«هيئة قصور الثقافة» المصرية تعيد طبع 20 كتاباً لطه حسين

في الذكرى الخمسين لرحيل عميد الأدب العربي

«هيئة قصور الثقافة» المصرية تعيد طبع 20 كتاباً لطه حسين
TT

«هيئة قصور الثقافة» المصرية تعيد طبع 20 كتاباً لطه حسين

«هيئة قصور الثقافة» المصرية تعيد طبع 20 كتاباً لطه حسين

تحت عنوان «تجديد ذكرى طه حسين»، أعادت «الهيئة العامة لقصور الثقافة» التي تتبع وزارة الثقافة بمصر، طبع عشرين عنواناً من أبرز مؤلفات عميد الأدب العربي، وذلك بمناسبة مرور 50 عاماً على رحيله.

وهذه العناوين هي: «مع المتنبي»، و«ألوان»، و«خصام ونقد»، و«صوت أبي العلاء»، و«مع أبي العلاء في سجنه»، و«تجديد ذكرى أبي العلاء»، و«نقد وإصلاح»، و«من أدبنا المعاصر»، و«كلمات»، و«بين بين»، و«من لغو الصيف إلى جد الشتاء»، و«أحاديث»، و«مرآة الضمير الحديث»، و«جنة الحيوان»، و«الفتنة الكبرى... عثمان»، و«الفتنة الكبرى... علي وبنوه»، و«مرآة الإسلام»، و«من بعيد»، و«فصول في الأدب والنقد»، و«في الشعر الجاهلي»، و«الأيام».

ومن جانبه، أوضح الشاعر جرجس شكري، أمين عام النشر في «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، أن الإصدارات الجديدة تأتي تحية لرجل كرّس حياته لمناقشة المسكوت عنه في الأدب العربي، وأيضاً في المجتمع المصري، وكان بحق مجدداً في النظر إلى الثقافة العربية، وطرح حلولاً وأفكاراً لدفعها نحو المستقبل بخطى قوية وصحيحة، كما كان مدافعاً شرساً عن العقلانية، رفع شعار إعمال العقل منذ أن وطئت أقدامه قاعة الدرس، سواء في أروقة الأزهر أو في مدرجات جامعة السوربون بباريس.

يضيف شكري: «لقد آمن طه حسين بالدراسة الموضوعية وغير المنحازة لتراث الأجداد في مرحلة كان السواد الأعظم يفضّل النقل على إعمال العقل، وطالب بالتخلي عن الإيمان بما هو راسخ وثابت؛ إذ جاء كتابه (الشعر الجاهلي) عام 1926 عاصفة مدوية زلزلت أركان المجتمع المصري ونخبه الثقافية، وقاد صاحبه إلى ساحة المحاكم، ليحطم النزعة المحافظة والجمود الذي كان يتعامل به الجميع مع تراث الأجداد، واختار حرية الفكر، وحمل على عاتقه الحفاظ على هوية الثقافة المصرية وترسيخها لدى المصريين».

وُلد طه حسين في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1889 في قرية «الكيلو» بمركز مغاغة بمحافظة المنيا، بصعيد مصر، وتوفي في 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1973. وكان والده حسين علي موظفاً بسيطاً رقيق الحال في شركة السكر، يعول ثلاثة عشر ولداً، سابعهم طه حسين. فقد بصره في السادسة من عمره نتيجة الفقر والجهل، وحفظ القرآن الكريم قبل أن يغادر قريته إلى الأزهر طلباً للعلم.

في الأزهر بالقاهرة تتلمذ على الإمام محمد عبده الذي علمه التمرد على الطرائق البالية للاتباعيين والأصوليين. أعد رسالة الدكتوراه في الآداب ونوقشت في مايو (أيار) 1914 عن أديبه الأثير أبي العلاء المعري، ثم التحق بجامعة مونبلييه في فرنسا، وأكمل بعثته في باريس، وتلقى دروساً في التاريخ، ثم في الاجتماع، ثم حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع عام 1919 عن ابن خلدون.

عاد طه حسين إلى مصر في العام نفسه، وعُين أستاذاً للتاريخ اليوناني والروماني بالجامعة، واستمر كذلك حتى أوائل الخمسينات حيث تحولت الجامعة المصرية في ذلك الوقت إلى جامعة حكومية، وعُين طه حسين أستاذاً لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب. أحدث كتابه «في الشعر الجاهلي» جدلاً واسعاً، وأسهم في الانتقال بمناهج البحث الأدبي والتاريخي نقلة كبيرة فيما يتصل بتأكيد حرية العقل الجامعي في الاجتهاد. وظل طه حسين يثير عواصف التجديد حوله طوال مسيرته التنويرية التي لم تفقد توهج جذوتها العقلانية قَطّ، سواء حين أصبح عميداً لكلية الآداب سنة 1930، أو حين رفض الموافقة على منح الدكتوراه الفخرية لكبار السياسيين، وكذلك حين واجه هجوم أنصار الحكم الاستبدادي في البرلمان. ولم يكفّ عن حلمه بمستقبل الثقافة أو انحيازه إلى «المعذبين في الأرض» في الأربعينات التي انتهت بتعيينه وزيراً للمعارف في الوزارة الوفدية سنة 1950، فوجد الفرصة سانحة لتطبيق شعاره الأثير «التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن».



روائيون عمانيون يناقشون واقع الرواية في أمسية بـ«معرض الرياض الدولي للكتاب»

 ندوة (الرواية العُمانية) ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب
ندوة (الرواية العُمانية) ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب
TT

روائيون عمانيون يناقشون واقع الرواية في أمسية بـ«معرض الرياض الدولي للكتاب»

 ندوة (الرواية العُمانية) ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب
ندوة (الرواية العُمانية) ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

في ندوة «الرواية العُمانية: بانوراما ثقافية وفنية»، التي أقيمت ضمن البرنامج الثقافي لـ«معرض الرياض الدولي للكتاب 2023»، تحدّث ثلاثة من الأدباء العمانيين عن واقع الرواية العُمانية، والمستوى الفني والأدبي الذي وصلت إليه، وما وصلت إليه من تطور وحضور محلي وعربي، وما حققته من جوائز ثقافية خلال الفترة الأخيرة.

وشارك في الندوة القاصّ والشاعر زهران القاسمي، والروائية بشرى خلفان، وأدارها الكاتب والإعلامي سليمان المعمري. واعتبر زهران القاسمي أن الرواية العُمانية تعيش زخماً أدبياً، خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث ينتمي أغلب الروائيين إلى جيل واحد، واستطاعت تحقيق جوائز عربية ودولية عدة؛ وعلى رأسها «البوكر»، مبيناً أن الجانب السياسي فاعل في تركيبة الرواية المحلية، مثلما كانت الحال عربياً.

وقال: «فكرة الأب الروحي للأدب والرواية ليست مقصورة على الأدب المحلي فقط، وبالنسبة للروائيين العُمانيين يتنوع استخدامهم للأسلوب الفني دون تأطير، ومضامينها ومجالاتها وأشكالها، وأساليب كتابة حبكتها وحوارها، ورسم ملامح شخوصها».

وذكرت بشرى خلفان أن الرواية العُمانية كانت بحاجة إلى النضج الفني وقوة المنتج، ومن ثم استطاعت لفت الانتباه عربياً، وليس تحقيق الجوائز فحسب، مشيرة إلى أنهم تتلمذوا على يد كثيرين من الأدباء العرب والرواية والأدب العالمي.

وأفادت بأن الروائيين المحليين مختلفون في استخدام تقنيات وطرق الكتابة والسرد القصصي، ولا سيما من ناحية البناء الفني لها وطرائق إجرائها، للتعبير عن المضامين الروائية.

بدأت بشرى خلفان الكتابة عام 1995، لكن إصدارها الأول تأخّر حتى عام 2004 وهو مجموعتها القصصية «رفرفة»، ثم توالت إصداراتها بعد ذلك، فقدمت روايتين لقيتا نجاحاً نقدياً وجماهيرياً لافتاً هما «الباغ»، و«دلشاد» التي فازت بجائزة «كتارا» للرواية العربية عام 2022، ووصلت، في العام نفسه، إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» العربية. كما أصدرت ثلاث مجموعات قصصية هي «رفرفة»، و«صائد الفراشات الحزين»، و«حبَيْب رمان»، وقد جمعت هذه المجموعات الثلاث في كتاب واحد عنوانه «حيث لا يعرفني أحد»، مضيفة إليه كتاب نصوصها السردية المفتوحة: «غبار». ولها كتابان هما «مظلة الحب والضحك»، و«ما الذي ينقصنا لنصبح بيتاً».

وبالنسبة لزهران القاسمي فقد صدر له حتى الآن أربع روايات هي: «جبل الشوع» 2013، و«القناص» 2014، و«جوع العسل» 2017، و«تغريبة القافر» 2022. بالإضافة إلى كتابين في القصة هما: «سيرة الحجر1» 2009، و«سيرة الحجر 2» 2011.

وزهران القاسمي أيضاً شاعر معروف في عمان، أصدر حتى الآن تسع مجموعات شعرية.

صورة بانورامية

وفي مقدمته للأمسية، قدّم سليمان المعمري صورة بانورامية لواقع الرواية العمانية، موضحاً أن الرواية العُمانية شهدت تألقاً لافتاً، خلال السنوات الأخيرة، على الصعيد العربي، رغم العمر القصير نسبياً.

وبيَّن أن الرواية العمانية مرّت بمرحلتين؛ مرحلة التأسيس في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ومرحلة النضج منذ عام 1999.

وقال المعمري إن النجاحات التي حققتها الرواية العمانية، في السنوات الأربع الماضية، تحققت رغم العُمر القصير نسبيًّا للرواية في عُمان؛ منذ فوز جوخة الحارثي بجائزة «مان بوكر» العالمية عام 2019 عن الترجمة الإنجليزية لروايتها «سيدات القمر»، ثم فوزها من جديد عام 2021 بـ«جائزة الأدب العربي» في فرنسا عن الترجمة الفرنسية للرواية نفسها. ووصول رواية «سر الموريسكي» لمحمد العجمي للقائمة الطويلة لـ«جائزة الشيخ زايد» عام2021، وفوز بشرى خلفان بجائزة «كتارا» عام 2022، فضلاً عن وصولها للقائمة القصيرة لجائزة «البوكر» العربية في العام نفسه، وأخيراً فوز زهران القاسمي بجائزة «البوكر» العربية عام 2023.

وأضاف أن عبد الله الطائي كتب روايته «ملائكة الجبل الأخضر»، وهي أول رواية عُمانية (كُتبت عام 1963)، إلا أن الصحيح أيضاً أنها نُشرت بعد وفاته، وتحديداً عام 1981، لذا فإن عمر الرواية العُمانية، اليوم، هو اثنتان وأربعون سنة فقط. وحتى هذا العمر القصير ينقسم إلى مرحلتين؛ الأولى هي مرحلة التأسيس، التي بدأت برواية الطائي هذه، وروايته الأخرى «الشراع الكبير»، واستمرت بروايات نُشرت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، لسعود المظفر، وسيف السعدي، وحمد الناصري، ومبارك العامري، وآخرين.

وأضاف: «لأنها مرحلة البدايات فإن النقد والتأريخ الأدبي في عُمان كان يتغاضى دائماً عن عثراتها الفنية، ولم ينظر إلى أغلبها أكثر من كونه تسجيل حضور تاريخي». أما المرحلة الثانية فهي مرحلة النضج الفني (أو بداياته على الأقل) التي يمكن التأريخ لها برواية بدرية الشحي «الطواف حيث الجمر» عام 1999، وهي ثاني رواية من تأليف كاتبة عُمانية (بعد رواية «قيثارة الأحزان» لسناء البهلاني الصادرة عام 1994).

وقال المعمري: «من هذا المعطى يمكن القول إذن إن الرواية العُمانية احتاجت فقط إلى عشرين عاماً لتفوز بجائزة عالمية مرموقة كـ(مان بوكر)، وهو عمر قصير في تاريخ الأدب. غير أنه ينبغي الإشارة إلى أنه إذا كانت الرواية هي ابنة الحركة والتدافع والصراع اليومي بين الأضداد، فإن عقدين من الزمن بين روايتيْ بدرية الشحي وجوخة الحارثي شهدا تحولات اجتماعية وسياسية واضحة في عُمان انعكست على الرواية ومضامينها، بل تقنيات كتابتها».

وقد شاهدنا روايات عُمانية، خلال هذه الفترة، تُنافس في مسابقات أدبية عربية (فازت رواية «الأشياء ليست في أماكنها» لهدى حمد بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2009، وصعدت «تبكي الأرض يضحك زحل» لعبد العزيز الفارسي، إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2008، و«سيدات القمر» لجوخة الحارثي، للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد عام 2011، قبل سنوات من فوزها بجائزة مان بوكر العالمية).

كما شهدنا تنوعاً في مضامين الروايات العُمانية أو الهمّ الكتابي الذي يحرّك مؤلفيها؛ فإذا كانت روايات جوخة الحارثي وهدى حمد قد عُنيت بتقديم نماذج لنساء عُمانيات قويات يواجهن متاعب الحياة بصلابة وإصرار، فإن تجربتَي الروائيين الراحلين أحمد الزبيدي وعلي المعمري اهتمتا بتقديم التاريخ السياسي المعاصر لعُمان في قالب فني، ولا سيما تاريخ ثورة ظفار الذي تناوله الزبيدي في رواياته «أحوال القبائل»، و«سنوات النار»، و«امرأة من ظفار»، في حين تناوله علي المعمري في روايته «همس الجسور»، بينما تناولت روايتُه «بن سولع» تاريخ الصراع في واحة البريمي. هذا التاريخ السياسي العُماني المعاصر فرض حضوره أيضاً في روايتي «حوض الشهوات»، و«الحرب» لمحمد اليحيائي، ورواية «الباغ» لبشرى خلفان، و«الأحقافي الأخير» لمحمد الشحري، و«عودة الثائر» ليعقوب الخنبشي.

وثمة روايات عمانية يمكن أن نُدرجها في خانة «تسريد المستقبل»، كرواية «عام 3000» لسالم آل تويه، التي يذهب فيها الروائي إلى عام 3000 ليتخيل طبيعة تطور المجتمع البشري العلمي والإنساني، من خلال محاولة علماء ذلك الزمن إحياء ميت عربي من زمننا... ورواية «الفطر» التي يتخيل فيها الروائي محمد العجمي ما يمكن أن يصنعه اندماج الروبوتات في النسيج الاجتماعي في المستقبل.


عناوين روايات خالد خليفة تتصدر نعوات أصدقائه

لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة
لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة
TT

عناوين روايات خالد خليفة تتصدر نعوات أصدقائه

لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة
لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة

*كانت الأجهزة السورية تمنحه إجازة سفر لمرة واحدة غير قابلة للتجديد، على أمل أن تكون مغادرته بلا عودة، إلا أنه كان يعود دائماً

كأن السوري خالد خليفة حين كان يضع عناوين رواياته، كان يخطّ كلمات نعواته التي تدفقت، مساء السبت، إلى حسابات طيف واسع من المثقفين والفنانين السوريين على وسائل التواصل الإجتماعي، لدى تلقّيهم نبأ رحيله المفاجئ. حيث وجده أصدقاؤه المقرَّبون مستلقياً على الأريكة مفارقاً الحياة، على أثر احتشاء في العضلة القلبية، إذن «الموت عمل شاقّ لك ولنا» كتب كثيرون من الأصدقاء مؤكدين أن قلوب كثيرين ستصلّي عليه، استعارة لعنوان رواية «الموت عمل شاق»، ورواية «لم يصل عليهم أحد».

الروائي خالد خليفة، الذي يناديه الأصدقاء بـ«الخال»، كان قد تفرّغ منذ بداية مسيرته الأدبية، لاحتراف الكتابة الإبداعية، وسخَّر لها كل طاقاته ونشاطاته، وتمكّن، بدماثته المشهودة، من نسج علاقات صداقة ودية متينة في الأوساط الثقافية المحلية والعربية، وحتى الأجنبية، بدأب في السنوات الأخيرة، على السفر، رغم تقييد حركته من قِبل الأجهزة الأمنية السورية التي كانت تمنحه إجازة سفر لمرة واحدة غير قابلة للتجديد، على أمل أن تكون مغادرته بلا عودة، إلا أن «خالد» كان يعود إلى دمشق التي اختار الاستقرار فيها، ما دام قادراً على البقاء. صديقه المقرَّب، ابن مدينة حمص، عبد الباسط فهد، أكد ذلك في نعيه لخالد، عبر حسابه في «فيسبوك»: «جمعَنا شعور مشترك وقرار حازم لا رجعة فيه بالبقاء في البلد، رغم خرابها الأخير، ورغم الفرص الكثيرة للرحيل والهجرة».

وبينما تجاهلت الجهات الرسمية السورية نبأ رحيل خليفة، وما خلفه من صدمة وحزن كبيرين في الأوساط الثقافية والفنية، نعاه المحتجّون في محافظة السويداء، ورفعوا عبارات النعي مع صور الراحل في ساحة الاحتجاجات المركزية، يوم أمس الأحد: «عشتَ حرّاً كما سنديان الجبل، وداعاً خالد خليفة». وبدورها نعته «رابطة الكُتاب السوريين»، في بيان قالت فيه إن «خالد» رحل في دمشق التي عاش فيها ولم يغادرها، «تاركاً خلفه الصدمة والحزن لدى كل من عرفه وقرأه في سوريا وفي عموم الوطن العربي والعالم». ولفت البيان إلى أن خليفة هو من أبرز وجوه الروائيين السوريين الذي قدّموا للقراء أعمالاً جماهيرية تلتزم قضايا المجتمع وتحاول أساليب مختلفة في السرد، فكان من خلال ذلك «أنموذجاً للكاتب الذي حمل روح التجدد والشباب». وتابعت الرابطة أن «خالد» لم يتردد لحظة في الوقوف مع مواطنيه في عام 2011، حين نزلوا الشوارع، وتعرَّض لاعتداء جسدي مباشر ومُضايقات متكررة على مدى أعوام طويلة، وتم تقييد حركته لفترة، قبل أن يُسمح له بالمغادرة، بموجب موافقة أمنية لا تجدَّد تلقائياً، الأمر الذي وضعه تحت طائلة حرمانه من حقه في السفر والعودة».

خالد عبد الرزاق، الشهير بخالد خليفة، وُلد في حلب 1963، لعائلة تنحدر من بلدة مريمين، في ريف عفرين (شمال حلب)، درس الحقوق في جامعة حلب، وتخرَّج فيها عام 1988، دخل عالم الأدب بكتابة الشعر، ومع بداية التسعينات برز بوصفه كاتب سيناريو، من خلال مسلسلات تركت أثراً واضحاً في الدراما السورية، منها «قوس قزح»، و«سيرة آل الجلالي»، و«المفتاح»، و«العراب»، و«هدوء نسبي»، و«ظل امرأة»، كما كتب أفلاماً وثائقية وأفلاماً قصيرة، وأفلاماً روائية طويلة؛ منها فيلم «باب المقام».

أولى رواياته كانت «حارس الخديعة» عام 1993، بعدها أصدر رواية «دفاتر القرباط» عام 2000، ليحترف كتابة الرواية، ويَذيع صيته مع صدور رواية «مديح الكراهية» التي تُرجمت إلى اللغات (الفرنسية، والإيطالية، والألمانية، والنرويجية، والإنجليزية، والإسبانية)، كما وصلت إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر» في دورتها الأولى عام 2008، ليواصل نجاحه، وتتوالى أعماله الأدبية التي كانت تلقى رواجاً واسعاً كرواية «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»، التي حازت، عام 2013، جائزة نجيب محفوظ للرواية، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. و«الموت عمل شاق» الصادرة عام 2016، و«لم يصلّ عليهم أحد» عام 2019.

رحل خليفة وهو في أوج عطائه، مخلّفاً الصدمة، وكثيرون من أصدقائه لم يصدّقوا بدايةً النبأ، وظنّوا أنها مزحة سمجة، لكنْ ومع تأكد الخبر تدفق إلى وسائل التواصل الاجتماعي موجة عالية من نعوات المثقفين والصحافيين والفنانين والناشطين السياسيين داخل سوريا وخارجها، وكتب الشاعر السوري منذر المصري معاتباً: «خالد... عأساس تطبع مخطوط الرواية الجديدة (غرفة بصاق للعمة) على ورق ونشتغل عليها سوا... أي أساس!؟ حياتنا كلها حفر وخراب»، ذاكراً أنه، وخلال مقابلة صحافية، حين سُئل عن خالد قال: «أخاف أن يموت قبلي! صدقاً كنت عارف!».

الفنان التشكيلي بطرس معري نعاه بلوحة رمزية تضمنت «بورتريه» مع كتابة «خالد خليفة أحبَّ بلده فأحبَّه البلد وأهل البلد».

من جانبه أظهر الكاتب والصحافي المصري سيد محمود فيضاً من مشاعر الحزن والأسى، وكتب: «أنعى لكم قطعة من قلبي، مات خالد خليفة وتركني في العراء، لا أحد عندي مثل خالد».

وكذلك نعاه الأديب الكويتي طالب الرفاعي قائلاً: «كأن الموت ينتقي أحبابه، خبر صادم يا صديقي». المخرج السوري هيثم حقي بدا غير مصدّق النبأ: «خالد خليفة، هل حقاً رحلت؟ كيف ترحل وأنا ما زلت بانتظارك للقاء أجّلناه، ولم نتصوّر أن (الموت الشاق) لن يعطينا فرصة كنا نتمناها... أخي وصديقي الحبيب وشريكي في عدد من أعمال تلفزيونية، نجحت بك وببراعة حسّك الروائي العالي... ورغم عدم تصديقي أتلفّظ أصعب جملة: رحل خالد خليفة... الألم والمرارة أصرّا على صفعي بالحقيقة».


رواية سورية تصدر بعد 37 سنة من كتابتها

رواية سورية تصدر بعد 37 سنة من كتابتها
TT

رواية سورية تصدر بعد 37 سنة من كتابتها

رواية سورية تصدر بعد 37 سنة من كتابتها

صدرت حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو، رواية للروائي السوري علي عبد الله سعيد، وهي بعنوان «سكّر الهلوسة»، وذلك بعد 37 سنة من كتابتها.

جاء في كلمة الناشر:

«تتجاوز هذه الرواية زمنَها الحقيقي بين عامي 1983 و1986، لتفرض زمنها الخاصّ، مديداً وآنيّاً، مليئاً بالأحداث والشخصيات، في حبكة تتخطى فيها كل ما هو تقليدي، ليس تناغماً مع موضوعها الشائك وعوالمها المركّبة فحسب؛ إنَّما لقدرةِ علي عبد الله سعيد على إحداث الدهشة منذ السطر الأول: (هارباً من الجحيم اليوميّ). ولتمضي لعبة السرد على مدار تسعة فصولٍ يطارد فيها البطل هروبه إلى ما يتوق إليه وينفلت منه، إلى ما يجعلُه يصارع مصائره بضعفه وهشاشته، بتأمّلاته الفلسفية، بتوْقه المتجدّد للحبّ والامتثال الكامل للجسد، باقتحامات وتصادمات وهلوسات تتجلى في غرفٍ مظلمة، وفي شوارع تتربّص بالعابرين إلى خلواتهم في زمن الحرب، وفي دهاليز المؤسّسة بجدرانها الصمّاء ومكاتبها الضيّقة، وبموظّفيها وطقوسهم المجنونة، في محاولةٍ لدرء تصدّعات الحياة».

لا تأبه هذه الرواية بالمنع والتغييب، ولا بكل ما جُوبهت به لئلا تُطبع، وها هي تخرج إلى النور طازجة، كما لو أن الروائي السوري علي عبد الله سعيد انتهى من تأليفها للتوّ، وليس منذ أكثر من سبعٍ وثلاثين سنة. إنها رواية عصيّة على الزمن، تُوقظ وردة نديّة من حلمها، وتجعل من الشهيق والزفير معركة، أما سُكّرُها فله أن يذوب بحياة راويها ونسائه، وهو يقصّ على سلام الجزائري حيواته مع النازفين المرميّين في العراء، تارة يسرد ويضيء، وأخرى يُهَلوس ويهذي، وفي خضمّ ذلك تتوالى الحكايات والإشراقات والرغبات، والخيانات والخيبات والهزائم، كما لو أنّ النص قفزةٌ في الزمن، ومعبرٌ روائيّ استثنائي إلى واقع يوثّقه سعيد بأن يشكّله ويعيد تشكيله مراراً تحت إملاءات التوق إلى الحب والحرية والحياة.

من أجواء الرواية:

«الحب... يا سلام...

ما الفائدة من الحب؟

ما الفائدة من الحزن؟

ما الفائدة من الوطن؟

ما الفائدة من الفرح؟

أبدو يائساً وشهيّاً...

كان يأسي لذيذاً...

كان الوطن بين القتَلة ضيِّقاً كالحذاء الذي اهترأ. لذا... أتلمَّس مسامير اللحم التي خلّفها الوطن على قفا أصابعي.../ وأنتِ أتقبلين يأسي هكذا؟ أم تريدين وردة السفرجل الحزينة الذابلة؟».


صبحي موسى: هجرت الشعر إلى الرواية حتى لا «أُسْتَبعد من المشهد»

صبحي موسى
صبحي موسى
TT

صبحي موسى: هجرت الشعر إلى الرواية حتى لا «أُسْتَبعد من المشهد»

صبحي موسى
صبحي موسى

بعد خمسة دواوين شعرية لاقت احتفاءً نقدياً، هجر صبحي موسى الشعر إلى الرواية ولم يعد إليه منذ ما يربو على العشر سنوات. من هذه الدواوين «يرفرف بجانبها وحده» و«قصائد الغرف المغلقة» و«في وداع المحبة». وفي الرواية صدرت له أعمال مهمة منها «حمامة بيضاء» و«أساطير رجل الثلاثاء» و«الموريسكي الأخير» و«صمت الكهنة».

هنا حوار معه حول أحدث أعماله «تحولات الثقافة في مصر»، وأسباب هجره الشعر إلى الرواية، ورؤيته للمشهد الأدبي.

* في كتابك الأحدث تستعرض مسيرة الثقافة المصرية منذ عهد محمد على وحتى ثورة 25 يناير... ما السبب الذي دعاك إلى الإبحار في هذا التاريخ الذي يمتد لنحو قرنين ولماذا لم تسع للتعبير عنه روائياً، بخاصة أن رواياتك تميل إلى الاستقصاء التاريخي؟

- من الصعب التعبير روائياً عن كثير من الأمور، في مقدمتها الأفكار والمقارنات والاستدلال والوصول إلى نتائج، والمطالبة بوضع خطط ورصد لملامح هذه الخطط، وهو ما سعيت إلى عمله في «تحولات الثقافة»، وذلك على نقيض ما قدمته في رواياتي ذات الطبيعة التاريخية مثل «صمت الكهنة، أساطير رجل الثلاثاء، الموريسكي الأخير، صلاة خاصة». الأعمال الإبداعية التاريخية تسمح باتخاذ موقف وتسريب بعض المعلومات، ووضع القارئ أمام حقيقة مخلوطة بحياة إنسانية حقيقية، مما يخلق في وجدانه نوعاً من التأثير، لكنها لا تستطيع أن تخاطب العقل بشكل واضح وصريح، فهذه مهمة الأعمال ذات الطبيعة الفكرية. وفي كتابي الأخير، لجأت لوضع رؤيتي عن الثقافة وما شهدته من تحولات في مصر الحديثة، وهي تحولات كانت وما زالت مرتبطة بخطط الدولة نفسها، نظراً لامتلاك الدولة المؤسسات الثقافية الكبرى القادرة على التغيير، لكن أزمة تلك الخطط أنها ارتبطت بالسلطة في بعض الفترات الزمنية، مما خلق لدينا ثقافة مشوهة أو منقوصة أو عرجاء.

* تؤكد في الكتاب أن تجربة فاروق حسنى الذي شغل منصب وزير الثقافة بالبلاد لفترة قياسية من 1988 حتى 2011 ركزت على الحجر دون البشر، من حيث بناء قصور ومتاحف لم يدخلها أحد سوى العاملين بها. لكن البعض قد يرى في هذا التوصيف اختزالاً مخلاً وشيئاً من التحامل وعدم الإنصاف؟

- بالتأكيد سيرى كل من استفادوا من تلك الفترة عكس ما أرى، فقد أنشأ هذا الوزير عشرات القصور والمتاحف، وأقام عشرات المؤتمرات والجوائز، إلا أن الأمور لا تقاس بالعدد، ولكن بوصول الخدمة إلى مستحقيها، وكانت النتيجة النهائية أن الثقافة حُبست داخل القصور والمتاحف، وتُرك الشارع للجماعات المتطرفة، مما يدلنا على أن الهدف الأساس لهذا الإنفاق لم يكن توصيل الثقافة إلى النجوع والقرى، أو ربط المثقف بالشارع، وخلق مثقف مستقل يمكن اعتباره مرجعية يعود إليها الناس حين تختلط عليهم الأمور، ولكن لتدجين المثقف، وجعله قطعة «أنتيكات» في أروقة هذه القصور والمتاحف.

* في المقابل، ترى أن مشروع د. ثروت عكاشة، مؤسس وزارة الثقافة في مصر، ارتكز على الذهاب إلى القرى والأطراف النائية بهدف تنوير وتثقيف الجماهير... لكن ماذا عن مطاردة واعتقال المثقفين في حقبة الستينات؟

- هذا جزء من خطيئة ارتباط خطة الثقافة بتوجهات ورغبات النظام وليس بما يفيد الدولة ومواطنيها بشكل عام، بغض النظر عمن يحكم وعن توجهاته ورغباته. كان النظام في هذا التوقيت على خلاف، إن لم يكن عداءً مع الشيوعيين، وكان كثير من المثقفين ينتمون إلى الفكر الشيوعي، ومن ثم دخل أغلبهم السجون، لكن بعيداً عن الدفاع عن نظام بعينه، من الإنصاف القول إن من دخلوا السجن لم تُقطع أرزاقهم، وبعضهم كان يدخل السجن ويخرج منه إلى رئاسة تحرير مؤسسة قومية مثل «الأخبار». وفي ذلك العصر، انتقلت الثقافة بقوة من العاصمة إلى النجوع والقرى، وتم البحث عن الموهوبين وتقديمهم، عشرات الفرق الفنية ظهرت وأتت من هذه القرى، ومئات المثقفين ذهبوا وخالطوا أبناء النجوع والأرياف لتعليمهم وتثقيفهم وتنويرهم.

* تستنكر تهميش المثقفين حتى يتركوا الساحة خاوية أمام جماعات التشدد الديني في حقب سابقة من التاريخ المصري، ما السبب في ذلك وما المطلوب حتى لا يتكرر؟

- المطلوب أن نتعامل مع الثقافة بمعناها العام كما يراها علماء الاجتماع، فالثقافة ليست رعاية الآداب والفنون، فهذا دور يمكن أن تقوم به مؤسسة مثل «المجلس الأعلى للثقافة»، وكان يقوم به في بداية الخمسينات بالفعل، قبيل إنشاء وزارة الثقافة والإرشاد القومي. فعلماء الاجتماع يرون الثقافة الكل الجامع، أي أنها كل شيء في المجتمع، وبالتحديد كل شيء يخص الفكر والوعي والسلوك، وهذه الجوانب يصعب أن تنهض بها وزارة الثقافة وحدها، ولابد من وجود ما سمّيته بـ«المجموعة الثقافية»، والمكونة من وزارات الثقافة والتعليم والإعلام والجامعات والأوقاف والأزهر والكنيسة، أي كل المؤسسات التي تسهم في بناء وعي وفكر المواطن.

* روايتك الأخيرة «نادي المحبين» تنطوى على تجربة سردية وجمالية شديدة الخصوصية، لكنها لم تأخذ حقها نقدياً أو إعلامياً... ما السبب؟

- يمكن ربط ذلك بما حاولت الحديث عنه أو مواجهته في «تحولات الثقافة»، فواحد من التحولات التي نعيشها الآن هو أننا نعيش في عصر الجماهير الغفيرة، أي أن الجمهور هو الذي يقود وليس النخب، وهذا يعني انتشار الشعبوية وربما الغوغائية في كل مناحي الحياة ومختلف الفنون، نظراً لأن الجمهور هو الذي يحدد ما يُكتب وما لا يُكتب. ومن ثم سادت اختيارات مثل أغاني المهرجانات المبتذلة وروايات «البيست سيلر» أو الأكثر مبيعاً التي اجتاحت كل شيء.

* هل تسبب طبيعة موضوعات رواياتك بجرأتها وعدم تقليديتها أزمات أو خلافات بينك وبين الناشرين؟

- أكاد أكون بلا ناشر محدد، نظراً لأن كل عمل لدي لا أعرف من الذي سيقبل بنشره، وبات من الطبيعي أن يرفضني الناشرون، وصرت أراهن على دور النشر الصغيرة التي يمكنها أن تقبل بي أكثر من دور النشر الكبيرة التي تبحث عن الأكثر مبيعاً بصرف النظر عن مضمون العمل وجديته.

* للتاريخ حضور طاغ في أعمالك... هل هو مجرد خلفية لفكرة راهنة أم أنك تطمح فعلاً لإعادة تفسير الماضي؟

- أنا خريج علم اجتماع، ولدى محبة شديدة لعلم التاريخ والأنثربولوجيا، وربما هذا الثالوث هو ما يسيطر على مخيلتي طيلة الوقت، فالقضايا المجتمعية الراهنة هي ما يثير الفكرة لدي، ما يستدعي محاولة رؤية جذورها تاريخياً، لمعرفة كيف نشأت وكيف وصلت لما هي عليه الآن. ومن ثم فالتاريخ لدي بمثابة العقل الباطن للجماعة البشرية، ولمعرفة حقيقة أي أزمة فلابد من التفتيش في العقل الباطن. وقد ساعدتني الأنثربولوجيا على نسج أساطيري الخاصة في مجمل أعمالي.

* حين يُسأل الشعراء عن سبب تحولهم لكتابة الرواية يقدمون عادة إجابات مراوغة لكنك تمتلك شجاعة الاعتراف بأنك فعلت ذلك «حتى لا تُستبعد من المشهد»، كيف ترى إذن موقف الشعراء الذين رفضوا غواية الرواية بأضوائها وجوائزها وصخبها؟

- لا أرى أن هناك شرفاً كبيراً في الالتزام بالشعر أو بفن محدد، هذا من قبيل الأفكار البدائية، وضد ما بعد الحداثة ورؤيتها عن التعدد، كما أنه لا يوجد عقد بين أي كاتب أو شاعر وبين الناس على أن يكتب فناً محدداً. وفي حقيقة الأمر أن الشعر فن صعب، ولكل شاعر طرحه الخاص، وهذا الطرح غالباً ما يقدمه في عمل أو اثنين، يكونان فارقين ويخصان فكرته الجديدة، وما يتلوهما ليس أكثر من تنويعات أو اجترار، وربما يكون مجرد تمهيد لمجيء فكرته. الذين يعون هذه الحقيقة يدركون أنهم قدموا طرحهم ورؤيتهم من خلال هذين العملين، وعليهم، إذا كان لديهم ما يشغلهم، أن يطرقوا أبواباً وفنوناً أخرى، أو أن يتوقفوا في هدوء، فكتابة الشعر ليست وظيفة، ولا شرف يستدعي ضرورة الكتابة فيها إذا قدم الشاعر طرحه.

الجوائز همشت دور الناقد وعممت الشعبوية والأدب الجاهز وخلقت صائدي جوائز أكثر مما خلقت من مبدعين

*ألهذا السبب هجرت الشعر نهائياً ولم تعد إليه طوال ما يربو على 10 سنوات؟

- هجرت الشعر لأنني تعبت من الاستبعاد، فالشعراء كانوا يستبعدونني من قوائمهم ويعدونني روائياً، والروائيون يستبعدونني من قوائمهم ويعدونني شاعراً، وكان لابد أن أثبّت قدمي بشكل راسخ في مكان محدد كي أعلن عن نفسي بشكل لا لبس فيه، والآن أقول لكِ إنه لا يوجد عقد بيني وبين أحد على كتابة نوع محدد من الفن، فضلاً عن شعوري بأنني قدمت طرحي الخاص بكتابة الشعر، وأن أي كتابة جديدة كانت ستكون تنويعاً على ما سبق.

* كيف انعكست خلفيتك كشاعر على ما تنجزه من تجارب روائية؟

- ساعدني الشعر على نعومة اللغة وإطلاق الخيال، فأنا لا أفكر وأنا أكتب، ولكنني أترك نفسي على الورق، وهذه فضيلة شعرية وليست روائية.

* أخيراً، كيف ترى المشهد الأدبي عربياً بشكل عام؟

- أراه مشهداً ثرياً للغاية، لكن المشكلة أن الانتخاب لا يكون لصالح الأقوى أو الأفضل، ولكن لصالح الشعبوي والأضعف، أو ما يشابه أفكار الجماهير ولا يثيرها للتفكير. المشكلة أيضاً أن الجوائز الأدبية لم تزد المشهد الإبداعي في العالم العربي إلا إحباطاً وصراعاً وربما قتلاً، فالكل أصبح يفكر في الشهرة والمال، وليس في القيمة الأدبية. للأسف الجوائز همشت دور الناقد، وعممت الشعبوية والأدب الجاهز، وخلقت صائدي جوائز أكثر مما خلقت من مبدعين.


سلفادور أليندي... هل اغتيل؟ هل مات وهو يقاتل أم اختار الموت؟

غلاف الرواية
غلاف الرواية
TT

سلفادور أليندي... هل اغتيل؟ هل مات وهو يقاتل أم اختار الموت؟

غلاف الرواية
غلاف الرواية

في 11 سبتمبر (أيلول) 1973، توفي رئيس تشيلي سلفادور أليندي داخل القصر الوطني في سانتياغو خلال انقلاب عسكري مدعوم من الولايات المتحدة بقيادة الجنرال أوغوستو بينوشيه. بعد ذلك، أعلن الجيش التشيلي أن الانتحار هو السبب الرسمي للوفاة، وهو ما لم يثق به العديد من التشيليين، إن لم يكن رفضوه رفضاً باتاً. لكن في عام 1990، وبعد 17 عاماً من الحكم الاستبدادي، الذي كان فيه أي تحدٍ لسلطة المجلس العسكري أمراً خطيراً، فقد بينوشيه السلطة، وسرعان ما أصبحت طبيعة وفاة أليندي مسألة عامة.

هل اغتيل؟ هل مات وهو يقاتل، أو اختار الموت بدلاً من القبض عليه؟ هذا هو اللغز الذي يغذي رواية «مُتحف الانتحار»، وهي رواية جديدة للمؤلف والكاتب المسرحي والناشط التشيلي الأميركي آرييل دورفمان. تدور الأحداث بصفة رئيسية عام 1990، خلال الأشهر المثيرة والمضطربة التي تلت رحيل بينوشيه، عندما شرعت تشيلي في إعادة بناء ديمقراطيتها في حين لا تزال «تزخر بالمجرمين والمتواطئين والمتعاونين». يعود آرييل دورفمان إلى سانتياغو بعد سنوات من حياته «رجلاً بلا وطن»، حالماً باستئناف حياته القديمة قبل الانقلاب. لكنه لديه أيضاً مهمة سرية.

في عام 1983، أثناء عمله ضد بينوشيه من الولايات المتحدة، التقى آرييل بملياردير غريب الأطوار اسمه جوزيف هورتا. (ولتبسيط الأمر، سوف أشير إلى المؤلف باسم دورفمان، والشخصية باسم آرييل). ويُفتن هورتا، الناجي من الهولوكوست الهولندي ورائد صناعة البلاستيك، بشخصية أليندي وما كان يمثله: الطريق التشيلي إلى الاشتراكية، أو «الاشتراكية عبر الوسائل الانتخابية السلمية». ويقول لآرييل إنه بعد انتحار زوجته في أواخر الستينات، لم يمنعه من الموت بالطريقة نفسها سوى النصر الرئاسي الملهم الذي حققه أليندي. يعرض هورتا أن يدفع لآرييل مبلغاً كبيراً من المال ليعود إلى تشيلي ويكتشف «بكل تأكيد ما إذا كان سلفادور أليندي قد قتل نفسه من عدمه. وسواء كانت حياته مأساوية أو ملحمية».

بالنسبة لآرييل، فإن مجرد التفكير في احتمال وفاة أليندي منتحراً ليس بالأمر الهين. وكان مثل مبدعه، عضواً في حكومة أليندي؛ وهو يوقر الرئيس السابق بقدر ما يوقره هورتا. وهو مرتبط بسرد ملحمي سقط فيه أليندي أثناء القتال؛ وأي نظرية بديلة تعد «تدنيساً لموضع مقدس خارج حدود التصور».

لكن آرييل يدرك أيضاً أن الحقيقة لها قيمة متأصلة - وإلى جانب ذلك، فهو كاتب مفلس، ويحتاج للمال. وغالباً ما يزاوج دورفمان بين العميق والزهيد بهذه الطريقة، حيث يمزج على سبيل المثال بين ذكريات آرييل المؤلمة وآماله بمستقبل تشيلي وبين مظالمه إزاء عدم حصوله على ترحيب كافٍ من النخبة اليسارية في الوطن. وكثيراً ما يجمع المؤلف أيضاً بين الحدة العاطفية والعبث، لا سيما في شخص هورتا.

فصاحب الإحسان على آرييل، على عكس العديد من أصحاب المليارات في الخيال الأدبي (ناهيكم عن الحياة الواقعية)، ليس خبيثاً. ولكنه ارتكب أخطاء جسيمة: فقد صار ثريّاَ من تطوير البلاستيك الذي يلوث الأرض الآن. وهو يشعر بالذنب الشديد إزاء ذلك، ويحلم بالتعويض عن هذا الأمر عبر بناء مُتحف للانتحار يضم بطله أليندي، وهو أمر مقنع بالدرجة الكافية لوقف الوفيات الفردية و«الانتحار الجماعي» الناتج عن أزمة المناخ المطلقة.

يعتقد آرييل أنها فكرة سخيفة - هي سخيفة فعلاً - لكنه معجب بهورتا. حقاً، إنه يرى نفسه فيه. كلا الرجلين يهوديان، صارا بلا جنسية أغلب حياتهما بسبب عنف الدولة، وكلاهما يتطلع إلى أليندي، وكلاهما يحمل أعباء مروعة من الذنب. كان من المفترض أن ينام آرييل، مثل مبدعه مرة أخرى، في القصر في الليلة السابقة على الانقلاب؛ وقد أصبح الوضع السياسي هشاً بدرجة كافية بحيث نظّم مستشارو أليندي مناوبة في حالات الطوارئ. لكنه تبادل المناوبات مع صديق قديم، كلاوديو جيمينو، الذي قاتل إلى جانب أليندي في يوم الانقلاب، واحتُجز سجيناً وعُذب ثم اختفى. لم يُعثر على جثته بعد، وفي «مُتحف الانتحار»، يثقل ذلك الأمر كاهل آرييل بشدة، لدرجة أنه لا يستطيع أن ينطق باسم جيمينو.

هورتا وآرييل ليسا الوحيدين من أنصار أليندي في الرواية. فالشخصيات تظهر باستمرار للتكلم لثلاث أو أربع صفحات عن كونهم «مدينين لأليندي بكل شيء»، من بيوتهم إلى صحتهم إلى أولادهم، الذين نشأوا أقوياء «بسبب نصف لتر الحليب الذي كان يوزعه أليندي على كل تلميذ كل يوم في المدرسة». في أحد المشاهد، زار آرييل وابنه خواكين قبر الرئيس السابق، حيث ترك عدد لا يحصى من التشيليين رسائل حب وامتنان ودعاء، وكأن القبر تحول إلى حائط المبكى.

لكن دورفمان لا يهتم بمجرد امتداح ذكرى أليندي. في مبتدأ الرواية، يقول آرييل لهورتا إنه لن يكتب عن الرئيس السابق خوفاً من أن الإعجاب به يجعله يكتب «كتاباً كسولاً، مليئاً بالأساطير وإنما من دون تجاوزات». ورواية «مُتحف الانتحار» لا تنتهك ذكرى أليندي، متجاوزة سطراً أو اثنين حول ميله لخيانة زوجته - لكن ذلك بسبب أنه في الواقع ليس كتاباً عن أليندي. لا يعبأ دورفمان بالكتابة عن بطله أكثر من إنشاء صورة لعبادة البطل، التي تستحيل تدريجياً إلى سبر مُعقد للذنب والحزن.

يقول لآرييل إنه بعد انتحار زوجته في أواخر الستينات لم يمنعه من الموت بالطريقة نفسها سوى النصر الرئاسي الملهم الذي حققه أليندي

في الولايات المتحدة، تُقرأ أعمال دورفمان بشكل عام جنباً إلى جنب مع كُتاب آخرين باللغة الإسبانية (يكتب باللغتين الإنجليزية والإسبانية ويترجم أعماله الخاصة بينهما). ولكن رواية «مُتحف الانتحار» تبدو أكثر استفزازاً لفيليب روث. فنثرها القصصي يتسم بالبراعة والثقة، ويبني الزخم من كثافة أفكارها. النقاشات طويلة؛ وأحاديث آرييل أطول. وكما يحدث في كثير من الأحيان في عمل روث، فإن الحياة الفكرية للراوي تُزاحم الحبكة الروائية على نحو فعال، برغم من أنها مُعقدة وبالغة في حدتها العاطفية.

تُنذر رواية «مُتحف الانتحار» بوقوع المزيد من الأحداث أكثر مما تضمه دفتاها؛ فأزمة المناخ التي تمر عبرها متخلفة وسهلة الانحلال. ومع ذلك، فإن وجودها يتواءم بشكل جيد مع أمل آرييل العنيد. وهو يحاول جاهداً الوصول إلى الحقيقة - برغم أن الأمر سوف يستغرق عقوداً قبل أن يستنتج خبراء الطب الشرعي، في عام 2011، أن أليندي أطلق النار على نفسه ببندقية هجومية. بحث آرييل المتواصل ينقله إلى جميع أنحاء العالم، ومن خلال جهوده، يواجه حزنه على آليندي، وعلى جيمينو، وعلى تشيلي التي خسرها. والواقع أن مشاهدته وهو يفعل ذلك تعكس تأثيراً عميقاً، وهو يذكرنا بأن الشجاعة، إن لم تكن البطولة، من الممكن أن تحدث على أي مستوى.

- خدمة «نيويورك تايمز»


«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي

«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي
TT

«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي

«الشارقة الثقافية»: قصر إشبيلية والتفاعل الثقافي

صدر أخيراً العدد 84 لشهر أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة «الشارقة الثقافية»، التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة. تناولت الافتتاحية اهتمام المستشرقين بثقافة الشرق العربي، مسلطة الضوء على منجزات ومكتسبات الثقافة العربية. وكتب مدير التحرير نواف يونس مقالاً بعنوان «غورنيكا... مرة أخرى» متحدثاً فيه عن أحداث ومأساة قرية الغورنيكا الإسبانية، التي رسمها بيكاسو في لوحته الشهيرة وانعكاسها على الواقع المعيش، ويضيف: «مزجت الألوان ببعضها بعضاً، وانتظرت اللحظة الأخيرة لأضع الفرشاة في المكان المناسب».

وفي تفاصيل العدد، يتابع يقظان مصطفى استعراض إسهامات العرب العلمية، مشيراً إلى أنّ ابن ملكا البغدادي سبق غاليليو ونيوتن باكتشافاته، ويكتب وليد رمضان عن كبير الاستشراق الألماني تيودور نولدكه، الذي أسهم في الكتابة عن العرب وتاريخهم، ويبيّن خوسيه ميغيل بويرتا دور قصر إشبيلية في التعبير عن الفن المدجن والتفاعل الثقافي العربي الإسباني، فيما يسلط هشام عدرة الضوء على تاريخ مدينة سلمية السورية، التي تعدّ منتجعاً سياحياً تراثياً وتتميز بالشعر والثقافة.

في باب «أدب وأدباء»، تتناول د. مها بنسعيد كتاب «عتبات السرديات ومناصاتها»، وهو عمل نقدي متكامل للناقد والباحث سعيد يقطين، ويتوقف حاتم عبد الهادي عند رحيل الشاعر كريم العراقي، وتكتب غيثاء رفعت عن عزيز نيسين الذي يعدّ أحد أعلام الأدب الساخر عالمياً قي القرن العشرين، ويقدم مصطفى أحمد قنبر مداخلة حول ديوان «ليالي الملاح التائه» للشاعر علي محمود طه حيث «الإبحار في غواية المكان»، ويحاور ممدوح عبد الستار الروائي هيثم حسين، ويتناول محمد حسين طلبي المجموعة القصصية الأخيرة «شمس الضفاف البعيدة»، للأديب ناصر جبران، وتجري سريعة سليم حديد مقابلة مع الأديبة سناء شعلان، التي وثقت البعد الثقافي والفكري عند الهنود المسلمين.

ومن الموضوعات الأخرى، يكتب صابر خليل عن الدكتور محمد طه الحاجري، ويتناول هيثم الخواجة القيم الجمالية في «قصص وحكايات» لجمال قاسم السلومي وفضاءات أدب الطفل، بينما تحاور د. أماني محمد ناصر الكاتبة عائشة سلطان، ويقرأ حاتم السروي سيرة الأسرة التيمورية، التي «تضم قامات أدبية رائدة، وتتميز بمنظومة أخلاقية إنسانية مبدعة»، وتتوقف رويدا محمد عند تجربة الشاعر التونسي جعفر ماجد أمان، وغيرها من الموضوعات.

ونقرأ في باب «فن. وتر. ريشة» الموضوعات الآتية: «هدى العمر تمزج بين الكلمة واللون» لمحمد ياسر منصور، و«أحمد عبدالعال... أحد أبرز فناني السودان» لأديب مخزوم، ورواية «الشيخ الأبيض» على خشبة المسرح قدمتها فرقة صلالة للفنون في عُمان لعبد العليم حريص، و«عزيز خيون اتخذ المسرح خياراً حياتياً» للدكتور عزيز بعزي، و«سكورسيزي... يستمر في التألق سينمائياً» لأسامة عسل، و«فيلم (المدرّسة) للمخرج جان هريبجيك» لمحمود الغيطاني، وحواراً مع فاطمة الجبيع، أجراه عبد الرحيم الشافعي.

ويحتوي العدد على مجموعة من القصص القصيرة، والترجمات لمجموعة من الأدباء العرب، وهي: خالد ماضي (نسخة أخيرة) قصة، (نسخة أخيرة – سعادة الإصدار الأول) نقد بقلم د. سمر روحي الفيصل، وليد الزيادي (لحظات حرجة) قصة قصيرة، مجدي محفوظ (أوراق صفراء) قصة قصيرة، عواطف بركات (يوماً ما كان العالم مثالياً) قصيدة مترجمة، إضافة إلى تراثيات عبد الرزاق إسماعيل، و(أدبيات) فواز الشعار، التي تضمنت جماليات اللغة وفقه اللغة.


الموت يغيّب الروائي كمال رحيم «مُنصف» يهود مصر

رحيم (حسابه على فيسبوك)
رحيم (حسابه على فيسبوك)
TT

الموت يغيّب الروائي كمال رحيم «مُنصف» يهود مصر

رحيم (حسابه على فيسبوك)
رحيم (حسابه على فيسبوك)

غيّب الموت الأديب المصري كمال رحيم عن عمر ناهز 76 عاماً بعد صراع مع المرض، وقبل أن يتسلم النسخ الأولى من أحدث إصداراته الروائية التي حملت عنوان «وكسة الشاويش» وطرحت «دار الشروق» غلافها قبل أيام. وتعد «ثلاثية اليهود» أشهر مؤلفات الكاتب الراحل، وتتكون من «المسلم اليهودي»، و«أيام الشتات» و«أحلام العودة»، وهي ترصد بعض ملامح حياة اليهود المصريين اجتماعياً ونفسياً ووطنياً في القرن العشرين، كما تلقي الضوء على ثراء وتعدد النسيج الاجتماعي للبلاد في حقب تاريخية سابقة.

ونعت الناشرة د. فاطمة البودي، مدير عام دار «العين»، الراحل الذي وصفته بـ«الرجل الفاضل والأب الحنون والمبدع الكبير والصديق القيم»، مضيفة على صفحتها بموقع «فيسبوك»: «أعزي نفسه وأسرته وقراءه على امتداد خريطة الوطن العربي».

وحصل رحيم على العديد من الجوائز مثل جائزة «نادي القصة» أربع مرات؛ عن مجمل تجربته في القصة القصيرة، وجائزة الدولة «التشجيعية» في الأدب عام 2005، وجائزة «اتحاد الكُتاب» في الرواية سنة 2021، ثم جائزة الدولة «التقديرية» في الآداب 2022 عن مُجمل أعماله.

الأديب المصري الراحل كمال رحيم (حسابه على فيسبوك)

ومن بين الألقاب التي اشتهر بها الراحل «صوت القرية»، و«أديب بدرجة لواء شرطة»، حيث عمل بسلك الشرطة منذ تخرجه وتدرج في مناصبه حتى بلغ رتبة لواء وعمل مديراً لـ«الإنتربول» المصري بباريس.

وقال الناقد الأدبي سيد محمود لـ«الشرق الأوسط»، إن «خصوصية تجربة كمال رحيم تكمن في تركيزه على الكتابة المنتظمة في سن متأخرة نسبياً، وبعد تقاعده، حيث امتلك شجاعة نادرة في تناول شأن بالغ الحساسية، وهو الملابسات التي رافقت خروج اليهود من مصر بعد حرب 1956 وقيام دولة إسرائيل والمد القومي الذي رافق وصول الضباط الأحرار إلى سدة الحكم».

وأضاف: «أعماله تميزت بأنها أنصفت يهود مصر، ورفضت التشكيك المجاني في دوافعهم الوطنية، ونقلت القضية إلى فضاء إنساني بالغ الرهافة وبلغة بسيطة خالية من أي ادعاءات فنية وعبر سردية ناعمة».

غلاف «أيام الشتات» (حساب الراحل على فيسبوك)

ويؤكد الناقد الأدبي د. محمد سليم شوشة، أن أعمال كمال رحيم «تعبر عن صوت المهمشين والبسطاء، وتتميز بتركيزها على الدراما الإنسانية في حياة البشر، كما في روايتيّ (قهوة حبشي) و(دكاكين تغلق أبوابها)»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الراحل «واحد من أهم الروائيين المصريين وصاحب مشروع إبداعي ضخم وكان غزير الإنتاج وله مساحته الخاصة في السرد، ونقّب في حقب تاريخية ثرية وطبقات اجتماعية كان هو الوحيد القادر على كشف أبعادها».


رحيل إبراهيم غلوم... الناقد والأكاديمي «النزيه»

الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم
الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم
TT

رحيل إبراهيم غلوم... الناقد والأكاديمي «النزيه»

الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم
الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم

فقدت الساحة الثقافية في البحرين، والخليج عموماً، الناقد والكاتب والأديب والأكاديمي البحريني الدكتور إبراهيم غلوم، الذي رحل بعد معاناة طويلة مع المرض، عن عمرٍ يناهز 71 سنة.

اشتغل إبراهيم غلوم بالكتابة منذ مرحلة مبكرة من حياته، ونشر منذ سبعينات القرن الماضي عدداً من الدراسات في نقد القصة القصيرة والمسرح والرواية والتراث والدراسات الثقافية والفكرية. وهو حاصل على دكتوراه دولية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة التونسية سنة 1983، وكان عميداً لكلية الآداب بجامعة البحرين سابقاً، ورئيس ومؤسس قسم اللغة العربية بالجامعة، وعمل أستاذ النقد الحديث في جامعة البحرين، وأستاذاً زائراً لأدب الخليج والجزيرة العربية، بجامعة الكويت، 1986، وهو عضو أسرة الأدباء والكُتاب، ورأَس مجلس إدارتها لعدة دورات، وعضو «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، بالبحرين، وعضو مجلس أمناء مجلس «جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري».

وأسّس الفقيد عدداً من المسارح وجمعيات ثقافية واتحادات محلية وعربية، ورأس تحرير عدد من المجلات الفكرية والثقافية، وحصل على وسام الكفاءة من الدرجة الأولى 2012 من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وعلى قلادة تكريم المبدعين في دول «مجلس التعاون» في العام نفسه، كما حصل على «جائزة البحرين للكتاب» في النقد الحديث.

ونعت «هيئة البحرين للثقافة والآثار»، في البحرين، الفقيد الدكتور إبراهيم غلوم، حيث أكدت أن الحراك الأدبي في البحرين «فقَد برحيل الدكتور غلوم قامة أدبية»، مؤكدة أن الدكتور إبراهيم غلوم «ترك إسهامات ونتاجات أغْنت المكتبة العربية بكثير من الدراسات والقصص والكتابات التي ستبقى مرجعاً لكل الباحثين والكُتّاب والأدباء».

وقد نعاه الوسط الثقافي الخليجي، فكتب الدكتور طالب الرفاعي، عبر منصة «إكس»: «عظّم الله أجر البحرين بوفاة ولدها البارّ الدكتور إبراهيم غلوم... (وهو) مفكر خليجي اتخذ من الأدب طريقاً لحياته، وكان من أوائل من كتب عن فن القصة القصيرة والقصاصين في منطقة الخليج».

كذلك نعاه الدكتور عبد الله الغذامي، عبر «إكس»، قائلاً: «تغمّد الله الصديق الدكتور إبراهيم غلوم، والتعازي لزوجته العزيزة وعائلته الكريمة وللثقافة والمثقفين في البحرين، وللثقافة العربية والمؤسسة الأكاديمية، ولأجيال من تلاميذه والناهلين من علمه، عانى من المرض وصبر وصابر، جعله (الله) في كنف رضاه ورضوانه».

كما وصفه الشاعر العماني سيف الرحبي قائلاً: «الدكتور إبراهيم غلوم كان من الأصدقاء الطليعيين الأكثر نزاهةً وبُعداً عن الطائفية والشللية، كما كان يتّسم بعمقه الثقافي والفكري الشاسع والبعيد النظر».

وكتب الروائي والأكاديمي القطري، الدكتور أحمد عبد الملك: «فقدَت الساحةُ الثقافيةُ والفنيةُ العربيةُ والخليجية قامةً سامقةً برحيل الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله غلوم... رائد من رواد الثقافة والمسرح والتعليم الجامعي بالبحرين».


أمين معلوف أديب «بين بلدَين» كرّس مسيرته لمد الجسور بين الحضارات

 أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)
أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)
TT

أمين معلوف أديب «بين بلدَين» كرّس مسيرته لمد الجسور بين الحضارات

 أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)
أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)

يُعدّ الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف، الذي انتخب الخميس أميناً دائماً جديداً للأكاديمية الفرنسية، أحد رموز الرواية التاريخية المستلهمة من الشرق، وقد كرّس إنتاجه الأدبي طوال عقود للتقارب بين الحضارات.

وإثر انضمامه إلى الأكاديمية عام 2012، نقش معلوف على سيفه الخاص بأعضاء المؤسسة العريقة رمز «ماريان» (شعار الجمهورية الفرنسية) وأرزة لبنان.

ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، توجه جان كريستوف روفان، صديق معلوف وزميله في الأكاديمية ومنافسه في انتخابات الخميس على رئاسة المؤسسة العريقة، إلى معلوف تحت قبة الأكاديمية قائلاً: «كل أعمالك، كل أفكارك، كل شخصيتك، هي جسر بين عالمين... يحمل كل منهما نصيبه من الجرائم، ولكن أيضاً من القيم. هذه القيم هي التي تريد توحيدها».

وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك تحيي الكاتب أمين معلوف بانتخابه أميناً دائماً للأكاديمية الفرنسية في باريس (إ.ب.أ)

وكان أمين معلوف، الصحافي السابق المقيم في فرنسا منذ عام 1976، قد فاز بجائزة غونكور الأدبية المرموقة عام 1993 عن رواية «Le Rocher de Tanios» (صخرة طانيوس) التي تدور أحداثها في الجبال اللبنانية خلال طفولته.

ويزخر سجل الروائي المتميز بكتب حصدت نجاحاً كبيراً، بينها «Leon l'Africain» (ليون الأفريقي) عام 1986، و«Samarcande» (سمرقند) عام 1988، و«رحلة بالداسار» عام 2000، و«Nos freres inattendus» (إخوتنا الغرباء) سنة 2020.

أمين معلوف (74 عاماً) يعقد مؤتمراً صحافياً بعد انتخابه سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية في باريس (إ.ب.أ)

ومن مؤلفات معلوف «Les Croisades vues par les Arabes» (الحروب الصليبية كما رآها العرب) عام 1983، و«Les Echelles du Levant» (موانئ المشرق) سنة 1996، و«Les Identités meurtrières» (الهويات القاتلة) سنة 1998، و«Le Dérèglement du monde» (اختلال العالم) عام 2009، و«Un fauteuil sur la Seine» (مقعد على ضفاف السين) عام 2016، حيث يروي حياة الأكاديميين الـ18 الذين سبقوه إلى الكرسي التاسع والعشرين (رقم مقعده في الأكاديمية الفرنسية) منذ عام 1635.

أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)

كما كتب معلوف نصوصاً للأوبرا، خصوصاً للمؤلفة الفنلندية كايا سارياهو. وقد أُنجزت إحدى هذه القصص الأوبرالية، بعنوان «L'Amour de loin» (الحب عن بعد) في مهرجان سالزبورغ سنة 2000.

وتحتل موضوعات المنفى والترحال والاختلاط الثقافي والهوية، موقعاً مركزياً في منشوراته المكتوبة بالفرنسية بلغة عميقة لا تخلو من المتعة السردية.

ففي كتاب «Origines» (بدايات) سنة 2004، تحدّث معلوف عن شعوره بالالتزام تجاه أسلافه. وكتب أن المرء في بلده الأم يولد محباً للترحال ومتعدد اللغات. والعائلة هي التي تؤسس «الهوية الشتاتية» لأبناء جلدته الذين يتركون مثله لبنان ليشقوا طريقهم حول العالم.

الكاتب الفرنسي اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف في منزله في بورت جوانفيل غرب فرنسا في 1 أكتوبر 2021 (أ.ف.ب)

الحنين إلى «المشرق»

ولد أمين معلوف في بيروت في 25 فبراير (شباط) 1949، وهو ابن رشدي المعلوف، الصحافي والكاتب والمعلم والرسام والشاعر والشخصية اللامعة في العاصمة اللبنانية بين أربعينات القرن العشرين وثمانيناته.

وعلى خطى والده، خاض أمين معلوف غمار الصحافة بعد دراسات في الاقتصاد وعلم الاجتماع. ولمدة اثني عشر عاماً، عمل مراسلاً رئيسياً، وغطّى سقوط النظام الملكي في إثيوبيا ومعركة سايغون الأخيرة (في حرب فيتنام)، وتولى بعدها إدارة «النهار العربي والدولي».

وفي عام 1975، شهد الاشتباكات الأولى إثر اندلاع الحرب اللبنانية، قبل أن يقرر هذا المثقف الإنساني السفر إلى فرنسا.وقال أمين معلوف: «لقد غادرتُ لبنان بعد عام من الحرب، لكنني لا أشعر بالذنب لأنه، في مرحلة معينة، كان علي اتخاذ قرار المغادرة من أجلي ومن أجل عائلتي».

وفي باريس، انضم إلى مجلة «Jeune Afrique» («جون أفريك» أي «أفريقيا الشابة») الأسبوعية التي أصبح رئيس تحريرها.

أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)

على خطى أدباء لبنانيين ناطقين بالفرنسية من أمثال شارل قرم وناديا تويني وصلاح ستيتية، يكتب أمين معلوف بأسلوب يمزج بين القوة والسلاسة بنفحة شرقية. لكنه يقول: «إذا وجدوني في الغرب شرقياً، فإنهم في الشرق سيجدونني غربياً جداً!».

انتظر هذا الرجل المتحفظ المبتسم حتى عام 1993 ليستحضر لبنان في كتاب «صخرة طانيوس»، موضحاً: «لم أبتعد يوماً عن لبنان، بل بلدي هو الذي ابتعد عني».

وقال عند عودته إلى بلده الأم عام 1993 بعد غياب استمر عشر سنوات: «لا أحاول أن أعرف إلى أي بلد أنتمي، فأنا أعيش هذه الجنسية المزدوجة، اللبنانية والفرنسية، بطريقة متناغمة».

في كتاب «Les Désorientés» (التائهون) سنة 2012، استرجع معلوف بحنين سنوات دراسته الجامعية، مستذكراً مناخ التعايش في أرضه الأمّ «المشرق» قبل الحرب.

وبحسب قوله، فقد «اختفت نوعية التعايش التي كانت موجودة بين المجتمعات المختلفة وما كان ينبغي أن تختفي أبداً، بل كان يجب أن تكون نذيراً للمستقبل، وهي اليوم تنتمي إلى الماضي».

ويوزع أمين معلوف، وهو أب لثلاثة أبناء، إقامته بين باريس وجزيرة يو في منطقة فانديه الفرنسية. وهو عمّ عازف الترومبيت إبراهيم معلوف.


الكاتب والروائي من أصل لبناني أمين معلوف سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية

الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)
الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)
TT

الكاتب والروائي من أصل لبناني أمين معلوف سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية

الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)
الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)

انتُخب الكاتب الفرنسي من أصل لبناني أمين معلوف سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية، الخميس 28 سبتمبر (أيلول)، ليخلف هيلين كارير دانكوس التي توفيت في 5 أغسطس (آب)، وذلك في اقتراع جرى بعد ظهر الخميس، حسبما أفادت صحيفة «لوموند» الفرنسية.

وأمين معلوف (74 عاماً) كاتب فرنسي من أصل لبناني، حائز جائزة غونكور عام 1993 عن روايته «Le Rocher de Tanios» (صخرة طانيوس)، وكان مرشحاً معلناً منذ فترة. وهو أحد وجوه الروايات التاريخية المُستلهمة من الشرق، وركز في أعماله على مسألة تقارب الحضارات، وفق قناة «فرنس 24».

وكان معلوف الوحيد في السباق لتولي المنصب حتى أعلن «صديقه» جان كريستوف روفين، ترشحه يوم الاثنين 25 سبتمبر. ومع ذلك، ظل هو الأوفر حظاً في التصويت، إذ فاز به بأغلبية 24 صوتاً مقابل 8.

الكاتب الفرنسي - اللبناني أمين معلوف عندما انتُخب عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية في 14 يونيو 2012 بـ«معهد فرنسا» (أ.ف.ب)

وكتبت «لوموند» أن قصة أمين معلوف، مثل أعماله، تجعل منه رجلاً عابراً للحدود. مصمِّم على «تقويض» و«هدم» ما سمّاه، في خطاب الاستقبال الذي ألقاه في الأكاديمية الفرنسية عام 2011، «جدار الكراهية: بين الأوروبيين والأفارقة... بين الغرب والإسلام... بين اليهود والعرب». أول لبناني في هذا المنصب، أسَّس نفسه منذ نشر مقالته الأولى «الحروب الصليبية التي يراها العرب» عام 1983 حيث ظهر كاتباً قادراً على بناء الجسور بين الثقافات والانتماءات. وهو لا يكره شيئاً بقدر ما يكره «توترات الهوية» والنزعة الطائفية.

وُلد معلوف في لبنان عام 1949 لأم كاثوليكية من الأقلية الملكية اليونانية وأب بروتستانتي، حفيد تركي متزوج من مصرية مارونية، نشأ باللغة العربية، وتحدث الإنجليزية في المنزل، وتلقى تعليمه في المدرسة اليسوعية الفرنسية. وفي سن الثانية والعشرين، أصبح صحافياً مثل والده، وقام بتغطية الأيام الأخيرة من حرب فيتنام، وسقوط النظام الملكي الإثيوبي، والثورة الإيرانية. شغوف بـ«الطريقة التي يسير بها العالم»، ولم يكن يرغب في العيش في بلد في حالة حرب أو المشاركة بنشاط في الدفاع عن طرف في النزاع، فانتقل إلى فرنسا عام 1976 بعد اندلاع الحرب الأهلية في بيروت عام 1975.