«مقدمات طه حسين»... وجه آخر من وجوه عميد الأدب العربي

قدم بها أعمالاً لباحثين ومترجمين وأدباء من مختلف الأجيال

«مقدمات طه حسين»... وجه آخر من وجوه عميد الأدب العربي
TT

«مقدمات طه حسين»... وجه آخر من وجوه عميد الأدب العربي

«مقدمات طه حسين»... وجه آخر من وجوه عميد الأدب العربي

عن دار «بيت الحكمة» القاهرة صدر كتاب «مقدمات طه حسين» الذي يضم عشرات المقدمات التي كتبها عميد الأدب العربي لمؤلفات غيره من الأدباء والباحثين والمترجمين والمؤرخين من مختلف الأجيال والمدارس الفكرية. جمع المقدمات وعلق عليها الكاتب والباحث على قطب الذي يشير في مقدمة الكتاب إلى أن مشروع طه حسين لا توقفه مصدات زمنية أو مكانية أو أصوات تحاول النيل من التطور الفكري اللازم لمسيرة الثقافة العربية، وأن جمع هذه المقدمات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشروعه، وهذا ما يجعل لهذا الكتاب مكانةً في دائرة تحديث الوعي العربي من خلال استنهاض صوت قرن من الزمن يسري فيه صوت صاحب «الأيام».

يؤكد قطب أن فكرة «المقدمات» جديرةٌ بالتحليل الثقافي لأنها مؤشر لسياق التواصل التفاعلي الذي اتخذه حسين منهجاً لتغيير التوجه العقلي العربي نحو الحداثة المستندة إلى حرية الإبداع في المقام الأول، وتداخل المعارف بتضافر التخصص والموسوعية، وإقامة ظهير للقوى الناعمة يكون محركاً للركود الروحي والذهني. وتتنوع المقدمات ما بين مصاحبة الأعمال الإبداعية والأبحاث العلمية والدراسات الثقافية والترجمة، بالإضافة إلى احتضانها لأجيال من منتجي الفكر الجاد الذى غطى أكثر من نصف قرن هي الفترة التي شهدت التحول الدال على وعي العقلية العربية حين تشارف العصر الجديد من القرن العشرين الممتد أثره إلى الآن.

ومن أمثلة المؤلفات التي يورد الكتاب مقدمات العميد لها «رسالة الغفران لأبي العلاء المعري» شرح وإنجاز كامل الكيلاني، «تاريخ اليهود في بلد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام» لإسرائيل ولفنستون، «ألف ليلة وليلة» لسهير القلماوي، «80 مليون امرأة معنا» لإنجي أفلاطون، و«هارب من الأيام» لثروت أباظة.

يوسف إدريس

ومما جاء في مقدمة طه حسين لرواية «آلام فارتر» لجوته التي ترجمها أحمد حسين الزيات: «وُفق صديقنا الزيات إلى حسن الاختيار، فإن الكتاب الذي ترجمه على ما له من شهرة تلزم كل ناشئ أن يقرأه ويتفهمه يمثل حياة الآداب الأوربية في عصر هو أشد العصور شبهاً بهذا العصر الذي نسلكه، فقد كانت أوروبا حين كتب جوته (آلام فارتر) تعبر عصر انتقال كعصرنا الذي نعبره وسئمت مثلنا كل قديم وشغفت مثلنا بكل طريف. وودت لو أراحها الكتاب والشعراء من تلك الأساليب العتيقة التي ألفوها فيما يكتبون وينظمون ومن تلك الآراء البالية التي كانوا يرددونها في كل ما يقولون حتى كأن حياتهم العقلية والنفسية لم تكن إلا صورة وفق الأصل لحياة من سبقه من الكتاب والشعراء مع تغير الأحوال الاجتماعية والسياسية واستحالة النظريات العلمية والفنية. وليس على هذا السأم والملل من دليل يعدل ما كتبه جوته نفسه إلى أحد الشعراء: دعني أشعر بشيء لم أحسه من قبل وأفكر في شيء لم أعهد التفكير فيه».

أحمد أمين

ويقول عميد الأدب العربي في مقدمته لكتاب أحمد أمين «ضحى الإسلام»: «ولست أريد أن أخون صديقي أحمد أمين بالإسراف في الثناء عليه، ولا أن أخونه بالغض منه والتقصير في ذاته وإنما أن أنسى صداقته وأهمل ولو لحظة قصيرة ما بيني وبينه من مودة كلها صفو وإخاء استطعنا أن نجعله فوق ما يتنافس الناس فيه من المنافع وأغراض الحياة، إنما أريد أن أنصفه وأشهد لقد فكرت وقدرت وجهدت نفسي في أن أجد شيئاً من العيب ذي الخطر أصف به هذا الكتاب الذي أقدمه إلى القراء فلم أجد ولم أوفق من ذلك إلى قليل ولا كثير. وليس ذنبي أن أحمد أمين قصد إلى عمله في جد وأمانة وصدق وقدرة غريبة على احتمال المشقة والعناء والتجرد من العواطف الخاصة والأهواء التي تعبث بالنفوس».

ويضيف قائلاً: «نعم وليس ذنبي أن أحمد أمين قد استقصى فأحسن الاستقصاء وقرأ فأجاد القراءة وفهم فأتقن الفهم واستنبط فوُفق إلى الصواب، ليس من ذنبي هذا ولا ذاك وليس من ذنبي أن أحمد أمين بعد هذا كله وبفضل هذا كله قد فتح في درس الأدب العربي باباً وقف العلماء والأدباء أمامه طوال هذا العصر الحديث يدنون منه ثم يرتدون عنه أو يطرقونه فلا يُفتح لهم ووفق هو إلى أن يفتحه على مصراعيه ويظهر الناس على ما وراءه من حقائق ناصعة يبتهج لها عقل الباحث والعالم والأديب».

«المقدمات» جديرة بالتحليل الثقافي لأنها مؤشر لسياق التواصل التفاعلي الذي اتخذه حسين منهجاً لتغيير التوجه العقلي العربي نحو الحداثة

ويقول ضمن مقدمة كتاب «نقد النثر» لقدامة بن جعفر: «عندما أخذ الجاحظ يناضل الشعوبية قريباً من منتصف القرن الثالث أعلن في شيء من المجازفة الساذجة لا يخلو من التفكهة أن اليونان لم يظهر فيهم من يستحق أن يسمى (خطيباً) وقد يتساهل فيعترف لهم بالزعامة في الفلسفة إلا أنه ينعت أرسطو نفسه في كتاب (البيان والتبيين) أنه بكيء اللسان، غير موصوف بالبيان، مع علمه بتمييز الكلام وتفصيله ومعانيه وخصائصه. ويؤكد الجاحظ في موضع آخر أن البديع، وهو لفظ كان يطلق لذلك العهد على وجوه البلاغة كلها أمر خاص بالعرب مقصور عليهم، وأن سواهم من شعوب الأرض كان يجهله جهلاً مطلقاً».

ويقدم طه حسين المجموعة القصصية الثانية ليوسف إدريس، التي صدرت بعنوان «جمهورية فرحات» قائلاً: «هذا كتاب ممتع أقدمه للقراء سعيداً بتقديمه أعظم السعادة وأقولها لأن كاتبه من هؤلاء الشباب الذين تعقد عليهم الآمال وتناط بهم الأماني ليضيفوا إلى رقي مصر رقياً وإلى ازدهار الحياة العقلية فيها ازدهاراً. وكان كل شيء في حياة هذا الشاب الأديب جديراً أن يشغله عن هذا الجهد الأدبي وأمثاله بأشياء أخرى ليست أقل من الأدب نفعاً للناس وإمتاعاً للقلب والعقل، فهو قد تهيأ في أول شبابه لدراسة الطب ثم جد في درسه وتحصيله حتى تخرج وأصبح طبيباً، ولكنّ للأدب استئثاراً ببعض النفوس وسلطاناً على بعض القلوب لا يستطيع مقاومته والامتناع عليه إلا الأقلون».

ويضيف: «قد كلف هذا الشاب بالقراءة ثم أحس الرغبة في الكتابة فجرب نفسه فيها ألواناً من التجربة، ثم لم يملك أن يمضي في تجاربه تلك وإذا هو أمام كتاب يريد أن يخرج للناس فيخرجه على استحياء ويقرأ الناس كتابه الأول (أرخص ليالي) فيرضون عنه ويستمتعون به ويقرأه الناقدون للآثار الأدبية فيعجبون له ويعجبون به ويشجعون صاحبه على المضي في الإنتاج، فيمضي فيه ويظهر هذا الكتاب وأقرأه فأجد فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء مثل ما وجدت في كتابه الأول على تعمق الحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صادق صارم لما يحدث فيها من جلائل الأحداث وعظائمها، لا يظهر في ذلك تردد ولا تكلف، وإنما هو إرسال الطبع على سجيته كأن الكاتب قد خلق ليكون قاصاً أو كأنه قد جرب القصص حتى استقصى خصائصه ونفذ إلى أسراره وعرف كيف يحاوله فيبرع فيه».


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.