انطلاق فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن في أجواء متوترة رغم استعداد الأوروبيين «للضربات الصديقة»

فانس يوجه انتقادات لاذعة للحلفاء ويتهمهم بـ«قمع الحريات» ويطالبهم بتحمل مسؤولية أمنهم

فانس هدد بفرض مزيد من العقوبات على روسيا (أ.ف.ب)
فانس هدد بفرض مزيد من العقوبات على روسيا (أ.ف.ب)
TT

انطلاق فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن في أجواء متوترة رغم استعداد الأوروبيين «للضربات الصديقة»

فانس هدد بفرض مزيد من العقوبات على روسيا (أ.ف.ب)
فانس هدد بفرض مزيد من العقوبات على روسيا (أ.ف.ب)

حمل نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس معه إلى أوروبا أجواء متوترة لم يشهد مثلها مؤتمر ميونيخ منذ عقود. ورغم استعداد الأوروبيين «للضربات الصديقة» مسبقاً، فإن ما حمله فانس شكل صدمة لهم؛ فالخلافات كانت عميقة، وعلى جبهات عديدة، ولم تقتصر فقط على الحرب التجارية، وأوكرانيا، والتهديد بالانسحاب من حماية أوروبا، بل جاءت أيضاً على شكل انتقادات لاذعة واتهامات لهم بـ«قمع الحريات» لم تسمعها أوروبا من مسؤول أميركي رفيع من قبل.

نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في طريقه لإلقاء كلمته في المؤتمر (إ.ب.أ)

وفي خطابه الذي استمر قرابة عشرين دقيقة أمام المؤتمر، وغاب عنها التصفيق المرافق لخطابات المسؤولين الأميركيين عادة، ركز فانس معظم كلمته لانتقاد الدول الأوروبية «لقمعها الحريات»، واتهمها بأنها تتصرف بشكل لا يتماشى «مع مفهوم أميركا للديمقراطية».

واستشهد فانس بالهجوم الإرهابي الذي نفذه طالب لجوء أفغاني قبل يوم في ميونيخ بدهسه عشرات المتظاهرين، للقول إن قرارات السياسيين الأوروبيين على مدى العقود الماضية كانت خاطئة وإنها حولت ألمانيا إلى دولةٍ كل واحد من 5 أشخاص فيها ليسوا من الألمان.

وفي دعم واضح لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، الذي يدعمه إيلون ماسك وترفض كل الأحزاب الألمانية التحالف معه، دعا فانس الأحزاب الألمانية إلى إسقاط «جدار الحماية»، وهو التعبير الذي يستخدم في ألمانيا لعدم التعاون مع أحزاب يمينية متطرفة. ولم يقتصر انتقاد فانس على ألمانيا، بل عدّد دولاً أخرى منها السويد وبريطانيا التي قال إن مواطنيها صوتوا للبريكست، بسبب رفض زعمائهم الاستماع لهم.

الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير يفتتح الدورة الـ61 لمؤتمر ميونيخ الدولي للأمن (أ.ف.ب)

وختم خطابه بدعوة الأوروبيين إلى «الاستماع لمواطنيهم»، وإشراك أحزاب اليمين المتطرف في الحكم. ولم يتطرق فانس في خطابه إلى موضوع آخر باستثناء مروره سريعاً على أمن أوروبا، وقوله إن على الأوروبيين أن يتحملوا مسؤولية أكبر في حماية أنفسهم. وقد يكون عدم إعلانه تخفيض وجود القوات الأميركية في أوروبا، أدى إلى ارتياح لدى الأوروبيين، خاصة أن المسؤولين في أوروبا كانوا يتوقعون إعلانه هذا.

واستمع المسؤولون الأوروبيون الذين كانوا موجودين داخل القاعة بذهول لخطاب فانس، ولم يخرج منهم تصفيق واحد له، في خلاف واضح لاستقبالهم لكامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي السابق التي شاركت في مؤتمر ميونيخ، العام الماضي.

ضباط شرطة ألمان يقفون في الموقع الذي اصطدمت فيه سيارة بمظاهرة لفيردي في اليوم السابق بمدينة ميونيخ 14 فبراير (أ.ب)

ولم يتطرق فانس في كلمته إلى أوكرانيا وروسيا، رغم أنه قال في مقابلة، إن واشنطن يمكنها أن تمارس ضغوطاً اقتصادية على روسيا، ولديها أيضاً الخيار العسكري. ونسب إليه أنه هدد روسيا بفرض مزيد من العقوبات عليها، واحتمال اتخاذ إجراء عسكري أميركي ضدها ما لم يوافق الكرملين على اتفاق سلام دائم في أوكرانيا، في مقابلة نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال»، الجمعة. وقال فانس للصحيفة: «هناك أدوات تأثير اقتصادية، وهناك أدوات تأثير عسكرية بالطبع» يمكن للولايات المتحدة استخدامها ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضاف أنه رغم ذلك، ما زال من المبكر للغاية تحديد مساحة الأراضي الأوكرانية التي ستبقى تحت سيطرة روسيا، أو الضمانات الأمنية التي يمكن أن تمنحها الولايات المتحدة والحلفاء الآخرون بحلف شمال الأطلسي (ناتو) لكييف. ونفى لاحقاً متحدث باسم فانس أن يكون نائب الرئيس يهدد موسكو عسكرياً.

نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس يلقي كلمته (أ.ف.ب)

وجاء الرد سريعاً على فانس من وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس الذي اعتلى منبر المؤتمر من بعده، وقال إنه أعدّ خطاباً مختلفاً ولكن لا يمكنه تجاهل كلام فانس، ليضيف بأنه «من غير المقبول» أن ينتقد نائب الرئيس «ديمقراطياتنا الأوروبية». وتابع أمام تصفيق حار من الحاضرين غاب عن خطاب فانس، أن سماح ألمانيا لأحزاب متطرفة بالمشاركة في الانتخابات «دليل على أننا لا نقمع الحريات». وأضاف أن الديمقراطية لا تعني أن «أقلية هي من سيقرر ما هي الحقيقة». ولم يخف بيستوريوس انزعاجه من تركيز فانس كامل خطابه لانتقاد «الديمقراطيات الأوروبية»، قائلاً إنه سيتابع متحدثاً في موضوع آخر «بخلاف نائب الرئيس الأميركي».

الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير يفتتح الدورة الـ61 لمؤتمر ميونيخ الدولي للأمن (أ.ف.ب)

وشدد وزير الدفاع الألماني فيما تبقى من خطابه على أمن أوروبا، وضرورة أن تزيد من إنفاقها الدفاعي، وتتحمل الجزء الأكبر من مسؤوليتها الأمنية، فيما بدا واضحاً أن المخاوف الأوروبية كبيرة من إعلان أميركي بسحب مظلة الحماية التي زودت أوروبا بها منذ نهاية العالمية الثانية. وتحدث بيستوريوس كذلك عن أكثر ما يقلق الأوروبيين وهو خطة السلام التي يحملها الأميركيون حول أوكرانيا، ومخاوفهم من استثنائهم واستثناء كييف من المحادثات مع روسيا. ودعا لإشراك الأوروبيين والأوكرانيين في هذه المحادثات، وإلى الحرص على ألا تخرج «روسيا من هذه الحرب أقوى مما كانت عليه قبلها».

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قد تحدثت بشكل مشابه قبل فانس، ودعت الأوروبيين لزيادة الاستثمار بالدفاع، وإلى الوقوف إلى جنب كييف، والخروج برؤية موحدة لدعمها في محادثات السلام. وبدت المخاوف الأوروبية واضحة في كل الكلمات من تحييدهم عن المفاوضات بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والروسي فولوديمير بوتين، واتفاقهما على لقاء قريب.

وطرح الرئيس الأوكراني الذي تحدث في جلسة بعد فانس، وقبل اللقاء الثنائي معه، خطوطاً حمراء للتفاوض مع روسيا، قائلاً إنه لن يعترف أبداً بسلطة روسيا على الأراضي الأوكرانية التي احتلتها. وكان فانس ألمح إلى أنه قد يتعين على أوكرانيا التخلي عن أراضيها التي احتلتها روسيا لتحقيق السلام.

وقال زيلينسكي إنه «سيجلس مع مسؤول روسي واحد هو بوتين، وذلك بعد الاتفاق على رؤية موحدة للسلام مع الأوروبيين والأميركيين». ونفى ما كان أعلن عنه الرئيس ترمب قبل يوم في لقاء على هامش مؤتمر ميونيخ بين الأميركيين والروس والأوكرانيين. وشكل كلام ترمب لغطاً، خاصة أن روسيا لم تُدع للمؤتمر كما هي العادة منذ بداية الحرب في أوكرانيا. وقد أكد ذلك أمين عام المؤتمر كريستوفر هويسغن قائلاً إنه لم تتم دعوة أي مسؤول روسي، بل ممثلين عن المعارضة، كما أن الحكومة الألمانية لم تصدر أي تأشيرات سفر لمسؤولين روس. ولكنه لم يستبعد حصول لقاء يتم الترتيب له في قنوات خارج مؤتمر ميونيخ. وحضر أكثر من 60 رئيس دولة وحكومة وأكثر من 100 وزير، أهم اجتماع لخبراء السياسة الأمنية في العالم.

وزير الخارجية الصيني وانغ يي يلقي كلمته (إ.ب.أ)

وفيما يعكس فعلاً التوترات غير المسبوقة بين الأميركيين والأوروبيين، والألمان خاصة، رفض فانس لقاء المستشار الألماني أولاف شولتس، بحسب ما نقلت مجلة «بوليتيكو». ولم يحضر شولتس اليوم الأول للمؤتمر بل بقي في برلين. ونقلت «بوليتيكو» أن فانس لا يرى جدوى من لقاء شولتس؛ لأنه «لن يكون مستشاراً لفترة طويلة» بعد الانتخابات التي ستجري الأسبوع المقبل. وعوضاً عن ذلك التقى فانس بزعيم المعارضة فريدريش ميرتز المتوقع أن يكون المستشار القادم. وكتب ميترز عن لقائه بفانس بأنه كان جيداً، وناقشا ضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا، وأضاف أنه تم الاتفاق على ضرورة التنسيق الأوروبي - الأميركي لإنهاء هذه الحرب.

والتقى فانس كذلك بالرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، في لقاء شاركت في جزء منه وزيرة الخارجية الألمانية. ولكن شتاينماير الذي افتتح المؤتمر، حذر أميركا من الانسحاب من أوروبا، في خطابه الذي ألقاه بعد لقاء فانس، محذراً من أن هذا سيضع أمن أوروبا في خطر.


مقالات ذات صلة

الهجمات الإلكترونية في 2024... أسرع وأذكى وأكثر تدميراً

تكنولوجيا يبين التقرير أن 86% من الحوادث الإلكترونية الكبرى في 2024 أدت إلى توقف تشغيلي أو تلف سمعة أو خسائر مالية (شاترستوك)

الهجمات الإلكترونية في 2024... أسرع وأذكى وأكثر تدميراً

يظهر التقرير أن الهجمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها سرقة البيانات في 25 دقيقة فقط؛ ما يجعل الاكتشاف أصعب.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تؤدي واحدة من كل أربع عشرة إصابة ببرامج سرقة المعلومات إلى سرقة بيانات بطاقات الائتمان (شاترستوك)

تسريب بيانات أكثر من مليوني بطاقة مصرفية عبر الإنترنت المظلم

تقرير «كاسبرسكي» يؤكد على ضرورة تحسين الأمن السيبراني لمواجهة برامج سرقة المعلومات المتطورة والمنتشرة بشكل متزايد.

نسيم رمضان (لندن)
الولايات المتحدة​ بحسب وزارة العدل الأميركية تم تنفيذ القرصنة من قبل العاملين في شركة «آي سون» في بعض الحالات بتوجيه من وزارة الأمن العام الصينية (رويترز)

أميركا تتهم قراصنة ومسؤولين حكوميين صينيين بحملة تجسس إلكتروني واسعة النطاق

أعلنت وزارة العدل الأميركية، اليوم الأربعاء، أن عشرة قراصنة صينيين وجهت إليهم اتهامات إلى جانب اثنين من ضباط إنفاذ القانون الصينيين في حملة قرصنة عالمية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص «مايكروسوفت»: نحن لا نتفاعل فقط مع التهديدات الإلكترونية بل نلاحق المجرمين ونفكك شبكاتهم ونجعل الإنترنت مكاناً أكثر أماناً للجميع (مايكروسوفت)

خاص زيارة خاصة لـ«الشرق الأوسط» إلى «وحدة الجرائم الرقمية» في «مايكروسوفت»

«مايكروسوفت»: «الذكاء الاصطناعي أداة قوية ولكن في الأيدي الخطأ، يمكن أن يتم تحويلها إلى سلاح».

نسيم رمضان (سياتل - الولايات المتحدة)
تكنولوجيا شعار تطبيق «ديب سيك» في صورة ملتقطة يوم 27 يناير 2025 (رويترز)

شركة «ديب سيك» تتعرّض لهجوم إلكتروني مع زيادة عدد مستخدمي تطبيقها للذكاء الاصطناعي

قالت شركة «ديب سيك» الصينية الناشئة، اليوم (الاثنين)، إنها ستحد مؤقتاً من عدد من يُسمح لهم بتسجيل الدخول على موقعها، بسبب هجوم إلكتروني.

«الشرق الأوسط» (بكين)

لتعزيز «القدرة على الصمود»... الاتحاد الأوروبي يدعو مواطنيه لتخزين إمدادات تكفي 72 ساعة

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (إ.ب.أ)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (إ.ب.أ)
TT

لتعزيز «القدرة على الصمود»... الاتحاد الأوروبي يدعو مواطنيه لتخزين إمدادات تكفي 72 ساعة

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (إ.ب.أ)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (إ.ب.أ)

دعا الاتحاد الأوروبي مواطنيه إلى تخزين كميات كافية من الطعام والإمدادات الأساسية تكفي لمدة لا تقل عن 72 ساعة تحسباً لأي أزمة، وفقاً لما أعلنته المفوضية الأوروبية.

وفي توجيهات جديدة صدرت، أمس الأربعاء، شددت المفوضية على ضرورة أن تتبنى أوروبا عقلية جديدة تعزز «الاستعداد» و«القدرة على الصمود».

وحذرت الوثيقة، التي جاءت في 18 صفحة، من أن أوروبا تواجه واقعاً جديداً مليئاً بالمخاطر وعدم اليقين، مشيرة إلى الحرب الروسية واسعة النطاق في أوكرانيا، والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والتخريب الذي يستهدف البنية التحتية الحيوية، والحروب الإلكترونية بوصفها عوامل بارزة.

ويبدو أن المبادرة الصادرة من بروكسل بمثابة نداء تنبيه للدول الأعضاء بشأن خطورة الوضع الأمني في الاتحاد الأوروبي.

ودفع التهديد الروسي المستمر القادة الأوروبيين إلى التأكيد على ضرورة الاستعداد للحرب، إلى جانب النهج التصادمي لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه أوروبا، خصوصاً فيما يتعلق بالمساهمات في حلف «الناتو» والحرب في أوكرانيا، مما دفع القارة إلى الإسراع في تعزيز جاهزيتها العسكرية.

وتنص استراتيجية «اتحاد الاستعداد الأوروبي» للمفوضية على أن على المواطنين في جميع أنحاء القارة اتخاذ تدابير عملية لضمان استعدادهم في حال حدوث طارئ، بما في ذلك تخزين الإمدادات الأساسية التي تكفيهم لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام، حيث تشير الوثيقة إلى أن «الفترة الأولية هي الأكثر أهمية في حالة وقوع اضطرابات شديدة».

كما تؤكد الوثيقة أهمية تعزيز الاعتماد على الذات والقدرة النفسية على الصمود لدى المدنيين.

وتدعو المفوضية أيضاً إلى إدراج دروس حول «الاستعداد» ضمن المناهج الدراسية، بما في ذلك تزويد الطلاب بمهارات لمكافحة التضليل والتلاعب بالمعلومات.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في بيان: «الواقع الجديد يتطلب مستوى جديداً من الاستعداد في أوروبا. يحتاج مواطنونا ودولنا الأعضاء وشركاتنا إلى الأدوات المناسبة للعمل على منع الأزمات والاستجابة بسرعة عند وقوع الكوارث».

وتأتي توجيهات المفوضية الأوروبية بعد أن حدثت بعض الدول خططها الطارئة بشكل فردي.