المهنة الجديدة بعالم الفن» تحدث عما أسماه بـ«مفهمة المعارض»، وإكسابها عمقاً فكرياً، في الآن ذاته الذي لم يستبعد هاجس القيمة، في عالم استفحلت فيه الأساليب الاختراقية، أمر له علاقة بالمزاج العام، وبالذوق غير المستقر، الذي يطول المشهد البصري، وبالقدر ذاته السرديات اللفظية، حيث المحرر، بمعنى ما، يعيد تركيب صيغة العرض، بناء على مفاهيم غير مستقرة، وذائقة متحولة.

في هذا السياق تحديداً لا يمكن تمثل القيّم الفني (الكيراتور) الذي يعود عمره الافتراضي إلى أقل من عمر المحرر الأدبي بقرن ونصف من الزمان (على الأقل)، إلا بما هو تنويع على صيغة التحرير المرتبطة بالصحافة، وبأساليب تكييف المعلومات والأخبار، ضمن خط تحريري، ففي النهاية لا يتحقق عمل قيم المعارض من دون تكييف وترتيب وسعي إلى الإقناع، منذ أن ابتدع السويسري هارالد سزيمان صيغة «النيابة عن الفنانين» في تنظيم العروض ومنحها عناوين، وصيغاً ورقية مرافقة، تقول ما يتوق المشاهد لفهمه.

ولعل ما يلفت الانتباه لأول وهلة هو أن التداول المهني للمحرر والكيراتور لم يكن تجاوز معنى المساعدة في التعبير عن رؤى أشخاص قاصرين، في حدود معينة، لقد كان الكيراتور منتدباً قضائياً لمساعدة العاجزين، مثلما أن المحرر لم يكن سوى كاتب عمومي، يصوغ رسائل وشكايات لغير المتعلمين، إنها مهارات تتوخى، في المحصلة، تمثيل من لا قدرة لهم «على الدفاع عن مصالحهم»؛ وكأنما ثمة عماء أصيل في الإبداع، مهما ارتفعت قيمته، يستلزم «هداية»، قد تمتد من خطأ في العبارة الروائية إلى تلف في سند اللوحة.

والحق أنه قد يستطيع روائيون راسخون أن يكتبوا أعمالهم ويراجعوها ويعرضوها على قراء من مقامات شتى، وقد يأخذون برأيهم، أحياناً، وقد يخالفونهم الرأي، أحياناً عديدة، وقد يمضون إلى أقرب ناشر، مقتنع بعدم التدخل في المعروض عليه لنشره، وقد تنجح الرواية، وتحقق الأثر المرغوب، كما قد لا يكون لها أي صدى، شيء شبيه بآلاف المعارض التي هي مجرد محلات لبيع الأعمال الفنية، يرتجلها فنانون برغبة في التخلص من مجهود استمر زمناً طويلاً، تتداخل فيها الأعمال وتبدو متنابذة ودونما حاجة لمجاورة ملفقة، لهذا لا تتطلب نصوصاً هادية. إن علاقة الكاتب والرسام بأعمالهما تنطوي على عواطف وانحيازات وأوهام، تجعل المكتوب والبصري عرضة لأي قدر بعد خروجه، وتطوع كليهما للقيام بدور الوساطة، تجاوز مخل إلى ما لا يفترض أن يقوما به، فهما معاً ليسا متلقيين محايدين، وغالباً ما تكون لديهما حساسية شديدة تجاه الحذف، أو الإضافة.

في روايات عربية عديدة هناك عشرات المشاهد الزائدة وشخصيات لا وظائف لها وآلاف الأخطاء في اللغة والتاريخ والحقائق الجغرافية والإثنية والاجتماعية

في أمثلة عديدة على امتداد مسار الرواية العربية، يمكن أن نقف عند اسم شخصية يتغير في نص، أو حوار خاطئ، أو انقلاب في وقائع لا منطق لها، أو تحول في صيغة السرد من وجهة نظر إلى أخرى لا يتحمله المبنى السردي... يحضرني هنا مثالان شهيران لم يتجاوز فيهما النص عتبة الثلاثمائة صفحة، أولهما في رواية «حيوات متجاورة» لمحمد برادة حين تبدّل اسم شخصية رئيسية في أحد مقاطع الفصل الأخير من «عبد الموجود الوارثي» إلى «عبد الواحد الوارثي»، والثاني في رواية «هرة سيكيردا» لرشيد الضعيف، حيث تحولت شخصية «سوسا»، في إحدى الفقرات العابرة، من خادمة فلبينية إلى خادمة حبشية؛ هذان مثالان لكاتبين متحققين، لم يتدخل فيهما المحرر، ويمكن العثور في نماذج أخرى على عشرات المشاهد الزائدة والشخصيات التي لا وظائف لها. وآلاف الأخطاء المتعلقة باللغة والتاريخ والحقائق الجغرافية والإثنية والاجتماعية. هي تفاصيل قد تتوه في ثنايا المتن الممتد، وأحياناً يلتقطها النقاد، بينما هي من صميم عمل المحرر الذي يقدم الصيغة المشذبة والمراجعة للنشر. للمحرر سلطة على الروائي يستمدها من دار النشر، يمكن أن يقترح عنواناً أدق، ومساحة أجدى وحبكة أكثر تماسكاً، وهو موضع ثقة الروائي والناشر على حد سواء، لأن هدفه هو تحويل العمل التخييلي إلى منتج رابح. لهذا يمكن أن نستعرض عدداً كبيراً من قصص الأخذ والرد بين روائيين ومحررين في قائمة طويلة تشمل نجوماً من فيليب روث إلى لوكليزيو، من توماس مان إلى دوريس ليسينغ.

لكن إذا كان المحرر وسيطاً أساسياً في عالم النشر، فإنه مع ذلك لم يتحول يوماً إلى اسم علم له شهرة وصيت يضاهي اسم الكاتب، بينما تحول القيم الفني، في أروقة الفن عبر العالم إلى سلطة عاتية، تصنع الأسماء وتبرز الأهواء والأساليب، وتقترح على المشهد الفني وعلى أسواق الفن علامات جديدة، دون أن يعني ذلك أنه قد لا يتحول بحكم وظيفته إلى مجرد مساعد للفنان، ففي تصريح لا يخلو من تذمر، أورده الباحث الفرنسي إيمانويل أوكو عن «مهنة الكيراتور الأكثر حداثة في عالم اليوم»، ترى قيّمة المعارض غاييل شاغبو أن : «حوارنا مع الفنان ينتقل غالباً من الجمالي إلى الأسئلة الأكثر جوهرية. لكي تكون قيماً للمعارض، من الأفضل معرفة كيفية الرد على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالفنان في منتصف الليل ووضع جدول بيانات ممتازاً، بدلاً من التشدق فقط بمعرفتك بتاريخ الفن».


مقالات ذات صلة

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون هوشنك أوسي

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون ريجين أولسين

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك

هاشم صالح
ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله

قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
TT

قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

أشعلت كتيبة من الشعراء، تقاطروا من كل أرجاء العالم العربي، لياليّ الكويت الباردة بالدفء والمشاعر الصاخبة، في توليفة من العشق والغزل والحنين والافتجاع، حيث أوقد 27 شاعراً وشاعرة عربية جمر الكلمات لتنساب قصائدهم كألسنة نار تسكب حرارة العاطفة في قوالب موسيقية تجتذب القلوب التواقة إلى الدفء والجمال.

عبر ثلاث أمسيات شعرية، توزع الشعراء الـ27 ضمن فعاليات الدورة التاسعة عشرة لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية للإبداع الشعري، التي خصصت أعمال هذه الدور لسيرة مؤسسها الراحل الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، الذي رحل منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أقيمت الأمسيات الثلاث في مكتبة البابطين في العاصمة الكويت، الأمسية الأولى جمعت تسعة شعراء من مختلف أنحاء العالم العربي، وأدارها الدكتور مشعل الحربي (الكويت). وشارك فيها كلٌ من: أوس الأفتيحات (العراق)، وجاسم الصحيّح (السعودية)، وجمانة الطراونة (الأردن)، وحنين عمر (الجزائر)، وخالد بودريف (المغرب)، ومحمد طه العثمان (سوريا)، ومحمد عرب صالح (مصر)، وموضي رحال (الكويت)، ووليد الصراف (العراق).

الأمسية الثانية جمعت أيضاً تسعة من الشعراء، وأدارها الدكتور عبد الله السرحان (الكويت) وشارك فيها كلٌ من: أحمد شلبي (مصر)، وجاسر البزور (الأردن)، وخالد الحسن (العراق)، وروضة الحاج (السودان)، وسمية محنش (الجزائر)، وفالح بن طفلة (الكويت)، ومحمد الجلواح (السعودية)، نبيلة حماني (المغرب)، وهبة الفقي (مصر).

وضمّت الأمسية الثالثة، تسعة شعراء آخرين، وأدارها الدكتور أحمد الفرج (الكويت)، وشارك فيها كلٌ من: إباء الخطيب (سوريا)، وأحمد بلبولة (مصر)، وإياد هاشه (العراق)، وحسام شديفات (الأردن) ودلال البارود (الكويت)، وشقراء مدخلي (السعودية) وعبد الله الفيلكاوي (الكويت)، وفارس حرّام (العراق)، ومحمد البريكي (الأمارات).

الشاعر السعودي جاسم الصحيّح (الشرق الأوسط)

جاسم الصحيّح

شارك في الأمسية الأولى الشاعر السعودي جاسم الصحيّح، الذي سبق أن فاز بجائزة أفضل ديوان شعري في مسابقة البابطين للإبداع الشعري 2012 عن ديوانه «ما وراء حنجرة المغني»، كما حاز جائزة سوق عكاظ الدولية للشعر العربي الفصيح 2018، وأخيراً جائزة المركز الأول في برنامج «المعلقة» من وزارة الثقافة السعودية في عام 2024.

وألقى الصحيّح بعضاً من نصوصه، جاء في قصيدته «لعابر في التآويل»:

نبيٌّ ولكنْ عابرٌ للشرائعِ

حدودُ سماواتي حدودُ أصابعي

إذا سال ظِلِّي بَلَّلَتْنِي غمامةٌ

من الوحيِ، تندَى بالمعاني الجوامعِ

رَعَيتُ ولكنْ في مراعي هواجسي!

تَأَمَّلتُ لكنْ في (حِرَاءِ) الشَّوَارِعِ!

يُجَلِّلُني مجدُ القصائدِ حينما

أشمُّ أريجَ الله بين (المَطالعِ)

حروفي نجومٌ أَفْلَتَتْ من مدارِها

إليَّ، وعَقَّتْ ما لها من مواقعِ!

فما حِكمتي إلا الجَمالُ، وحُجَّتي

شعوري بأنَّ الكونَ إحدى ودائعي

تَلَمَّستُ ديني داخلي فاعْتَنَقْتُهُ

وشَيَّدتُ في كلِّ الخلايا صوامعي

يسيلُ بيَ التأويلُ في كلِّ جُملةٍ

كأنِّي (مجازٌ مُرسَلٌ) للمنابعِ

بسَبعَةِ أختامٍ أُشَمِّعُ فكرتي

وأرسلُها للخلقِ دون طوابعِ

سـيَشكُونِـيَ الوُعَّاظُ مِلءَ نقيقِهِمْ

فمُستنقعُ الشكوَى كثيرُ الضفادعِ

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

روضة الحاج

شاركت الشاعرة السودانية روضة الحاج في الأمسية الثانية، وسبق أن حازت لقب «شاعر سوق عكاظ» لعام 2005، وشاركت في برنامج «أمير الشعراء» بنسخته الأولى، وحازت المركز الرابع... الشاعرة روضة الحاج، حملت أحزان بلدها السودان الذي تكويه نار الحرب، ومعاناة الناس وعذاباتهم، فألقت من لهيب الحزن قصيدتها «الآن تُمطرُ في جنوبِ القاهرة!»، جاء فيها:

وأنا ومصرُ

غريبةٌ لاذت بحزنِ غريبةٍ

بينا تسيرُ القاطرة

كلُّ المحطاتِ التي مرَّت بنا

متشابهاتٌ كلُّهنَّ

فليس من بيتٍ

لكي نأوي له

والساعة العجلى تشير إلى تمام العاشرة!

لا أهلَ

لا مستقبلينَ هناك

لا معنًى أُطاردُه

فيتبعُني ويُتعِبني

فقط

وجعٌ عظيمٌ لانهمارِ الذاكرة!

الآن تُمطر في جنوبِ القاهرة

وأنا يُعاودُني شجاي المرُّ

تعبثُ بي حميَّاي القديمةُ

كلما

بكتِ السماءُ وأبرقت

فكأنَّما روحي السماءُ الماطرة

وجعٌ عتيقٌ

يستبدُّ بهذه الروحِ المطيرةِ

كلما

لمعتٌ بروقٌ كنتُ أعرفُهنَّ

هبَّ عليّ عطرُ الأرضِ

أيقظَ كلَّ ما هدهدتُه لينامَ

أوقدَ ليلي الساجي

وسافرَ بي هناك

وهل أنا

مذ جئتُ هذي الأرضَ

إلا ضيفةٌ ومسافرة!

مطرٌ

وصوتُ (حليم)

شايٌ أحمرٌ

كتبٌ مبعثرةٌ

وشوقٌ

لست أدري ما الذي أشتاقُه

ومن الذي أشتاقُه

لكنَّني أدري تلوُّي القلبِ

كالملدوغِ

حين تُحيط بي أشجانُه

أدري بسكِّينِ الحنينِ

يشقُّ هذي الخاصرة!

الآن تُمطرُ في جنوبِ القاهرة

أبكي

لأرضٍ لم تغادرني وإن غادرتُها

لأحبةٍ سأظلُّ أحملهُم معي

حتى الحياةِ الآخرة!

أو ربما أبكي مكابدتي

لأبدو مثلما أبدو

وفي روحي تمورُ عوالمٌ شتى

وكونٌ كاملٌ يغلي

وأسئلةٌ

وما من مهربٍ إلا إلى هذي القصيدةِ

وهي تُمعنُ في مراوغةٍ

أنا أدرى بها

يا للعنودِ الماكرة!

ولربما أبكي

صدوعاً كلما رممّتها

وظننتُها التأمت

أعادتها قصيدةُ شاعرٍ

أو شاعرة!

أبكي

وتنهمرُ السماءُ

وتُجهش الدنيا معي

والشوقُ يهطِلُ

والحنينُ الآنَ

يهمي من سماءِ القاهرة!

الشاعرة الجزائرية سمية محنش (الشرق الأوسط)

سمية محنّش

الشاعرة الجزائرية سمية محنّش، قرأت مجموعة من النصوص من بينها «أسئلة في العشـــقْ»، جاء فيه:

لماذا...

وفي كُلِّ حُبٍ تُعَادُ الحَكَايَا

نُعيدُ الحَكَايَا...

ونَصْبُو إلى المُسْتَحيل

الذي لا يَرُوحُ

الذي لا يجيءُ

الذي كشهابٍ

يُغِيرُ الحَنَايَا

ونَلْتَذُّ بالآهِ

نلتاعُ بالشَّوْقِ

نَبْنِي قُصُوراً مِنَ الوَهْمِ فوقَ السَّحابِ

عَلَيْها نُقِيمُ الخَطَايَا

ونقلبُ كُنْهَ الأُمُورِ على ضِفَّةٍ لِلْخَيَالِ المُخَدَّرْ

فَذا الوَهْم يغدو عبيراً وسُكَّرْ

وتَغْدُو الكَمَنْجَاتُ

في الرُّوحِ نايَا...

وإنَّا لَنَغْرَقُ في الحُبِّ غَرْقَا

كَمِثْلِ السّكارى...

كَدُوقٍ قَديمٍ...

سنختارُ موتاً بِصَحْنِ النَّبِيذِ

ونَفْرَحُ أنَّا بذا المَوْتِ عِشْنَا

وأنَّا نَدِينُ لهُ كَالرَّعايَا

وإنَّا الرَّعايا.

سَنَكْذِبُ حَتْماً

ومِنْ فَرْطِ صِدقٍ

نُقَدِّسُ كِذْبَتَنَا مُغرَمِينَ...

بِحُسْنِ النَّوَايَا

ونَصْدُقُ طَبْعاً...

إذا أجهشَ الحُبُّ فينَا

وفُرْنَا بِتَنُّورِهِ كالشَّظايا

الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة (الشرق الأوسط)

جمانة الطراونة

الشاعرة الأردنية جمانا الطراونة، تنقلت برشاقة بين بحور القصيدة، وتنوعت مشاربها بين الغزل والحنين، تقول:

عشقتُكَ مرتينِ وما أكتفيتُ

كأنّي مِنْ نهايتِكَ أبتديتُ

لِتُصْبِحَ عالَمي غادرتُ ذاتي

إليكَ وبي على نفسي انطويتُ

«أحبّكَ» لم تَعُدْ تُشفي غليلي

كما كانتْ فعفوكَ إن بكيتُ

أحاولُ بالقصيدةِ أنْ أُوكنّي

فلا يخلوْ من التصريحِ بيتُ

على قلبي استويتَ وأنتَ أهلٌ

لتملِكَهُ فلو أنّي استويتُ

رأيتُكَ قبلَ هذا ملءَ عيني

متى قلْ لي وأين بكَ التقيتُ؟!

تآلفتِ القلوبُ وفزتُ كوني

بنارِ النظرةِ الأولى أكتويتُ

أُقيمُكَ كالصلاةِ فأنتَ فرضٌ

ونافلةٌ وأعني ما نويتُ

بوجهِكَ في المرايا يا ابنَ روحي

إذا طالعتُها دوني أحتفيتُ

يراكَ الناظرون إليّ حتّى

ظننتُ بأنّني فيكَ اختفيتُ

رميتُكَ إذْ رميتُ فدارَ سهمي

عليّ فما رميتُكَ إذْ رميتُ

لأبعدِ نَجْمةٍ سأمدُّ كفي

وأقطِفُها فبالحبِّ ارتقيتُ

ومن عينيكَ أشربُ ألفَ كأسٍ

من الشعرِ الزلالِ وما ارتويتُ

تُؤَرِقُني وموجُ الشوقِ عاتٍ

حبيبي هل بدأتُ أم انتهيتُ ؟!

أُخيفُكَ أم أخافُكَ لستُ أدري

وكيف عليّ مِنْكَ بكَ أحتميتُ؟!

فأنتَ أنا ولستَ هُنا لتأبى

تموتُ معي وتحيا إن حييتُ

الشاعر إياد هاشم يلقي قصيدته خلال الأمسية الثالثة (الشرق الأوسط)

إياد هاشم

الشاعر العراقي، المقيم في النمسا، إياد هاشم، ألقى قصيدتين، خصص الأولى لرثاء الشاعر الراحل عبد العزيز البابطين، جاء فيها:
يا رِمالَ الْكُوَيْتّ
لَوْ يَكِلُّ الْرِّثْاءُ جادَ الْوَفَاءُ
كَيْفَ لِيْ يَوْمَ غابَتِ الْجَوْزاءُ
كَيْفَ ناءَتْ عَنَا صُدُورُ الْقَوافِي
حِينَ حَلَّتْ بِرَحْلِهَا الشُّعَراءُ
كَيْفَ تَأْبَى الأَقْلامُ فِي دَوْحَةِ الْمَجْد،
وَتَأْسى فِي فَقْدِكَ الْعَلْياءُ
مَا تَحَيَّنْتُ فُرْصَةً لِلْمَراثِي
أَوْ دَعَتْنِي لِذِكْرِكَ الأَسْماءُ
بَلْ وَجَدْتُ الأَرْجَاءَ حَزْنِى لِفَقْدٍ
قَبْلَ حُزْنِي وَهَلْ سَيُجْدِي الْبُكَاءُ
يَا بَرِيقَ الْمِدادِ فِي حَضْرَةِ الْكُتْبِ،
تَمَهَّلْ فَلِلْبُدُورِ سَماءُ
حَدَّثَتْنَا الدِّيارُ عَنْ ساكِنِيها
كَصُخُورٍ يَصُفُّهَا الْبَنَّاءُ
كَيْفَ أَبْقَتْ مَعْناكَ فِي كُلِّ رُكْنٍ
فِضْتَ فِيهِ ، كَمَا يَفِيضُ الإِناءُ
ما تَخَبَّتْ بَراعِمُ الشِّعْرِ يَوْمًا
فِي مُحَيَّاكَ أَوْ تَبَدَّى الْحياءُ
أَنْتَ فِي بارِقِ النَّشِيدِ قَصِيدٌ
وَنَشِيدٌ إِذا عَلا الإِقْواءُ
يَا لَيالِيكَ كَمْ تَساهَرْتَ طُرًا
لِتَرَى الْمَجْدَ شادَهُ الأَبْنَاءُ

يَا رِمالَ الْكُوَيْتِ هَذا (أَبُو سعُودُ)
نَزِيلٌ ، وَيُكْرَمُ النُّزَلاءُ

.....

يَا رِمالَ الْكُوَيْتِ هَلْ يُسْرَقُ الْجَفْنُ
فَيَأْتِي مِنْ صَحْوَةٍ إِغْماءُ

بِي مِنَ الشَّعْرِ مَا يَحُثُّ الْقَوافِي

مُذْ أَصابَتْكَ طَعْنَةٌ نَجْلاءُ

مَا تَعَوَّدْتُ أَنْ أَلُومَ ضُلُوعِي
ذاتَ كَسْرٍ لَمَا يَشُحُّ الذَّواءُ

جِنْتُ أَسْعَىٰ فَقَدْرُ يَوْمِكَ قَدْرٌ
لا تُدانِيهِ غايَةٌ وَ عَطاءُ

يَوْمُ ذِكْرِاكَ لَمْ يَعُدْ يَوْمَ ذِكْرِى
رُبَّ مَوْتىٰ لِكِنَّهُمْ أَحْياءُ