هل العرب اليوم بحاجة إلى الفلسفة؟

فعاليّة نظَّمتها «مؤسسة الفكر العربي» مع «معهد تونس للفلسفة» ناقشت السؤال

تطرّقت الجلسات إلى موضوع غياب الحضور الفلسفيّ البارز في الخطاب السياسيّ العربيّ المعاصر (الشرق الأوسط)
تطرّقت الجلسات إلى موضوع غياب الحضور الفلسفيّ البارز في الخطاب السياسيّ العربيّ المعاصر (الشرق الأوسط)
TT

هل العرب اليوم بحاجة إلى الفلسفة؟

تطرّقت الجلسات إلى موضوع غياب الحضور الفلسفيّ البارز في الخطاب السياسيّ العربيّ المعاصر (الشرق الأوسط)
تطرّقت الجلسات إلى موضوع غياب الحضور الفلسفيّ البارز في الخطاب السياسيّ العربيّ المعاصر (الشرق الأوسط)

مع اختتام فعاليّة «نحو تفكّر فلسفي عربي جديد» التي أقامتها «مؤسّسة الفكر العربي» بالشراكة مع «معهد تونس للفلسفة» في رحاب مدينة الثقافة في تونس، أطلقت المؤسّسة كتاب «العرب والحراك الفلسفي اليوم» الذي أصدرته بمشاركة 35 مفكّراً وباحثاً ينتمون إلى 12 بلداً عربيّاً، وقد سلّط الضوء على الحراكِ الفلسفي العربي المستجدِّ، ودور الفلسفة والحاجة إليها في ظلّ الخطاب السائد حول موتها، وما يمثّله هذا الخطاب من تقويضٍ للأسس المعرفيّة التي بنيت عليها الحداثة، ومن تفضيل لعالم الرقمنة.

تناول الكتاب قضايا فلسفيّة عامّة، ومنها ضرورة الفلسفة، ومهمّة التفلسف في عالمنا اليوم، والفلسفة والمستقبل، وحاجة العلم إلى الفلسفة، وجدليّة العلاقة بين العقل والإيمان. وتضمّن قراءة في ستّة من أبرزِ المؤلّفاتِ الفلسفيّة العربيّة في العَقْدَين الماضيين، وسلسلة من سَبعِ قراءاتٍ في فكرِ فلاسفة عرب معاصرين، وقراءة في تفلسفِ المرأة العربيّة. كما تناول التراث الفلسفي العربيّ، واستشرف مآلاتِ الحِراك الفلسفي العربي الراهن وآفاقه.

شهدت جلسات الفعاليّة حضوراً نوعيّاً ونقاشاتٍ غنيّة (الشرق الاوسط)

شهدت جلسات الفعاليّة حضوراً نوعيّاً ونقاشاتٍ غنيّة هدفت إلى الإجابة عن سؤالين محوريّين هما: هل نحنُ اليومَ كعرب بحاجة إلى الفلسفة؟ وهل نحن قادرونَ على اجتراح تفكّر فلسفي عربي جديد؟

وللإجابة عنهما، طرح المتحدّثون عبر مداخلاتهم شروط قيام هذا التفكّر، وسُبل تعزيزه، ومعوّقاتِه وآفاقه، فحّددوا علاقة الفلسفة بالعلمِ والدّينِ والأخلاقيّات والأدبِ والفنِّ ومختلفِ ميادينِ المعرفة وحقولِ النشاطِ الإنسانيّ. ودعوا إلى فتح مجالاتِ اختصاص الفلسفة، لتشمل جميع مناحي الحياة، وفئات المجتمع كافةً من نساء ورجال، وحتّى الأطفال، وهو ما يتطلّب تعزيز وتطوير مناهج تدريس الفلسفة في المؤسّسات التعليميّة، وتطوير الترجمة وتوسيع مصادرها، بالإضافة إلى تشجيع الحوار والتفاعل الفكريّ.

وتطرّقت الجلسات إلى موضوع غياب الحضور الفلسفي البارز في الخطاب السياسي العربي المعاصر، وبخاصّة النقاشات المتعلّقة بالتنوير العقلاني والحداثة والبناء السياسي المدني للدولة. ورأى بعض المتحدّثين أنّ الفكر الفلسفي العربي وجد نفسه أمام حال من الامتناع المعرفي المؤقّت، وأنّه بحاجة إلى التحرّر من الاعتماد الكامل على التراث الفلسفي الغربي والتركيز على تطوير أسئلته الخاصّة.

كما ناقشت الجلسات علاقة الفلسفة بالتحليل النفسي (psychanalysis)، وبالدين، والبيئة، والشعر، فضلاً عن دورها في عصر التكنولوجيا، وهل لا يزال لها مكان في «عالم التقنيّة»، وكيف يجب أن تتعاطى الفلسفة اليوم مع هموم الناس الحياتيّة ومسائلهم اليوميّة؟


مقالات ذات صلة

انطلاق فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن في أجواء متوترة رغم استعداد الأوروبيين «للضربات الصديقة»

أوروبا ضباط شرطة ألمان يقفون في الموقع الذي اصطدمت فيه سيارة بمظاهرة لفيردي في اليوم السابق بمدينة ميونيخ 14 فبراير (أ.ب)

انطلاق فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن في أجواء متوترة رغم استعداد الأوروبيين «للضربات الصديقة»

انطلاق فعاليات مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن في أجواء متوترة، وفانس يوجه انتقادات لاذعة للحلفاء، ويتهمهم بـ«قمع الحريات»، ويطالبهم بتحمل مسؤولية أمنهم

راغدة بهنام (ميونيخ)
العالم الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلوّح بيده أثناء صعوده إلى الطائرة الرئاسية في نيو أورليانز بالولايات المتحدة في 9 فبراير 2025 (أ.ب)

مؤتمر ميونيخ للأمن: اقتراح ترمب «الاستيلاء على الأراضي» يعني أن أميركا تُعَد الآن خطراً

قال منظمو مؤتمر ميونيخ الأمني إن اقتراح الرئيس الأميركي ترمب «الاستيلاء على الأراضي» يعني أن أميركا لم تعد مرساة للاستقرار، بل أصبحت خطراً يجب التحوّط ضده.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
لمسات الموضة من عرض «فيلفيتي كوتور» (مجلس الأزياء العربي)

بعد طول مكابرة... صناع الموضة يُراهنون على منطقة الشرق الأوسط بكثافة

صناع الموضة أدركوا أن المكابرة والاستمرار في تجاهل سوق الشرق الأوسط خسارة. كلهم يتوددون لهذه السوق أملاً في كسب زبائن مقتدرين ويقدِّرون الموضة

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد جانب من منتدى «دائرة قادة التجزئة العالمي لعام 2025» في الرياض (شركة الدرعية)

توقعات بوصول مبيعات التجارة الفاخرة إلى 49 مليار دولار في 2025

توقع خبراء شاركوا في منتدى «دائرة قادة التجزئة العالمي لعام 2025»، الذي يُعقد في الرياض، أن تصل مبيعات التجارة الفاخرة عبر التجارة الإلكترونية لـ49 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريّف في افتتاح اليوم الثاني من «مؤتمر التعدين الدولي» المقام في الرياض (الشرق الأوسط)

الخريّف: رأس المال البشري أهم الأصول التي تمتلكها السعودية

وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريّف يدعو الشباب السعوديين إلى قيادة مستقبل قطاع التعدين في المملكة والعالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«فتنة الأطياف»... عن أفلام ومهرجانات ومجانين السينما

«فتنة الأطياف»... عن أفلام ومهرجانات ومجانين السينما
TT

«فتنة الأطياف»... عن أفلام ومهرجانات ومجانين السينما

«فتنة الأطياف»... عن أفلام ومهرجانات ومجانين السينما

عن «دار صفصافة» بالقاهرة (2025)، صدر حديثاً كتاب «فتنة الأطياف... أفلام ومهرجانات» للكاتب والروائي المصري سعد القرش، الذي جاء في تقديمه: وضعت البشرية ملامح الفنون: العمارة، والموسيقى، والرسم، والنحت، والشعر، والرقص. وبدلاً من الاستقرار والاطمئنان، هبّت عاصفة السينما، عصا موسى، فنّاً «يلقف» ثمار الفنون السابقة، ويضيف إليها. ويحتفظ الفن السابع لنفسه باسم يستعصي على الترجمة إلى اللغات. ظلَّت السينما «سينما»، كلمة واحدة دخلت اللغات كلها تقريباً، واستقرّت باعتبارها «سينما».

فتحت السينما لي، منذ الصبا، أبواباً على عوالم بلا ضفاف، وأضافت إلى عمري أعماراً، وأطلعتني على بعض السرّ، ورأيتُ اسمي ونسبي في شجرة عائلة يزيد أفرادها كلما صُنع فيلم يستحق المشاهدة، وظلت تثري روحي... متاهة تنافس «ألف ليلة وليلة» خيالاً ومتعة، منذ شاهدت عام 1980 فيلم «امرأة بلا قيد». كان يلائم أشواقي وفضولي لمعرفة هذا السحر. ثم قرأت رواية «الطريق» لنجيب محفوظ، وشاهدت معالجَتَيْن سينمائيتين واقعيتين دون المستوى الفلسفي للرواية. نجيب محفوظ هزم كلاً من حسام الدين مصطفى مخرج «الطريق»، وأشرف فهمي مخرج «وصمة عار». وبعد أن قرأت شابّاً رواية «ساعي البريد يدق الباب مرتين» نزّهتُ نجيب محفوظ عن اقتباس روح رواية جيمس كين. لكن صديقي الفلسطيني أحمد عمر شاهين، مترجم الرواية، عزّز الشك.

الفتى، الذي استجاب لنداهة السينما، رأى العالم بعيون المخرجين، واكتشف أن كل إبداع يؤدي إلى السينما، وأن لكل مبدع في السينما نصيباً أيّاً كان الفن الذي يجيده. وانجذب إلى أرباب الخيال. سوف يقابل يحيى حقي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وأدونيس وسعدي يوسف ومحمود درويش والطيب صالح والهادي آدم، وكمال الشيخ وصلاح أبوسيف ويوسف شاهين، ويحضر لقاء حاشداً لمارتن سكورسيزي في مكتبة الإسكندرية. سيكتشف شيئاً غريباً: كيف فاته أن تجمعه صورة مع أي منهم؟ باستثناء نجيب محفوظ؛ فالأضواء تربكه، وهو مصاب بفوبيا الميكروفون، ويحسد جسورين يُفنون أعمارهم في إدمان الكاميرا.

الفتى الذي سحرته الأفلام أقرّ بهذا الأَسْر المختار، ولا يودّ الشفاء. وإذا اضطرّ إلى المشاهدة عبر شاشة أليفة، لا شاشة السينما، استعد بما يليق بجهد صناع هذه الأفلام؛ فلا يمتهنها، وإنما يجهز ما يشبه الخلوة، ويبدأ المشاهدة عادة بعد منتصف الليل، ولا يهمه متى ينتهي. حدث أن شاهد، أيام أشرطة الفيديو، فيلم «جسور ماديسون»، ولم يشبع من طيف ميريل ستريب؛ فأدار فيلماً يشاهده للمرة الأولى، عنوانه «الوقوع في الحب». اختار الفيلم الثاني على شرف السيدة ميريل، وكافأه الفيلم بوجود روبرت دي نيرو. وكانت الشمس قد أشرقت، ولا يستطيع النوم بعد جرعة مكثّفة، فبدأ يوماً جديداً بكامل نشاطه. في كل ليلة خلوة، أو صحبة، مع فيلم.

الفتى، الذي تسلل إلى السينما، وحيداً في صيف 1980. لم يخرج. غادر عتمة القاعة إلى شمس العيد، ومن الرصيف المقابل تأمّل واجهة دار العرض، وجموع الداخلين إلى الحفلة التالية، وتمنى الرجوع، وإعادة المشاهدة، لكن الفلوس لا تكفي. لم يعد هو نفسه قبل المغامرة، وقد استقر الطيف في لاوعيه، واستجاب إلى «الندّاهة».

خرجتُ من العتمة إلى نور العيد، وقد انتزعت حقي في التجربة. لم أفكر أن هذا السحر سيكون بساطاً يحملني، وأنتقل وراءه، إلى بلاد بعيدة، من الهند إلى هولندا.

في السينما، أجد نفسي، ويتأكد لي أنها هي أجمل «حقيقة» اهتدى إليها الإنسان في نهاية القرن التاسع عشر، ولا أتخيل القرن العشرين وما بعده من دون السينما، أروع خيال خلقه الإنسان وصدقناه. بين المشاهد وصناع الفيلم عقد غير مكتوب. ما نشاهده محض خيال، سحر أسهم في صنعه كاتب ومخرج وممثلون ومونتير ومهندس ديكور وموسيقي، وإتقان الخيال حتى درجة التلقائية يجعله أكثر واقعية وصدقاً وجمالاً من أي حقيقة يعبر عنها. الفيلم يوحي أنه حقيقة، هو «الحقيقة».